العيد الوطني العماني والمأساة الفلسطينية
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
الأعياد الوطنية وقفات سنوية، متعلقة بكل دولة قُطْرية، فلها يوم تحتفي به، وتستحضر منجزاتها لما سلف من دهرها، وخططها لمستقبلها، وفيه تتزين بزينة وطنية، وتتغنى بأعيادها التراثية والقومية.
وعُمان كغيرها من الأمم، لها يوم تحتفي به، وتقف عنده، إلا أن هذا اليوم صادف واقعا عربيا مظلما، فقد خيم الحزن ولا يزال لما تتعرض له غزة من إبادة بشعة قل نظيرها في التأريخ الإنساني، لا يمكن بحال أن يتقبلها ضمير حي، أو يبررها عقل حر، فهي مأساة إنسانية بكل معانيها.
وما أصاب العالم عموما، والعرب خصوصا من كآبة وحزن؛ لم يكن بعيدًا عن عمان، فهي جزء من هذا المحيط، لهذا اقتصرت في عيدها الوطني على رفع الأعلام والعرض العسكري، فجمعت بين الاحتفاء بالقدر المعقول، مع المراعاة الإنسانية في هذه الظروف الراهنة المؤلمة.
وفي مناسبة الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان 2023م، والذي صادف احتفالات العيد الوطني العماني، في عامه الثالث والخمسين، نجد خطاب السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله– لم يخلُ من الإشارة إلى هذه القضية: «إننا إذ نتابع بكل أسى ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين المحتلة، من عدوان إسرائيلي غاشم، وحصار جائر؛ لنؤكد على مبادئنا الثابتة لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ومؤكدين على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته والتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، والمسارعة في إيجاد حلول جذرية لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وبذلك يعم السلام في منطقتنا، وينعم العالم أجمع بالأمن والأمان».
والعالم اليوم عموما يمر بتحديات عديدة، ولا يزال يعاني من آثار جائحة كورونا، ومن تراجع الوضع الاقتصادي، وانتشار البطالة، وآثار عدم العدالة بين المجتمعات الإنسانية، ومن الحروب والتشريد في الأرض، وآخرها الحرب الأوكرانية التي هي حرب مصغرة بين الشرق والغرب، ولعل العالم العربي اليوم هو أكثر الشعوب معاناة للحروب والدمار، فالعديد من دوله بين حروب أهلية، وتدخلات خارجية، وأوضاع اقتصادية سيئة، ولا شك أن حرب غزة الأخيرة تزيده سوءًا فوق سوء، ولها تأثيرها على الوضع الأمني والاستقراري في المنطقة، وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية وتنموية.
وما يحدث في أي جزء من العالم يتأثر به العالم أجمع، وهو ما تأثرت به عمان أيضا، وهو ما أشار إليه السلطان هيثم في خطبته: «بالرغم من التحديات التي واجهها الاقتصاد العالمي والتي انعكست سلبًا على اقتصادنا وبرامجنا الوطنية»، وقد سعت عمان أن تصمد أمام هذا التحدي لتنقل إلى حالة التعافي والنتاج، «وقد رسمنا خططنا بشكل مدروس بعناية، وبأهداف تلبي متطلبات الحاضر، وتسعى لتحقيق النمو المستدام، من خلال إدارة مواردنا الإدارة السليمة؛ لتخفيف أعباء الدين العام، ووجهنا جزءا من الفوائض المالية؛ لدعم القطاعات الاجتماعية، وتحفيز النمو الاقتصادي».
لهذا أي اضطراب في العالم يتأثر به القريب والبعيد، فالعالم اليوم يعيش عالمًا مندمجًا على بعضه، وإن استمرار الحال في غزه له تأثيره السلبي في المنطقة، ليس على المستوى الإنساني والاقتصادي فحسب؛ بل على المستوى الأمني كذلك، حيث تزداد الفجوة بين الشعوب والحكومات، وهذا يؤثر سلبًا على الولاءات القطرية، والاستقرار العام.
ومنع عُمان للمبالغة في احتفالات العيد الوطني تضامنًا مع غزة فيه رسائل واضحة، أكبر من كونه تضامنًا مع اللحمة العربية، وهذا بلا شك عمل إنساني لابد منه، فاللحمة الإنسانية والقومية في صورتها الحقيقية تظهر في الشدة قبل الرخاء، ولا يقتصر ذلك عند المساعدات المادية، بل يتجاوز إلى المشاعر القلبية والإنسانية في كل الأحوال.
ومن أكبر هذه الرسائل في نظري يتمثل في الإشارة إلى أن المجتمع العماني حكومة وشعبا لم يتخلَ عن القضية الفلسطينية، وظل داعما لها ما قبل نكبة 1948م وحتى اليوم، ففي عمان رأي واحد غير قابل للتقسيم، وهي أن القضية الفلسطينية هي القضية التأريخية التي لا يمكن التنازل عنها بحال من الأحوال، ولا يمكن المساومة عليها.
وقد يكون هناك شيء من التمايز في بعض جوانب وفروع القضية بين الرأي السياسي ورأي الجماهير بشكل عام، لكن كلا الرأيين يتفقان على جوهر واحد، وينطلقان من رؤية مشتركة واحدة، وهي مظلومية الشعب الفلسطيني، وضرورة تحقيق كرامته الإنسانية، ورفع الظلم عنه، وإقامة دولته المشروعة، مع حق العودة، وتحقيق أمنه الدائم.
