الأدب الفلسطيني.. طلقات الحبر الحارسة للقضية
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
تمكّن المبدعون الفلسطينيون من التعبير عن قضيتهم عبر خطاب المقاومة الرافض لجميع صور العدوان الإسرائيلى الرامية إلى تشريد الشعب الفلسطينى واغتصاب أرضه، وفرض التهجير القسرى للمخيمات وارتكاب المجازر وحروب الإبادة على مدار عقود منذ وعد بلفور 1917.
تمكّن الأدب الفلسطينى من رصد الواقع والتطلعات، وكتب الروائى والشاعر القضية من وجهة نظره بما يُعد حلقة ذهبية من حلقات الأدب العربى المعاصر، وظهرت الأصوات البارزة لتروى تفاصيل القضية بمختلف أبعادها التاريخية والإنسانية، فالكتابة فى الأساس لتمكين وإثبات الحق، واستمرار الإيمان به.
الدكتور عادل ضرغام، أستاذ الأدب بجامعة الفيوم، يرى أنّ الشعوب التى تفتقر للشعراء والروائيين يتأثر إيمانها بقضيتها، مؤكداً أن المقاومة ما كان لها أن تستمر على هذا النحو إلا بتجليها فى نصوص إبداعية، سواء كانت شعرية أو روائية، والأدب الفلسطينى يضم أصواتاً كبيرة من المبدعين، ولكن يظل صوت محمود درويش هو الصوت التاريخى المعبر عن القضية.
وتابع «ضرغام» لـ«الوطن»: «درويش ليس الوحيد فى أدب المقاومة، وإنما احتل تلك المكانة كونه شاعراً له خصوصية، فهو أقرب إلى صوت المغنى الذى يعبّر عن آمال الوطن، لكن هناك أدباء كُثراً ربما لم يصلوا إلى مكانة درويش، سواء كانوا من الشعراء أمثال توفيق زياد، وسميح القاسم، وغيرهما.
كما أن هناك أيضاً روائيين لهم الأثر نفسه مثل غسان كنفانى، الذى تبنّت كتابته فكر المقاومة أيضاً، لتشكل نوعاً من التأسيس والامتداد لهذه الفكرة من خلال رواياته المتتابعة، وعندما نقرأ روايته (رجال فى الشمس)، فهى من عيون الأدب العالمى وليس العربى فحسب، لأن الفكرة فيها إنسانية إلى حد بعيد، وحالياً لدينا امتداد لهذه الأصوات، من بينهم يحيى يخلف وإبراهيم نصر الله، وهم من الأصوات الكاشفة عن هذا الحق».
وتابع: «إذا قمنا برصد الرسائل العلمية عن الأدب والمقاومة، سنجد كماً ضخماً من الدراسات، خصوصاً عن محمود درويش الذى أعطته القضية صوتها، وهذا معناه التفاف حقيقى حول القضية والحق، وفضلاً عن طبيعة القضية فالكلمة هى التى أعطت القضية هذا الاستمرار والبقاء فى الوجدان».
واستعرض الدكتور السيد نجم، صاحب العديد من الدراسات المتخصصة فى أدب الحرب والمقاومة، أبرز المراحل التى مر بها الأدب الفلسطينى قائلاً: «سجل الأدب الفلسطينى قضيته فى الشعر والقصة، وشهدت المرحلة التالية لنكبة 48 ما يشبه الصدمة وفقدان التوازن، وهى الفترة نفسها التى شهدت ميلاد إرهاصات البحث عن الذات والطريق والمقاومة».
ووصف «نجم» الفترة التالية على عام النكبة بأنها كانت قاسية، وهو ما يجعل الراصد للأدب الفلسطينى يبحث طويلاً، وربما لعبت عناصر كثيرة دوراً حتى انتبه الفلسطينى إلى وجدانه، بعد أن ضاقت به الأرض على سعتها، كما نشطت فى تلك الفترة وسائل الإعلام وتقدمت فى الدول العربية المجاورة لفلسطين، وبينها الإذاعة، خصوصاً فى مصر وسوريا، وجاء نشر كتاب «أدب المقاومة فى فلسطين المحتلة 1966- 1948» فى 1967م، لغسان كنفانى، بمثابة الميلاد لترسيخ مصطلح نقدى جديد.
