كان الإمام محمد عبده والأديب والروائي الروسي ليو تولستوي من أعظم المفكرين في عصرهما، ولقد قدما إسهامات مهمة للبشرية في مجال الفكر والتنوير والإلهام، على الرغم من اختلاف ديانتهما.

عاش الإمام محمد عبده في مصر، وقد كان رائدًا في تجديد الخطاب الديني والتنوير. أما ليو تولستوي، فكان روائيًا وأديبًا روسيًا مشهورًا.

وعلى الرغم من أنهما عاشا في نفس الفترة الزمنية، إلا أن تأثيرهما الفكري أدى إلى نهضة تعتبر إنسانية وتلهم الآخرين بالحب والتسامح وتنير العقول وتلهم القلوب.

تولستوي

رغم اختلاف المسافات الجغرافية بينهما، إلا أنهما تواصلا وتبادلا الأفكار والرسائل، فقد قرأ الشيخ محمد عبده روايات تولستوي وكتابه حول حكم النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد كان تولستوي، على الرغم من ديانته المسيحية، معجبًا بالنبي محمد ومحبًا للإسلام، حيث رأى فيه دينًا راقيًا يدعو للسلام والحياة وتطوير الإنسان. وقد أعجب الشيخ محمد عبده بالأديب الروسي وقرر قراءة رواياته.

انطلاق معرض الكويت للكتاب بمشاركة 486 ناشرا و3% من مبيعاته لدعم غزة صدر حديثا.. "المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في القرن التاسع عشر" المؤرخ عاصم الدسوقي لـ صدى البلد: تدمير المسجد الأقصى جزء من عقيدة الصهاينة وهدف إسرائيل الاستيلاء على قطاع غزة وشمال فلسطين بشكل كامل

اتفق الاثنان على أن الدين والإنسان يشكلان أساس الحياة، وأن قيمة الإنسان لا تقدر بثمن. وجاء الدين لينهض بنفس الإنسان وعقله، لكي يبني ويحسن الحياة.

ويذكر الدكتور مالك منصور، حفيد الإمام محمد عبده، أن هناك رسالتين متبادلتين بين جده الإمام وتولستوي محفوظتين في متحف تولستوي بموسكو. وتعتبر هاتين الرسالتين شاهدتين على تسامح الأديان وعظمة الرجلين ودعوتهما للخير والحب ونبذ التعصب. ويضيف أن جده كتب الرسالة النادرة بخط يده وأرسلها بالبريد، وكان في ذلك الوقت يشغل منصب مفتي مصر، ورد عليه تولستوي برسالة أخرى رقيقة ومليئة بالمحبة والنبل والقيم الإنسانية الجميلة.

تولستوينبدأ برسالة الإمام محمد عبده وتقول تفاصيلها:

"عين شمس - ضواحي القاهرة - فى 8 إبريل 1904

أيها الحكيم الجليل مسيو تولستوي

لم نحظ بمعرفة شخصك ولكن لم نحرم التعارف بروحك، سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك، هداك الله إلى معرفة الفطرة التي فطر الناس عليها، ووقفك على الغاية التي هدى البشر إليها، فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود لينبت بالعلم ويثمر بالعمل، ولأن تكون ثمرته تعباً ترتاح به نفسه وسعياً يبقى ويرقي به نفسه، شعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة واستعملوا قواهم التي لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم و زعزع طمأنينتهم، نظرت نظرة في الدين مزقت حجب التقاليد ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد، ورفعت صوتك تدعو إلى ما هداك الله إليه وتقدمت أمامهم بالعمل لتحمل نفوسهم عليه، فكما كنت بقولك هادياً للعقول كنت بعملك حاثاً للعزائم والهمم".

وتضيف رسالة محمد عبده: "وكما كانت آراؤك ضياء يهتدي به الضالون، كان مثالك في العمل إماماً يقتدي به المسترشدون، وكما كان وجودك توبيخاً من الله للأغنياء كان مدداً من عنايته للفقراء، وإن أرفع مجد بلغته وأعظم جزاء نلته على متاعبك في النصح والإرشاد هو الذي سموه بالحرمان والإبعاد، فليس ما كان إليك من رؤساء الدين سوى اعتراف منهم أعلنوه للناس بأنك لست من القوم الضالين، فاحمد الله على أن فارقوك بأقوالهم، كما كنت فارقتهم في عقائدهم وأعمالهم، هذا وإن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك فيما تستقبل من أيام عمرك. وإنا لنسأل الله أن يمد في حياتك ويحفظ عليك قواك، ويفتح أبواب القلوب لفهم ما تقول ويسوق الناس إلى الاهتداء بك فيما تعمل والسلام.

مفتي الديار المصرية

محمد عبده

إذا تفضل الحكيم بالجواب فليكن باللغة الفرنسبة فأنا لا أعرف من اللغات الأوروبية سواها
محمد عبده"

ورد تولستوي بخطاب رقيق إلى محمد عبده يقول فيه:

"المفتي محمد عبده

صديقي العزيز

تلقيت خطابك الكريم الذي يفيض بالثناء علي، وأنا أبادر بالجواب عليه مؤكداً لك ما أدخله علي نفسي من عظيم السرور حين جعلني على تواصل مع رجل مستنير، وإن يكن من أهل ملة غير الملة التي ولدت عليها وربيت في أحضانها، فإن دينه وديني سواء لأن المعتقدات مختلفة وهي كثيرة، ولكن ليس يوجد إلا دين واحد هو الصحيح، وأملي ألا أكون مخطئا إذا افترضت، استناداً إلى ما ورد في خطابك، أن الدين الذي أؤمن به هو دينك أنت، ذلك الدين الذي قوامه الإقرار بالله وشريعته والذي يدعو الإنسان إلى أن يرعى حق جاره، وأن يحب لغيره ما يحب لنفسه. وأود أن تصدر عن هذا المبدأ جميع المبادئ الصحيحة، وهي واحدة عند اليهود وعند البرهمانيين والبوذيين والمسيحيين والمحمديين.

