الوطن:
2025-04-10@07:56:07 GMT

المتولي طه يكتب: أين المثقفون العرب؟

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

المتولي طه يكتب: أين المثقفون العرب؟

أين دور المثقفين والفنانين والمفكِّرين العرب، فى هذه الجائحة، الإبادة، والمذبحة الدموية؟ خصوصاً بعد أن أصبح واضحاً أن المشروع الغربى الصهيونى لم يُبقِ أى مساحة للتعاطى معه، أو مع مَن يقف خلفه من الدول الساحقة الماحقة؟ أو مع القوى السياسية العربية والأنظمة، التى باتت على مقاعد المتفرِّجين، بلا حولٍ ولا طول.

. بل وتتماهى مع المخرجات التى تنتهجها الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية الوحشية الحاسمة، التى تميزت بقدرة تدميرية فائقة وحداثية على فَرْض الحقائق على الأرض، ووضع مسار حتمى ووحيد يحقق أهدافها وحدها، وللقضايا كلها!

لقد تصدع دور المثقف العربى، إذ اعتبر الكثيرون أنهم «مستقلون» أمام ما يجرى، ولا علاقة عضوية بينهم وبين الأحداث المهولة الجارية! ما يجعل المثقف، بقصد أو بغير قصد، مُسخراً ومأجوراً للمؤسسة الرسمية، ويؤدّى دوراً تجميلياً لها! ويترك فراغاً جارحاً.

والغريب هذه الأثناء أن عدداً «مهماً» من المثقفين يتماهى ويتبنى ويقترب، حتى التوحّد، مع مقولات الغرب الاستشراقية والكاذبة والظالمة، بحثاً عن فُتات.. ما يجعل هذا المثقف فارغاً من مضمونه، ومغترباً عن جذوره، وقد ظن هؤلاء أن اعتراف الثقافة المهيمنة بهم سيحقق لهم الحضور! لكنهم يتناسون أن على المثقف أن يكون ضمير شعبه، والمعبر عن تطلعات وأحلام أمته، لأنه ليس مستقلاً أمام المجزرة، وسيفقد فحولته الأخلاقية، وسيسأله التاريخ.

وللأسف فإن معظم المثقفين والكُتَّاب والمفكِّرين يدورون حول أنفهسم، وإن امتلكوا وعى المعرفة فإنهم قد استخدموه تحت ظلال الترميز أو المجاز، أو تحت قوس التلطف، وانهاروا بكاءً وكآبةً أمام الموت المخيف، وكانوا موسميين، أو نزقين، وكتابتهم أقرب لردة الفعل.

وراح الكثير يثرثر فوق السطح، دون أن يتمكن من التقاط الجوهرة العميقة المُشعة، التى هى وقود المقاتل وعبقرية صموده ودافع تضحياته أمام أعتى الأسلحة.. بمعنى أن المثقفين لم يبحثوا فى الجذور التى أقامت هذه الغابة المقاومة، ولم يسألوا: كيف لهذا الفلسطينى أن يحقق كل هذا الثبات؟ وما مكونات رباطه وجسارته، واندفاعاته الأسطورية؟ ما عوامل ذلك؟ أما من «ثقافة» تقف خلف كل ذلك؟ فما هى؟

حتى الدور الثقافى الميدانى الشكلانى الشعبوى للمؤسسات والنقابات الأدبية والفنية والثقافية.. غاب!

أعتقد أن جانباً مهماً من هذا التدهور الثقافى يتعلق بأزمة «النص» أكثر مما يتصل بأزمة «الحرية» أو «التلقِّى الجماهيرى».. لأن النص الحقيقى الصادق المُعبر عن الناس.. يصل بألف طريقة وطريقة.

وثمة قلة من المثقفين مَنْ ظل مشاكساً جسوراً لا يوارب، ويواجه ويشير دون وجل إلى مواطن الخلل والتخلى.. لكنهم لم يشكلوا حالة فكرية قادرة على مواجهة تخريب الوعى الجمعى الممنهج الذى يستخدمه الغرب والاحتلال وأدواتهما.

