خالد علي يكتب: أشجار الكراهية
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
أثناء متابعتي للحرب على غزة، وسطوع نجم أسماء مثل (أبوعبيدة، ومحمد الضيف، ويحيي السنوار)، وهم من قادة حماس الميدانيين، تعجبت أن البعض قد اختزل المقاومة الفلسطينية في حماس وقادتها، مستبعدًا دور الشعب الفلسطيني، والمقاومة بكافة فصائلها.. ربما لا يعلم البعض أن نظرة الشعب المصرى لحركة حماس يشوبها الشك والريبة باعتبارها عدوًا للدولة المصرية، فلا زال المصريون يحتفظون في ذاكرتهم الوطنية ما فعلته حماس إبان أحداث ٢٥ يناير والتي أُطلق عليها زورًا (الربيع العربي) بما جرى فيها من عمليات اختراق للحدود المصرية واقتحام السجون وتهريب عناصر خطرة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الله اللبناني عام ٢٠١١، ويدرك المصريون جيدًا أن حماس هي الفرع الفلسطيني لجماعه الإخوان المسلمين التي بدورها خططت لاختلاق الفوضى ومن ثم محاولة قلب نظام الحكم والسيطرة الكلية على عدد من دول المنطقة.
والآن وبسبب العدوان الإسرائيلي الوحشي في تعامله مع الشعب الفلسطيني وقتلهم الممنهج لأهل غزة، وبخاصة النساء والأطفال والشيوخ وامتداده إلى الضفة الغربية، مما أكسب المقاومة تعاطفًا كبيرًا، وأصبح ينظر إلى المقاومة على أنها المخلص والبطل، فما أشد فرحة المواطن العربي عندما يرى شابًا ملثمًا يرتدى ملابس خفيفة ويحمل قاذفة من عيار (الياسين ١٠٥ وهي صناعة فلسطينية خالصة ١٠٠٪)، ويقوم بقنص دبابة ميركافا ٤ (وهي فخر الصناعة الأمريكية – الإسرائيلية) من المسافة صفر، وتسمع ذلك الملثم وهو يتمتم ببضع آيات من القرآن مع التكبير، وإذا بـ(الميركافا) كتلة من النار، وتجد المشاهدين يصيحون بعبارات الثناء والشكر على هذا البطل، فقد أصبحنا نصفق لجنود المقاومة برغم اختلافنا مع حماس في مشروعها العقائدي، وربما يذكرني هذا بحادثة حدثت منذ عقود، فقد أخبرني أحد أصدقاء العائلة المقربين أنه أثناء عرض فيلم المجاهد الليبي عمر المختار (أسد الصحراء) في أحد دور العرض الأوروبية، وكان يحضر ذلك العرض بجانب بعض من أبناء الجالية العربية والأوروبيين، وأثناء مشاهدة الفيلم نجد المخرج السوري مصطفي العقاد استطاع أن يجذب عطف المشاهد الغربي وذلك من خلال المشاهد المتتابعة التي تجسد وحشية المستعمر الإيطالي واغتصابه للأرض والعرض على حد سواء، وصورة القتل الجماعي على الطريقة الرومانية القديمة، حيث يقف الضابط الإيطالي ومن أمامه صف من القرويين الليبيين ووجوههم نحو الجدار، وبيد الضابط سلاحه ويقوم بحصر أعداد القرويين ثم يقوم بإطلاق النار علي صاحب العدد رقم عشرة، ومشهد آخر أكثر بشاعة عندما يجر الجنود الإيطاليون فتيات قاصرات ونساء لاغتصابهن، علاوة على إحراق الطعام وردم الآبار، كما صور المخرج العبقرى المقاومة العربية الليبية في صورة رجل مسن يعلم الصبية القرآن الكريم في أحد الكتاتيب ويقود أفراد المقاومة بأسلحة عتيقة بالية، وقد نجح العقاد في إكساب المقاومة الليبية تعاطفًا كبيرا لدى المشاهد الغربى، فكان الأعجب أن يشاهد صديق العائلة قاعة العرض تضج بالتصفيق من جميع الحاضرين على حدٍ سواء عندما يتم تدمير مدرعة إيطالية أو يُقتل ضابط أو جندى إيطالي، رغم اختلافهم مع عمر المختار في العقيدة وأسلوب المقاومة إلا أنهم صفقوا له ورفعوا له القبعة احترامًا، وفي نهاية الفيلم نجد مقولة لعمر المختار تصبح دستورًا لأى مقاومة وكلمة مأثورة يرددها الجميع حتي اليوم "نحن قوم لا نستسلم، ننتصر أونموت".
