تخصص الولايات المتحدة الأمريكية 170 بليون دولار للمشتريات و145 بليون دولار للبحث والتطوير، مما ينتهي المطاف بهذه الأموال في معظمها إلى أيدي حفنة من المقاولين الأساسيين الذين يتعاملون مباشرة مع وزارة الدفاع الأمريكية. (هؤلاء المقاولون الأساسيون شركات تتعاقد مع وزارة الدفاع الأمريكية على توريد الأسلحة والمعدات العسكرية بما في ذلك أنظمة التسلح الرئيسية وكثيرا ما تتعاقد بالباطن مع شركات أخرى لكنها تشرف وتتولى المسؤولية العامة على تنفيذ العقود- المترجم).

أيضا تذهب إلى هذه الشركات في نهاية المطاف بعض مخصصات المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا التي تصل قيمتها إلى 44 بليون دولار وبعض الإنفاق الدفاعي الإضافي بواسطة الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة والذي يشكل حوالي 5% إلى 10% من مبيعاتها.

على الرغم من أن تلك الأموال لا تزداد بنفس الوتيرة التي يزداد بها على سبيل المثال إنفاق الشركات على تقنية المعلومات مما يحدُّ من قدرتها على تحقيق مكاسب مذهلة، إلا أن شركات صناعة الأسلحة محمية أيضا من التعرض لخسائر كبيرة بعقود ضخمة تمتد فترات سريانها لعشرات السنين.

هنالك أيضا تركُّز شديد في صناعة الأسلحة بفضل تحول كبير أعقب نهاية الحرب الباردة. ففي اجتماع عام 1993 أطلق عليه اسم «العشاء الأخير» أبلغ ويليام بيري الذي كان وقتها نائب وزير الدفاع في حكومة بيل كلينتون قادة الصناعة أن الطاقة الإنتاجية الزائدة عن الحد لم تعد ملائمة وأن الاندماج بين الشركات أصبح واجب الساعة. نتيجة لذلك تقلص عدد الشركات الأساسية التي تتعاقد معها وزارة الدفاع من أكثر من 50 شركة في أمريكا الخمسينيات إلى ست شركات. وتراجع عدد الشركات المورِّدة للأقمار الصناعية من 8 إلى 4 والطائرات ثابتة الجناح من 8 إلى 3 والصواريخ التكتيكية من 13 شركة إلى ثلاث شركات.

أسهم شركات صناعة الأسلحة الأمريكية

ساعد الطلب المضمون وضعف المنافسة على تفوق أداء أسهم شركات صناعة الأسلحة الأمريكية وبشكل مريح (على متوسط أداء الأسهم الأخرى) في سوق الأوراق المالية خلال الخمسين سنة الماضية. ووجدت ورقة نشرت بواسطة وزارة الدفاع الأمريكية في أبريل أن أداء الشركات الدفاعية الأساسية في الفترة بين 2000 و2019 كان أفضل من أداء الشركات المدنية فيما يخص عائدات أصحاب الأسهم والعائد على الأصول والعائد على حقوق الملكية من بين المقاييس المالية الأخرى. يعني تزايد عدم الاستقرار في العالم تخصيص المزيد من الأموال للقوات المسلحة ومورديها. لذلك ارتفع إجمالي عائدات المساهمين بما في ذلك خصصت الأرباح في الشركات الأساسية لتوريد الأسلحة والمعدات الدفاعية مثل جنرال دايناميكس ولوكهيد مارتن ونورثروب جرومان عندما اشتعلت حرب أوكرانيا في فبراير 2022 وعند اندلاع أحداث 7 أكتوبر الماضي.

هذا الاحتكار المريح يواجه الآن تحديا على جبهتين. إحداها تكنولوجية. فكما تكشف معارك الدبابات في سهول أوكرانيا وشوارع غزة لا يزال استخدام «المركبات المصفحة» في الحروب مهما. وكذلك الصواريخ وقذائف المدفعية والطائرات المقاتلة. لكن كلا الحربين تؤكدان أيضا أن المعركة الحديثة يتزايد اعتمادها على معدات تكتيكية أصغر وأكثر بساطة وعلى الاتصالات والمستشعرات والبرمجيات والبيانات. التحدي الثاني يتمثل في سعي البنتاجون للحصول على «قيمة أكبر مقابل المال» من التحالف العسكري الصناعي.

كلا هذين التحديين يقوضان الميزات التنافسية الكبيرة للشركات الأساسية. بمعنى قدرتها على تصنيع معدات ضخمة والتعامل مع عملية الشراء بالغة التعقيد إلى حد يدير الرأس. فالابتكارات المعقولة التكلفة، مثل مشروع «ريبليكيتر» الذي أعلنه البنتاجون مؤخرا ويهدف إلى الحصول على أسراب من المسيّرات الصغيرة في الجو بأسرع وقت ممكن، تحتاج إلى هندسة رشيقة. لكن الشركات العملاقة العاملة في مجال الدفاع غير مجهزة أصلا للتعامل معها، حسبما أشارت إلى ذلك بلطف شركة كيرني الاستشارية.

إذا كان لهذه الشركات أن تزدهر في العهد الجديد سيلزمها إعادة اكتشاف بعض طرائق الابتكار التي ساعدتها على تشكيل وادي السليكون في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. لكنها حتى الآن تجد صعوبة في ذلك.

أعمال البحث والتطوير

من اليسير أن ندرك لماذا تحب هذه الشركات (ومستثمروها أيضا) الترتيب الحالي للأمور. فوزارة الدفاع الأمريكية تسدد تكاليف أعمال البحث والتطوير التي تتولى القيام بها هذه الشركات زائدا ما بين 10% إلى 15% من قيمة التكلفة. مقاربة «التكلفة زائد هامش الربح» هذه توفر للشركات ضخ جزء كبير من رأسمالها على مشروعات عالية المخاطر. هذا الوضع يتيح لها الأمان لكنه يقلل من الحافز على تسليم توريداتها في الوقت المطلوب وبتكلفة لا تتجاوز مخصصات ميزانياتها. في عام 1993 بدأ مشروع تصنيع الطائرة المقاتلة إف-35 والذي ظل يرفد شركة لوكهيد بأكثر من ربع إيراداتها في السنوات الثلاث الأخيرة. لكنه تأخر بحوالي عشر سنوات وسيكلف دافعي الضرائب ما يصل إلى تريليوني دولار خلال فترة بقاء الطائرة في الخدمة.

بمجرد الشروع في إنتاج مجموعة المعدات الكبيرة والمطورة حديثا يتم بيعها بسعر ثابت وكثيرا ما يكون ذلك لفترة تمتد إلى عقود. فالقاذفة الشبح بي 21 التي يجري تطويرها حاليا بواسطة شركة نورثروب جرومان ستكلف البنتاجون أكثر من 200 بليون دولار مقابل إنتاج 100 طائرة يتم تسليمها خلال 30 عاما. ومن المقرر أن يتواصل برنامج تصنيع الغواصة النووية فئة كولومبيا بواسطة شركة تابعة لجنرال دايناميكس من بداية الثلاثينيات إلى عام 2085 على الأقل. لقد أوشك صبر البنتاجون على النفاد من نموذج العمل هذا والذي طال أمده. لخصت استراتيجية الدفاع الوطني للعام الماضي ذلك باختصار ووضوح حين أشارت إلى أن ذلك النموذج «أبطأ وأكثر تركيزا مما يلزم على الحصول على أنظمة (تسليح) ليست مصممة للتعامل مع التحديات الأكثر أهمية التي نواجهها».

بدلا عن ذلك تريد الإستراتيجية «مكافأة السرعة في إجراء التجارب (على المعدات العسكرية) والحصول عليها ونشرها (ميدانيا). وهذا يجبر الشركات الأساسية على التفكير بشأن كيفية إنشاء وظائف جديدة لمنصاتها القائمة بإضافة برمجيات جديدة ووحدات وحمولات وأمثال ذلك وابتداع عمليات إنتاج يمكن تعديلها لاستيعاب الابتكارات.

وكما أقر مؤخرا جيم تايكليت الرئيس التنفيذي لشركة لوكهيد مارتن، يتوقع الجنود تكاملا سلسا بين المستشعرات والأسلحة والأنظمة لإدارة المعركة مثل مفهوم «القيادة والسيطرة المشتركة في كل المجالات». وهذا مفهوم جديد لاقتسام البيانات بين المنصات وأفرع القوات المسلحة ومسارح العمليات.

سيشكل التعاقد على إنشاء مثل هذه المنظومات وتحديثها المستمر تحديا للشركات التي ظلت حتى الآن تنتج أجزاء ضخمة من الأجهزة ببطء والتي تأسست قبل ظهور التقنية الرقمية، بحسب ستيف جراندمان الباحث بمركز الأبحاث «المجلس الأطلنطي».

