لجريدة عمان:
2024-06-29@23:02:51 GMT

النمذجة الاقتصادية وصنع السياسات

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

تعد أدوات النمذجة الاقتصادية إحدى الممكنات التي تزود واضعي السياسات والخطط الاقتصادية عوضا عن استخدام النهج الاقتصادي التقليدي لتحليل السياسات الاقتصادية التي كان لها دور في دراسة الأثر الاقتصادي لدراسة تلك السياسات من جانب اقتصادي عميق عبر استخدام أدوات وأساليب ساعدت في تطوير المجال الاقتصادي. وهذا ما يؤكد على أن صياغة السياسات الاقتصادية وتقييمها غالبا يعتمد على العوائد الاقتصادية بل يأخذ في الحسبان كافة المتغيرات الاقتصادية التي تنشط نتيجة بعض الأحداث المؤثرة في الاقتصاد العالمي، ولذلك بات من الضروري استخدام النمذجة الاقتصادية في صنع السياسات الاقتصادية التي تتعامل مع خيارات السياسات على أنها عوامل ثابتة ثم إجراء تحليل للسيناريو بمحاكاة الأثر الاقتصادي لتلك السياسات.

ولتوضيح أكثر حول مفهوم النمذجة الاقتصادية يمكن وضعها في سياق أنها «أدوات تزوّد واضعي السياسات الاقتصادية وصانعي القرار ومتخذيه ببيانات مهمة حول المدخلات المقترحة والنتائج والعوائد المتوقعة من الخطط والسياسات والقوانين والقرارات التي سيتم تطبيقها»، ولذلك يرى الاقتصاديون أهمية دمج نماذج صنع السياسات والنماذج الاقتصادية. ورغم أهمية النهجين الاقتصاديين التقليدي والنمذجة في صنع السياسات الاقتصادية إلا أن كلا النهجين يفتقر إلى الترابط بين الظواهر الاقتصادية والسياسية، ويتم اعتماد السياسة الاقتصادية التي تبدو مثالية لواضعي السياسات وإن كانت في مجملها مثالية ومناسبة للوضع الاقتصادي إلا أن الآثار الاقتصادية المصاحبة للسياسة الاقتصادية المتخذة تحول دون تنفيذها.

والنمذجة الاقتصادية عموما تعتمد على المهمة لاختبار دور النموذج الاقتصادي في التحليل والنظرية لمعرفة استناد النموذج على أي نظرية، وبعد تحديد هذه العناصر نستطيع بناء نماذج يراد بها تسهيل ظاهرة معقدة عبر مجموعة من العمليات والمعالجات.

فالنمذجة الاقتصادية رغم عدم رواجها بين المحللين الاقتصاديين والمهتمين بعلم الاقتصاد إلا أن الفائدة الكبيرة منها هي التنبؤ بالظروف الاقتصادية المستقبلية، فهي تعرّف المشكلة وتبسطها مع الاستناد على نظرية لتسهيل تصوير الواقع الحقيقي، وتساعد صانعي القرار ومتخذيه على ربط القرارات بالأهداف، وتحدّ من اتخاذ قرارات غير مدروسة أو مخاطر إجراء تعديلات أو تغييرات غير مدروسة، وتوفير الوقت والمال مقارنة باستخدام النهج التقليدي لصنع السياسات الاقتصادية، إضافة إلى تحليل وتقييم النتائج المتوقعة للبدائل المتعددة المتاحة في الخطط والسياسات. وبما يمكّن صانعي القرار من الاختيار بين هذه البدائل لرسم السياسات الاقتصادية المناسبة، ولبناء نموذج اقتصادي لا بد من تحديد المشكلة وتشخيصها وأن تكون واضحة ودقيقة واستبعاد العوامل التي ليس لها علاقة بالمشكلة، ثم وضع الأهداف عبر بناء دالة رياضية للهدف، مع الوضع في الحسبان أن هناك نوعين أساسيين للأهداف، واحدة تعنى بمدخلات النموذج والأخرى تعنى بمخرجات القرار، أما الخطوة الثالثة التي تأتي بعد تحديد المشكلة ووضع الأهداف فهي جمع البيانات المطلوبة والمرتبطة بالنموذج الاقتصادي فقط بحيث تمثل المتغيرات التي يحتويها النموذج ويتم ترتيبها وتبويبها، ثم تأتي الخطوة الرابعة ويتم من خلالها تحديد المتغيرات -تتغير قيمتها ويتم تمثيلها في النموذج برموز بدلا من قيمة محددة- والثوابت -الظواهر ذات القيمة الثابتة أي عكس المتغير-، أما الخطوة الخامسة والأخيرة فهي بناء النموذج وتعتمد كثيرا على من يقوم ببناء النموذج بحيث يقوم بتحديد إذا كانت المشكلة تتطلب عدة علاقات رياضية أم يتم الاكتفاء بعلاقة رياضية واحدة، وفي حالة البرمجة الخطية ينبغي توضيح القيود المفروضة عليها مع وضع دالة الهدف. وعموما، تختلف النماذج الاقتصادية وفقا لطبيعة بناء وتوصيف النموذج إلى نماذج رياضية Mathematical Models ونماذج قياسية Econometric Models ويتم استخدام برامج لتحليل النماذج الاقتصادية واختبار النتائج والفرضيات مثل برنامج EViews أو برنامج التحليل الإحصائي SPSS، وبدأت المحاولات الأولى باستخدام النمذجة الاقتصادية للعالم الاقتصادي تنبرغن عام 1937م الذي استوحى نموذجا لاقتصاد نيذرلاندز من أعمال كينز (1929) بشأن النظرية العامة، ثم تطورت العملية في الولايات المتحدة الأمريكية وأدى نجاح النماذج القياسية إلى انتشار النمذجة الاقتصادية في بقية دول العالم.

إن أهمية استخدام أساليب النمذجة الاقتصادية تتركّز في تقدير نتائج الخطط الاقتصادية ومواءمتها مع توقعات الأشخاص من جهة بالتعاون مع وحدة الاقتصاد السلوكي، وتقييم السياسات الاقتصادية ووضع أطر لحوكمة النماذج الاقتصادية من جهة أخرى مع ضرورة وجود تنسيق وتناغم بين السياسات والخطط الاقتصادية، ولذلك فإن وزارة الاقتصاد أنشأت في هيكلها الإداري دائرة تعنى بالنمذجة الاقتصادية ودائرة أخرى تعنى بالسياسات الاقتصادية، ومن المتوقع أن يكون للدائرتين دور في تقويم السياسات والبرامج الاقتصادية باستخدام تقنيات النمذجة الاقتصادية مع اقتراح الحلول الممكنة، وتصميم السياسات الاقتصادية الجديدة وتقييمها باستخدام أساليب النمذجة المناسبة، واقتراح برامج مبتكرة ونموذجية ترصد آثار الاختيارات البديلة على مستوى السياسات العامة عبر إنتاج سيناريوهات مختلفة مع إجراء دراسات سلوكية تضمن السلوكيات الاقتصادية كجزء من الاتجاه العام في تصميم السياسات الاقتصادية بالتعاون مع دائرة الاقتصاد السلوكي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسات الاقتصادیة الاقتصادیة التی

إقرأ أيضاً:

باحثون بجامعة أكسفورد يقترحون منهجية جديدة لاكتشاف هلوسة الذكاء الاصطناعي

إحدى المشكلات المزمنة التي تعاني منها أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي الحالية، مثل "شات جي بي تي"، هي أنها غالبا تؤكد بثقة على بعض المعلومات الخاطئة، ويطلق الباحثون والخبراء على هذا السلوك اسم "الهلوسة"، وهو يمثل عائقا أساسيا أمام فعالية تلك الأنظمة.

يحاول الباحثون من عدة جامعات ومؤسسات بحثية إيجاد حلول لتلك المشكلة، وفي ورقة بحثية جديدة، نُشرت في دورية "نيتشر" العلمية، يصف الباحثون، في قسم علوم الحاسب بجامعة أكسفورد، أسلوبا جديدا لاكتشاف متى يُحتمل أن تهلوس أنظمة الذكاء الاصطناعي.

تتمكن المنهجية المذكورة في الورقة البحثية من التفرقة بين الإجابات الصحيحة والخاطئة، التي يولدها نموذج الذكاء الاصطناعي بنسبة 79% تقريبا من الوقت، وهي نسبة أعلى بنحو 10 نقاط مئوية من المنهجيات الرائدة الأخرى المتاحة حاليا.

ورغم أن هذا الأسلوب يعالج سببا واحدا فقط من الأسباب العديدة لهلوسة نماذج الذكاء الاصطناعي، ويتطلب قوة حوسبة أكبر بعشر مرات تقريبا من المحادثة العادية مع الروبوت، فإن تلك النتائج قد تمهد الطريق لأنظمة ذكاء اصطناعي موثوقة أكثر في المستقبل القريب، كما يشير تقرير في مجلة تايم.

هلوسة الذكاء الاصطناعي

أصبح مصطلح "الهلوسة" شائعا في مجال الذكاء الاصطناعي، لكنه يعتبر أيضا مصطلحا مثيرا للجدل، فمن ناحية، يشير المصطلح إلى أن لدى النماذج نوعا ما من الخبرة الذاتية للعالم، وهو ما يتفق معظم علماء الحاسب على أنه ليس موجودا.

ومن ناحية أخرى، يشير المصطلح إلى أن تلك الهلوسة هي مشكلة قابلة للحل، وليست مشكلة جوهرية، وربما غير قابلة للحل في النماذج اللغوية الكبيرة، ويظهر هنا اختلاف بين معسكرات الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي حول إجابة هذا السؤال، لكن الأهم من كل ذلك هو أن المصطلح غير دقيق، فهو يصف عدة فئات متباينة من الأخطاء التي يقع بها نموذج الذكاء الاصطناعي، كما يشير التقرير.

ولذا قرر فريق جامعة أكسفورد التركيز على فئة واحدة بعينها من الهلوسة، أطلقوا عليها اسم "التَخْريف" (confabulations)، وهي عندما يصدر نموذج ذكاء اصطناعي إجابات خاطئة غير متوافقة على سؤال يتعلق بالحقائق، على عكس الإجابة الخاطئة المتوافقة نفسها التي تنشأ غالبا من أسباب أخرى مثل مشكلات في بيانات تدريب النموذج، أو عندما يكذب النموذج سعيا وراء الحصول على مكسب ما، أو عندما يعاني من خلل هيكلي في منطقه أو أسلوب استنتاجه.

"الأنتروبيا الدلالية" هو مقياس لمدى تشابه أو اختلاف معاني كل إجابة (شترستوك) أسلوب بسيط

الأسلوب الذي استخدمه الفريق البحثي لاكتشاف احتمالية أن يخرف النموذج بسيط نسبيا، في البداية، يطلب الباحثون من روبوت المحادثة أن يصدر مجموعة من الإجابات، تكون عادة ما بين 5 إلى 10 إجابات، على السؤال نفسه، ثم يستخدمون نموذجا لغويا مختلفا لتصنيف تلك الإجابات بناء على معناها.

على سبيل المثال، إجابات "باريس هي عاصمة فرنسا" و"عاصمة فرنسا هي باريس" سيصنفهما النموذج في المجموعة نفسها لأنهما يحملان المعنى ذاته، بالرغم من اختلاف صياغة الجملتين. أما إجابة مثل "عاصمة فرنسا هي روما" فيصنفها النموذج في مجموعة مختلفة.

ثم يحسب الباحثون بعد ذلك رقما أطلقوا عليه اسم "الأنتروبيا الدلالية" (semantic entropy)، وهو مقياس لمدى تشابه أو اختلاف معاني كل إجابة، فإذا كانت كل إجابات النموذج تحمل معاني مختلفة، تصبح قيمة الأنتروبيا الدلالية مرتفعة، مما يشير إلى أن النموذج مشوش ويتعرض لسلوك "التخريف".