بيد أن الرؤية السياسية لا يمكن أن تتحرك بذاتها، فهي تتحرك وفق مواثيق دولية وعربية، ووفق الدبلوماسية الضاغطة في الأمر، خلافا للخطاب الجماهيري الذي يجد فضاء أوسع في الخطاب، بأي شكل من الأشكال كان هذا الخطاب، وهو وإن كان ضاغطًا على الحكومات، إلا أن الحكومات ومنها عمان مدركة لما يتضمنه هذا الخطاب من مضامين نبيلة، غايتها في الجملة النصرة لهذا الشعب المظلوم.
لهذا الحضور الفلسطيني في وجدان الشعب العماني، من خلال الكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي، وحرية التظاهر، وفي الخطب الجمعية، وعقب الصلوات، وفي بيانات مجلس الشورى، والمجتمع المدني، وفي المقالات الصحفية، وفي المواقع والمدونات، وفي الشعر والأدب والرسم والفن والمقاطع الصوتية والمرئية، وفي المقاطعات الشعبية، حتى لتدرك أن المجتمع العماني لم يتحد على قضية كاتحاده على هذه القضية في الجملة، وإن اختلفت بعض الآراء والتحليلات؛ إلا أنها جميعًا تتجه إلى غاية واحدة، وهي نصرة القضية الفلسطينية.
هذه الرؤية الواحدة لم تكن رؤية النخب أو الجماهير، ولم تقتصر عند الخطابات الشعبية؛ بل هي كما أسلفنا رؤية الدولة ذاتها، ابتداء من رأس الهرم أي السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- ومن تحركات وزارة الخارجية التي لا تكاد يسكن لها جفن منذ بداية الأزمة، وهي جهة سيادية، وحتى وزارة الإعلام، وحضور الإعلام الرسمي في التلفزة والإذاعة والصحف، ليجتمع الجميع على رؤية مشتركة، ويتجه الكل إلى غاية واحدة.
واليوم ندرك أنه لا يمكن المساومة أو تفريق رؤية المجتمع العماني -حكومة وشعبا- حول هذه القضية، فبقت كما كانت وتكون حالة جوهرية في تحقيق إنسانية الشعب الفلسطيني، ورفع الظلم عنه.
ما قلته سلفا لا أقصد بذلك تعصبا، أو تقليلا من الدول والشعوب الأخرى، ومنها الدول العربية المعنية بشكل كبير في نصرة هذه القضية، فجل الحكومات والشعوب تعمل في ذات المجال، ولست هنا في سبيل النقد في بعض الجوانب، فسبق أن كتبتُ حول ذلك في هذه الجريدة، ولا داعي لتكرار ذلك، فما ذكرته هنا هو للتأريخ والواقع والمستقبل، فأجيال ستأتي وتشهد على تأريخنا، كما نحن أتينا ونشهد على تأريخ من مضى، وأن الواقع اليوم والحمد لله أثبت أننا مع الحق، وضد الظلم والطغيان والعدوان، وأن جيلنا الجديد مدرك لهذه القضية، وتعيش في ذاته ووجدانه، وتسري في دمه، وتتمظهر في إبداعه ونتاجه، وجميع هذا يدفع بهذه القضية إلى مستقبل أكثر إشراقا، فقد سئم العالم من رؤية هذه الدماء التي تسال بغير حق، كما سئم من هذا الخراب والدمار بحق الإنسان والحياة، وبحق الأطفال والنساء والشيوخ، لعل مجتمعاتنا -حكومات وشعوبا- يتبعها إفاقة إحيائية تجعل حدا لهذه المهازل المتكررة بحق الإنسان والحياة، ولا تتوقف عند الشدائد والأزمات، بل هي منهج للمستقبل، حتى يعود الحق، ويرفع الظلم، وينزل العدل، وتتحقق كرامة الإنسان، فيحيا مكرما كغيره من البشر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة هذه القضیة لا یمکن
إقرأ أيضاً:
مشاركة 18 فارسا في مسابقة العيد الوطني للرماية بالقوس
بركاء- الرؤية
اختتمت مسابقة العيد الوطني للرماية بالقوس من على ظهر الخيل على ميدان التقاط الأوتاد بمزرعة الرحبة، والتي نظمها الاتحاد العماني للفروسية والسباق لهذا الموسم 2024/2024م، تحت رعاية هلال بن أحمد الفليتي مدير دائرة بلدية بركاء بمشاركة ١٨ فارس، واشتلمت المسابقة على مسارين: المسار المتسلسل، ومسار الطبق، حيث كانت انطلاقة المسابقة في تمام الساعة ٣:٠٠ مساءً.
وجاءت النتائج في المسار المتسلسل على النحو الآتي، حصل الفارس محمد بن نجيب العطار على المركز الأول بمجموع نقاط ٤٠.٩٧ وحلّ ثانيًا الفارس هلال بن سلطان الجابري بنقاط مجموعها ٤٠.٧٤ وجاء في المركز الثالث الفارس عمران السابقي بمجموع نقاط ٣١.١٤
وأما النتائج في مسار الطبق جاءت على النحو الآتي، حصل الفارس محمد بن نجيب العطار على المركز الأول بمجموع نقاط ١٤.٢ وحلّ ثانيًا الفارس نمير بن محمد الشيدي بمجموع نقاط ١٢.٥٤ وجاء في المركز الثالث الفارس سيف بن عيسى المعمري بنقاط مجموعها ٨.٠٧
وأما نتائج الترتيب العام في البطولة حصل الفارس محمد نجيب العطار بمجموع نقاط ٥٤.١٧ والمركز الثاني الفارس هلال سلطان الجابري بمجموع نقاط ٤٠.٧٥ والمركز الثالث الفارس عمران السابقي بمجموع نقاط ٣٦.٩٧.
وفي ختام البطولة قام راعي الحفل هلال بن أحمد الفليتي مدير دائرة بلدية بركاء وحمود بن علي الناصري أمين سر الاتحاد بتتويج الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقة.