يتمثل جوهر الاستراتيجية فى كونها فن استدعاء واستخدام القوة لتحقيق الأهداف المركزية والغايات القومية للدولة -أية دولة- وسط تفاعلات الساحة العالمية، ومقاومة المنافسين والأعداء الحقيقيين والمُحتملين. وبهذا المعنى ترتبط الاستراتيجية ارتباطاً وثيقاً باستخدام القوة؛ لأن العالم إذا كان متناغماً، وتمكّن الجميع من تحقيق أهدافهم، فلن تكون هناك حاجة إلى نظام عالمى يُركز على إتقان التفاعلات التنافسية وحفظ الأمن والسلم الدوليين، خاصةً فى الوقت الحالى الذى يتسم بالمنافسة الشرسة التى يتخللها التهديد بنشوب صراع كارثى ذى عواقب وخيمة على المجتمع الدولى بأسره، فاحتمال نشوب حرب بين الدول النووية أمر حقيقى إلى حد مُخيف.

على الرغم مما سبق، فإن الكتاب الصادر فى مايو الماضى تحت عنوان «الصُناع الجُدد للاستراتيجية الحديثة: من العالم القديم إلى العصر الرقمى» يُجادل بأن إيمان الكثيرين بالحلول التكنولوجية باعتبارها الطريق الأكيد نحو النصر هو مسار مشكوك فيه؛ لأن إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما لم يكن السبب الوحيد لإجبار اليابان على الاستسلام فى الحرب العالمية الثانية عام 1945، تماماً كما لم تؤدِّ «الثورة فى الشئون العسكرية» التى نادى بها وأعلنها «دونالد رامسفيلد» إلى تتويج حروب أمريكا بالنصر بعد 11 سبتمبر بسرعة وبشكل حاسم، لأن الإمكانيات الخطيرة للتكنولوجيا لم ولن تستبق عملية صنع القرار البشرى.

فالتفضيل الأمريكى للقتال بالطريقة التقليدية جعل الأداء العسكرى الأمريكى فى ساحة المعركة سيئاً للغاية، وعجز عن تغيير الحقائق المعقدة وغير المتكافئة للحرب، بدءاً من فيتنام وصولاً إلى العراق وأفغانستان، حيث واجهت القيادة الأمريكية تحديات أيديولوجية وجيوسياسية متعددة، ومن المتوقع أن تواجهها الولايات المتحدة فى الحرب المحدودة غير المباشرة ضد روسيا فى أوكرانيا، وكذا فى أربعة عقود من المواجهة مع إيران، ومع كوريا الشمالية المسلحة نووياً، فضلاً عن المنافسة النظامية مع الصين الصاعدة لسدة الهيمنة العالمية.

ويُشير الكتاب إلى أن المهمة الأمريكية لفرض «الديمقراطية على حد الحراب» تميل إلى تحقيق نتائج مُنخفضة الجودة، خاصةً عندما تتم على عجل، ويكون لدى ما يسمى «الوكلاء» طموحات لا تتوافق مع طموحات رعاتهم الأمريكيين، فمن المُحتم أن يتحول بناء الأمة الذى تم تصوره بشكل خاطئ وسريع إلى حالة من الفوضى، أو فى أسوأ الحالات إلى حماقة استراتيجية. فمنطق العنف فى الحرب والعسكرة المُفرطة عيب أساسى تسببت به الولايات المتحدة فى سياستها الخارجية، فالحالات التى يشير إليها الكتاب هى الحروب الطويلة التى أعقبت أحداث 11 سبتمبر، باعتبارها فشلاً استراتيجياً، نظراً للتناقض مع المبادئ المُعلنة للحرب الليبرالية، وهو التعداد غير المتناسب إلى حد كبير لمئات الآلاف من الأشخاص الذين لقوا حتفهم نتيجة لـ(2996) شخصاً قُتلوا فى نيويورك وواشنطن جرّاء أحداث 11 سبتمبر 2001.

