وكالات – نبض السودان

أدت سبعة أشهر من الحرب المتواصلة في السودان إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين داخليا والى دول الجوار، وجعلت احتمال التقسيم خطرا محدقا ببلاد كانت تعاني أساسا من التشرذم والصراعات.

ومع تواصل المعارك والنزاع بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحليفه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، يخشى خبراء أن يتكرر في السودان “السيناريو الليبي”، في إشارة الى الفوضى التي تعمّ الجار الشمالي الغربي حيث تتنازع حكومتان السلطة، إحداهما في طرابلس معترف بها من الأمم المتحدة والثانية في الشرق يقودها الجنرال خليفة حفتر المدعوم من أطراف إقليمية.

وفي السودان، سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق في الخرطوم وحققت تقدما كبيرا في إقليم دارفور (غرب). في المقابل، تحصّن أعضاء الحكومة وقادة الجيش في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر بشرق البلاد، والتي بقيت في منأى عن المعارك التي اندلعت في 15 نيسان/أبريل.

ولا يبدو أي طرف مستعدا لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، خصوصا أن أيا منهما لم يحقق تقدما حاسما على الأرض.

ومطلع الشهر الجاري، فشلت جولة جديدة من مفاوضات جدة التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية في تحقيق أي خرق. ولم تفلح جولات التفاوض المتعددة سوى في إبرام وقف موقت للمعارك التي كانت سرعان ما تستأنف بمجرد انتهاء المهل.

ويثير فشل الوساطات الدولية المتعددة مخاوف من أن يفضي استمرار الوضع على حاله لفترة طويلة الى تقسيم السودان. وقال خالد عمر يوسف الناطق باسم قوى الحرية والتغيير، الكتلة المدنية التي كانت شريكة في الحكم مع الجيش قبل انقلاب البرهان عليها في تشرين الأول/أكتوبر 2021، “إن استمرار المعارك يمكن أن يؤدي الى سيناريوهات مرعبة من بينها التقسيم”.

وأضاف لوكالة فرانس برس “موجة التسليح المتصاعدة (للمدنيين) تعمّق الشروخ الاجتماعية في السودان”.

وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم الى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، وفق تقدير لمنظمة “أكليد” يعتقد على نطاق واسع أنه أدنى من الحصيلة الفعلية.

كما تسببت المعارك بنزوح أكثر من ستة ملايين شخص وتدمير معظم النية الأساسية في السودان الذي كان يعدّ حتى قبل اندلاع النزاع، من أفقر بلدان العالم.

ومنذ مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، شنت قوات الدعم هجوما واسع النطاق سيطرته من خلاله على قواعد الجيش في المدن الكبرى في الإقليم.

وتواترت التقارير عن مذابح جديدة في مدينة أرداماتا (غرب دارفور)، قتل فيها 800 شخص وتمّ تدمير 100 مأوى في معسكر للنازحين، ما دفع ثمانية آلاف شخص للفرار الى تشاد المجاورة خلال أسبوع واحد، وفق الأمم المتحدة.

وأعرب الاتحاد الأوروبي عن “صدمته” من سقوط “حوالي ألف قتيل” في زهاء يومين في أرداماتا في ما يبدو حملة “تطهير عرقي”.

ويعتقد الخبراء أن تلك الأرقام تبقى ما دون الفعلية بسبب انقطاع شبكات الاتصالات بشكل شبه كامل جراء القتال.

ومنذ بداية النزاع، أحصت الأمم المتحدة أكثر من 1.5 مليون نازح داخل إقليم دارفور الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغين 48 مليونا.

وحذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أن العنف في السودان بلغ مرحلة “الشر المطلق” وأعربت عن قلقها خصوصا من هجمات على أساس عرقي في دارفور.

وفيما يقاتل الجيش في مختلف أنحاء السودان، اتخذ قائده البرهان وحكومته من بورتسودان مقرا لقيادتهم، ما غذّى الخشية من تقسيم البلاد.

