لجريدة عمان:
2024-09-09@12:20:34 GMT

العيد الوطني العماني والمأساة الفلسطينية

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

الأعياد الوطنية وقفات سنوية، متعلقة بكل دولة قُطْرية، فلها يوم تحتفي به، وتستحضر منجزاتها لما سلف من دهرها، وخططها لمستقبلها، وفيه تتزين بزينة وطنية، وتتغنى بأعيادها التراثية والقومية.

وعُمان كغيرها من الأمم، لها يوم تحتفي به، وتقف عنده، إلا أن هذا اليوم صادف واقعا عربيا مظلما، فقد خيم الحزن ولا يزال لما تتعرض له غزة من إبادة بشعة قل نظيرها في التأريخ الإنساني، لا يمكن بحال أن يتقبلها ضمير حي، أو يبررها عقل حر، فهي مأساة إنسانية بكل معانيها.

وما أصاب العالم عموما، والعرب خصوصا من كآبة وحزن؛ لم يكن بعيدًا عن عمان، فهي جزء من هذا المحيط، لهذا اقتصرت في عيدها الوطني على رفع الأعلام والعرض العسكري، فجمعت بين الاحتفاء بالقدر المعقول، مع المراعاة الإنسانية في هذه الظروف الراهنة المؤلمة.

وفي مناسبة الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان 2023م، والذي صادف احتفالات العيد الوطني العماني، في عامه الثالث والخمسين، نجد خطاب السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله– لم يخلُ من الإشارة إلى هذه القضية: «إننا إذ نتابع بكل أسى ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين المحتلة، من عدوان إسرائيلي غاشم، وحصار جائر؛ لنؤكد على مبادئنا الثابتة لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ومؤكدين على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته والتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، والمسارعة في إيجاد حلول جذرية لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وبذلك يعم السلام في منطقتنا، وينعم العالم أجمع بالأمن والأمان».

والعالم اليوم عموما يمر بتحديات عديدة، ولا يزال يعاني من آثار جائحة كورونا، ومن تراجع الوضع الاقتصادي، وانتشار البطالة، وآثار عدم العدالة بين المجتمعات الإنسانية، ومن الحروب والتشريد في الأرض، وآخرها الحرب الأوكرانية التي هي حرب مصغرة بين الشرق والغرب، ولعل العالم العربي اليوم هو أكثر الشعوب معاناة للحروب والدمار، فالعديد من دوله بين حروب أهلية، وتدخلات خارجية، وأوضاع اقتصادية سيئة، ولا شك أن حرب غزة الأخيرة تزيده سوءًا فوق سوء، ولها تأثيرها على الوضع الأمني والاستقراري في المنطقة، وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية وتنموية.

وما يحدث في أي جزء من العالم يتأثر به العالم أجمع، وهو ما تأثرت به عمان أيضا، وهو ما أشار إليه السلطان هيثم في خطبته: «بالرغم من التحديات التي واجهها الاقتصاد العالمي والتي انعكست سلبًا على اقتصادنا وبرامجنا الوطنية»، وقد سعت عمان أن تصمد أمام هذا التحدي لتنقل إلى حالة التعافي والنتاج، «وقد رسمنا خططنا بشكل مدروس بعناية، وبأهداف تلبي متطلبات الحاضر، وتسعى لتحقيق النمو المستدام، من خلال إدارة مواردنا الإدارة السليمة؛ لتخفيف أعباء الدين العام، ووجهنا جزءا من الفوائض المالية؛ لدعم القطاعات الاجتماعية، وتحفيز النمو الاقتصادي».

لهذا أي اضطراب في العالم يتأثر به القريب والبعيد، فالعالم اليوم يعيش عالمًا مندمجًا على بعضه، وإن استمرار الحال في غزه له تأثيره السلبي في المنطقة، ليس على المستوى الإنساني والاقتصادي فحسب؛ بل على المستوى الأمني كذلك، حيث تزداد الفجوة بين الشعوب والحكومات، وهذا يؤثر سلبًا على الولاءات القطرية، والاستقرار العام.

ومنع عُمان للمبالغة في احتفالات العيد الوطني تضامنًا مع غزة فيه رسائل واضحة، أكبر من كونه تضامنًا مع اللحمة العربية، وهذا بلا شك عمل إنساني لابد منه، فاللحمة الإنسانية والقومية في صورتها الحقيقية تظهر في الشدة قبل الرخاء، ولا يقتصر ذلك عند المساعدات المادية، بل يتجاوز إلى المشاعر القلبية والإنسانية في كل الأحوال.

ومن أكبر هذه الرسائل في نظري يتمثل في الإشارة إلى أن المجتمع العماني حكومة وشعبا لم يتخلَ عن القضية الفلسطينية، وظل داعما لها ما قبل نكبة 1948م وحتى اليوم، ففي عمان رأي واحد غير قابل للتقسيم، وهي أن القضية الفلسطينية هي القضية التأريخية التي لا يمكن التنازل عنها بحال من الأحوال، ولا يمكن المساومة عليها.