واعتقادي أنه كلما امتلأت الأديان بالمعتقدات والأوامر والنواهي والمعجزات والخرافات تفشي أثرها فى إيقاع الفرقة بين الناس، ومشت بينهم تبذر بذور العداوة والبغضاء. وبالعكس كلما نزعت إلى البساطة وخلصت من الشوائب اقتربت من الهدف المثالي الذي تسعى الإنسانية إليه، وهو اتحاد الناس جميعاً.

من أجل ذلك ابتهجت بخطابك ابتهاجاً غامراً، وودت أن تقوى بيننا أواصر القربى والتواصل.

تفضل أيها المفتي العزيز محمد عبده بقبول وافر التقدير".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: تولستوي الخطاب الدين الخطاب الديني الشوائب النبي محمد صلى الله عليه تجديد الخطاب الديني

إقرأ أيضاً:

سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟

نشر موقع "n12" الإسرائيليّ تقريراً جديداً تحدث فيه عن وحدة إسرائيلية سريّة تعتبر مسؤولة عن تقييم عمليات القصف التي ينفذها سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف يستهدفها، مشيراً إلى أن هذه الوحدة وهي "خدمة تكنولوجيا الإستخبارات"، تعمل على رسم خرائط للأهداف وفهم مدى الضرر الذي تسببه الذخائر بعد كل هجوم يتم بالقنابل والصواريخ.   ويقول التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنّ الوحدة تعمل على رصد أمرين أساسيين، الأول وهو معرفة ما إذا كان الهدف الموجود في دائرة القصف قد طالته الضربة فعلاً، فيما الأمر الثاني يتصل بمعرفة ما إذا كانت النقطة المحددة التي أرادت القوات الجوية ضربها قد تم استهدافها حقاً، وذلك وفق ما يقول أحد الضباط المرتبطة بتلك الوحدة ويُدعى المقدم "م."، وهو يشغل قسم رسم الخرائط والتكنولوجيا في الوحدة.   وفي سياق حديثه، يقدم الضابط مثالاً على اغتيال القيادي البارز في حركة "حماس" صالح العاروري في بيروت مطلع شهر كانون الثاني 2024، إذ قال: "لقد كانت حادثة بسيطة، ولم يكن علينا التأكد من اغتيال العاروري بشكل عميق، لأن حزب الله أبلغ عن ذلك. ولكن هناك حالات أكثر تعقيداً وتشابكاً، فلنقل على سبيل المثال إذا هاجمت نظاماً للأسلحة، فإن العدو ليس لديه مصلحة في الاعتراف بذلك. لن يقول أحد هذا الأمر، لذا فإن مهمتنا هي معرفة ذلك والإعلان عنه".   ويشير التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية لعبت دوراً مهما في أبرز عمليات الاغتيال منذ بداية الحرب، وقال: "لقد لعبت قوات الإسرائيلية دوراً هاماً في أبرز عمليات الاغتيال منذ بداية الحرب". هنا، يتحدث قائد وحدة "خدمة تكنولوجيا الاستخبارات" المقدم "ل." قائلاً: "هناك أماكن تتطلب التخطيط الدقيق. لقد كنا شركاء في كل عمليات اغتيال كبار قادة حزب الله في الضاحية. أما مكان إقامة الشخص المسؤول ومتى كان هناك، فهذه معلومات يوفرها لنا فرع الاستخبارات، ولكن مسؤولية التنفيذ والتخطيط الفردي تقع على عاتقنا. لقد تعلمنا من كل عملية إقصاء، ونوجه الطيارين بحيث يتم ضرب ما نريده، ولا يتم ضرب ما لا نريده. نحن نعرف كيف نرفع العلم ونقول إذا فشلنا في الضرب، ونقوم بالتحقيق للمرة المقبلة".     المسؤول ذاته كشفَ أن وحدته لعبت دوراً كبيراً في عملية اغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، وقال: "لقد خطط سلاح الجو للهجوم خصوصاً أنه كان في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت".   وتابع: "كانت هناك حاجة إلى الدقة والاحترافية.. في النهاية هناك نقطة يجب ضربها. لم نكن نعرف أننا نعمل على القضاء على نصرالله، لكننا فهمنا أن الأمر كان حساساً للغاية. فقط بعد النظر إلى الوراء، أدركنا أننا كنا شركاء في القضاء على أمين عام حزب الله". المصدر: ترجمة "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • سرّ جديد عن اغتيال نصرالله.. من الذي خطط لذلك؟
  • هل راية داعش السوداء هي نفسها التي كان يرفعها النبي؟.. «مرصد الأزهر» يوضح الحقيقة «فيديو»
  • كيف يكون الشتاء ربيع المؤمن؟ اغتنم هذه العبادة سماها النبي «الغنيمة الباردة»
  • دعاء البرد الشديد ودعوة النبي المستجابة.. اللهم نستودعك من لا مأوى لهم
  • الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ عبده محمد الحالمي
  • دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة
  • سلوك ابن النبي نوح يتكرر في نموذج ابراهيم الميرغني
  • خالد الجندي: الأحاديث النبوية كتبت في عهد سيدنا النبي
  • الأندلس يجمع محمد عبده والرويشد بستوديو مشاري راشد.. فيديو
  • أمين الفتوى : سيدنا النبي أوصانا بالجار مهما كان دينه .. فيديو