وتناول «نجم» نماذج من الأدباء المخضرمين لتلك الفترة (التالية بعد النكبة)، قائلاً: «مؤيد إبراهيم ويوسف نخلة وحنا أبوحنا وتوفيق زياد وغيرهم، ثم أدباء وُلدوا قبل النكبة بقليل وأنضجتهم أحوالها، منهم محمود درويش، وسالم جبران، وسميح القاسم، وغسان كنفانى ومريد البرغوثى وآخرون، ثم جاء الفوج الثالث وقد نضجوا فى أواخر الستينات وربما السبعينات: نايف سليم وفوزى الأسمر وراشد حسين، أما وقد أنضجت التجربة الجميع، فتفجرت الطاقات وخرجت الأعمال مفعمة بالفن والتقنيات الحديثة»، وختاماً لا يمكن تجاهل بعض الروايات المعبرة عن مجمل ملامح القضية الفلسطينية: رواية «رجال فى الشمس» لغسان كنفانى، صدرت الطبعة الأولى عام 1963م. والتى تثير سؤال «الخلاص».. وما «المصير»؟.. فالحلول الفردية التى تبناها ثلاثتهم انتهت بموتهم.
وتطرّق الدكتور حمدى النورج، أستاذ مساعد النقد وتحليل الخطاب بأكاديمية الفنون، إلى ملامح الثقافة الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ هناك رواداً فى أدب المقاومة، مثل غسان كنفانى ومحمود درويش ومريد البرغوثى، لكن الأدب فى فلسطين لا يُقرأ جيداً إلا بالمقارنة مع وجهة النظر الأخرى الخاصة بأدب «الهولوكوست» الصهيونى.
وأوضح لـ«الوطن»، أن النكبة الفلسطينية (48) ولّدت فعلاً مقاوماً، وتحولت عند المثقف الفلسطينى إلى فعل مقاومة، لذلك خرج الفلسطينيون أنفسهم بروح أقوى، وليس لديهم نمط بكائى فى الأداء الثقافى، بل على العكس لديهم احتفاء بالوطن وأهميته وبالشخصية الفلسطينية، فى مقابل أدب (الهولوكوست) الذى لا ينتصر لقوة المواقف ولا للأرض لأنه ليس لديه أرض بالأساس، (ليس لديه بُعد الأرض ولا بُعد الوطن).
وأضاف: «السمة الغالبة على الأدب الصهيونى (أدب الهولوكوست)، أنه يتبنى فى العموم (خطاب المظلومية)، الذى يتمثل سلوك الضحية، لذلك نجد فى تركيبة الشخصية العبرية صوت العويل والصراخ، لأنهم يحققون مكاسب من وراء سلوك الضحية الذى يعيشونه، حتى فى مفرداتهم يستخدمون مصطلحات البكائية السردية التاريخية القديمة مثل جيش الدفاع الإسرائيلى، ومن هذه المقارنة نستكشف قوة الأدب الفلسطينى وقوة قضيته التى تستند إلى شرعية وأرض تعبّر عن وجودها بثبات ووضوح ولها جذور ثقافية داخل المجتمع وبقوة، فى مقابل الآخر الذى لا يمتلك أياً من هذه الأسباب».
ولفت إلى أهمية حضور القضية فى الثقافة، لأنّ الروايات تصنع رسوخاً لأى قضية: «يظن البعض أن السلاح أقوى من القضية وأن البندقية أقوى من الكلمة، وذلك غير صحيح، ففعل البندقية قد يكون لحظياً، مع آثار دموية، لكن قوة القضية وتأثيرها مستمرة بفعل إيمان أصحابها بها، فى مقابل إسرائيل التى ما زالت تبحث عن رسوخها منذ 48.. فوهة بندقية العدو لن تصنع وطناً ولن تحافظ على قضية فى مقابل قوة الكلمة، والثقافة بكل مفرداتها ورموزها فى الوعى، فأبسط شىء الشال الفلسطينى الذى يؤكد أن فلسطين حاضرة، فهل يوجد شعب له رمز راحت قضيته؟».
ورصد الدكتور سيد على، أستاذ المسرح بجامعة حلوان، من خلال الدراسة التى قدمها حول تاريخ المسرح فى فلسطين قبل النكبة، باعتباره شاهداً على وجود دولة طبيعية اسمها فلسطين، عاشت حياة طبيعية قبل أن يستبدل اسمها باسم آخر، وشعبها بشعب آخر، وثقافتها بثقافة أخرى، ومسرحها بمسرح آخر، لا علاقة له بفلسطين.
