أكبر تهديد وجودي للحي الأرمني بالقدس.. إليكم التفاصيل
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
القدس المحتلة- استغل مستوطنون إسرائيليون انشغال العالم بغزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحاولوا الاستفراد بالحي الأرمني داخل سور القدس المحتلة، لتمرير "صفقة تسريب" قال الأرمن إنها الأخطر والأكثر كارثية في تاريخ الحي.
ووقعت أحدث التعدّيات في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حيث اقتحم 15 مستوطنا مسلحا برفقة كلابهم قطعة أرض في حي الأرمن يطلق عليها "حديقة البقر" وهدموا جزءا من سور موقف المركبات.
ثم أعادوا الكرّة بحماية شرطة الاحتلال في 15 و16 من الشهر الجاري، والتي أمرت سكان الحي من المسيحيين الأرمن، بالإخلاء الفوري، واعتقلت 3 منهم بينهم فتى قاصر، أبعدت اثنين منهم عن الأرض 15 يوما.
وتصدّيا لتلك التهديدات، يعتصم عشرات المقدسيين الأرمن منذ أسابيع في أرض "حديقة البقر"، تزامنا مع قرارمن البطريركية الأرمنية بإلغاء "صفقة التسريب"؛ وهو مصطلح شائع في القدس يشير إلى العقود السرية أو صفقات بيع تمت خلسة لجهات إسرائيلية أو دولية بغطاء إسرائيلي، ووصول 6 محامين أرمنيين من الولايات المتحدة للدفاع لدراسة القضية وسبل إلغائها.
وإلى جانب الاقتحامات المستمرة لمحاولة الاستيلاء على الأرض، عيّن المستوطنون شركة حراسة قامت بنصب حاجز عند مدخل "حديقة البقر"، ومنعت الأرمن من دخولها أو ركن مركباتهم. وردا على هدم المستوطنين أجزاء من السور المحيط بالأرض، أحاط الأرمن الموقع بالسواتر والعوائق ومنعوا بأجسادهم تقدم جرافات الاحتلال.
سكان الحي الأرمني بالقدس في اعتصام مستمر ضد التصرف بأراضيهم أو بيعها (الجزيرة) صفقتان كارثيتانويتحدث أرمن القدس عن صفقتين بارزتين تخللهما الكثير من التفاصيل تفتحان شهية المستوطنين على الأرض، الأولى وقّعتها البطريركية الأرمنية مع بلدية الاحتلال في القدس عام 2020 لتأجير جزء من الأرض، والثانية عام 2021 بين البطريرك الأرمني نورهان مانوجيان وشخص يدعى داني روتمان روبنشتاين لاحتكار قطعة الأرض ذاتها واستثمارها بشكل مشترك بما في ذلك إقامة فندق.
تحدثت الجزيرة نت إلى مستشار شؤون الكنيسة في الشرق الأوسط سايمون أزازيان، لكنه فضل أرسال مقالا موسعا نشره منذ أيام، وصف فيه الصفقة الثانية بـ"الكارثية".
وأضاف أن مساحة "حديقة البقر" نحو 7500 متر مربع، لكن الاتفاقية الثانية تتحدث عن 11 ألفا و500 متر مربع، أي أنها تشمل منازل 5 عائلات أرمنية، ومدرسة اللاهوت (السيمينير)، والمتحف الأرمني، وموقف السيارات، بمساحة 25% من إجمالي مساحة دير الأرمن كاملة.
وقال أزازيان إن الصفقة تضم بندا يسمح ببيع الأسهم لطرف ثالث من دون موافقة البطريركية، إضافة إلى اقتطاع أراض أخرى مستقبلا "إذا لم تتعارض مع مخططات البطريركية".
جرافات إسرائيلية تنتظر الإذن بالعمل في أرض تتبع حي الأرمن (الجزيرة) أطراف الصفقةووفقا لمستشار شؤون الكنيسة في الشرق الأوسط، فإن أطراف الصفقة من الكنيسة هم بطريرك القدس الأرمني نورهان مانوجيان، ونائبه المطران سيفان غريبيان، ومدير قسم العقارات في البطريركية باريت يريتسيان.
وبينما نفى مانوجيان -الذي جرى تجميد الاعتراف به من قبل الأردن والسلطة الفلسطينية- علمه بها، قال يريتسيان إنها اتفاقية تجارية بحتة، لكنه عُزل وطُرد من الحي وغادر إلى الولايات المتحدة.
وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشرت البطريركية الأرمنية إعلانا يقضي بإبطال الصفقة التي وقّعت عام 2021، لكنها لم تتلق ردا من الطرف الآخر، الذي سارع مؤخرا لتنفيذها ميدانيا وبالقوة.
وقالت البطريركية في إعلامها إن داني روتمان -الذي وقعت معه الصفقة- تظاهر أمام موكلتها، بأنه رجل أعمال أسترالي، ثم تبين لاحقا أنه إسرائيلي من سكان مستوطنة (رعنانا) ولديه تاريخ حافل بالغش والخداع.