التوريدات الدفاعية

تواجه الشركات الأساسية للتوريدات الدفاعية مشكلة أخرى. فالتقنية التي تدور في بال البنتاجون ليست عسكرية أصلا، كما يقول ميخائيل جرينبيرج أحد مسؤولي شركة رينيسَنس ستراتيجيك آدفايزرس الاستشارية. معظم الشركات الدفاعية العملاقة لديها أقسام مدنية. وهي أقسام كبيرة في حالة بوينج وجنرال دايناميكس ورايثيون. لكن شهية البنتاجون المتزايدة للتقنيات مزدوجة الاستخدام (مدنيا وعسكريا) تعني المزيد من التنافس من الصناعة المدنية والتي تطور باستمرار معدات ومواد وعمليات صناعية جديدة وبرمجيات يمكن استخدامها لأغراض عسكرية وأيضا مدنية.

في عام 2020 فازت شركة صناعة السيارات جنرال موتورز بعقد توريد مركبات مشاة. وتحالفت الشركة الآن مع الذراع الأمريكي لشركة الصناعات العسكرية الألمانية راينميتال في صفقة لتوريد شاحنات عسكرية. كما تحاول شركات منافسة أخرى شق طريقها إلى «التحالف الصناعي العسكري» مدفوعة بشهية وزارة الدفاع للمزيد من الأنظمة المتنوعة. فشركة بالانتير التي تأسست في عام 2003 للمساعدة في تجنب المزيد من الهجمات مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2011 تصنع برمجيات مدنية وعسكرية لمعالجة الكميات الضخمة من البيانات التي تخلفها الحروب والحياة الحديثة.

وترسل شركة استكشاف الفضاء «سبيس اكس» التي أسسها ايلون ماسك حمولات بما في ذلك مستلزمات عسكرية إلى مدار الأرض. وتتعاقد معها وزارة الدفاع الأمريكية لتزويد القوات الأوكرانية بخدمة الإنترنت في معاركها مع القوات الروسية.

شركات التقنية الكبرى تدخل أيضا في المعمعة. فأمازون وجوجل ومايكروسوفت استهدفت قطاعي الدفاع والأمن كأسواق واعدة، كما يقول جراندمان. التوريدات العسكرية عمل تجاري نادر وأيضا كبير بما يكفي لكي يحدث فرقا في إيرادات شركات التقنية الكبيرة والتي تصل إلى مئات البلايين من الدولارات. فشركات التقنية الثلاثة المذكورة آنفا ومعها أوراكل تتشاطر عقدا للحوسبة السحابية بقيمة 9 بلايين دولار مع البنتاجون. كما تزود مايكروسوفت أيضا الجيش بنظارات الواقع المعزز في صفقة قد تصل قيمتها في نهاية المطاف إلى 22 بليون دولار.

سياسة البنتاجون الجديدة أيضا تجتذب شركات ناشئة منافسة. آندوريل شركة ناشئة تأسست في 2017 لغرض وحيد هو خدمة الاحتياجات العسكرية. طورت الشركة «لاتيس.» وهذه منصة برمجيات للأغراض العامة يمكن تحديثها وتكييفها بسرعة لحل مشاكل جديدة.

تصنع الشركة أيضا مُسيَّرات قصيرة المدى اسمها «جوست» يمكن تشغيلها بواسطة جنديين. وإدراكا منها بأنها لكي تكسب زبائن جددا بسرعة يجب أن تتكامل رأسيا استحوذت اندوريل على شركة تصنيع لمحركات الصواريخ. كما تعكف على تطوير مركبات ذاتية القيادة تحت الماء (غواصة مسيرة) للبحرية الأسترالية.

ولا تزال الشركات الطامحة في الانضمام للشركات الأساسية المورِّدة للمعدات العسكرية تشكو ويشكو معها مموِّلوها أيضا من الحواجز التي تنتصب أمام دخول الشركات الجديدة إلى سوق المبيعات الدفاعية.

خوض معارك قضائية

يقول برايان شيمف الرئيس التنفيذي لشركة اندوريل أنت عندما تعمل مع وزارة الدفاع الأمريكية «تتلقى لكمة على الوجه في كل يوم».

