نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية عن مسؤولين، أن الاتحاد الأوروبي "يمارس ضغوطا مكثفة" على بكين، لإصلاح الخلل في العجزي التجاري المتضخم بين الكتلة والصين، موضحين أن تلك الضغوط "بدأت تؤتي أكلها بشكل مبدئي".

وكان المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، قد أوضح في سبتمبر الماضي، أن الاتحاد "يرغب في استمرار أن يكون ملف عجز الميزان التجاري مع الصين على رأس اهتماماته".

وقال دومبروفسكيس في ختام زيارته للصين استمرت عدة أيام، إنه "من الطبيعي ألا يتحقق التوازن التجاري مع كل دولة من دول العالم"، مستدركا: "لكن عندما يتضخم العجز في السنوات الأخيرة، يصبح من الواضح أهمية البحث عن أسباب ذلك وما يجب عمله لمعالجته".

وكان عجز الميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين قد وصل إلى حوالي 400 مليار يورو (423 مليار دولار) لصالح الدولة الآسيوية العملاقة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 1.4 مليار نسمة.

من جانبه، قال المفوض التجاري الأوروبي السابق، كاريل دي جوشت، للصحيفة اللندنية، إن الاتحاد الأوروبي "تعلم درسه بشأن قضايا التعامل التجاري مع الصين".

وكان دي جوشت قد حقق في عام 2013 بقضية إغراق دول الاتحاد الأوروبي بألواح الطاقة الشمسية الصينية، والتي أدت إلى القضاء على تلك الصناعة، لاحقا، في دول الكتلة.

"تضخيم مصطنع".. خبراء يشككون في نمو الاقتصاد الصيني أثناء الكورونا في الوقت الذي تعاني فيه جميع اقتصادات العالم من الركود بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، أثارت الصين جدلا في العالم بإعلانها تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4.9 % في الربع الثالث لعام 2020، وفقا لصحفية الغارديان.

وأوضح المفوض البلجيكي في تصريحاته، أن رسوم مكافحة الإغراق الناتجة عن ذلك، والتي فرضت في يونيو 2013، "لم تكن كافية لإنقاذ قطاع تصنيع الألواح الشمسية في أوروبا".

وزاد : "لم نكن حازمين بما فيه الكفاية، ولم نتصرف بالسرعة المطلوبة".

"عدم تكرار الخطأ مرة أخرى"

وبحسب مسؤولين، فإن الاتحاد الأوروبي "لا يريد أن يكرر نفس الخطأ مرة أخرى"، إذ أنه فتح خلال هذا الأسبوع تحقيقين جديدين لمكافحة "الإغراق الصيني".

وتأتي التحقيقات لتبحث في صادرات ثاني أكسيد التيتانيوم، والمنصات المتحركة التي تستخدم في صيانة المباني، وذلك في أعقاب تحقيق سابق بشأن الاتهامات الموجهة لشركات صناعة السيارات الكهربائية الصينية، بالحصول على دعم حكومي غير قانوني، بما ينتهك قواعد  المنافسة الحرة ومكافحة الاحتكار.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي، بحسب خبراء، "بعد أن كان يعتمد على تقنيات الدفاع التجاري التقليدية والبطيئة من خلال مواثيق وقوانين منظمة التجارة العالمية، قد جهز نفسه بالعديد من الأدوات الجديدة في السنوات الثلاث الماضية".

فعلى سبيل المثال، أصدر الاتحاد الأوروبي العام الماضي لائحة مكافحة الإكراه الاقتصادي، والتي يمكنها أن تساعده في اتخاذ إجراءات انتقامية من الدول التي تحظر التجارة مع أحد أعضائه لأسباب سياسية، كما حدث مع ليتوانيا التي تعرضت منتجاتها للمقاطعة من قبل الصين، بعد أن سمحت العاصمة، فيلنيوس، لتايوان بفتح مكتب تمثيلي على أراضيها.

ويمكن للاتحاد الأوروبي الآن أيضًا منع الاستثمار من قبل الشركات الممولة من حكومات خارجية، وإبعاد شركات دول أخرى عن عقود الشراء، إذا أغلقت سوقها المحلية أمام الشركات التجارية والاستثمارية الأوروبية. 

لكن مع تباطؤ اقتصادها ووجود نوع من الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، فإن بكين تحتاج إلى الاتحاد الأوروبي أكثر مما كانت عليه في السابق، بحسب فاينانشال تايمز.