ويرى المحلل السوداني فايز السليك أن الفشل في التوصل الى حل سياسي يمكن أن يقود الى وضع مشابه للوضع في ليبيا “مع وجود أكثر من حكومة لا تملك أيا منها فعالية حقيقية وغير معترف بها دوليا”.

وعلى رغم أن الخبراء يرون أن دقلو قادر على الاعتماد على حلفاء وازنين، فإن البرهان حافظ على مكانته كرئيس فعلي للدولة في المحافل الدولية ويشارك في اجتماعات الأمم المتحدة والجامعة العربية.

ورأى السليك أن التقدم الكبير الذي حققته قوات الدعم السريع في دارفور “يعطيها ميزة نسبية ويمكنها من التحرك داخل قواعدها”، وذلك في إشارة الى القبائل العربية في الإقليم. ذلك أن الفصائل العربية المسلحة المعروفة بـ”الجنجويد” تشكّل عماد قوات الدعم السريع.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير المتهم بارتكاب “جرائم حرب” و”جرائم ضد الانسانية” في دارفور. وتحذر المحكمة اليوم من تكرار السيناريو نفسه.

وعلى رغم تقدم قوات الدعم في دارفور، فإن فرص تحقيق أي طرف نصرا عسكريا حاسما على الآخر تبدو ضئيلة، بحسب ما قال خبير عسكري طلب عدم الكشف عن هويته.

وأوضح “حتى لو تمكن الجيش من استعادة السيطرة على الخرطوم، وهي مهمة شاقة، فسيكون من الصعب جدا من الناحية اللوجستية إرسال قوات لاستعادة أجزاء من دارفور”، اذ يفضل 1200 كيلومتر بين العاصمة ومدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور قرب الحدود مع تشاد.

وفي الخرطوم استيقظ السكان قبل نحو عشرة أيام على خبر صادم: تفجير جسر “شمبات” الذي يربط بين ضاحيتي العاصمة بحري وأم درمان. وفي حين تبادل طرفان النزاع الاتهامات بشأن تدمير الجسر، رأى خبراء أن قوات الدعم فقدت بخسارة الجسر، خط إمدادها الرئيسي من وسط السودان.

ومع احتدام الصراع في السودان، اشتعل التوتر مطلع الأسبوع بمنطقة يطالب بها كل من السودان وجنوب السودان، وقال مسؤول محلي الاثنين إن 32 شخصا على الأقل لقوا حتفهم في هجمات شنتها فصائل متناحرة من قبيلة الدينكا العرقية.

وتشيع أعمال العنف الدامية في منطقة أبيي الغنية بالنفط حيث تخوض قبيلة دينكا تويج من ولاية واراب المجاورة في جنوب السودان نزاعا مع قبيلة دينكا نقوك من أبيي على موقع الحدود الإدارية.

وقال بولس كوتش وزير الإعلام في منطقة أبيي الإدارية لرويترز إن شبانا مسلحين من قبيلة دينكا تويج مدعومين بميليشيا محلية هاجموا عدة قرى لقبيلة دينكا نقوك في شمال شرقي بلدة أقوك صباح الأحد. وذكر أن رجالا يرتدون زي الجيش في جنوب السودان، يدعمهم مقاتلون من دينكا تويج، هاجموا أيضا تجمعات سكنية لدينكا نقوك.

ويطالب السودان وجنوب السودان بالسيادة على منطقة أبيي منذ إعلان جنوب السودان الاستقلال في عام 2011. وتتمتع أبيي بوضع إداري خاص إذ تحكمها إدارة تتألف من مسؤولين تعينهم جوبا والخرطوم.

وانزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية بعد استقلاله بوقت قصير. ووضع الصراع الرئيس سلفا كير وحلفاءه في مواجهة مع نائب الرئيس ريك مشار.

ولا يزال اتفاق السلام الموقع قبل ثلاث سنوات صامدا إلى حد كبير، لكن الحكومة الانتقالية بطيئة في توحيد الفصائل المختلفة بالجيش.

