بدون زعل

عبد الحفيظ مريود

الحب في أزمنة الحرب، أو: ولما نسرح فيك قادلة، زى ملايكة….

سيدي عبد اللطيف مجتبى:

كم واحدة وددت لو أنها بقيت ولم تفارق خطاها طريقك؟ ثمة أسئلة لا ينبغي توجيهها لأي أحد. أعرف أن قطارك فيه “مفتش”. لكن صلاح أبو روف ينبغي أن نطرح عليه سؤالاً مثل هذا… إحداهن تبقى عالقة. راسخة مثل شجرة الجميز.

. كنت مع قلائل من “أولاد السكة الحديد”، الذين يقطعون خطوطها، يشقون سوق بابنوسة إلى مدرستها الابتدائية “أ” بنين.. نرفل في جلاليب الدمورية. غيرنا من أبناء السكة الحديد، يذهبون إلى مدرسة الخدمات، في الرداء الأزرق والقميص اللبني، بمن فيهم أشقائي.. لم يكن السوق الشعبي قد تم تخطيطه وترحيل دكاكين الزنك إليه، بعيداً عن السوق الأصلي. ثمة قومسنجي اسمه حمودة بوليه.. على ندرة المسجلات، كان حمودة يمتلك واحداً.. حين تقترب من دكاكين الزنك، ستسمع المسجل بأعلى صوته.. فنان وحيد، لا يغيره حمودة لأي سبب من الأسباب.. فيما بعد، عرفت أن اسمه محمد الأمين.. سلخنا الإبتدائية والمتوسطة، الكائنة في السور ذاته، ومسجل حمودة بوليه لا يفارق كاسيت ود اللمين.. أتسكع لأسمع الموسيقى الرصينة الآخذة بنخاشيش المخ. تعلق جمل بذاكرتك “شفت كيف حبك حياتنا؟”… يا الله..

شايف كيف؟

ترسل إلي في المسنجر “البركة فيكم في الباشكاتب”.. ومحمد التجاني، ممادو المتمرد، يعاتبني “كيف ما تكتب في ود اللمين؟”..

تعرف يا مجتبى؟

تقول لك إحداهن: “أنا من غيرك ما ببقى… حياتي مرتبطة بيك جداً”. ستصدقها، لأن الكلام حلو.. لكنك تعرف أنه مجرد كلام. نسمع الأغنية ونسقطها على واحدة.. الذاكرة ممتلئة بالنساء الجميلات والعلاقات المفخخة. لكنك لا تربط ود اللمين بإحداهن. أغنياته أسمى من قصص الحب التي خضناها. نتعلل بزيدان، الخالدي، الجابري، مجذوب أونسة.. وغيرهم. لكن ود اللمين إلياذة.. لا يمكن أن يثير فيك ذكرى امرأة، أو علاقة.. فنه سامق، شاهق، قائم لذاته. لا لأغراض التأسي والتسري والولع.

شايف كيف؟

قسوم يدرس الموسيقى في المعهد الوحيد في جدة. كان قد تم افتتاحه قبيل تجربة اغترابي تلك.. لازم تعترف أنها “اغتراب”، مش زي اغترابكم… الاغتراب يجب أن يكون خفيفاً.. يشبه الميسكول.. تقعد 10 سنين في السعودية ليه؟ دنقلاوي إنت؟ المهم: قسوم يحكي لي عن زميل لهم عراقي.. فقيه موسيقى.. دائماً ما يردد له أن “السودان ما فيهو موسيقى”.. يبدو أنه استمع لكمال ترباس، الأمين عبد الغفار، وغيرهم. قسوم قال لي دعوته إلى شقتي، جهزت “زاد الشجون”، “بتتعلم من الأيام”، وخلعته لما حضر.. بعد الاستماع، قال “الآن عندكم موسيقى”.. وتعرف أن “ناس أمدرمان” عندهم مشكلة مع أبو اللمين. صلاح أبو روف، آل الفنوب، وبعض المفلهمين كدا.. لكنك “فلتة” في كل شيئ. ذوقك وحسك الممتلئ جمالاً.