وهكذا نرى أن التاريخ يعيد نفسه، فبسبب الغباء السياسي والعربدة الإسرائيلية التي تمارسها حكومة نتنياهو المتطرفة على الشعب الفلسطيني، فإن ما يحدث يمكن أن نسميه بزراعة أشجار الكراهية كل يوم، فلا عجب عندما نجد أن أبا عبيدة أصبح أيقونة للمقاومة ضد أى محتل، ذلك الشخص النحيف الغامض الصارم في لهجته، حوله الاحتلال الإسرائيلي لبطل شعبي، وقد يندهش البعض عندما يعلم أن الأفراح الشعبية في مصر أصبحت تتغني ببطولات أبي عبيدة، وبمقدار ما نجح المخرج العقاد في فيلمه فى اكتساب تعاطف المتلقى الأوروبي لشخصية عمر المختار، فقد خسرت إسرائيل كثيرًا من تعاطف شعوب العالم الذى انتقل تعاطفه إلى الشعب الفلسطيني وصنع أيقونة جديدة للمقاومة خلفًا لأيقونة عمر المختار.
وهنا يكمن السؤال الكبير: هل استمرار الحرب وقتل المدنيين والاعتداء على المستشفيات وغيرها من الفظائع التى ارتكبت في هذه الحرب الوحشيه، يصب في مصلحة إسرائيل أم في مصلحة فصائل المقاومة الفلسطينية؟ والسؤال الأكبر هو هل هذه الحرب ستخدم عملية السلام وتخدم تحقيق السلام في المنطقه وإمكانية التعايش بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي؟
منذ بداية العدوان على قطاع غزة وتحديد إسرائيل لأهدافها الاستراتيجية التي جعلت من عدوانها (معادلة صفرية)، إلا أنها حققت حتى الآن أمرين إثنين وهما: أنها أخرجت القطاع الصحى الفلسطينى من المشهد والذى كان بدوره يقوم بحصر أرقام الوفيات والجرحى الأمر الذى كان يضعف من الرواية الإسرائيلية ويتسبب في إحراجها على الصعيد الشعبى (داخليًا وخارجيًا).
الأمر الثانى، أنها نجحت فى جعل المقاومة الفلسطينية خاصة (حركة حماس) تكتسب الكثير من التعاطف فى العالم العربي والإسلامي ومنها شعوب الدول التي كانت على عداء مع حركة حماس، مما جعل من حماس تتطور من مجرد كيان محدود داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى فكرة والفكرة لا حدود جغرافية لها ولا مكان محدد، تمامًا مثلما حدث مع تنظيم ما يسمي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) فعندما خسر الأراضي التى كان يسيطر عليها تحول إلي فكرة،
وعندما خسر هذا التنظيم الأراضي التي كان يسيطر عليها ظن البعض أن داعش قد اختفى ولكن الجميع اكتشف أن عناصره والتى تسمى بالذئاب المنفردة قد ظهرت، وأصبحت تطارد الدول الأوروبية على أراضيها بعمليات نوعية وفردية ألحقت الكثير من الخسائر البشرية والمادية في تلك الدول، وبات واضحًا أن التنظيم الداعشى أصبح فكرة.
ويفرض المشهد نفسه بسؤال تفرضه المتغيرات التى حدثت وهو: هل من الممكن أن نرى في المستقبل القريب مثل هذا التحول مع مناصرى حركة حماس من الذئاب المنفردة الجديدة كأحد تداعيات العدوان داخل الدول الداعمة لإسرائيل في عملياتها الوحشية.
وغنى عن البيان أن تلك العمليات الإسرائيلية تعد على صعيد القانون الدولى والإنساني جرائم ضد الإنسانية كما أنها تطهير عرقي للشعب الفلسطيني، الأمر الذى يستوجب المحاكمة والعقاب، كما حدث في محاكمات (نورمبرج) ضد النازيين، ومحاكمات قادة (الصرب) في يوغسلافيا السابقة، وفي تقديري أن تلك الخطوة واجبة النفاذ بحكم القانون وحتى لا نرى تكرار ولادة ذئاب منفردة بعد أن تم تمهيد الأرض لزراعة حقول الكراهية بأشجار تمت بذورها على جثث ودماء عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال على مدار الساعة ليل نهار، وهو أمر سيجعل تنظيمات وعناصر عديدة تنتقم لكل ما حدث وبهذا تنتشر النيران الحارقة فى ربوع المنطقة ويمتد دخانها فى كثير من عواصم ومدن العالم.. فهل ينتبه العالم لليوم الآتى فى أية لحظة؟.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: خالد علي الحرب على غزة أبوعبيدة يحيي السنوار قادة حماس الشعب الفلسطيني العدوان الإسرائيلي العربدة الإسرائيلية المقاومة الفلسطينية الشعب الفلسطینی عمر المختار
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: جبهة داخلية متماسكة .. أمن واستقرار
أدرك شعب مصر العظيم، أن البلاد في خطر مستدام، وفي مواجهة مقذوفات مدفعية نيران شائعات أصحاب الأجندات، التي تطلقها كتائبها العميلة، على مدار الساعة، بصورة متوالية، عبر بوابات متنوعة ممولة؛ كي تستهدف تشويه الوعي المجتمعي؛ بغرض أن تنفك الروابط بين فئات هذا المجتمع الكبير، ويصبح مشتتًا ما بين رؤى ضبابية، وإحباط مستمر؛ نتيجة لكثافة السموم المدسوسة، والمغلفة بأخبار مكذوبة، تبثها جماعات معلوم لدينا غاياتها الخبيثة.
