لجريدة عمان:
2024-11-16@00:49:31 GMT

نظام أمريكا المبني على القواعد ينهار في غزة

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

بدا البيت الأبيض مضاء بألوان مخيفة الشهر الماضي بمناسبة عيد الهالوين، وقام الرئيس الأمريكي جو بايدن بتوزيع عُلب الشوكولاتة على الأطفال المتنكرين بأزياء مختلفة والذين وقفوا في صفوف لمقابلته، وتفاعل بايدن مع الأطفال وقد أظهر خوفه من بعض الأزياء المرعبة، وكان من بين الأطفال ابن وابنة وزير الخارجية «أنطوني بلينكن» فالابن جاء متنكرا على هيئة الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي»، أما ابنته فقد تنكرت باللباس الأوكراني.

جاء الأطفال إلى بايدن وهو على هيئته الحقيقة، لم يأتوه وهو يرتدي أزياء تنكرية على هيئة إسرائيل ولا على هيئة فلسطين، حيث تشتعل الحرب حاليًا في النصف الآخر من العالم مسجلة أكثر الوقائع فظاعة، وذلك منذ أن قامت إسرائيل بالانتقام من هجمات حماس، الهجمات التي وقعت في السابع من أكتوبر وأوقعت منذ حينها حوالي 1400 قتيل إسرائيلي، حيث قامت إسرائيل بداية باستهداف أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في غزة، وواصلت إسرائيل الغارات الجوية على أكبر مخيم للاجئين في غزة وسوَّت المباني السكنية بالأرض وخلفت مشاهد مروعة، حتى الأطفال قاموا يحملون أطفالا آخرين مصابين في محاولة لنقلهم إلى أماكن أكثر أمانًا وأصواتهم الهستيرية تعتلي بالصراخ وهم يعبرون بين الشهداء ومن يحتضرون حتى الموت، أطفال غزة يقتلون يوميا، وفي الأسابيع الثلاثة الأولى منذ الحركة الانتقامية لإسرائيل بلغ عدد الضحايا من الأطفال 6 أضعاف الأطفال الذين لقوا حتفهم في الحرب الأوكرانية منذ اندلاعها، وبشكل إجمالي تجاوز عدد شهداء غزة 12000 فلسطيني، حتى أن اليونيسف وصفت ما يحدث في غزة بـ«مقبرة» للأطفال، حيث يشكل الأطفال ما نسبته 40 % من إجمالي الشهداء.

وكما تشير توقعات منظمة الأمم المتحدة للطفولة بأنه يوميا يتعرض 420 طفلا للموت أو الإصابة في غزة، وهذا الرقم المخيف ينبغي أن يهز أي كيان وأي إنسان في أعماقه، أما بايدن فلا يتزعزع، فقد قدم دعمه غير المشروط لإسرائيل، وهو ذاته من عارض وقف إطلاق النار، مبررا ذلك بأنه لا يصدق تلك الأرقام، الأمر الذي يجعل بايدن في قفص الاتهام، وتوجه إليه الإدانات العالمية لمساهمته بأن تفلت إسرائيل من العقاب جراء أفعالها التي توصف بأنها «عقاب جماعي» تشمل المدنيين الفلسطينيين وتمحوهم من الحياة بأعداد كبيرة، ويقول المؤرخ الإسرائيلي «راز سيغال» الدارس للهولوكوست بأن ما يحدث في غزة «حالة كتابية للإبادة الجماعية».

أصبح موقف الكثير من الزعماء واضحا تجاه ما يحدث في غزة، حتى أن العديد من الموالين للحكومة الأمريكية بدا موقفهم لا لبس فيه، فلا يتلاعبون ولا ينافقون بموقفهم من القضية، بل هم يخالفون السياسة الأمريكية بشكل صريح، ومع تزايد حدة الحرب وتراكم الموتى، أصبح التناقض الأمريكي في ظل الأزمة الأوكرانية والأزمة في غزة واضحا بشكل صارخ، وبشكل خاص في الجنوب العالمي الذي يخضع للمواعظ الأمريكية المتعلقة بالحرية وحقوق الإنسان.