أبطأ نمو للاقتصاد الصيني منذ 27 عاما أظهرت بيانات رسمية الجمعة أن الاقتصاد الصيني سجل نموا في الفصل الثالث بأبطأ معدل له منذ 27 عاما، في الوقت الذي تخوض فيه البلاد حربا تجارية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.

وفي هذا الصدد، قال كبير المستشارين في مجموعة روديوم الاستشارية، نواه باركين: "إن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الصين تمنح أوروبا درجة من النفوذ، وأوروبا تستخدم نفوذها بطريقة لم نشهدها من قبل".

وتقليديا، كانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (27 دولة) منقسمة بشأن التعامل مع الصين، فبعض الدول مثل إيطاليا واليونان والمجر، انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق، وهي خطة البنية التحتية العالمية التي أطلقتها بكين بقيمة تريليون دولار.

ومع ذلك، قال أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي، إن زعماء الكتلة أصبحوا الآن "متحدين في موقفهم تجاه الصين"، مضيفا: "حان الوقت لكي يظهر الصينيون بالأفعال أنهم بحاجة إلينا"، حسب الصحيفة البريطانية.

ورأى باركين أنه "من المرجح أن تقدم بكين المزيد من التنازلات" التي من شأنها أن تساعد في إعادة التوازن التجاري، لكن الضغوط الأوروبية قد تأتي بنتائج عكسية، موضحا: "هناك خطر من أن تبالغ الصين في ردود فعلها، وأن ندخل في دوامة انتقامية متبادلة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی

إقرأ أيضاً:

الاستقلال الأوروبي ضرورة حتمية

ترجمة : بدر بن خميس الظفري -

أحد أكثر الأحداث تحديًا لأوروبا هذا العام هو عودة دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. فقد وصفت مجلة الإيكونوميست، في توقعاتها لعام 2025، هذا الحدث بأنه «لحظة صادمة». ومن منظور أوروبي، فإن الوضع يبدو خطيرًا بالفعل. إن موقف ترامب أقوى من أي وقت مضى، إذ يتمتع الحزب الجمهوري بأغلبية في كلا مجلسي الكونجرس، كما أن ترامب فاز أيضًا بالتصويت الشعبي، إذ صوّت له عدد من الأمريكيين أكثر من أي مرشح آخر. أما أوروبا، فيبدو أنها في موقف ضعيف، فقد تفكك الائتلاف الحاكم في ألمانيا نهاية عام 2024، ومن المقرر إجراء الانتخابات في فبراير، وسيستغرق تشكيل حكومة جديدة أسابيع، إن لم يكن شهورًا. وفي فرنسا، تولى أربعة رؤساء وزراء السلطة في عام 2024، ولم يتمكن أي من الأحزاب السياسية الرئيسية الثلاثة من تحقيق أغلبية في البرلمان. وفي النمسا، هناك مستشار مؤقت فقط، بينما تواجه حكومة إسبانيا حالة من الضعف الشديد.

هذا الوضع يمنح قوة إضافية لرئيسة المفوضية الأوروبية المنتخبة من جديد، أورسولا فون دير لاين، التي تبدو مستعدة لاغتنام الفرصة. ولكن بموجب قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن سلطتها محدودة للغاية في مجالات السياسة الخارجية والأمن والدفاع.

كما أن الاقتصاد الأوروبي ليس في حالة جيدة. فمن بين أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5% في عام 2024، والاقتصاد الأمريكي بنسبة حوالي 3%، بينما نما اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة حوالي 1% فقط.

لذا، فإن أوروبا ليست في وضع جيد للتعامل مع رئيس أمريكي يفاجئنا باستمرار بتصريحات غير مدروسة. ويناقش المحللون حول ما إذا كان يجب أخذ تصريحاته بجدية أو لا. وما يعنيه هذا بالنسبة للتعريفات الجمركية على السلع الأوروبية، أو المطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي من قبل دول الناتو الأوروبية، أو حل الأزمة الأوكرانية في «يوم واحد» أو «ستة أشهر»، كل ذلك غير واضح.