الشعب الأبي استوعب الدرس جيدًا، منذ أن قامت الدعوات، منادية بهدم مؤسسات الوطن، وإقامة خلافات بتوجهات ايدولوجية، تعمل عليها أصحاب الأيدي الخفية، منذ أمد بعيد؛ فاختار الشعب حريته ورفض، واستنكر كل محاولات الوقيعة، بين مكون نسيجه من جهة، وبين مؤسساته الوطنية، وقيادته السياسية، من جهة أخرى؛ فازدادت اللحمة، وقوى الرباط، وتبددت جهود مغرضة، وذهبت أدراج الرياح.
القيادة السياسية منذ أن تولت، استهدفت أمرين عظيمين، الأول منهما بناء الدولة، وانتظام ديمومة مؤسساتها، والعمل الجاد في تطويرها، وإعادة تأهيلها، والأمر الثاني الأكثر ضرورة، العمل الممنهج من أجل بناء إنسان، يدرك ماهية الوطن والمواطنة، ويمتلك مقومات الشراكة اللازمة لبناء الدولة، وفق ماهية قيمتي الولاء والانتماء؛ ليصبح الإعمار آلية مستدامة، وتصير النهضة بقطارها دون توقف؛ ومن ثم يحافظ الشعب بأكمله على مقدراته، مهما تعالت التحديات، وتفاقمت الأزمات، وارتفعت وتيرة التوترات، الإقليمية منها والعالمية.
في خطابات عديدة للرئيس، صاحب الرؤى المستنيرة، والفكر الاستراتيجي طويل المدى، أكد على أهمية تماسك الجبهة الداخلية المصرية؛ فبها يتحقق الأمن والأمان، ومن خلالها لا يستطيع كائن من كان، أن ينال من هذا الوطن العظيم، وعبرها قوتها تستثمر الطاقات، وتعلو الهمم والإرادة؛ فلا يستطيع أن يؤثر في وجدان هذا الشعب المغوار، أصحاب راية الفتن، وساكبي الزيت على النار؛ فمصر بفضل الله – تعالى - أبية قوية، منيعة، عصية، بشعبها وشبابها الواعي، القادر على حفظ مقدراتها أبد الدهر.
جبهة مصرية الداخلية مُتماسكة، تتناغم رؤيتها مع من في الخارج من المصريين؛ فتشكل سيمفونية معزوفة وطنية، لا مثيل لها في العالم بأسره؛ فمن يروج الشائعات عبر منابرها سريعة الانتشار، لن يناله إلا النصب، ولن يحقق مآرب، أضحت مفضوحة مكشوفة للقاصي والداني؛ فقد صار شعبنا العظيم بكافة طوائفه، لديه مناعة ضد شائعات أهل الشر؛ حيث الوعي المجتمعي، القائم على حرص مؤكد في الحصول على المعلومات والبيانات، من مصادرها الرسمية بالدولة، ورؤى العين التي لا ترصد أو تشاهد أمامها إلا تقدمًا وازدهارًا، كل مشرق شمس، في كافة مشروعات الدولة القومية، كل ذلك خلق وجدانًا يعشق تراب الوطن، ولا يتقبل دعوات خبيثة، تستهدف النيل منه ومقدراته الغالية.
الرئيس أشاد وثمن إدراك الشعب للتحديات المحيطة بالوطن، وأكد على أن الإعمار منهج لحياة المصريين؛ فلديهم تاريخ عريق تليد دال، وحضارة مليئة بالإنجازات، التي يفخر بها كل مصري في الداخل والخارج؛ لذا يعشق الشعب العظيم ماهية الوحدة، وتراه يصطف في غمضة عين مع قيادته السياسية من أجل وطنه؛ فلا مكان للجور على مقدراته، ولا سعة لمن يحاول إضعاف العزيمة أو ثقته في القيادة السياسية ومؤسسات الدولة؛ فهدفه السامي حدد في نهضة رأى أنها مستحقة له، ولأجيال تلو أخرى.
شعبنا العظيم، وقيادته الرشيدة، ومؤسسات الوطن، تأكد لديهم، أن السعي تجاه تغيير خريطة العالم، بات أمرًا وشيكًا؛ ومن ثم لا منزع، ولا مجال، عن تماسك للجبهة الداخلية، التي تدحر كافة محاولات التغيير، التي يستهدفها المغرضين، في مختلف أرجاء الأرض؛ لذا أضحى الدفاع عن الوطن، وصون ترابه، فرض عين على كل المصريين، دون استثناء أو تمييز؛ فهذا معتقد راسخ في الوجدان منذ فجر التاريخ؛ فقوة النسيج هو ما حقق ماهية البلد الأمين.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.