وقد يكون هناك شيء من التمايز في بعض جوانب وفروع القضية بين الرأي السياسي ورأي الجماهير بشكل عام، لكن كلا الرأيين يتفقان على جوهر واحد، وينطلقان من رؤية مشتركة واحدة، وهي مظلومية الشعب الفلسطيني، وضرورة تحقيق كرامته الإنسانية، ورفع الظلم عنه، وإقامة دولته المشروعة، مع حق العودة، وتحقيق أمنه الدائم.

بيد أن الرؤية السياسية لا يمكن أن تتحرك بذاتها، فهي تتحرك وفق مواثيق دولية وعربية، ووفق الدبلوماسية الضاغطة في الأمر، خلافا للخطاب الجماهيري الذي يجد فضاء أوسع في الخطاب، بأي شكل من الأشكال كان هذا الخطاب، وهو وإن كان ضاغطًا على الحكومات، إلا أن الحكومات ومنها عمان مدركة لما يتضمنه هذا الخطاب من مضامين نبيلة، غايتها في الجملة النصرة لهذا الشعب المظلوم.

لهذا الحضور الفلسطيني في وجدان الشعب العماني، من خلال الكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي، وحرية التظاهر، وفي الخطب الجمعية، وعقب الصلوات، وفي بيانات مجلس الشورى، والمجتمع المدني، وفي المقالات الصحفية، وفي المواقع والمدونات، وفي الشعر والأدب والرسم والفن والمقاطع الصوتية والمرئية، وفي المقاطعات الشعبية، حتى لتدرك أن المجتمع العماني لم يتحد على قضية كاتحاده على هذه القضية في الجملة، وإن اختلفت بعض الآراء والتحليلات؛ إلا أنها جميعًا تتجه إلى غاية واحدة، وهي نصرة القضية الفلسطينية.

هذه الرؤية الواحدة لم تكن رؤية النخب أو الجماهير، ولم تقتصر عند الخطابات الشعبية؛ بل هي كما أسلفنا رؤية الدولة ذاتها، ابتداء من رأس الهرم أي السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- ومن تحركات وزارة الخارجية التي لا تكاد يسكن لها جفن منذ بداية الأزمة، وهي جهة سيادية، وحتى وزارة الإعلام، وحضور الإعلام الرسمي في التلفزة والإذاعة والصحف، ليجتمع الجميع على رؤية مشتركة، ويتجه الكل إلى غاية واحدة.

واليوم ندرك أنه لا يمكن المساومة أو تفريق رؤية المجتمع العماني -حكومة وشعبا- حول هذه القضية، فبقت كما كانت وتكون حالة جوهرية في تحقيق إنسانية الشعب الفلسطيني، ورفع الظلم عنه.

ما قلته سلفا لا أقصد بذلك تعصبا، أو تقليلا من الدول والشعوب الأخرى، ومنها الدول العربية المعنية بشكل كبير في نصرة هذه القضية، فجل الحكومات والشعوب تعمل في ذات المجال، ولست هنا في سبيل النقد في بعض الجوانب، فسبق أن كتبتُ حول ذلك في هذه الجريدة، ولا داعي لتكرار ذلك، فما ذكرته هنا هو للتأريخ والواقع والمستقبل، فأجيال ستأتي وتشهد على تأريخنا، كما نحن أتينا ونشهد على تأريخ من مضى، وأن الواقع اليوم والحمد لله أثبت أننا مع الحق، وضد الظلم والطغيان والعدوان، وأن جيلنا الجديد مدرك لهذه القضية، وتعيش في ذاته ووجدانه، وتسري في دمه، وتتمظهر في إبداعه ونتاجه، وجميع هذا يدفع بهذه القضية إلى مستقبل أكثر إشراقا، فقد سئم العالم من رؤية هذه الدماء التي تسال بغير حق، كما سئم من هذا الخراب والدمار بحق الإنسان والحياة، وبحق الأطفال والنساء والشيوخ، لعل مجتمعاتنا -حكومات وشعوبا- يتبعها إفاقة إحيائية تجعل حدا لهذه المهازل المتكررة بحق الإنسان والحياة، ولا تتوقف عند الشدائد والأزمات، بل هي منهج للمستقبل، حتى يعود الحق، ويرفع الظلم، وينزل العدل، وتتحقق كرامة الإنسان، فيحيا مكرما كغيره من البشر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة هذه القضیة لا یمکن

إقرأ أيضاً:

خبراء: جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر رؤية استشرافية للنهوض بالطفولة

 

 

 

عقدت اللجنة المانحة لمجال جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر،أمس، اجتماعها الأول لدورة 2024-2025.

واستعرض الخبراء المشاركون، عدداً من المحاور المستقبلية لخطة العمل للدورة الحالية، وتوسيع قاعدة التوعية بالمجالين بالفئتين المطروحتين في هذا المجال، فئة البحوث والدراسات وفئة البرامج والمناهج والمنهجيات وطرق التدريس، وتعزيز مشاركة اللجنة المانحة في الفعاليات والمؤتمرات للتعريف بهاتين الفئتين على مستوى العالم والتعريف بآليات ومعايير الترشح اللازمة لكل فئة منهما.