وأضافت أن رجل الأعمال "لم يكن إلا وسيطا، إذ أعلن في أبريل/نيسان الماضي نقل 49% من أسهم شركته (زانا) إلى شخص إسرائيلي يدعى جورج ورور، وأنه ينوي نقلها كاملة ليصبح الأخير المالك الوحيد".
وتقول إن تحقيقات أجرتها موكلة البطريركية أظهرت أن لكلا الشخصين علاقة بجمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية المسؤولة عن معظم عمليات شراء العقارات في البلدة القديمة بالقدس لصالح المستوطنين.
"أرض جدودي هون من آلاف السنين".. المقدسية الأرمنية هوبيك مارشيليان تبين إصرار الأرمن على حماية أوقافهم وأملاكهم المهددة بالتسريب داخل سور القدس.#القدس_البوصلة pic.twitter.com/0OSPQ8JWTP
— القدس البوصلة (@alqudsalbawsala) November 18, 2023
تجاهل الإلغاءوحذرت البطريركية الأرمنية -في بيان نشرته في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري- من أنها "تواجه أكبر تهديد وجودي في تاريخها، وأن المطوّر الذي سعى لشراء نحو 25% من الحي الأرمني تجاهل رسالة البطريركية بإلغاء الصفقة وبدأ أعمال الهدم".
وناشدت الطوائف المسيحية في القدس للوقوف معها، فأصدر بطاركة ورؤساء الكنائس في المدينة بيانا في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بيان تأييد "لبطريركية الأرمن والمجتمع الأرمني في قرارهم باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لإلغاء الصفقة".
منذ أيام يتعرض الحي الأرمني في البلدة القديمة بالقدس لاعتداءات شرطة الاحتلال والمستوطنين، في محاولة لتفريغ إحدى الساحات تمهيدا للاستيلاء على موقف للمركبات يُعرف بـ"حديقة البقر".. فما القصة؟
للمزيد: https://t.co/CmRvpGvr83 pic.twitter.com/54dBuC85Xi
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) November 18, 2023
الجزيرة نت بدورها توجهت إلى حي الأرمن، وقابلت بعض سكانه المعتصمين في حيّهم ضد تسريب أجزاء منه. وقالت إحدى مواطنات الحي -فضلت عدم نشر اسمها- إنها تدعم الاعتصام وأعدت طبق المجدرة (أرز بالعدس) لإطعام المعتصمين.
وأضافت بانفعال "لم تكن الصفقة لتتم لولا موافقة البطرك، أين ذهبت الأموال؟ هذه الأرض جوهرة، كيف يبيعها ويضر الناس؟ اليوم حتى المطران لا يستطيع ركن سيارته في الموقف، مستمرون حتى استرداد الأرض ولو استغرق الأمر سنوات".
أما ستراك بليان، وهو أحد الناشطين في الحراك المقدسي الأرمني، فقال للجزيرة نت إنهم يرجحون علاقة المستوطنين بصفقة 2021، مؤكدا أن الصفقة باطلة وغير قانونية، وفق القانون الداخلي للبطرك "لأن أي قرار يجب أن يوافق عيله 30 من الخوارنة (رجال دين) من "مار يعقوب"، الشرطة لم تُرنا أي أمر إخلاء من المحكمة، فقط يأتون كالزعران مع شركات الأمن".
وجود قديم
وسكن الأرمن مدينة القدس في القرن الرابع الميلادي، وتملكوا حيّا داخل سور القدس جنوب غرب البلدة القديمة بلغت مساحته 300 دونم (الدونم ألف متر مربع) أي سدس مساحة البلدة القديمة.
كما حصل الأرمن على مرسوم اعتراف رسمي من الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الذي كفل حقوقهم على نقش حجري محفور على مدخل دير الأرمن، كما يضم الحي ثاني أضخم مكتبة أرمنية للمخطوطات في العالم، وأقدم مطبعة في القدس.
وبلغ عدد الأرمن في فلسطين قبل احتلال شرقي القدس عام 1967 نحو 25 ألف نسمة، لكن أعدادهم تراجعت إلى ألف نسمة واقتصرت على الحي الأرمني.
وتكمن أهمية الحي الأرمني في موقعه داخل سور القدس وقربه من الحي اليهودي حاليا، وامتداده بين بابي الخليل والنبي داود، تزامنا مع موجة الاستيلاء على العقارات الإسلامية والمسيحية، وأبرزها صفقة فندقي "البترا" و"إمبريال" التابعين للكنيسة الأرثوذكسية قرب باب الخليل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: البلدة القدیمة فی القدس
إقرأ أيضاً:
الرئيس الشهيد الصماد .. الرمز الحيًّ في وجدان أمته
مقالات:
بقلم/ عبدالحكيم عامر
الرئيس الشهيد صالح علي الصَّمَّاد (رحمه الله)، يظلُّ رمزًا حيًّا في وجدان أمته، وذاكرة شعبٍ عَرف فيه تجسيداً حقيقياً للهوية الإيمانية، والوفاء والصدق لقضايا الوطن والأمة، لقد كان أنموذجاً للقائد الصادق، والصابر، والمضحّي، الذي جعل من سعيه الدؤوب لمرضاة الله تعالى وإعلاء شأن شعبه غايةً لا تحيد عنها الإرادة.
