الطبيعة والعافية .. وحلم المتنزهات الصحية!
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
في وقت ليس ببعيد، نتفاجأ أحيانًا من بعض الَّذين قَدْ اعتادوا على العيش في المُدُن، أو نشأوا فيها أنَّهم يميلون إلى تجنُّب بعض مخلوقات الطبيعة أو تلك الَّتي تعيش في قُرانا ومزارعها، كالنَّمل والحمَام أو النَّحل، أو حتَّى ربَّما عِند رؤية الصراصير، وقَدْ يكُونُ هذا خصوصًا ما يُبرِّره إلى حدٍّ ما، نظرًا لارتباطها الثقافي بالقذارة والمَرض.
وبَيْنَما تُصبح الطبيعة غير مألوفة ومنفصلة وغريبة بالنسبة لأولئك، بل وربَّما وفي بعض الأحيان ننفر مِنْها بسهولة أكبر، فواقعيًّا يُمكِن لهذه المشاعر أن تدفعَ النَّاس إلى تجنُّب الطبيعة بشكلٍ أكبر! مع أنَّ العِلم يُبَيِّن الآن الفوائد الصحيَّة النَّاجمة عن الخروج من المنزل، في وقتٍ أصبحَ فيه الوصول إلى المساحات الطبيعيَّة أو المرتبطة بها غير متساوٍ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. بطبيعة الحال، المشي عَبْرَ النخيل والأشجار، سواء كان ذلك في مزارعنا أو بَيْنَ الطبيعة مُهمٌّ، وذلك لِمَا لها من أدوار مُهمَّة في تعزيز الصحَّة النَّفْسيَّة في المستقبل. وفي الواقع، أنَّ ممارسة المشي بَيْنَ الأشجار وقضاء الوقت بَيْنَ المزارع أو بالطبيعة يُمكِن أن تساعدَنا في التعامل مع ضغوط الحياة الحضريَّة نَفْسِها. وربَّما يكُونُ لبعض هذه الفوائد علاقة بكيفيَّة تأثير البساتين أو حتَّى المساحات الخضراء وأشجارها على أدمغتنا، خصوصًا وأنَّ إحدى الدِّراسات وجدَتْ أنَّ الأشخاص الَّذين يعيشون بالقرب من الأشجار يتمتعون بـسلامة اللوزة الدماغيَّة بشكلٍ أفضل، ممَّا يعني أنَّ بنية الدِّماغ أكثر قدرة على التعامل مع الضغوطات! ويبدو هنا أنَّ الأشجار تساعد أيضًا في صحَّة قُلوبنا. ففي إحدى الدِّراسات المرتبطة، أظهرت أنَّ المشي بَيْنَ الأشجار أدَّى إلى خفض ضغط الدَّم لدى الأشخاص، ومستويات الكورتيزول، ومعدَّلات النبض، ونشاط الجهاز العصبي (المرتبط بالتوتُّر)، مع زيادة نشاط الجهاز العصبي السمبتاوي (المرتبط بالاسترخاء). وبلا شكٍ ترتبط كُلُّ هذه العلامات الفسيولوجيَّة بصحَّة أفضل للقلبِ، وهذا دليل آخر يشير إلى أنَّ المشي في المساحات الخضراء وبَيْنَ الأشجار أو في المزارع يُحسِّن وظيفة القلب والأوعية الدمويَّة.