شايف كيف؟

ذهبت حفلات للباشكاتب.. لكن طعمها اختلف حين ارتبط برنامجها بممادو، وبك، حين تكون في السودان.. نادي الضباط، المسرح القومي، قاعة الصداقة.. وبحكم عملنا في الصحافة والتلفزيون، كثيراً ما كنا شهوداً على تسجيلات لود اللمين.. لم اقترب منه قط.. لم أتحدث إليه. لا يجوز.. مثل وردي… عبد الله الطيب، كيف تمشي تتضهب وتسلم عليهم وتتكلم معاهم؟ ما عندك أدب وللا شنو؟

ذات أمسية أخذت ولدي الأوسطين: محموداً وعلياً.. لازم تمشوا معاي نادي الضباط تسمعوا أبو اللمين.. ذات يوم ستقولون إن أبانا أكرمنا بليلة متقنة..

شايف كيف؟

المهم:

رحم الله الباشكاتب..

ولا عزاء لنا.

الوسومأمدرمان الأمين عبد الغفار الباشكاتب السعودية السودان الموسيقى جدة زاد الشجون عبد الحفيظ مريود عبد الكريم الكابلي محمد الأمين وردي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أمدرمان الباشكاتب السعودية السودان الموسيقى جدة محمد الأمين وردي

إقرأ أيضاً:

أثر الحرب في السودان على النساء والأطفال: العنف ضد النوع واستغلال الأطفال

بروفيسور حسن بشير محمد نور

شهد السودان العديد من الصراعات المسلحة الداخلية التي خلفت آثاراً جسيمة على مختلف فئات المجتمع، ولكن الأثر الأعمق والمستدام كان على النساء والأطفال، الذين يعانون من أنماط مختلفة من العنف والاستغلال. وتعتبر قضية العنف ضد النوع الاجتماعي واستغلال الأطفال من القضايا الأكثر إلحاحاً التي تحتاج إلى تحليل معمق وفهم دينامياتها في إطار النزاعات.

• واقع المرأة في سياق الحرب

تمثل النساء الفئة الأكثر هشاشة في أوقات النزاع، حيث يتعرضن بشكل خاص لأشكال متعددة من العنف القائم على النوع الاجتماعي. الحروب ليست فقط مواجهات مسلحة بين أطراف متصارعة، بل هي أيضاً ساحات لاستهداف النساء بغرض الإذلال، التفكيك الاجتماعي، والسيطرة على المجتمعات.
في السودان، تتعرض النساء للعنف الجنسي والجسدي بشكل متزايد خلال فترات النزاع، إذ تصبح أجسادهن ساحة للصراع بين الأطراف المتنازعة. من المهم ملاحظة أن هذا النوع من العنف ليس مجرد اثر جانبي للحرب، بل هو أداة من أدوات الحرب نفسها. يتم استهداف النساء من أجل زعزعة استقرار المجتمع وتفكيك نسيجه الاجتماعي، كما أن العنف الجنسي غالباً ما يُستخدم كوسيلة للتطهير العرقي أو الإثني. هذه الأفعال تؤدي إلى تدمير الروابط الاجتماعية وتفكيك الأسرة، ما يفاقم من الأزمة الإنسانية ويترك تأثيرات طويلة الأمد على المرأة وعلى المجتمع ككل.

• الأطفال وقود الصراع المستمر

إلى جانب النساء، نجد ان الأطفال أيضاً هم ضحايا رئيسيون للصراع. في السودان، اذ يُستخدم الأطفال كأدوات في الحرب، سواء كمجندين قسراً أو كضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان. تجنيد الأطفال هو واحد من أكثر الأشكال الوحشية لاستغلالهم، حيث يتم استخدامهم كمقاتلين، كجواسيس، أو حتى كدروع بشرية. هذا الاستغلال ينتهك كل المعايير الإنسانية والدولية، ويترك ندوباً نفسية وجسدية على هؤلاء الأطفال، تعيقهم عن التطور الطبيعي وتعيق فرصهم في الحصول على التعليم والحياة الكريمة.
تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة له تأثير كارثي على مستقبل المجتمع، حيث ينشأ جيل كامل وهو محمّل بذكريات الحرب وآلامها. هؤلاء الأطفال يُحرمون من فرص التعليم والنمو الطبيعي، ويُجرّون إلى عالم من العنف والوحشية التي تشكل وعيهم وسلوكهم في المستقبل. ومن هنا، يصبح إنهاء تجنيد الأطفال واحداً من أهم الأهداف التي يجب أن تسعى لتحقيقها كل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية٫ خاصة في ظروف غياب مؤسسات الدولة والمؤسسات التعليمية والنظم التربوية وتدهور البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها.