كيف نبدأ الحديث عن “المواطن الصالح” و”الرئيس المكافح” الذي اتّسع عطاؤه كالبحر في كلّ اتجاه؟ فقد جمع بين العلم والفهم، والحكمة والدراية، مع زهدٍ وتواضعٍ قلّ نظيرهما، صبر حتى نال، وثبت حتى انتصر، وسعى بإيمان المؤمنين حتى حاز أعلى المراتب شهادةً في سبيل الله، وخلوداً في سجلّ العظماء.
عُرِف الشهيد الرئيس الصماد بصدق انتمائه للمشروع القرآني، فانطلق منذ شبابه يحمل هموم أمته، مجسداً قيم الثبات والتضحية في وجه أعتى المؤامرات، وفي زمن العدوان، كان حاضرا بقوةٍ كقائدٍ مُلهِم، يُوحّد الصفوف، ويُعزز القدرات، ويُحفز الهمم، في مرحلته الأصعب حضوراً وتفانياً وبذلاً لجهدٍ كبير عزّز به الأولويات المهمة إزاء مجتمعه وصولاً إلى التصدّي البارز للعدوان على وطنه، فاستهدفته أيادي الغدر الأمريكية لتُسكت صوتاً آمن بأن النصر رهينٌ بالثبات على المبادئ.
كان الرئيس الصماد مثالاً فذاً في تحمُّل المسؤولية؛ فقبل المنصب الأعلى بدافع الواجب، لا طمعاً في جاهٍ أو سلطة، فكرّس حياته لخدمة شعبه، صامداً أمام التحديات، صابراً على الإساءات، زاهداً في مغريات الدنيا، فكان شعاره “يدٌ تحمي ويد تبني” الذي جسّده الشهيد الرئيس الصَّمَّاد، تعبيراً عن رؤيته الثاقبة لمستقبل الوطن، فكان يعمل بلا كللٍ ولا مللٍ لتحقيق هذا الشعار على أرض الواقع، من خلال بناء الدولة، وتعزيز قدراتها، وحماية سيادتها، كان يؤمن بأنَّ الحماية والبناء وجهان لعملة واحدة، فلا بناء دون حماية، ولا حماية دون بناء، فكان يعمل على الجبهتين بكلّ إصرارٍ وعزيمة، حتى أصبح نموذجاً يُحتذى به في القيادة، وفي الإدارة، وفي التضحية.
وفي عهده، تحوّل التصدي للعدوان إلى أولويةٍ قصوى، فكان داعماً معنوياً للمقاتلين، وحاضناً للوحدة الداخلية، ومُعبئاً للشعب نحو النصر، ورغم حربٍ شاملةٍ شنها العدو عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً، إلا أن إرادة الصمود – بقيادة الشهيد الرئيس – حوّلت الهزيمة الموعودة إلى ملحمة انتصار.
رحل جسد الشهيد الرئيس، لكن روحه ظلّت حيّةً تُحرّك الضمائر، وتُذكّر المسؤولين بواجباتهم، وتُلهم الأجيال دروساً في الإيمان والعزّة والإصرار، لقد أراد الأعداء محو أثره، لكنّ الله أراد أن يُعلي ذكره، وأن يجعل منه منارةً تهتدي بها الأجيال القادمة.
لقد كان الصَّمَّاد يحمل روح الشهادة فنالها، بإيمانه بأنَّ الشهادة في سبيل الله هي أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها الإنسان، فكان يسعى إليها بكلّ ما فيه، حتى تحققت له، فاستحقّ بجدارة لقب “الشهيد الرئيس”، فقد الشهادة كبداية الى طريق الخلود، فكانت حياته كلّها سعياً نحو هذه الغاية العظيمه.
هكذا خلّد التاريخ الشهيد الرئيس الصماد، فصار أيقونةً للإيمان وللوعي، ومنارةً للهدى، ومَعلماً يُستلهم منه دروس العزة والصبر، ستظلُّ روحُه حاضرةً في كل قلبٍ مؤمن، وعدوُّه خاسئاً أمام إرادة شعبٍ آمن أن الشهادة ليست نهاية الطريق، بل بداية الانتصارٍ.
أستشهد الرئيس الصَّمَّاد، لكنّ إرثه باقٍ، وذكراه خالدة، ودروسه مستمرة. لقد كان نموذجاً يُحتذى به في القيادة، وفي التضحية، وفي الإيمان، فسلامٌ عليه يوم وُلد، ويوم استشهد، ويوم يُبعث حياً. لقد كان بحقٍّ “علوّاً في الحياة، وفي الممات”، وكان “إحدى المعجزات” التي تُذكّرنا بأنَّ الإيمان بالله، وحمل قضايا الأمة، هو الطريق الوحيد لتحقيق النصر.