حضر الاجتماع، الذي عقد عبر تقنية الاتصال المرئي، البروفيسور ستيفن بارنت المدير المؤسس للمعهد الوطني لأبحاث التعليم المبكر في جامعة روتجرز بالولايات المتحدة الأمريكية رئيس اللجنة المانحة ، والبروفيسورة إيرام سيراج أستاذ تنمية وتعليم الطفل بجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، والبروفيسورة نيرمالا راو من جامعة هونغ كونغ، والبروفيسورة جانا فليمنج مديرة إدارة تنمية الطفولة المبكرة في مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، والدكتورة ميرة الكعبي مستشار مدير عام هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة ورئيس الشؤون الأكاديمية في الأكاديمية الوطنية لتنمية الطفولة، والدكتور فيليب كويركي العميد التنفيذي للتعليم والدراسات العامة في كليات التقنية العليا سابقا عضو لجنة الفرز، والدكتور لؤي جارودي مستشار مجال جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر .

وناقش الاجتماع تعزيز المكانة الأكاديمية لهذا المجال على مستوى مختلف المؤسسات الدولية المتخصصة في العالم، والمشاركة في المؤتمرات والمنتديات الدولية ذات العلاقة برعاية وتعليم الطفولة المبكرة، وطرح برامج إثرائية للإفادة من خبرات الفائزين بهذا المجال في الدورات السابقة وتعزيز علاقاتهم بالميدان التعليمي والأكاديمي في إطار شامل من تبادل الخبرات والتجارب التي تعزز من تطور مسيرة رعاية الطفولة المبكرة .

وأشار أعضاء اللجنة المانحة إلى أن الجائزة نجحت في إثراء البحوث الأكاديمية لاستشراف مستقبل الطفولة المبكرة، مترجمين توجيهات سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة ، رئيس مجلس أمناء جائزة خليفة التربوية، بشأن إطلاق مجال جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر، وما حققه هذا المجال خلال الفترة الماضية من إضافة نوعية لمسيرة رعاية الطفولة المبكرة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، إذ يشكل هذا المجال رؤية استشرافية خلاقة لرعاية وتمكين الطفولة في جميع أنحاء العالم، عبر تسليط الضوء على الممارسات المتميزة التي تنهض بهذه الفئة وتوفر لها بيئة محفزة على الابداع والابتكار والريادة في مرحلة عمرية مبكرة .

من جانبها قالت أمل العفيفي الأمين لجائزة خليفة التربوية، إن الاجتماع استعرض عدداً من المحاور التنفيذية المرتبطة بخطط الدورة الحالية بما يرسخ من مكانة مجال جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر وسمعتها الأكاديمية في مختلف أرجاء العالم، كما تم مناقشة خطة الترويج لهذا المجال واستعراض التحديث الشامل الذي أنجزته الجائزة في البنية التحتية الرقمية لهذا المجال، والتطوير والتحديث الذي شهدته المنصات الإلكترونية بما يعزز من تفاعل الميدان مع فعاليات المجال والترشح لجائزته بأفضل الممارسات العلمية والعملية في مجال التعليم المبكر.

وناقش أعضاء اللجنة خطة التطوير لآليات عملية الفرز وتقييم الأعمال المرشحة بما يختصر الوقت والجهد، ويرسخ من رسالة مجال جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر في نشر ثقافة التميز على مستوى أرجاء العالم في رعاية الطفولة، وتهيئة بيئة تعلم معززة على الإبداع والتميز لهذه الفئة.

واستعرضوا دور الفائزين الثمانية في هذا المجال والاستعانة بهم في نقل خبراتهم وتجاربهم المتميزة في التعليم المبكر للطفولة، بما يدعم رسالة هذا المجال في نشر ثقافة التميز في الميدان التعليمي على مستوى العالم .وام


مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإماراتي تطورات القضية الفلسطينية وأزمة قطاع غزة
  • مهرجان الإسكندرية يدعم القضية الفلسطينية في دورته الـ 40
  • مهرجان الإسكندرية يدعم القضية الفلسطينية في دورته الأربعين
  • شؤون الأسرة لـ"اليوم": تفعيل الإطار الوطني لحماية الطفل في العالم الرقمي هذا العام
  • الدويري: هدف نتنياهو تصفية القضية الفلسطينية تماما
  • برلماني: دور مصر لنصرة القضية الفلسطينية يسطره التاريخ
  • آلاف المغاربة يطالبون بالاستمرار في دعم القضية الفلسطينية
  • خبراء: جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر رؤية استشرافية للنهوض بالطفولة
  • إعلان بيجينغ خطوة مهمة نحو حلّ القضية الفلسطينية
  • خبير: الدور المصري في التعامل مع القضية الفلسطينة له رؤية متكاملة