أما إذا كانت كل إجابات النموذج تحمل معاني متطابقة أو متشابهة، فستكون قيمة الأنتروبيا الدلالية منخفضة، مما يشير إلى أن النموذج يقدم إجابة متسقة، ولهذا لا يُحتمل أن يكون النموذج معرضا لسلوك التخريف، قد تظل الإجابة خاطئة باستمرار، لكن هذا يعتبر نوعا مختلفا من الهلوسة، مثلا قد تكون بسبب مشكلات في بيانات تدريب النموذج نفسها.

ذكر الباحثون أن أسلوب رصد الأنتروبيا الدلالية تفوق على العديد من الأساليب الأخرى لاكتشاف هلوسة نماذج الذكاء الاصطناعي، وشملت تلك الأساليب "الأنتروبيا البدائية"، التي تكتشف فقط اختلاف صياغة الجملة وليس معناها، وأسلوب آخر يطلب من النموذج نفسه تقييم مدى صحة إجاباته، بجانب أسلوب آخر يُضبط فيه نموذج الذكاء الاصطناعي على الإجابات الصحيحة لأسئلة محددة.

هل يصلح للتطبيق العملي؟

يطرح الفريق البحثي بعض الأفكار حول كيف يمكن لمنهجية كشف "الأنتروبيا الدلالية" أن تبدأ في الحد من هلوسة روبوتات المحادثة الرائدة في المجال حاليا. يذكر أحد مؤلفي الورقة البحثية أنها من الممكن نظريا أن تسمح لشركة أوبن إيه آي بإضافة خيار إلى روبوت "شات جي بي تي"، حين يضغط المستخدم على إجابة ما، سيحصل على درجة من التأكد تمنحه شعورا أكبر بالثقة حول دقة تلك الإجابة.

كما يوضح أن هذا الأسلوب قد يُدمج أيضا ضمن الأدوات الأخرى التي تعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل مرتفعة المخاطر، حيث ترغب الشركة أو المؤسسة في مبادلة السرعة والتكلفة بدقة الإجابة.

في حين أن الفريق البحثي متفائل بشأن قدرة أسلوبهم على تحسين موثوقية أنظمة الذكاء الاصطناعي، إلا أن بعض الخبراء يحذرون من المبالغة في تقدير تأثيره الفوري، وفقا لتقرير تايم.

ويشير بعض الخبراء إلى عدم وضوح إمكانية دمج هذا الأسلوب في تطبيقات حقيقية مثل روبوتات المحادثة المنتشرة حاليا، كما يشير التقرير، ويوضحون أنه كلما أصبحت نماذج الذكاء الاصطناعي أكثر قدرة، سيحاول الناس استخدامها في مهام أكثر صعوبة ربما تزداد فيها احتمالية الفشل.

مقالات مشابهة

  • المِنَــحُ الخارجية للسفارة الأمريكية.. بوابةُ الاستهداف الثقافي لليمن
  • باحثون بجامعة أكسفورد يقترحون منهجية جديدة لاكتشاف هلوسة الذكاء الاصطناعي
  • مجموعة العمل الاقتصادية لعملية برلين تبحث دعم الاقتصاد الليبي
  • خبراء: مساندة الاتحاد الأوروبي بمليار يورو رسالة ثقة جديدة في الاقتصاد المصري
  • كتلة الحوار: نموذج التعاون الاقتصادي المصري الأوروبي شهادة جودة للإدارة المصرية الاقتصادية
  • مصر تربح الرهان.. انطلاقة قوية للاقتصاد بسبب الاستقرار المالي
  • رئيس «نقل النواب»: مؤتمر الاستثمار الأوروبي يعكس حالة الثقة في الاقتصاد المصري
  • خبير: الاتحاد الأوروبي يثق في قدرة الاقتصاد المصري على الصمود أمام التحديات
  • أهمية توطين الصناعة في مصر وانعكاسها على الاقتصاد (شاهد)
  • تقرير للبنك الدولي: عقبات كبيرة تفاقم الأزمات الاقتصادية الإنسانية في اليمن