لجريدة عمان:
2025-02-11@22:47:03 GMT

العيد الوطني العماني والمأساة الفلسطينية

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

الأعياد الوطنية وقفات سنوية، متعلقة بكل دولة قُطْرية، فلها يوم تحتفي به، وتستحضر منجزاتها لما سلف من دهرها، وخططها لمستقبلها، وفيه تتزين بزينة وطنية، وتتغنى بأعيادها التراثية والقومية.

وعُمان كغيرها من الأمم، لها يوم تحتفي به، وتقف عنده، إلا أن هذا اليوم صادف واقعا عربيا مظلما، فقد خيم الحزن ولا يزال لما تتعرض له غزة من إبادة بشعة قل نظيرها في التأريخ الإنساني، لا يمكن بحال أن يتقبلها ضمير حي، أو يبررها عقل حر، فهي مأساة إنسانية بكل معانيها.

وما أصاب العالم عموما، والعرب خصوصا من كآبة وحزن؛ لم يكن بعيدًا عن عمان، فهي جزء من هذا المحيط، لهذا اقتصرت في عيدها الوطني على رفع الأعلام والعرض العسكري، فجمعت بين الاحتفاء بالقدر المعقول، مع المراعاة الإنسانية في هذه الظروف الراهنة المؤلمة.

وفي مناسبة الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان 2023م، والذي صادف احتفالات العيد الوطني العماني، في عامه الثالث والخمسين، نجد خطاب السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله– لم يخلُ من الإشارة إلى هذه القضية: «إننا إذ نتابع بكل أسى ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين المحتلة، من عدوان إسرائيلي غاشم، وحصار جائر؛ لنؤكد على مبادئنا الثابتة لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ومؤكدين على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته والتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، والمسارعة في إيجاد حلول جذرية لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وبذلك يعم السلام في منطقتنا، وينعم العالم أجمع بالأمن والأمان».

والعالم اليوم عموما يمر بتحديات عديدة، ولا يزال يعاني من آثار جائحة كورونا، ومن تراجع الوضع الاقتصادي، وانتشار البطالة، وآثار عدم العدالة بين المجتمعات الإنسانية، ومن الحروب والتشريد في الأرض، وآخرها الحرب الأوكرانية التي هي حرب مصغرة بين الشرق والغرب، ولعل العالم العربي اليوم هو أكثر الشعوب معاناة للحروب والدمار، فالعديد من دوله بين حروب أهلية، وتدخلات خارجية، وأوضاع اقتصادية سيئة، ولا شك أن حرب غزة الأخيرة تزيده سوءًا فوق سوء، ولها تأثيرها على الوضع الأمني والاستقراري في المنطقة، وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية وتنموية.

وما يحدث في أي جزء من العالم يتأثر به العالم أجمع، وهو ما تأثرت به عمان أيضا، وهو ما أشار إليه السلطان هيثم في خطبته: «بالرغم من التحديات التي واجهها الاقتصاد العالمي والتي انعكست سلبًا على اقتصادنا وبرامجنا الوطنية»، وقد سعت عمان أن تصمد أمام هذا التحدي لتنقل إلى حالة التعافي والنتاج، «وقد رسمنا خططنا بشكل مدروس بعناية، وبأهداف تلبي متطلبات الحاضر، وتسعى لتحقيق النمو المستدام، من خلال إدارة مواردنا الإدارة السليمة؛ لتخفيف أعباء الدين العام، ووجهنا جزءا من الفوائض المالية؛ لدعم القطاعات الاجتماعية، وتحفيز النمو الاقتصادي».

لهذا أي اضطراب في العالم يتأثر به القريب والبعيد، فالعالم اليوم يعيش عالمًا مندمجًا على بعضه، وإن استمرار الحال في غزه له تأثيره السلبي في المنطقة، ليس على المستوى الإنساني والاقتصادي فحسب؛ بل على المستوى الأمني كذلك، حيث تزداد الفجوة بين الشعوب والحكومات، وهذا يؤثر سلبًا على الولاءات القطرية، والاستقرار العام.

ومنع عُمان للمبالغة في احتفالات العيد الوطني تضامنًا مع غزة فيه رسائل واضحة، أكبر من كونه تضامنًا مع اللحمة العربية، وهذا بلا شك عمل إنساني لابد منه، فاللحمة الإنسانية والقومية في صورتها الحقيقية تظهر في الشدة قبل الرخاء، ولا يقتصر ذلك عند المساعدات المادية، بل يتجاوز إلى المشاعر القلبية والإنسانية في كل الأحوال.

ومن أكبر هذه الرسائل في نظري يتمثل في الإشارة إلى أن المجتمع العماني حكومة وشعبا لم يتخلَ عن القضية الفلسطينية، وظل داعما لها ما قبل نكبة 1948م وحتى اليوم، ففي عمان رأي واحد غير قابل للتقسيم، وهي أن القضية الفلسطينية هي القضية التأريخية التي لا يمكن التنازل عنها بحال من الأحوال، ولا يمكن المساومة عليها.