بالإضافة إلى الإخفاقات الأمريكية سالفة الذكر، يتطرق الكتاب إلى قضية فى غاية الأهمية، وهى مسألة إنهاء الحروب، فإذا كان الشىء الأكثر أهمية فى الحرب هو كيف تنتهى، فلماذا، منذ الحرب العالمية الثانية، واجهت الولايات المتحدة مثل هذه الصعوبة فى إنهاء حروبها؟ ويُجيب الكتاب بأن هناك مشكلة استراتيجية أساسية فى الفكر الأمريكى، لأن الطريقة التى يتم بها إنهاء الحرب هى التى لها التأثير الأكثر حسماً على المدى الطويل. وهو ما فشلت به الولايات المتحدة من حيث إنهاء حروبها الحديثة، بكل أنواعها؛ المحدودة وغير المحدودة، التقليدية وغير النظامية، التدخل الداخلى والعمل السرى، فى الهزيمة وحتى فى النصر. أخذاً فى الاعتبار أن إنهاء الحرب لا يعنى مجرد نهاية القتال، ولا ينبغى الخلط بين الخروج والسلام.

والتاريخ الأمريكى حافل بحروب دخلتها الولايات المتحدة بأوهام القوة وخرجت منها بعار الهزيمة، بدءاً من عام 1950 فى كوريا، وهى أول حرب معاصرة توقفت فيها الولايات المتحدة عن تحقيق النصر. فبعد تأرجحها فى العام الأول للحرب، استمرت المحادثات فى العامين التاليين، دون تغييرات كبيرة فى الأراضى وتسببت فى مقتل نصف القتلى الأمريكيين البالغ عددهم 36000، حتى تم التوقيع على هدنة فى أغسطس 1953. وبالنسبة لاتفاق باريس للسلام الذى أنهى القتال الأمريكى فى فيتنام، فلم يكن «السلام بشرف» حاضراً ومتحققاً، وقد مهد الإنهاء المعيب لهذه الحروب المسرح للحربين المطولتين اللتين خاضتهما أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر فى أفغانستان والعراق.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: أمريكا العراق أفغانستان أوكرانيا الولایات المتحدة فى الحرب

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: القاهرة "المختنقة" !!

 

مرة ثانية وثالثة وعاشرة أتعرض فيها في مقال عن القاهرة المحروسة ومستقبلها في ظل سياسات متجمدة، عقيمة، غير متحركة، تعتمد علي المسئول الذي يطلب( راحة دماغه ) ويترك القرارات لغيرة من القادمين الذين سيرثوا مقعدة إنشاء الله بعد عمر طويل !!
هذه القاهرة التي تم بنائها في عصر الخديوي إسماعيل ( العصر البائد ) كما كان يقال عنه في عصر الثورة!!
هذه القاهرة الخديوية التي نزلت فيها حكومة مصر من فوق جبل المقطم بالقلعة وقصر الجوهرة إلي منطقة لاظوغلي وعابدين، وقصر الدوبارة هذا المربع الحكومي الذي أنشئ عام 1864 مواكبًا لعصر النهضة المعمارية في مصر بمناسبة أفتتاح قناة السويس عام 1868 وكانت القاهرة  "درة الشرق وصورة للغرب الحديث" صورة لمدينة ( باريس ) فرنسا هذه القاهرة التي كانت تحكم شعب تعداده في هذا الزمن لا يزيد عن 6 مليون نسمة.
هي نفس المقار التي تحكم اليوم شعب تعداده مائة وخمسة مليون نسمة !!   الإمتداد الذي تم لهذه الأروقة ( والأزقة ) الحكومية تم علي شكل هرم خرساني عظيم سمي بمجمع التحرير الحكومي والذي بدىء في بنائه عام 1951 في عصر حكومة الوفد  وإستكمل بنائة بعد قيام الثورة 1952...