ويبدو أن هناك وصاية من أصحاب البشرة السمراء على النظام الليبرالي الذي تقوده أمريكا.

وعلى غرار «راز سيغال» يصف الرئيس البرازيلي «لويز إيناسيو لولا دا سيلفيا» الحملةَ العسكرية على غزة بالإبادة الجماعية، وكذلك يصف رئيس الوزراء الماليزي «أنور إبراهيم» -الذي يعد أيقونة الديمقراطية- ما تقوم به إسرائيل بأنها «قمة الهمجية»، وبلجيكا بصدد فرض عقوبات على إسرائيل بسبب الغارات الجوية «غير الإنسانية»، أما فرنسا فتطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار، ويقول رئيس وزراء كندا «جوستين ترودو» أن على إسرائيل التوقف عن قتل الأطفال، ويشدد رئيس الوزراء الأسترالي «أنتوني أبانيز» -الذي يعد حليفا للولايات المتحدة- أن «حياة كل الفلسطينيين مهمة» ويحث إسرائيل على التقيد بقواعد الحرب، تلك القواعد التي يرى الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» أن إسرائيل تنتهكها بوضوح.

وفي المقابل هناك مواقف تقف بالصف الإسرائيلي، فكبار كهنة النظام الليبرالي يكافحون أي انتقاد لإسرائيل، وفرنسا التي دعت إلى وقف النار تفرض عقوبات بالسجن على كل من «يهين» إسرائيل، والحكومة البريطانية تصف المظاهرات المؤيدة لغزة بأنها «مسيرات كراهية».

وبعيدا عن المواقف السياسية، وبعيدا عن التضامن الطبيعي مع غزة من قبل العالم الإسلامي، وبعيدا عن الشعور بالذنب من محرقة الهولوكوست، هناك تعاطف واضح من العالم الخارجي وغير الإسلامي مع القضية الفلسطينية، فالمأساة التي تلحق بالفلسطينيين في غزة هي غير مقبولة بكل بساطة، غير مقبول ما يصاحبه من سكوت عما يحدث، الصور المفجعة التي تصل كل يوم والتشويه والدمار المتواصل إلى اليوم، يظل المجتمع الدولي عاجزًا عن إيقافه، عن إيقاف اتساع حقول الموتى، عن إيقاف الإبادة الجماعية، وإذا كانت إدارة بايدن ترفع شعار «النظام القائم على القواعد» وترى أن ما يحدث في غزة وفق قواعد واضحة، إذن كيف ستكون الفوضى؟!

ما يحدث في غزة ليست المرة الأولى التي توضح زيف «النظام القائم على القواعد» التي تقوده أمريكا، فقبل ذلك حرب العراق، وحرب أوكرانيا، وغير ذلك، ولكن اليوم ردة الفعل الدولية على الولايات المتحدة تعكس أزمة غير مسبوقة ستقع بها الدول الليبرالية عموما، و الولايات المتحدة بشكل خاص.

الأزمة في غزة أثارت العديد من الأسئلة حول تصرفات أمريكا وحكومتها، وحول شرعية النظام الليبرالي الذي تبشر به، ومن تلك الأسئلة، ما هي أسباب سحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان وترك شعبها في مصير طالبان؟ ولماذا زادت القوات الأمريكية في الشرق الأوسط؟ وما هي وجهة نظرها في رفض الاحتلال في أوكرانيا وقبوله في غزة؟ ولماذا فقط المسلمون من تهتم بشؤونهم أمريكا وترى أنهم أهم ممن يعيشون في الصين؟

في الأثناء التي يعيش فيها العالم لحظات مروعة من المشاهد التي تحدث في غزة، يرى العالم أن جو بايدن يطير إلى إسرائيل ثم يعانق رئيسها، ويرى العالم بأن أمريكا في موقف الموافقة على الإبادة الجماعية في غزة، وأنها تمنع حتى «الاتفاقيات الإنسانية» ولا تسعى إلى التوصل إلى اتفاق سلام، بالمقابل تواصل دعمها لإسرائيل لمواصلة الحرب، كل ذلك يدعوا بشكل مباشر إلى الشك -بصورة لم يسبق لها مثيل- في عدالة النظام القائم على القواعد.