•العنف المركب وآثاره الممتدة
الجمع بين العنف ضد النساء واستغلال الأطفال يؤدي إلى ما يمكن وصفه بالعنف المركب، حيث يُستهدف المجتمع بأكمله من خلال تمزيق النسيج الاجتماعي والأسري. النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي غالباً ما يُنبذن من مجتمعاتهن، مما يزيد من العزلة الاجتماعية ويعمق الأزمة النفسية والاقتصادية. وفي نفس الوقت، يتحول الأطفال المجندون أو الذين يشهدون على العنف إلى أشخاص فاقدين للثقة في المجتمع وفي مجمل النظام، مما يسهم في إستدامة دوامة العنف.

تتمثل رؤيتنا المبنية علي مناهج التحليل الاجتماعي والنزاعات، إلى أن الحرب لا يمكن فهمها بشكل منفصل عن السياق الاجتماعي الذي تحدث فيه. ونركز هنا على فكرة أن النزاعات في السودان، بالإضافة إلى أسبابها السياسية والاقتصادية، تتغذى أيضاً من الأنماط الاجتماعية القائمة على التمييز والإقصاء. وفي سياق العنف ضد النساء واستغلال الأطفال، نرى أن هذا العنف يمثل انعكاساً لنظام اجتماعي يحرم النساء والأطفال من حقوقهم الأساسية حتى في أوقات السلم، وبالتالي يصبحون أهدافاً سهلة في زمن الحرب.
يحب التأكيد هنا على أن الحل لا يكمن فقط في إنهاء الصراع المسلح، بل يجب أن يترافق ذلك مع إصلاحات اجتماعية عميقة تهدف إلى تغيير النظرة التقليدية للنساء والأطفال في المجتمع السوداني. بدون القيام بثورة تحقق اصلاحات جوهرية في هذا المجال، سيظل العنف القائم على النوع واستغلال الأطفال أمراً مستمراً حتى بعد انتهاء الصراع.

في الختام إن الأثر المدمر للحرب في السودان على النساء والأطفال هو نتيجة مباشرة لأوضاع اجتماعية وسياسية معقدة، حيث يشكل العنف ضد النوع واستغلال الأطفال جزءاً من استراتيجية الحرب. وبالنظر إلى منهح التحليل المتبع، يتضح أن أي محاولات لحل النزاع يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية لهذا العنف، مع التركيز على إصلاحات شاملة تهدف إلى تمكين النساء والأطفال وحمايتهم من الاستغلال والعنف في مستقبل سودان ما بعد الحرب أي كان تكوينه ومكوناته.

mnhassanb8@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الحزب الشيوعي السوداني … مخترق ام مختطف – الحلقة الأخيرة
  • كتلوك ولا جوك !
  • توصيات ملتقى دارفور
  • الأمين العام لمجلس التعاون يدين ويستنكر الاعتداء على مقر سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في السودان
  • «حل سلمي» للسودان… «أولوية مصرية» خلال رئاسة «الأمن الأفريقي» .. وفد من المجلس يزور بورتسودان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب
  • الخميس.. عادل حمودة يكشف عن أسرار حياة أحمد زكي في "معكم منى الشاذلي"
  • وفاة كريس كريستوفرسون أسطورة موسيقى الريف عن عمر ناهز 88 عاما
  • الفرق بين مؤيدي ومعارضي الحرب !
  • من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان.. لكِ الله يا مصر ( ٩ )
  • أثر الحرب في السودان على النساء والأطفال: العنف ضد النوع واستغلال الأطفال