حتى وقت قريب، كان هناك نقاش يدور بشكل دائم بين صانعي القرار في أوروبا حول كيفية التعامل مع ترامب. لذلك، فإن الوقت قد حان للنظر في كيفية إدارة أوروبا لعلاقاتها مع بقية العالم، وخاصة مع الصين، في وقت تزداد فيه التحديات في العلاقة عبر الأطلسي.

حاليًّا، يبدو أن هناك ثلاث مدارس فكرية رئيسية. فالسياسيون، خاصة في الدول الأوروبية الكبرى، لديهم أملٌ أنه من خلال الحجج القوية والمجاملات الشخصية، يمكنهم إقناع ترامب بأن مشاركتهم في الناتو تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وأن فرض التعريفات ضد الشركاء الأوروبيين أمر غير سديد. هذا الرأي شائع في ألمانيا، التي تخلت، على عكس المملكة المتحدة وفرنسا، عن الأسلحة النووية. وفي وقت أدلى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصريحات لا تستبعد استخدام هذه الأسلحة، تعتمد ألمانيا بشكل خاص على المظلة النووية الأمريكية.

على النقيض من ذلك، يبدو أن بعض الحكومات الأوروبية، مثل المجر وسلوفاكيا، وربما قريبًا النمسا، تعتقد أنه إذا ما ابتعدت واشنطن عن أوروبا، فإن هناك حاجة إلى بنية أمنية دولية أكثر قومية وصديقة لروسيا.

حتى الآن، هناك عدد قليل يدعو إلى حل ثالث، وهو الاستقلال الأكبر للدبلوماسية الأوروبية الذي طال انتظاره.

قبل إعادة انتخاب ترامب، كان كثيرون في أوروبا يعتقدون أن رئاسته الأولى كانت مجرد استثناء عابر. ولكن الآن، يبدو أن الولايات المتحدة تتبع بقوة مسار «أمريكا أولاً» المستدام، الذي انقطع لفترة وجيزة خلال إدارة جو بايدن.

سياسات هذا المسار تعود إلى الواجهة من جديد، وتهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي الكبير مع الاتحاد الأوروبي بشكل عدائي، وهو موقف غير مريح بشكل خاص لألمانيا، التي تمتلك الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا كبيرًا معها. لذلك، من مصلحة ألمانيا قيادة الطريق نحو سياسة أوروبية أكثر استقلالية.

لن تسعى هذه السياسة إلى إيجاد توازن متساوٍ بين واشنطن وبكين، لكنها ستعتمد بشكل أكبر على توقعات الصين وأقل على القرارات الفردية من واشنطن.

الرئيس الجديد للحكومة الألمانية، المتوقع أن يكون فريدريش ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي، سيولي العلاقة عبر الأطلسي أهمية كبيرة. ولكن على المستوى الاقتصادي، من المحتمل أن يصغي ميرتس إلى قطاع الأعمال الألماني.

يمكن أن تشكل علاقة أقرب بين ألمانيا والصين مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، وهما مستفيدان كبيران من سياسات العولمة.

يمكن للشركات الألمانية والصينية أن تقود الجهود لتعزيز العولمة والتجارة الحرة وتوسيع التبادل الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والصين والجنوب العالمي.

ولفغانغ روهر عضو سابق في الخارجية الألمانية، وأستاذ استشاري في جامعة تونجي، وباحث زائر في مركز الدراسات الثقافية للعلوم والتكنولوجيا في جامعة برلين التقنية.

مقالات مشابهة

  • الخارجية تواصل متابعة أنشطة «بعثة الاتحاد الأوروبي»
  • الاتحاد الأوروبي: المستوطنات في فلسطين غير قانونية بموجب القانون الدولي
  • الاستقلال الأوروبي ضرورة حتمية
  • الاتحاد الأوروبي يكشف عن خطة اقتصادية لمواجهة تهديدات ترامب
  • الاتحاد الأوروبي يدعم الأردن بـ3 مليارات يورو
  • الاتحاد الأوروبي يؤكد دعمه للإصلاحات الاقتصادية وجهود السلام في اليمن
  • الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بدعم السلام في اليمن
  • عاد الغزيّون ولم يعد المستوطنون.. لابيد يتهم حكومة الاحتلال بالعجز
  • الاتحاد الأوروبي: نضع اللمسات الأخيرة قبل رفع العقوبات جزئيا عن سوريا
  • التضخم يلتهم رواتب المعلمين في أوروبا.. ما هي الدول التي شهدت انخفاضات حادة؟