مازالت هذة القاهرة التي تحتل قلب الوطن وضميره هي نفسها القاهرة 1868مع الإعتذار الشديد للزمن الغابر الذي مر عليها –دون مراعاة لما نملك ولقيمة مانحوزة كأمة هذه القاهرة العظيمة ( الحكومية )...التي يتوسطها قصر عابدين ومجلس الشعب والشورى ومجلس الوزراء (قصر شويكار هانم ) زوجة الملك فؤاد، ووزارات العدل والمالية والتربية والتعليم والصحة والنقل ووزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية، وهيئة التخطيط العمرانى ومصلحة ضرائب العقارات ومصلحة الضرائب العامة المصرية ومجمع التحرير  والجمعية الجغرافية ومبانى محافظة القاهرة، كل هذا يخدمه شارع عرضة 30 متر مقسوم نصفين هو شارع القصر العيني  ناهيك عن الجانب الأخر من 
( جراج سيتى ) المعروفة بإسم(جاردن سيتى) !! لدينا فنادق مصر الخمس نجوم سميراميس، الفورسيزونس، شبرد، وهيلتون النيل وهيلتون رمسيس وحياة ريجنسي، والأن ينشأ فندق النيل ومبني الخارجية المصرية ومبني التليفزيون ووزارة الإعلام هذا بجانب المركز التجاري للعاصمة  هذا هو الكيلومتر مربع( حيز عمرانى للقاهرة المختنقة ) والتي إن أصابنا الله بحادث لا قدر الله ( مثل حريق ) أو ( زلزال ) لا يمكن المناورة للإنقاذ أن تتم بشكل مرضى أو عصرى حتي ولو أستخدمنا الطائرات المروحية !! لا حل أمامنا غير الإنتقال ولنبدأ بالمراكز الحكومية، هل تعلم بأن مبني الأذاعة والتلفزيون يشغله 35 الف موظفأ؟ هل تعلم بان وزراة الأسكان بشارع القصر العيني يشغلها فوق العشرون الف موظف !! هل تعلم أن وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي بشارع القصر العيني يشغلها فوق العشرة الاف موظف ؟ هل يعلم أحد أن مجلس الوزراء ومركز دعم القرار ووزارة الصحة والعدل والمالية ومجلس الشعب والشورى يتعدى موظفي هذه الهيئات والوزارات في شارع واحد طوله 500 متر طولي فوق الخمسون ألف موظف !! 
هذه عشوائية تناظر عشوائية ( الدويقة ) وعشوائية ( السلام ) وعشوائية 
( الكلح ) بالمعادي والبساتين الفرق الوحيد أن عشوائية وسط البلد يسكنها الحكام والوزراء ورؤساء الحكومات والأفنديات بتوع الحكومة ومجلس الشعب والشورى !!
أما الأخرى يسكنها غلابة شعب مصر والغير قادرين، والمهمشين، فماذا تنتظر حكومة "أكس واى" !!

 

[email protected]

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تُشدد على ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا بعد مرور ألف يوم على انلاعها
  • عقار يظهر لغة حادة وصريحة تجاه واشنطن في لقاء مع المبعوث الأمريكي ..اذا رغبت أمريكا في إنهاء الحرب
  • الولايات المتحدة تؤكد "الحاجة الملحة" لإنهاء الحرب في غزة
  • الولايات المتحدة تؤكد الحاجة الملحة لإنهاء الحرب في غزة
  • وزيرا خارجية أمريكا والجزائر يبحثان هاتفيا سبل إنهاء الحرب في قطاع غزة
  • سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (3)
  • د.حماد عبدالله يكتب: " مطبلاتية " حول المسئول !!
  • سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى السودان لـ “الحرة”: الدعم الأميركي مهم لإنهاء الحرب في السودان
  • د.حماد عبدالله يكتب: القاهرة "المختنقة" !!
  • أبو العينين: الرئيس السيسي وترامب سيعملان على إنهاء الحرب وإحلال السلام بالمنطقة