من أيِّ وحيٍ سوف أكْتُبُهُ
هذا الذي لا شيءَ يَجْذِبُهُ
أمشي إلى المعنى بلا جهةٍ
والعِشْقُ في جنْبيَّ يَعْقُبُهُ
الأبجديةُ تصْطلي ولهًا
لو من دمي الرؤيا تُقرِّبُهُ
لا فكرةٌ إلا تضيقُ بهِ
هو شاسعٌ لا حدَّ يَشْطُبُهُ
آنستُ في عينيهِ أغنيةً
فمضيتُ كالناياتِ أطْلُبُهُ
الشعرُ في تأويلِهِ ثمِلٌ
من جرَّةِ التاريخِ يَشْرَبُهُ
شطحَ المجازُ أمامَ هيبَتِهِ
فبأيِّ آلاءٍ يُشَبِّبُهُ
كالوردِ يَعْبُقُ فيَّ من زمنٍ
لَمْ تَقْدرِ الأيامُ تُجْدِبُهُ
خفَّاقَةٌ في المجدِ سيرتُهُ
والدهْرُ كالمَشْدوهِ يَرْقُبُهُ
هو من تجلَّى نورُهُ قبسًا
وأنارَ ما الديجورُ يَحْجُبُهُ
لبِسَ السلامَ كبُرْدَةٍ ومضى
للحِقْدِ بالغُفْرانِ يُعْشِبُهُ
تُصْغي له الآفاقُ مُذْعِنةً
ويدورُ حولَ الصِّدْقِ كوكَبُهُ
عبر السرابَ ولَمْ يزلْ جَلِدًا
يمشي إلى العلياءِ موكِبُهُ
تتلو الحضارةُ في ملامِحِهِ
سِفْرًا كأنَّ الغيمَ يسْكِبُهُ
يرنو .
ما كانتْ الحُسَّادُ تُنْشِبُهُ
كسفينةٍ في البحرِ راسيةٍ
وشراعَهُ بأْسًا يُثوِّبُهُ
قد شابهَ النخلَ العصيَّ وإنْ
كانتْ مُلِمَّاتٌ تُشَذِّبُهُ
فاضتْ كؤوسٌ باسْمِهِ فإذَا
ظمِأَ الزمانُ تدورُ أنْخُبُهُ
وهو العظيمُ يَشُدُّ من قلقِ
الصحراءِ إيمانًا ويُخْصِبُهُ
يَجْري إلى المجهولِ في ثقةٍ
كالنهرِ والمسْعى يُشَعِّبُهُ
عثرَ الردى بخلودهِ فغَدَا
للصبرِ والخُيلاءِ يُنْسِبُهُ
في ظلِّهِ الشُّهداءُ مُذْ دَمُهُمْ
بالتَّضْحياتِ حِمىً يُطيِّبُهُ
فلَهُ العُمانيونَ كَمْ هَطَلوا
حُبًّا بأرْضٍ ليسَ تَنْضِبُهُ
لهُمُ الحياةُ تمُدُّ لهفَتَها
وتُزيحُ ما الماضي يُرَسِّبُهُ
ومرابطونَ لرفعِ رايتِهِ
رغْمَ الذي الأقدارُ تُنْصِبُهُ
قد طاولوا هِمَمَ المُحالِ فلو
حُلْمٌ نأى الإصرارُ يَجْلِبُهُ
ما زلتُ في الرؤيا يُسيّرُني
عِشْقٌ من الميلادِ يَعْقُبُهُ
سافرتُ في أسْمائِهِ ودَمي
جَمْرُ الصَّبابةِ ظَلَّ يُلْهِبُهُ
ماذا سأقْبِسُ من جلالتِهِ
قدْ شَفَّني بالوجدِ غيْهَبُهُ
يا أيُّها الوطنُ الأبيُّ أنا
من دَهْشةُ المعنى تُغرِّبُهُ
ناصر الغساني
شاعر عماني
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
كيف كانت اللحظات الأخيرة في حياة شيخ المخرجين نيازي مصطفى؟.. مكالمة تليفون
خلال مسيرته الفنية قدَّم العديد من الأفلام السينمائية المميزة، التي أخذت مكانة كبيرة في قلب الجمهور، وخلَّدت اسمه بين نجوم الفن، كما أنه وُصف بكونه واحدًا من أهم مخرجي السينما المصرية، ورائد أفلام الحركة أو الأكشن، إنه شيخ المخرجين نيازي مصطفى، وتحل اليوم ذكرى ميلاده.
اللحظات الأخيرة في حياة نيازي مصطفى38 عامًا على رحيل شيخ المخرجين، الذي قُتل داخل شقته التي كان يعيش بها وحيدًا، في ظروف غامضة، ولم يتم التوصل للجاني وقتها وقيدت القضية ضد مجهول، لذا نستعرض اللحظات أو المشاهد الأخيرة في حياته، وفقًا لما نُشر في كتاب «لا شيء هناك»، للكاتب خيري حسن.
في يوم 19 أكتوبر عام 1986، رنين هاتف «نيازي» هزَّ أرجاء المنزل، والذي لم يكن سوى السيناريست عبدالحي أديب، وحينما لم يُجِب «نيازي» ظن الأخير أن النوم قد غلبه ولم يسمع صوت الهاتف، دوَّن أن صديقه الذي رغب بمحادثته، قد مات مخنوقًا، حسبما جاء في تقرير الطب الشرعي ما بين الساعة الثامنة والتاسعة من مساء الليلة ذاتها.
جريمة بشعة في حق نيازيقبل مهاتفة «عبدالحي» إلى صديقه «نيازي» بما يقرب من ساعة، كان الأخير يصارع للبقاء على قيد الحياة، إذ قيَّد المجهول يديه خلف ظهره بكرافتة، وكمم فمه بفوطة، كما أنه لف مفرش وسادة حول رقبته، لكتم أنفاسه تمامًا، داخل حجرة نومه، وفق وصف التحقيقات الرسمية.
حدث ذلك بعدما باغت المجهول «نيازي» بعدة لكمات موجعة، ومتلاحقة أدت إلى سحجات حول رقبته، وجرح نافذ في يده اليمنى، فضلًا عن وجود آثار دماء على فمه بسبب مقاومته الشديدة، إلا أنه فارق الحياة بعدها بدقائق، وسط حالة من الحزن والصدمة، على فراق شيخ المخرجين، بهذه الطريقة الشنيعة.