نظام الولايات المتحدة هو قلب النظام الليبرالي القائم على التعددية في الأطراف، وما يحدث اليوم من الموقف الأمريكي واعتراض عدد كبير من الدول له، هو دليل على فشل هذا النظام، الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي «فرانك روزفلت» عام 1945 في معرض حديثه عن إنشاء الأمم المتحدة أمام الكونجرس، قائلا إن هذا النظام سوف يضع نهاية للعمل الأحادي، والتحالفات الحصرية، ومناطق السيطرة، وسيحقق توازنات في القوى.

واليوم فشل هذا النظام في وقف القصف أحادي الجانب على غزة، بل وفشلت الولايات المتحدة في حماية موظفيها في غزة في منطقة يفترض أنها محمية في حالات الصراع، لكنها تعرضت للقصف الإسرائيلي وراح ضحيتها أكثر من 100 شخص.

إن الولايات المتحدة التي وضعت على عاتقها نشر السلام في الأرض، تبدو اليوم عاجزة بصورة لم يسبق لها مثيل، مناشدتها في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل السلام تجعلها تبدوا وكأنها في عرض هزلي، فهي التي تقسم بنشر السلام والواقع أنها تصنع لنفسها صورة مغايرة.

مناداتها بـ«النظام القائم على القواعد» لم يعد إلا هراء، وتستخدمه الولايات المتحدة مع عبارات جاذبة لتعزيز تحالفاتها مع العالم ضد الصين، التي تدعي الولايات المتحدة أنها تسعى إلى تدمير النظام الليبرالي، ولكن حتى الصين أظهرت قدرا أكبر على احترام قواعد الصراع، وكان موقفها واضحا من خلال اعتراضها على تجاوزات إسرائيل الانتقامية ودعت إلى وقف النار، وهذا ما لم تفعله إدارة بايدن.

تزعم القوى الجديدة في عالم ناشئ متعدد الأقطاب أنه شديد التركيز على الغرب ويفتقر إلى التنوع والمساءلة، وتنظر تلك القوى إلى تجمعات الجنوب العالمي، مثل البريكس، على أنها منصات ناشئة تستعد لمواءمة بديلة للسلطة مع مجموعة مختلفة من قواعد الاشتباك، فهل تستطيع غزة تسريع العملية؟ وهل يمكن للنظام الليبرالي أن ينجو من أعظم مثال على نزع شرعيته؟

هذه الأوقات ربما تكون عصيبة بالنسبة للنظام الليبرالي، وهي أخبار سيئة في وقت يشهد صعودًا عالميًا للسلطة اليمينية التي تروج للقومية السامة، لكن قد لا تكون هذه نهاية الأيام بالنسبة لذلك، إن الجنوب العالمي ليس متجانسًا، ومثال ذلك الفرق بين دعم الهند القوي لإسرائيل، والموقف المؤيد لفلسطين من قبل الأعضاء المؤسسين الآخرين لمجموعة البريكس.

منذ فترة طويلة وعلماء النظام الدولي يجادلون في أن النظام الليبرالي المهيمن من قبل أمريكا سوف يكون في أزمة، ومنهم العالم «جون إيكنبيري»، ولكن لا يقصد بذلك النظام الليبرالي بشكل عام، لأنه ببساطة لا يوجد بديل له، ولكن الجدال القائم في سيطرة أمريكا على هذا النظام، وربما سيكون قادة دول أخرى سعداء في التعامل مع هذا النظام وامتلاكه.