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: التقسيم السودان شبح على ي خيم قوات الدعم السریع الأمم المتحدة جنوب السودان فی السودان فی دارفور الجیش فی أکثر من

إقرأ أيضاً:

شهادات حية يرويها المتضررون.. كارثة إنسانية في السودان بعد عامين على الحرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

منذ يومين، مر عامان على الصراع فى السودان الذى بدأ فى 15 أبريل 2023، وبحسب الأمم المتحدة، فإن البلاد تشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم. خلفت الحرب في السودان آلاف الضحايا و"13 مليون نازح ولاجئ"، ونصف سكان البلاد في حاجة إلى مساعدات، بحسب مسئول في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين. كما ارتكبت ميليشيات الدعم السريع إبادة جماعية خلال هذا الصراع ضد مجتمع المساليت في دارفور.. بعد عامين فقط من اندلاع الحرب، تسلط إذاعة فرنسا الدولية الضوء، من خلال شهادات حية يرويها أبناء السودان لعدد من مراسلي الإذاعة، حول معاناتهم من هذه الحرب التي يكاد أن ينساها العالم تدريجياً.

وصلت رادا آدم عبدالرحمن مطر إلى أدري، على الجانب التشادي من الحدود، إلى مركز الإسعافات الأولية التابع للصليب الأحمر. وبعد أن غادرت نيالا، عاصمة جنوب دارفور على الجانب السوداني، قبل ثلاثة أيام، أصبحت مرهقة للغاية. وتقول إنها لم يكن أمامها خيار سوى الفرار وتضيف "الحرب لن تتوقف فأجبرنا على الرحيل. وبعد ذلك نشعر بالجوع، ونعاني كثيرًا بسببه. ليس لدى أطفالي ما يأكلونه. ولم نعد نتلقى أي أموال. هذه هي الأسباب التي دفعتنا إلى مغادرة البلاد. في كثير من الأحيان، لا نأكل أي شيء طوال اليوم، ومن الممكن أن نستمر لمدة تصل إلى يومين أو ثلاثة أيام  دون أن نأكل أي شيء. المجاعة منتشرة في جميع أنحاء السودان وذلك بسبب الحرب".

نعمت هارون خميس محمد، 26 سنة ولديها أربعة أطفال، وهي أيضاً من نيالا. لقد عبرت الحدود في نفس الوقت مع رادا. تقصفنا طائرات الدعم السريع. غالبًا ما يحدث هذا في منتصف الليل وأنت نائم، وعندما تستيقظ تكتشف من قُصف أثناء نومك. قصفٌ أودى بحياة عمتي وأطفالها الستة في منزلهم"..   وعلى مدار العام الماضي، يسافر محمود محمد بحري، وهو تشادي يبلغ من العمر 56 عامًا، ذهابًا وإيابًا بين مدينتي الحدود: أدري، على الجانب التشادي، وأدينكون، على الجانب السوداني. هو من أحضر المرأتين على عربته كما أحضر الكثير من اللاجئين. وقد شهد وصول العديد منهم خلال الاثني عشر شهرًا الماضية.  يقول سائق العربة: "إنهم مفلسون. وضعهم مأساوي. لم يأكل بعض الناس شيئًا لمدة يومين أو ثلاثة أيام. إنهم جائعون جدًا لدرجة أنهم مستعدون لتناول أي شيء".

في الأشهر الأخيرة، أدى التحول في ميزان القوى بين المعسكرين إلى تحول الصراع، وفرض الجيش السوداني نفسه أواخر عام 2024 في وسط البلاد. وحرر ولاية سنار، ثم الجزيرة، وأخيراً (في نهاية مارس الماضى) العاصمة الخرطوم. في قلب المدينة، أصبح القصر الرئاسي الآن تحت سيطرة الجيش. وكان من المقرر أن تعلن ميليشيا الدعم السريع وحلفاؤها عن تشكيل حكومتهم الموازية من هذا المبنى الرمزي للغاية، ولكنهم فوجئوا بالأمر. 