وقد يكون هناك شيء من التمايز في بعض جوانب وفروع القضية بين الرأي السياسي ورأي الجماهير بشكل عام، لكن كلا الرأيين يتفقان على جوهر واحد، وينطلقان من رؤية مشتركة واحدة، وهي مظلومية الشعب الفلسطيني، وضرورة تحقيق كرامته الإنسانية، ورفع الظلم عنه، وإقامة دولته المشروعة، مع حق العودة، وتحقيق أمنه الدائم.

بيد أن الرؤية السياسية لا يمكن أن تتحرك بذاتها، فهي تتحرك وفق مواثيق دولية وعربية، ووفق الدبلوماسية الضاغطة في الأمر، خلافا للخطاب الجماهيري الذي يجد فضاء أوسع في الخطاب، بأي شكل من الأشكال كان هذا الخطاب، وهو وإن كان ضاغطًا على الحكومات، إلا أن الحكومات ومنها عمان مدركة لما يتضمنه هذا الخطاب من مضامين نبيلة، غايتها في الجملة النصرة لهذا الشعب المظلوم.

لهذا الحضور الفلسطيني في وجدان الشعب العماني، من خلال الكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي، وحرية التظاهر، وفي الخطب الجمعية، وعقب الصلوات، وفي بيانات مجلس الشورى، والمجتمع المدني، وفي المقالات الصحفية، وفي المواقع والمدونات، وفي الشعر والأدب والرسم والفن والمقاطع الصوتية والمرئية، وفي المقاطعات الشعبية، حتى لتدرك أن المجتمع العماني لم يتحد على قضية كاتحاده على هذه القضية في الجملة، وإن اختلفت بعض الآراء والتحليلات؛ إلا أنها جميعًا تتجه إلى غاية واحدة، وهي نصرة القضية الفلسطينية.

هذه الرؤية الواحدة لم تكن رؤية النخب أو الجماهير، ولم تقتصر عند الخطابات الشعبية؛ بل هي كما أسلفنا رؤية الدولة ذاتها، ابتداء من رأس الهرم أي السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- ومن تحركات وزارة الخارجية التي لا تكاد يسكن لها جفن منذ بداية الأزمة، وهي جهة سيادية، وحتى وزارة الإعلام، وحضور الإعلام الرسمي في التلفزة والإذاعة والصحف، ليجتمع الجميع على رؤية مشتركة، ويتجه الكل إلى غاية واحدة.

واليوم ندرك أنه لا يمكن المساومة أو تفريق رؤية المجتمع العماني -حكومة وشعبا- حول هذه القضية، فبقت كما كانت وتكون حالة جوهرية في تحقيق إنسانية الشعب الفلسطيني، ورفع الظلم عنه.

ما قلته سلفا لا أقصد بذلك تعصبا، أو تقليلا من الدول والشعوب الأخرى، ومنها الدول العربية المعنية بشكل كبير في نصرة هذه القضية، فجل الحكومات والشعوب تعمل في ذات المجال، ولست هنا في سبيل النقد في بعض الجوانب، فسبق أن كتبتُ حول ذلك في هذه الجريدة، ولا داعي لتكرار ذلك، فما ذكرته هنا هو للتأريخ والواقع والمستقبل، فأجيال ستأتي وتشهد على تأريخنا، كما نحن أتينا ونشهد على تأريخ من مضى، وأن الواقع اليوم والحمد لله أثبت أننا مع الحق، وضد الظلم والطغيان والعدوان، وأن جيلنا الجديد مدرك لهذه القضية، وتعيش في ذاته ووجدانه، وتسري في دمه، وتتمظهر في إبداعه ونتاجه، وجميع هذا يدفع بهذه القضية إلى مستقبل أكثر إشراقا، فقد سئم العالم من رؤية هذه الدماء التي تسال بغير حق، كما سئم من هذا الخراب والدمار بحق الإنسان والحياة، وبحق الأطفال والنساء والشيوخ، لعل مجتمعاتنا -حكومات وشعوبا- يتبعها إفاقة إحيائية تجعل حدا لهذه المهازل المتكررة بحق الإنسان والحياة، ولا تتوقف عند الشدائد والأزمات، بل هي منهج للمستقبل، حتى يعود الحق، ويرفع الظلم، وينزل العدل، وتتحقق كرامة الإنسان، فيحيا مكرما كغيره من البشر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة هذه القضیة لا یمکن

إقرأ أيضاً:

فرقة أيرلندية تُغني لغزة: فضح الإبادة ودعم القضية الفلسطينية

متابعة بتجــرد: قال المغني الرئيسي لفرقة الروك الأيرلندية “ذا شان فانز” جيك ماك سياكايس إنهم يسعون بأغنيتهم الجديدة لفضح الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة، وزيادة الوعي بالقضية الفلسطينية.