جميع القوى الناشئة والمتوسطة مثل الصين والهند والبرازيل واندونيسيا وتركيا قد خاضت نظاما قائم على القواعد ولم ترفضه، لذلك فإن النظام القائم على القواعد لن ينتهي رغم ما يحدث في غزة، حتى لو فشل هذا النظام من خلال إدارة أخرى، غزة تكشف أن النظام القائم على القواعد ليس حكرًا على أمريكا، بل وتكشف أن أمريكا عاجزة عن حمل هذه الراية لأنها لا تقف بشكل محايد وعادل في حروبها، إنها اللحظة الانتقالية التي من الممكن أن تنتهي فيها أمريكا من قيادة النظام الليبرالي والنظام القائم على القواعد، وستتغير رؤية العالم بأن أمريكا هي القوة المهيمنة على العالم، ولن يكون النظام اللبيرالي ملكا لأمريكا لتمارسه بعد الآن.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة ما یحدث فی غزة هذا النظام

إقرأ أيضاً:

خبير في الشأن الإيراني: طهران تتطلع لبناء جسور اتصال مع أمريكا

قال الدكتور محمد محسن أبو النور، خبير في الشؤون الإيرانية، إنّ إيران تريد تهدئة الرأي العام الداخلي، إذ إنّ الرأي العام الداخلي الآن يطالب حكومة مسعود الجديدة بأن تفي بوعودها الانتخابية، والتي تتمثل في الانفتاح الإيراني على الغرب وإصلاح العلاقات مع العالم بالكامل، بالتالي الولايات المتحدة الأمريكية على رأس النظام الدولي الراهن.

مطالبة إيران بإقامة جسور اتصال مع أمريكا

وأضاف «أبو النور»، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي محمد موافي، عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ كل كتاب الصحف الإيرانية يطالبون إيران شبه يوميا بالذهاب الفوري إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإقامة جسور اتصال وقنوات دبلوماسية، مشيرا إلى أنّ الرغبات الإصلاحية وأصوات المثقفين والأصوات السياسية تواجه حائط سد لدى بعض المحافظين الذين يريدون ألا يذهبوا إلى التفاوض مع أمريكا إذا لم يبادر ترامب بتقديم نوايا حسنة مع إيران، مثل رفع العقوبات المفروضة على إيران منذ عام 2018.

ترامب لا يريد تغيير النظام الإيراني

وتابع: «ترامب قال أكثر من مرة إنه لا يريد تغيير النظام الإيراني، لكنه يريد فقط منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لذا إيران تنتظر صفقة كبرى مع ترامب».

مقالات مشابهة

  • نظام النقاط المرورية الأردني..تعرف على النقاط والجزاءات
  • صحيفة عبرية: أمريكا تعد خططا بالشراكة مع إسرائيل لإسقاط النظام بإيران
  • ما نظام دعم الفيديو الذي يخطط الفيفا لاعتماده بدلا من فار؟
  • باحث في العلاقات الدولية لـ«الأسبوع»: «مايك هاكابي» ينفذ الأجندة الأمريكية التي تخدم إسرائيل
  • خبير سياسي يكشف لـ«الأسبوع» عن السبب وراء ترشيح «مايك هاكابي» لمنصب سفير أمريكا في إسرائيل
  • خبير: إيران تتطلع لبناء جسور اتصال مع أمريكا
  • بالفيديو.. خبير: إيران تتطلع لبناء جسور اتصال مع أمريكا
  • محمد محسن أبو النور: إيران تتطلع لبناء جسور اتصال مع أمريكا
  • خبير في الشأن الإيراني: طهران تتطلع لبناء جسور اتصال مع أمريكا
  • تايوان: الولايات المتحدة من تقرر عودة استخدام صواريخ هوك التي تم إيقافها