بنكيران: واشنطن ستتخلى عن مساندة إسرائيل في هذه الحالة !!
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
أخبارنا المغربية ــ الرباط
قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، يوم أمس الأحد، إن "تخلي واشنطن عن إسرائيل مرتبط بارتفاع كلفة مساندتها بشكل كبير".
وقال بنكيران خلال مهرجان تضامني مع فلسطين بالرباط: "عندما تشعر الإدارة الأمريكية أن ثمن مساندة إسرائيل مكلف ستتخلى عنها"، مؤكدا "ضرورة إيجاد حل للوصول إلى دولة فلسطينية".
وأضاف: "الحل سيكون سياسيا أو عسكريا، وهو يتمثل في دولة فلسطينية".
ولفت إلى أن "إسرائيل لن تنفعها القوة ولن تدوم لها، ولن تدوم أيضا للولايات المتحدة الأمريكية"، على اعتبار أنها "لم تدم لأي إمبراطورية".
واعتبر أن "إسرائيل تعتقد أنها ستحل المشكل مع حماس ومع غزة، ولكن ماذا ستفعل بباقي الدول العربية والإسلامية الأخرى التي تندد بهذا العدوان؟".
وتابع: "لو فتح المجال للشعوب العربية، سيذهبون للمشاركة في تحرير فلسطين".
وشهدت مدينة الرباط يوم أمس, تنظيم مهرجان تضامني مع فلسطين تحت شعار: "كلنا مع غزة: أوقفوا العدوان..ارفعوا الحصار"، بدعوة من حزب العدالة والتنمية، ومشاركة قيادات حزبية أخرى.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
إسرائيل: من كامب ديفيد إلى وإنا فوقهم قاهرون (1-2)
مع أن إسرائيل تأسست على القتل والتهجير، إلا أنها لم تكن عبر مراحل وجودها قبل 77 سنة بهذا القدر من الإجرام المنظم والعشوائي، والاستعلاء والغطرسة والعربدة.
صحيح أن ثمة عوامل ساعدت على كشف وجهها القبيح والإجرامي، خاصة التخاذل والخنوع العربي، والدعم الغربي خاصة الأمريكي المطلق لما تقترفه من جرائم، ولكن هناك تغيرا بنيويا طرأ على نمط التفكير الجمعي فيها وإن تمثل أساسا بقيادتها وحكومتها وأذرعها المختلفة المنفلتة من كل عقال.
اختزال ليس في محله
يطفو على السطح تفسير لهذا الانفلات المتوحش المجرم؛ ويتلخص بأن بنيامين نتنياهو يريد الحفاظ على ائتلافه الحكومي المستند إلى تيار الصهيونية الدينية المتطرفة خاصة بن غفير وسموتريتش. ومن جهة أخرى، يريد "بيبي" كسب الوقت للتهرب من محاكمته بتهم فساد تلاحقه منذ سنوات.
ومع أن هذا التفسير له وجاهة، ولكن لا أرى وجاهة باختزال المشهد المصبوغ بدم الأطفال والنساء في غزة المدمرة، والعربدة التي تطال كل المحيط العربي وما بعده، بما في ذلك دول عربية تربطها بالكيان معاهدات واتفاقيات، بل إن هذه الدول واضح تقصيرها حتى التواطؤ تجاه المقتلة البشعة في غزة، لا أرى وجاهة في اختزال هذا بحسابات شخصية تتعلق بنتنياهو.
اختزال الوضع الحالي بصراعات سياسية داخلية وألاعيب بعض المسئولين وعلى رأسهم نتنياهو، فيه تجاهل أو غفلة عن حقيقة التغير المفصلي العميق في طبيعة التوجهات الإسرائيلية، والتي يبدو أنها في العمق قبل السطح، وفي المجتمع قبل المؤسسات المختلفة سياسية كانت أو عسكرية
وقد شهدنا حالات كانت فيها إسرائيل بعد أحداث كبيرة ومهمة تخلع وتطيح برؤساء حكومات ووزراء وقادة من المؤسسة العسكرية والأمنية وتخرجهم تماما (مناحيم بيغين مثلا) أو مؤقتا (شارون مثلا) من الحياة السياسية.
فما الذي يجري الآن؟ وإذا دققنا النظر أكثر نرى أن نفوذ التيارات المتطرفة وطغيان رؤيتها على سلوك إسرائيل ومؤسساتها، هو في الحقيقة تمظهر أو تعبير صريح عن تغير في البنية الاجتماعية وبالتالي السياسية التي حددت معالم سلوك الكيان العبري خلال عقود.