والجمعة، أطلقت الفرقة أغنية جديدة مدتها 10 دقائق بعنوان “ذا شان فان” (السيدة العجوز باللغة الأيرلندية)، مع مقطع مصور مدعوم من فنانين أيرلنديين من غرب بلفاست عاصمة أيرلندا الشمالية، ونشطاء متضامنين مع فلسطين.

وشارك أكثر من 100 فنان عالمي بإعداد المقطع المصور، الذي جمع بين الرسوم المتحركة القصيرة، والرسوم التوضيحية، واللوحات، والمنحوتات المصنوعة يدويا، وأشكال فنية مختلفة.

وتعكس الصور، التي تعرض أعمال موسيقيين شباب وفنانين عالميين، النضال المشترك من أجل الإنسانية والكرامة وتقرير المصير، إلى جانب الروح القوية والإبداعية للمشروع.

زيادة الوعي بفلسطين

قال سياكايس “إن فرقة ذا شان فانز فرقة حديثة التأسيس في غرب بلفاست”.

وأضاف: “من خلال أغنيتنا الجديدة، نريد فضح الإبادة الإسرائيلية الجماعية في غزة، وزيادة الوعي وجمع التبرعات لتقديم المساعدات للفلسطينيين بالقطاع والضفة الغربية والقدس الشرقية”.

ولفت إلى وجود تشابه بين تاريخ المقاومة الأيرلندية والمقاومة الفلسطينية.

واستدل على ذلك بأنه في عام 1981، فقد بوبي ساندز، أحد أعضاء الجيش الجمهوري الأيرلندي، حياته أثناء إضراب عن الطعام احتجاجا على رفض الحكومة البريطانية الاعتراف به وبسجناء جمهوريين آخرين كسجناء سياسيين.

وذكر أن ساندز “استخدم جسده أداة أخيرة للمقاومة”.

وفقد الأسير الأيرلندي “بوبي ساندز” حياته، وهو مضرب عن الطعام لمدة 66 يوما، واشتهر بمقولته “انتقامنا هو ضحكة أطفالنا”.

تاريخ مشترك بين فلسطين وأيرلندا

وأوضح الفنان الأيرلندي أنهم بأغنيتهم الجديدة يهدفون إلى تحرير عقول الشعوب من الاستعمار. وقال: “أيرلندا وفلسطين لديهما تاريخ استعماري مشترك، وبصفتنا فرقة موسيقية، نحاول إيصال رسالة بأن هناك إبادة جماعية تحدث في غزة”.

وشدد على ضرورة “وقف إطلاق نار دائم لإنهاء الاحتلال (الإسرائيلي) للأراضي الفلسطينية، الذي دام أكثر من 75 عاما”.

واختتم حديثه بالقول: “لن نقف مكتوفي الأيدي بينما يعاني الفلسطينيون في غزة تحت وطأة المستعمرين”.

الإبادة الجماعية في فلسطين

يتميز المغني الرئيسي للفرقة سياكايس، بأغانيه المستوحاة من الشعر الأسطوري الأيرلندي والتحدث ضد الظلم.

وتتناول الأغنية الإبادة الجماعية في فلسطين، وتسلط الضوء على الصحافيين الشجعان الذين يعملون في غزة وفلسطين عموما، كما تتطرق إلى الرقابة على الصحافة واستهداف الصحافيين خلال الحرب.

كما تلقي الضوء على اعتقال وسجن الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وصدرت أغنية “ذا شان فان”، الجمعة، مع تصميمات خاصة بالفرقة، وسيتم الإعلان أيضا عن جولة للفرقة تتضمن عروضا موسيقية حية وجمع تبرعات من أجل المساعدات الإنسانية لغزة.

View this post on Instagram

A post shared by The Shan Vans (@theshanvans)

main 2025-02-10Bitajarod

مقالات مشابهة

  • «الوطني الاتحادي».. مسيرة فاعلة في تحقيق رؤية القيادة وتنمية المجتمع
  • “الوطني الاتحادي”.. مسيرة فاعلة في تحقيق رؤية القيادة وتطلعات المواطنين وتنمية المجتمع
  • مصر تدعو المجتمع الدولي إلى تبني رؤية سياسية لتسوية القضية الفلسطينية
  • رسالة من مصر إلى العالم بشأن القضية الفلسطينية
  • فرقة أيرلندية تُغني لغزة: فضح الإبادة ودعم القضية الفلسطينية
  • طارق فهمي: التصريحات الأمريكية تعبر عن رؤية ومخطط للقضاء على القضية الفلسطينية
  • مخزومي: نعوّل على الدور التاريخي للسعودية في دعم القضية الفلسطينية
  • قمة عربية طارئة في مصر لبحث مستجدات القضية الفلسطينية
  • مصر تستضيف قمة عربية طارئة حول تطورات القضية الفلسطينية يوم 27 فبراير
  • وزير: أردوغان أقوى مدافع عن القضية الفلسطينية هو أردوغان