إن الشهداء والجرحى ليسوا أرقاماً مجردة لا تقوى على البقاء ومسطحة، ولا نفاذ أو أثر لها! بل لكل منهم قصة وحياة عريضة، وذكريات وبيت وأحلام.. وفناؤهم هو نفى فاشى مبرم لكل ذلك، والأرقام تبهت مع الوقت ولا يتبقى منها شىء، لذا فإننا مطالبون بكتابة قصة كل شهيد بعينه.

إننى أتمنى على الدارسين اعتماد تسمية «أدب المذابح أو المجازر» لآلاف المجازر التى ارتكبتها الصهيونية بحقنا، وما كُتب عنها فى تاريخنا المعاصر، مثلما لدينا «أدب السجون» و«أدب المقاومة» و«أدب المنفى».. إلخ، وعلينا أن نُحصى كل حجر هدموه، وكل شلال دم وعرق، وكل صرخة مصوحة، وصاروخ أعمى، وكل نأمة وجنازة وذرة غبار، وكل جرح وحريق، وكل سيارة إسعاف بعثروها بمَن فيها، وكل اغتيال واستهداف مبيت، وكل مئذنة طوحتها الطائرات، وكل كلمة ندت من فم ثاكلٍ أو شيخ أو يتيم، وكل مشفى وجرسية ردموها، واسم مولود مات بعد وضعه بساعات، وكل أيام العتمة وساعات العطش، وسلسلة الغارات التى جعلت القطاع كربلاء ممتدة لا تنتهى، وكل تصريح مسموم أو مشبوه، أو إنسانى، وكل موقف يتفرج، أو مسيرة تتضامن، أو دولة انحازت للشيطان، أو مسئول، على قلّتهم، انتصروا لفلسطين، وكل إحصائية للضحايا والبيوت وأطنان القنابل المحرمة.. لا ينبغى أن ننسى، أو يفوتنا شىء.

باختصار إن ما يجرى من إبادة ما هو إلا محاولة صهيونية فاجرة لإلغاء نتائج الساعة الأولى مما حدث صبيحة يوم السابع من أكتوبر الماضى.

لقد حررت غزة العالم.. كما فتحت قضايا الظلم فى كل القارات، وكلامى عن غزة لا يحررها، لكنه يحررنى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأدب الفلسطيني فلسطين وزير الثقافة

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: تكنيك منى أبو زيد وخطاب الكراهية

تعجبني الطريقة التي تستهل بها الزميلة الصحفية المتميزة “منى أبو زيد” مقالاتها، حيث تبني فكرتها على اقتباس فلسفي أو تراثي مستمد من تجارب الحياة وتحدياتها، وذلك لإحكام السياق وتوصيل الفكرة بعمق. لذا أستأذنها اليوم في استعارة هذا التكنيك في كتابة مقالي، والسبب الثاني هو أن دراستي للفلسفة في بواكير العمر منحتني إدراكًا لقيمتها في تحليل الأفكار وإيصال الرسائل المطلوبة بوعي وانتباه.

يقول الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور : “الكراهية تنبع من ضعف العقل أكثر مما تنبع من شدة العاطفة.” تتجلى هذه الحقيقة بوضوح في المجتمعات التي تعاني من الاضطرابات والحروب، حيث يصبح خطاب الكراهية ملاذًا لمن لم يدركوا بعد أن الكلمات قد تكون أخطر من الرصاص، وأن الشعوب لا تنهض عبر تأجيج الصراعات، بل من خلال إعلاء قيم التسامح والتفاهم.

لقد فرضت الحرب نفسها على بلادنا بفعل أطماع دولية و إقليمية متجددة توافقت مع اطماع النخب في سلطة بلا تفويض، مخلفة شروخًا عميقة في النسيج الاجتماعي، واستغل البعض منابر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لبث خطابات الكراهية معبرا عن الصراع الصفري ، مما يهدد مستقبل الأجيال القادمة ويعطل أي فرصة لتحقيق سلام حقيقي ومستدام.

لذلك تبرز الحاجة إلى مواجهة هذا الخطاب المدمر، الذي بات يغذي النزاعات ويؤخر فرص السلام. فخطاب الكراهية الذي يتبناه البعض بوعي أو دون وعي، ليس مجرد كلمات تُلقى في فضاء الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي، بل هو أداة قد تؤسس لانقسامات تمتد لعقود إن لم تتم مواجهتها بحزم القانون ووعي القائمين على الخطاب الإعلامي والسياسي.