بعد عامين من الحصار، كان رحيل قوات الدعم السريع بمثابة ارتياح لكثير من سكان العاصمة. تقول هناء، وهي شابة من أم درمان "لقد كان خبرًا رائعًا! استيقظنا ذات صباح وكان الجميع من حولنا يصرخون: هل سمعتم ذلك؟ لقد رحل رجال الدعم السريع!"، وتشرح كيف أطلق أفراد من القوات شبه العسكرية النار على حيّها، فدمروا المنازل والمدارس ومركزًا صحيًا. وتضيف: "خرجت أنا وأصدقائي للاحتفال في الشارع . لقد مر وقت طويل لا أستطيع فيه الخروج"!. 

وتقول دعاء، وهي أم شابة تعيش في شرق العاصمة: "إن الأحياء التي احتلتها القوات شبه العسكرية في الخرطوم هي التي عانى السكان منها أكثر من غيرها". وأضافت وهي تشعر بالارتياح: "في السابق، كان من الممكن أن تُختطف المرأة، وكانت النساء دائمًا عرضة للاغتصاب. أما الآن، فيمكننا النوم بسلام، ويمكنني الخروج وشراء ما أتناوله". وتواصل "يمكنك أن تتخيل أن طفلي لم يشرب الحليب أو عصير الفاكهة أبدًا، لم نكن نعيش، بل كنا ننجو!".. هذه الشابة، التي تعمل في مطبخ مجتمعي (مطابخ أُنشئت بأموال أرسلها المغتربون)، تُعرب عن أسفها للوضع الإنساني. وتضيف: "اليوم، نرى شبابًا في الثلاثينيات من عمرهم يبدون وكأنهم في الخمسينيات. إنهم نحيفون، مُرهقون، شاحبون، مجرد جلد وعظام.. لقد عشنا في جو من الخوف الدائم، وهذا واضح على وجوه الجميع".

مدثر، مصور شاب، يرثى حالة العاصمة. يقول إن منطقة وسط المدينة، حيث يقع متجره، كان أشبه بمدينة أشباح: "لا أحد في الشوارع، والأبواب مفتوحة على مصراعيها، والمباني خالية تمامًا. نما النبات في كل مكان، على الطرقات، وعلى الأسطح.  أما المباني المهمة أو التاريخية، فيتحسر قائلًا:  لقد احترقت، ولم يبقَ شيء في داخلها مثل المتحف الوطني الذي تم نهبه وكان يضم أشياء لا يمكن تعويضها". 

وضع دراماتيكي 

واعترفت قوات الدعم السريع مؤخراً ليس بسحب قواتها بل "بإعادة انتشارها"، وذلك بعد هزيمتهم فى العاصمة. لكن القتال يتركز حول مدينة الفاشر في شمال دارفور. أغلبية أفراد قوات الدعم السريع الذين انسحبوا من الخرطوم ينتشرون في هذه المنطقة. كما استهدفت البلدات المحيطة بالمدينة بقصف عنيف. وأعلنت قوات الدعم السريع الخميس الماضي سيطرتها على مدينة أم كدادة، التي تقع على بعد نحو 180 كيلومترا شرق الفاشر. وفي الأسبوع الماضي، أدت تفجيرات سوق نيفاشا ومعسكر أبو شوك إلى مقتل 25 مدنياً وإصابة العشرات. لكن الفاشر لا تزال صامدة في وجه هذه الميليشيات. 

وتسيطر هذه القوات على بقية دارفور. وتعتبر مدينة الفاشر التي يحاولون السيطرة عليها منذ عام، آخر منطقة في المنطقة لا تزال بعيدة عن متناولهم. وهي أكبر مدينة في دارفور، بالنظر إلى مساحتها وعدد سكانها، فضلاً عن عدد النازحين الذين يعيشون في المخيمات المحيطة بها منذ حرب عام 2003. أعلنت القوات شبه العسكرية، الأحد الماضى، سيطرتها على مخيم زمزم، أكبر مخيم للنازحين في السودان. وبحسب عدد من المنظمات غير الحكومية، فإنه منذ 11 أبريل، يصل 20 ألف شخص يوميا إلى طويلة، وهي بلدة تقع على بعد نحو 70 كيلومترا من زمزم. ولجأ آخرون إلى مدينة الفاشر الأقرب. وبحسب المنظمات الدولية فإن المخيم أصبح خالياً تماما من سكانه.