لقد توجب على شركتي سبيس اكس وبالانتير كليهما خوض معارك قضائية أمام المحاكم فقط لكي تتمكنا من المنافسة على العقود العسكرية. ففي يونيو وقّعت بالانتير على خطاب مفتوح مع 11 شركة أخرى بما فيها اندوريل ومستثمرون يتوسل إلى البنتاجون لإزالة العراقيل أمام صغار المقاولين. الخطاب الذي استفاد من مقترحات تقدم بها المجلس الأطلنطي أدان «الأساليب العتيقة» التي «حدَّت بشدة» من إمكانية التوصل إلى الابتكار التجاري. وكما تُبيِّن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي يبدو أن وزارة الدفاع حريصة على الابتعاد عن أسلوب المشتريات القديم مثلا بتحويل قدر أكبر من المخاطرة إلى الشركات المتعاقدة من خلال عقود التطوير بسعر ثابت بدلا عن عقود التكلفة والربح.

مثل هذه التطورات تثير قلق الشركات الدفاعية الأساسية. فالمتاعب المالية الأخيرة لشركة بوينج ناتجة جزئيا عن تقدمها الكارثي بعطاءات أقل من التكلفة الفعلية لتنفيذ عقود ثابتة السعر تتعلق بتصنيع طائرة تزويد الوقود في الجو «كيه سي-46» والطائرة الرئاسية «أير فورس وان» التي يتنقل بها الرؤساء الأمريكيون.

بالمقارنة تخلصت شركة اندوريل من اعتمادها على عقود التكلفة زائدا هامش الربح من تلقاء نفسها. وهي تستثمر رأسمالها الخاص لإنتاج ما تعتقد أن وزارة الدفاع ستحتاج إليه.

واقع الحال الشركات الأساسية للتوريدات العسكرية بتشبثها بالنموذج القديم ربما تحرم الولايات المتحدة من الصناعة الدفاعية التي تحتاج إليها في القرن الحادي والعشرين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وزارة الدفاع الأمریکیة الشرکات الأساسیة صناعة الأسلحة هذه الشرکات بما فی فی ذلک

إقرأ أيضاً:

ليبيا تستعيد العضوية الكاملة في المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيمائية

أعلنت وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية، مشاركة ممثلين من الهيئة الوطنية لمتابعة تنفيذ اتفاقيات حظر الأسلحة الكيمائية والنووية، في مقر اللجنة الدولية لمتابعة حظر الأسلحة الكيمائية بلاهاي الهولندية.

وعُقد الاجتماع السنوى السادس والعشرون للهيئات الوطنية في الفترة من 20 إلى 25 نوفمبر 2024م، والاجتماع السنوي للدول الأطراف في الفترة من 25 إلى 30 نوفمبر 2024م.

وقد شهد الاجتماع استعادة ليبيا لعضويتها الكاملة في المنظمة، وحقها في التصويت بعد عشر سنوات من التجميد.

وقد جاء هذا الإنجاز نتيجة للجهود الحثيثة التي بذلتها حكومة الوحدة الوطنية، وللمتابعة المستمرة من قبل مدير مكتب وزير الدفاع وبالتنسيق مع مندوب ليبيا لدى المنظمة، ورئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية، وبدعم تقرير مفتشي التحقيق بعد زيارتهم المعلنة لمصنع الرابطة للصناعات الدوائية، في الفترة من 11 إلى 15/ 11/ 2024م.

حيث ساهمت كل هذه الجهود في تعزيز مكانة الدولة الليبية، واكتسابها المصداقية لاسترجاع عضويتها الكاملة في المنظمة.

مقالات مشابهة

  • ليبيا تستعيد عضويتها الكاملة في المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية
  • نواب بريطانيون يطالبون بوقف تسليح إسرائيل
  • الطالبي العلمي في مؤتمر المستقبل: المغرب بقيادة جلالة الملك لديه الكثير مما يقدم في مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين
  • ليبيا تستعيد العضوية الكاملة في المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيمائية
  • نواب بريطانيون يطالبون بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح
  • 25 نائبا بريطانيا يطالبون بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح
  • المندوبة الأمريكية: قلقون من انتهاكات حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا والتصدير غير الشرعي للنفط
  • الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء: القرن الحادي والعشرين فرصة لفهم الإسلام الصحيح
  • متحدث الدفاع المدني في غزة: المجازرُ التي ارتكبها الكيانُ الصهيونيُّ في غزةَ لم يحدُثْ مثلُها في القرن الـ 21
  • حملة صارمة ضد الشركات التي ترفع الأسعار في تركيا!