وعليه، فإن اختزال الوضع الحالي بصراعات سياسية داخلية وألاعيب بعض المسئولين وعلى رأسهم نتنياهو، فيه تجاهل أو غفلة عن حقيقة التغير المفصلي العميق في طبيعة التوجهات الإسرائيلية، والتي يبدو أنها في العمق قبل السطح، وفي المجتمع قبل المؤسسات المختلفة سياسية كانت أو عسكرية.
ولا ننسى أن نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وغيرهم لا يقودون إسرائيل بعد تنفيذ انقلاب عسكري، وقد جاءت بهم انتخابات مكررة متقاربة خلال السنوات الأخيرة!
الهيمنة المطلقة بدل الاتفاقيات
وقد شهدت العلاقات العربية- الإسرائيلية مراحل مختلفة، على الأقل فيما هو ظاهر ومعلن ابتداء برفض وجود إسرائيل نهائيا، وخوض حروب -بغض النظر عن تقييمنا لها- معها، ومقاطعتها سياسيا واقتصاديا وإعلاميا.. ومقاطعة كثير ممن يتعامل معها، وصولا إلى القبول بوجودها على ثلثي مساحة فلسطين الانتدابية، وفق مبدأ "الأرض مقابل السلام".
وكانت كامب ديفيد والتي سبقتها الزيارة الصادمة لأنور السادات إلى الكيان وخطابه (التاريخي) أمام الكنيست أحد تجليات العجز العربي عن حسم الصراع عسكريا. وتلت ذلك أحداث عدة أضعفت الموقف العربي -ومنه الفلسطيني طبعا- وقادت إلى إبرام اتفاقيات منفردة كان كل اتفاق منها أسوأ من سابقه بالنسبة لنا، مع فواصل زمنية قصيرة أو طويلة (أوسلو ووادي عربة واتفاقيات أبراهام)، وحرصت إسرائيل في تلك الاتفاقيات على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والأمنية والاقتصادية التي لا مجال لسردها، والتهرب والنقض والنبذ لما تشاء من بنود. هذا بالإضافة إلى أن بعض فقرات نصوص تلك الاتفاقيات حمالة أوجه، وتخضع لأكثر من تأويل وتفسير، وهو ما يعطي الطرف القوي (إسرائيل طبعا) مكاسب جديدة أو وقتا لفرض وقائع جديدة على الأرض.
وكانت اتفاقيات أبراهام آخر مظاهر الاستسلام العربي الرسمي؛ فهي تعطي العلاقة مع إسرائيل صفة أو صبغة دينية تتنافى مع معتقدات المسلمين، وتشكل تحالفا غريبا به أطراف عربية وإسرائيل، التي تتزعم عمليا هذا التحالف وتضبط مساره كما تشاء. وأيضا تتجاوز ما كان قد أعلنه العرب من مبادرة "سلام" تقوم على تطبيع العلاقات بشرط انسحاب إسرائيلي كامل إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967.
وقد اعتمدت هذه الصيغة (أبراهام) من إدارة ترامب الأولى، وإلى حد ما من إدارة بايدن، وعادت من جديد في إدارة ترامب الثانية، كتصور لطبيعة العلاقات بين إسرائيل والعرب.
ومع كل ما في الاتفاقيات المذكورة من مزايا ومنح مجانية وما تلاها من تبني بعض أطرافها العربية للرواية الإسرائيلية علنا في سابقة لم تكن في أسوأ كوابيسنا، خلال العدوان على غزة، ووجود استعداد وتوجه عام عند النظام العربي الرسمي لتوسعة رقعة التطبيع بما يشمل دول عربية أخرى، وإلغاء خيار المواجهة عربيا مع إسرائيل، مع كل ما ترتكب من جرائم، فإن إسرائيل تقدم مقاربة أخرى في خطابها وسلوكها؛ خطاب يستبعد مفردات السلام والعيش المشترك ورفاهية الشعوب، وإن كنا على قناعة أنها استخدمت سابقا للمراوغة والخداع والتعمية عن الأهداف الحقيقية.
فإسرائيل فيما يتعلق بقضية فلسطين ترفض حل الدولتين، بله الدولة الواحدة، وتمعن في مواصلة مجازرها في غزة، وتواصل عمليات التهويد وتدمير المخيمات في الضفة الغربية.