يقول عبد الكريم يحيى، أحد النازحين من زمزم: "بعد الهجمات الأخيرة، تدهور الوضع في زمزم بشكل كبير. وتدهورت الحالة الطبية أيضًا. أما بالنسبة للمنتجات الغذائية فقد أصبحت نادرة. كل هذا بسبب حصار زمزم والفاشر الذي لا يسمح بنقل هذه المنتجات إلى المعسكر". يتابع قائلًا: "أصبحت الحياة صعبة، لأن قوات الدعم السريع أغلقت جميع مداخل المخيم وتمنع دخول المواد الغذائية. تعرضت القرى المحيطة بزمزم، والتي يزيد عددها عن 70 قرية، للنهب والحرق على يد قوات الدعم السريع. فرّ سكانها. بعضهم جاء إلى زمزم، والبعض الآخر إلى الطويلة".

مرة أخرى تهدد قوات الدعم السريع وحلفاؤها بالاستيلاء على الفاشر، كما تزايدت دعواتهم لسكان المدينة بالبحث عن ملجأ في أماكن أخرى. ويترافق ذلك مع تزايد عمليات القصف باستخدام المدفعية الثقيلة أو الطائرات المسيرة. وتتعالى الدعوات إلى ضمان توفير ممرات آمنة للمدنيين الذين يغادرون المدينة. والحال نفسه ينطبق على سكان مخيم زمزم وسكان أبو شوك.

مجتمع المساليت

ويتسم الصراع الذي اجتاح السودان بالعنف الشديد. في 7 يناير 2025، اتهمت واشنطن قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية في دارفور. وتتكون هذه الميليشيات في معظمها من أفراد القبائل العربية من غرب السودان، وهي ورثة الجنجويد الذين زرعوا الرعب في دارفور منذ عام 2003 لمواجهة ظهور الجماعات المتمردة. وتتهم الولايات المتحدة هذه الأطراف بأنها "قامت، في هذه الحرب الجديدة، بقتل الرجال والفتيان - وحتى الرضع - على أساس عرقي بشكل منهجي"، ولكنها تتهمها أيضاً بأنها "استهدفت عمداً النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي الوحشي". وتابعت وزارة الخارجية الأمريكية: "إن هذه الميليشيات نفسها استهدفت المدنيين الفارين، وقتلت الأبرياء الذين يسعون إلى الفرار من الصراع، ومنعت المدنيين المتبقين من الوصول إلى الإمدادات الحيوية ".

روضة عبد السلام، 44 عاماً، من مدينة الجنينة في دارفور. تعيش في مخيم جوروم بالقرب من جوبا، عاصمة جنوب السودان. لقد شهدت هذا العنف في غرب بلادها. منذ عام 2003، تمكنت من البقاء على قيد الحياة على الرغم من التهديد المستمر من قبل الميليشيات الجنجويد. لكن عندما اندلعت الحرب في أبريل 2023، ازداد عنف ورثتهم، قوات الدعم السريع، عشرة أضعاف، وتقول: "ما دفعني للرحيل هو أن قوات الدعم السريع تقتل الرجال والأطفال، وتغتصب النساء. يغتصبونك أمام زوجك، ثم يضربونه ويقتلونه أمامك. وإذا كان لديك طفل ذكر، يقتلونه. حتى لو كان رضيعًا ما زلت ترضعينه، يقتلونه. أصبحت الحياة جحيمًا مع هذه الحرب. يضربونك ويمكنهم فعل ما يحلو لهم بك. أنت لست آمنًا في أي مكان. لهذا السبب غادرت". لا تزال صور العنف تطاردها، وخاصة صور اغتيال حاكم غرب دارفور خميس عبد الله في يونيو 2023. وكان قد أدان آنذاك الإبادة الجماعية. وأدى ذلك إلى اختطافه وقتله بالرصاص على يد قوات الدعم السريع، وتشويه جثته وسحلها في شوارع الجنينة.