وأضاف لـ«الوطن»: «يستند كُتاب المقاومة الفلسطينية من شعراء وروائيين إلى ثقافة عريقة، تتميز بالقدم والرسوخ، فقد ظهر المسرح فى فلسطين داخل المقاهى عام 1907، ومن أمثلة هذا النشاط المقاهى المسرحية، والنشاط المسرحى داخل المدارس والأندية والجمعيات، ناهيك عن الفرق المسرحية الفلسطينية، وأقدم وثيقة تثبت ذلك إعلان (قهوة البلور)، عندما أعلنت زبائنها بأن (فرقة حسن حسنى) ستمثل مسرحية (جنفياف) بمسرح المقهى فى 1907».
وأشار إلى أن فلسطين كانت إحدى المحطات الرئيسية لأغلب الفرق المسرحية المصرية التى زارت بلاد الشام، واستطاعت تلك الفرق أن تُسهم بشكل أو بآخر فى ظهور النشاط المسرحى الفلسطينى، ومن الفرق المسرحية المصرية التى زارت فلسطين، ووصل عددها إلى أكثر من 20 فرقة، فرقة أمين عطا الله، وفرقة سلامة حجازى، وفرقة منيرة المهدية، وفرقة رمسيس، وفرقة فاطمة رشدى، وفرقة على الكسار، وفرقة نجيب الريحانى، وغيرها.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأدب الفلسطيني فلسطين وزير الثقافة فى فلسطین فى مقابل
إقرأ أيضاً:
معرض جدة للكتاب 2024 يُسدل الستار على 10 أيام من الإبداع والمعرفة
جدة : البلاد
اختُتمت مساء اليوم فعاليات معرض جدة للكتاب 2024، الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة في جدة سوبر دوم، تحت شعار “جدة تقرأ”، في رحلة معرفية استمرت لمدة 10 أيام، استضاف خلالها أكثر من 1000 دار نشر و وكالة محلية وعربية ودولية، موزعة على 450 جناحًا، ليقدم تجربة ثقافية استثنائية لعشاق الأدب والمعرفة.
ورفع الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان شكره للقيادة الرشيدة -أيَّدها الله- على دعمها غير المحدود للحراك الثقافي المتصاعد في المملكة، منوهًا بمعرض جدة للكتاب وهو ثالث معارض الكتب، بعد معرض الرياض الدولي للكتاب ومعرض المدينة المنورة لهذه السنة ٢٠٢٤.
وأوضح علوان أن المعرض شهد حضورًا لافتًا بأرقام مميزة تؤكد تطور المشهد الثقافي في المملكة، حيث وفَّر المعرض قرابة 400 ألف عنوان معروض، وتجاوز عدد الكتب المباعة 450 ألف كتاب، تناولت مختلف المجالات من كتب دور النشر المعروضة والمانجا والكتب المخفضة.
وأكد أن الهيئة تعمل بجهد لتطوير كل نسخة من معارض الكتاب، لتصبح أكثر تميزًا وجاذبية عبر أفكار إبداعية مبتكرة، مشيرًا إلى أن هذه الجهود تأتي بتوجيه ومتابعة من سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، بهدف تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تولي أهمية كبرى لتعزيز الثقافة، ودورها المحوري في تحسين جودة الحياة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقال الدكتور علوان : “إن المملكة العربية السعودية أصبحت منارة للثقافة والإبداع على المستويين العربي والدولي، بفضل تنوعها الثقافي والموروث الحضاري الثري الذي جعلها وجهة جاذبة للفعاليات الثقافية والفنية”.
ولفت النظر إلى أن وزارة الثقافة تسعى بشكل حثيث لتحويل المملكة إلى منصة رئيسية لصناعة النشر والتوزيع، من خلال توفير بيئة مثالية ومتطورة تلبي احتياجات القرّاء ودور النشر على حدٍّ سواء.
وفي ختام النسخة الثالثة من معرض جدة للكتاب ٢٠٢٤، أبدى علوان فخره بما وصلت إليه المملكة في مجال صناعة النشر، مشيدًا بالدراسات المتقنة والخطط المحكمة التي تقف وراء نجاح هذه الفعاليات، مؤكدًا أن هيئة الأدب والنشر والترجمة تحرص على جعل الكتاب في متناول الجميع، وتوسيع منافذ النشر، بما يتماشى مع الإستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة من رؤية السعودية 2030.
ومع إسدال الستار على معرض جدة للكتاب 2024، تحتفل المملكة بإنجاز ثقافي جديد يعزز مكانتها على خارطة الثقافة العالمية، ويؤكد التزامها المستمر بدعم الأدب والفنون في رحلة مستمرة من الإبداع والتطوير.