علينا جميعًا مقاومة خطاب الكراهية لأن التجارب الإقليمية والعالمية أثبتت أن هذا النوع من الخطاب لا يقود إلا إلى مزيد من الدمار وتشظي المجتمعات وتفككها. رواندا مثلًا : التي عانت من إبادة جماعية أودت بحياة أكثر من 800 ألف شخص، كانت نتيجة مباشرة لتحريض إعلامي ممنهج. ومع ذلك تعيش رواندا اليوم نهضة تنموية لأنها اختارت طريق المصالحة الوطنية بعد أن تم احتواء خطاب الكراهية من خلال تشريعات قوية وبرامج توعوية قادتها النخب السياسية والإعلام الوطني، مما أعاد بناء المجتمع.

أما في لبنان : فقد اندلعت الحرب الأهلية عام 1975 واستمرت حتى 1990، وكانت إحدى أبرز الحروب التي غذّاها خطاب الكراهية الطائفي والسياسي. لعبت الخطابات التحريضية دورًا رئيسيًا في تقسيم المجتمع اللبناني بين طوائفه المختلفة، مما أدى إلى اندلاع صراعات مسلحة بين الميليشيات، ثم تدخل قوى إقليمية ودولية زاد من تعقيد المشهد وإذكاء الصراع.

السودان اليوم ليس استثناءً، بل هو بحاجة إلى مشروع وطني نهضوي شامل يُكرّس لمواجهة خطاب الكراهية، سواء من خلال الإعلام الواعي أو المؤسسات التعليمية أو القوانين الرادعة. كما أن على القوى السياسية والاجتماعية أن تعي خطورة الانجراف وراء هذا الخطاب المخزي، الذي قد يؤخر تعافي البلاد لعقود.

لذلك لا بد من دور رشيد للإعلام والإعلاميين في المعركة ضد الكراهية. فالإعلام ليس فقط ناقلًا للأخبار، بل هو صانع للوعي. ومن هنا تأتي أهمية حملة “المجد نيوز” التي يقودها شباب مستنير استشعروا مسؤولية وأهمية التعافي الوطني ووحدة الصف ونبذ العنصرية والمناطقية. لتجاوز خطاب الكراهية، هذه الخطوة الواعية مهمة في مواجهة هذا الخطر الداهم.. أن مثل هذه المبادرات يجب أن تتوسع لتشمل منصات الإعلام كافة، لتوجيه رسالة واضحة مفادها أن السودان لن يتعافى إلا إذا تجاوز خطاب الكراهية واستعاد قيمه الأصيلة في التسامح والتعايش السلمي .

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن معركة الوعي ضد خطاب الكراهية ليست ترفًا، كما أنها ليست مسؤولية فردية، بل ضرورة وجودية يجب أن ينهض بها الجميع لحماية بلادنا من الوقوع في دوامة الاحتراب الداخلي والانقسام المجتمعي. وحين ندرك بوعي أن الكلمات قد تكون أكثر فتكًا من الرصاص، يصبح واجبنا جميعًا أن نستخدمها لبناء الوطن لا لهدمه. فالمستقبل الذي نحلم به لا يمكن أن يولد من رحم الكراهية، بل من رحم المصالحة الوطنية، والمواقف العقلانية، والاحترام المتبادل.
دمتم بخير وعافية.

إبراهيم شقلاوي
السبت 5 أبريل 2025 م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: الشبكة التي نتخبط فيها
  • عبد السلام فاروق يكتب : رسائل «خان الخليلي»
  • تراجع التفكير النقدي واختفاء المثقفين النقديين
  • المحامي الصبيحي يكتب .. لغز هذا أم سحر مسّ العرب؟
  • المحامي الصبيحي يكتب .. لغز هذا أم ؤ؟
  • بلال قنديل يكتب: دائما في القلب
  • من يقتل الحقيقة لا يستطيع أن يكتب التاريخ
  • المثقف الإسلامي بين اللحظة واستشراف المستقبل.. معادلة الوعي والبناء الحضاري
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: تكنيك منى أبو زيد وخطاب الكراهية
  • الهوية السودانية بين الغابة والصحراء (1/2)