ولا تزال ذكريات هذه المجازر واستهداف المساليت تطارد مخيمات اللاجئين الواقعة في شرق تشاد. إن قصص الفرار من دارفور مروعة. فايزة خاطر، 20 عامًا، ولدت أيضًا في الجنينة. وصلت في عام 2023 إلى مخيم أدري في تشاد. تقول "غادرنا منازلنا، وجئنا سيرًا على الأقدام. مشينا ليومين للوصول إلى أدينكون، قبل أدري مباشرةً.. كان هناك نهب على الطريق. يُقتل الناس، حتى الأطفال. رأيتُ ذلك بأم عيني. هؤلاء هم الجنجويد الجدد. يغتصبون في شوارع السودان. بدأوا بالإبادة العرقية. سألوا عن عرقنا. على سبيل المثال، إذا كنتَ من المساليت، تُعامل معاملة قاسية. لم يُؤذَني أحد، لكن الكثيرين عانوا. كثيرًا ما نفكر في الحرب، رأينا الدماء تسيل، كثيرًا ما نفكر في ذلك". 

المجاعة وانعدام الأمن 

وقد أدى هذا السياق من الحرب والمجازر ضد المدنيين إلى إرباك اقتصاد البلاد وخلق حالة غذائية مثيرة للقلق بشكل خاص. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن ما يقرب من نصف السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتقدر المنظمة الأممية أنه سيكون من الضروري هذا العام استيراد 2.7 مليون طن من الحبوب (القمح في الغالب) لتغطية احتياجات الاستهلاك المحلي. وفي حين من المتوقع أن تكون المحاصيل القادمة، وخاصة الذرة الرفيعة، أفضل هذا العام، فإن قنوات التوزيع تعطلت بسبب الصراع المستمر.

وعلى أرض الواقع، فإن القتال والتدمير والسيطرة على الأراضي الصالحة للزراعة تمنع المزارعين من زراعة أراضيهم. وهذا هو الحال في دارفور وكردفان، وخاصة في ولاية الجزيرة، سلة الخبز في البلاد. ولم تسلم من هذا الدمار الذى خلفته الميليشيات المستودعات والمختبرات وبنوك البذور والمعاهد الزراعية في الخرطوم وود مدني، بحسب دراسة مفصلة أجراها مركز الأبحاث الهولندي كلينجندايل. 

وأوضحت منظمة الأغذية والزراعة أن الصراع ألحق أضراراً بالغة بالبنية التحتية، وخاصة الطرق، مما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد. هناك عقبة أخرى: الحواجز و"القواعد" على الطرق التي تتغير باستمرار. ويقول أحد سائقي الشاحنات إن سير شاحنة محملة بالبضائع من بورتسودان إلى غرب دارفور قد يستغرق شهراً، حيث تمر عبر 25 نقطة تفتيش.

وساطات كثيرة

ويضاف إلى ذلك القيود المالية، إذ تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى تعطيل الترتيبات المعتادة مثل تسليم المدخلات عن طريق الائتمان للمزارعين الصغار. وبينما تمكن النظام المصرفي من التعافي جزئياً، فإن نقص السيولة وانخفاض قيمة الجنيه السوداني يفرضان ضغوطاً على المنتجين وسلسلة التوريد بأكملها، التي تعاني بالفعل من التضخم. 

طوال عامين، فشلت كل محاولات الوساطة. لقد اقترحت كل من جنوب السودان ومصر وكينيا والصومال وأوغندا وإريتريا وجيبوتي وتركيا، فضلاً عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، مبادرات أو عقدت قمم، ولكن كل هذه الوساطات لم تؤد إلى وقف الحرب.