ومع أن الإدارة السورية الجديدة أرسلت رسائل واضحة بأنها حاليا تريد إعادة إعمار البلاد والاستقرار وليست معنية بمواجهة مع إسرائيل، إلا أن الأخيرة توغلت في الأراضي السورية، وتقوم بعمليات قصف شبه يومية لأهداف في مختلف أنحاء الأراضي السورية.
وتتعرض الأراضي اللبنانية إلى عمليات قصف واغتيالات متواصلة؛ مع أن حزب الله قد تعرض لضربات مؤلمة فقد فيها كثيرا من مقدراته البشرية والمادية، وتقوم الحكومة اللبنانية الجديدة بتحجيم متواصل لنفوذ الحزب في مختلف مؤسسات الدولة وتسلمت كثيرا من مواقعه، وتوقف الحزب عن مجرد إطلاق خطابات نارية تجاه الكيان، كما وتعلن إسرائيل أنها لن تنسحب من خمس مناطق تتمركز فيها في جنوب لبنان، ولن تسمح بعودة المهجرين من عدة قرى وبلدات هناك.
وهذا إضافة إلى تصريحات إسرائيلية مع إجراءات مختلفة تجاه الأردن ومصر، مع أن كليهما يرتبطان بمعاهدات معها، كما أن نظامي البلدين لم يتخذا أي خطوات ولو رمزية في ظل المقتلة في غزة؛ وقد سبق أن استدعت عمان والقاهرة سفيريهما من تل أبيب بعيد اندلاع انتفاضة الأقصى قبل ربع قرن، علما أن حجم الكارثة الآن أضعاف أضعاف تلك المرحلة، ومع ذلك هناك استفزازات إسرائيلية للبلدين.
ويتم استدعاء أساطير تلمودية في الخطاب الرسمي الإسرائيلي، مع ما يوازيه من إعلام تابع أو موال له، عن أرض إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. والحديث عن تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن ومن غزة إلى سيناء المصرية لا يكاد يتراجع حتى يعود إلى الواجهة من جديد.
إسرائيل تريد هيمنة مطلقة واستعبادا واستسلاما وإذلالا لكل مكونات المنطقة، بما في ذلك الذين تربطهم بها اتفاقيات ومعاهدات، أو الذين لديهم استعداد لتوقيع معاهدات جديدة
وبخصوص إيران واليمن اللذان ما زالا يبديان مواقف مختلفة عن محيطهما العربي تجاه إسرائيل وطبيعة الصراع؛ فإن إسرائيل ترى أن أمريكا ستتكفل بتدميرهما أو على الأقل إضعافهما إلى حد يشغلهما عنها تماما.
هذا السلوك العدواني والخطاب الطافح بالغطرسة والاستعلاء، يدل بالتأكيد على أن إسرائيل تقول صراحة ما قاله فرعون عن أسلافها "وإنا فوقهم قاهرون". ويبدو أنها تتناسى ولم تستوعب الدرس، حيث إن فرعون غرق هو وجنوده، ونجا أسلافها. فإسرائيل تريد هيمنة مطلقة واستعبادا واستسلاما وإذلالا لكل مكونات المنطقة، بما في ذلك الذين تربطهم بها اتفاقيات ومعاهدات، أو الذين لديهم استعداد لتوقيع معاهدات جديدة.
إن إسرائيل تكاد تعلن: لا أريد كامب ديفيد ولا أوسلو ولا وادي عربة ولا حتى اتفاقيات أبراهام بصيغتها الحالية، فعلى الجميع الخضوع لهيمنتي والاستسلام لأطماعي وأحلامي وأساطيري، وإلا فإن ما لا يأتي بالقوة، يأتي بمزيد من القوة!
وهي هنا ربما تعمل بالمثل العربي "إذا هبت رياحك فاغتنمها"، فأمامها حركات مقاومة محاصرة تعرضت لضربات مؤلمة، وأنظمة تريد النجاة بنفسها، وفق أكثر التعبيرات دبلوماسية، وشعوبا مقموعة مغلوبة على أمرها.
بالتوازي مع نظام دولي تخلّى عن مبدأ المحاسبة، وتطبيق القانون الدولي، بالاتكاء على إدارة أمريكية تتعامل معها كابن مدلل، بل كأنها مؤسسة أو ولاية من ولاياتها، وبالتالي تكشف بوضوح وقح عن طبيعتها وأهدافها وأحلامها، بكل ما تملك من أدوات.