خلال الأشهر الأولى من الحرب، عقدت قمم في الدول الإفريقية والعربية المجاورة لإيجاد حل، ولكن لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار. وأسفرت هذه الاجتماعات بشكل رئيسي عن إصدار بيانات تعبر عن القلق إزاء تدهور الوضع الإنساني ودعوات إلى وضع حد للتدخل. لكنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى حل. 

مرونة السكان 

والأمل في الوقت الحالي لا يوجد إلا في قدرة بعض السودانيين على الصمود والطاقة، كما هو الحال في مخيم جوروم للاجئين. الآن تعمل روضة عبد السلام في المطعم الصغير الذي افتتحته. عند مدخل الهيكل الخشبي المصنوع من الخيزران، والمغطى بالحديد المموج،  وتخدم روضة موظفي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واللاجئين على حد سواء. بعد أن فقدت كل شيء في حرب السودان، بدأت هذا العمل بالأساس لكسب قوت يومها وتقول "عندما وصلنا إلى جوروم، كنا نفتقر إلى كل شيء. بدأت ببيع الشاي لشراء الطعام لعائلتي. ثم تمكنت من شراء خمسة كراسي. واصلت العمل، وشيئًا فشيئًا، تمكنت من افتتاح هذا المطعم. نطهو اللحوم وأنواعًا مختلفة من اللحوم في الصلصة، والباذنجان والفاصوليا والكرشة والبامية.. الحمد لله، الآن أصبح هذا العمل مناسبًا لي. وإذا كان أحدهم جائعًا وليس لديه مال، أخدمه، لأنني لا أفعل هذا من أجل الربح، ما أريده هو مساعدة الناس". 

تواصل رضوة أيضًا دعم عائلتها التي بقيت في السودان: "لديّ عائلة باقية في البلاد، والقليل الذي أكسبه أرسله لهم. أفضل البقاء هنا لأن الوضع في السودان ليس جيدًا. ولا أعرف متى ستنتهي هذه الحرب".

ورغم الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش السوداني، وخاصة في الخرطوم، لا تزال رضوة تتخوف من خطورة قوات الدعم السريع في دارفور. لذلك فهي متمسكة بالحياة الجديدة التي بنتها لنفسها، هنا في جوروم.

*راديو فرنسا الدولى

صورة تظهر الأضرار التي لحقت بالمتحف الوطني السوداني في الخرطوم المباني المتضررة في أحد أحياء جنوب الخرطوم بعد استعادة الجيش للعاصمة.هؤلاء فروا من مخيم زمزم للنازحين داخلياً يستريحون في مكان مؤقت في منطقة غرب دارفور سوق مخيم جوروم للاجئين بالقرب من جوبا في جنوب السودانجثث ملقاة خارج المنازل بعد أن قتلتهم قوات الدعم السريع في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور 

 

مقالات مشابهة

  • بسبب الحكومة الموازية.. الأمم المتحدة تحذر من خطر تفكك السودان
  • شهادات حية يرويها المتضررون.. كارثة إنسانية في السودان بعد عامين على الحرب
  • حميدتي يكشف عن حل وحيد يطرحه البرهان ويتهم الجيش بإغلاق كل الطرق السلمية
  • الأمم المتحدة تعلق على أحداث معسكر زمزم وتكشف عن رقم صادم لعدد القتلى من الأطفال
  • حرب السودان تدخل عامها الثالث.. جرائم حرب في دارفور وانهيار شامل بالشمال
  • الأمم المتحدة: نزوح ما يصل إلى 400 ألف من مخيم في دارفور
  • مع دخول الحرب عامها الثالث غوتيريش يندد بتدفق الأسلحة للسودان
  • الأمم المتحدة: 400 قتيل على يد قوات الدعم السريع في دارفور
  • تيته تبحث في أنطاليا مع وزراء دول الجوار إعادة تنشيط الدعم السياسي لليبيا
  • الأمم المتحدة تدعو لوقف جميع أعمال القتل بمخيمي زمزم وأبو شوك في السودان