بل ولعلَّك تلاحظ كيف أنَّ النَّباتات حَوْلَ المنازل قَدْ تساعد على تقليل فظاظة النَّاس وعدوانيَّتهم، ناهيك أنَّ تلكم الأشجار والنَّباتات قَدْ تجذب أيضًا النَّاس إلى خارج منازلهم، وتغيير نفسيَّتهم السَّيئة إلى حالٍ أفضل. وبعبارة أخرى، يجِبُ على المؤسَّسات المعنيَّة، والبلديَّات الاهتمام بشكلٍ حقيقي باللون الأخضر، وتغذيته في كُلِّ بقعة من الولاية، والمدينة وحتَّى بَيْنَ المُجمَّعات السكنيَّة، بدلًا من أن ينتهيَ ويكُونَ المشهد الحضري فقط مباني وطُرقًا! ولعلَّه من الجميل أن نطبِّقَ ما يُردِّده اليابانيون بالاستحمام في الطبيعة، حين يقولون: شينرين يوكو، حيث شينرين تعني باليابانيَّة (الغابة)، ويوكو تعني (الحمَّام ـ أجلَّكم الله ـ). وأقصد هنا الاستمتاع الكامل بالمساحات الخضراء، خصوصًا مع الأشجار وذلك من خلال حواسِّنا. وهنا لا أقصد أبدًا ممارسة الرياضة، أو المشي لمسافات طويلة، أو الركض. إنَّه ببساطة التواجد في الطبيعة، والتواصل معها من خلال حواسِّ البصر والسَّمع والذَّوق والشَّم واللَّمس. وكأنَّه ذلك الجسر ـ إن استطعت القول ـ ومن خلال فتح حواسِّنا، يسدُّ الفجوة بَيْنَنا وبَيْنَ العالَم الطبيعي. لذلك إن أردت أن تجرِّبَ ذلك، فإنِّي أنصحك بتَرْكِ هاتفك والكاميرا خلفك. فقط سوف تمشي ببطء بَيْنَ الأشجار، وكأنَّك تتذوَّق أصوات وروائح ومناظر الطبيعة، وتدخلها لجسمك.
ختامًا، إذًا كنتَ تشعر بالتشجيع للخروج في الهواء الطَّلق بعد قراءة هذا المقال، فإنَّ المتنزَّهات ستكُونُ بانتظارك مع الكثير من المساحات الخضراء الَّتي يُمكِنك تخصيصها لجزءٍ من يومك للاسترخاء. لذلك وكما نُخطِّط ونحافظ على بنيتنا التحتيَّة الرماديَّة ـ مبانينا وجسورنا ـ من المُهمِّ أن نُخطِّطَ ونحافظَ على بنيتنا التحتيَّة البيئيَّة في المحافظات والمُدُن أيضًا. ومن هنا أقترح على أصحاب السَّعادة المحافظين بأن تُخصِّصَ كُلُّ محافظة بسلطنة عُمان متنزَّها متكاملًا غنيًّا بمساحاته الخضراء وأشجاره الوافرة، وأيضًا بحيرته الممتدَّة، ونباتاته المُتعدِّدة فتغدو كغابةٍ تطلُّ بوسط كُلِّ محافظة ـ على سبيل المثال ـ، وتكُونُ جنَّة استجمام وعلاج لكثير من أبناء المُجتمع. فيستمتع بالمناظر والأصوات والروائح الَّتي تحيط به، وتصبح ملاذًا سياحيًّا واجتماعيًّا وصحيًّا.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: المساحات الخضراء فی الم
إقرأ أيضاً:
“أسفار” توقع مذكرة تفاهم مع وزارة البلديات والإسكان لتحويل المساحات العامة في جميع أنحاء المملكة
أعلنت أسفار، الشركة السعودية للاستثمار السياحي، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة، اليوم عن توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة البلديات والإسكان في معرض سيتي سكيب العالمي بالرياض. يهدف هذا التعاون الاستراتيجي إلى توفير فرص ترفيهية وثقافية ورياضية جديدة في الأماكن العامة غير المستغلة، ما يسهم في نمو قطاع السياحة بالمملكة.
وشهد توقيع المذكرة حضور الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة أسفار، وسعادة وكيل وزارة البلديات والإسكان المساعد لتعزيز الاستثمار وتنمية الايرادات، المهندس عبد المجيد العسكر. وتأتي هذه المبادرة تماشيًا مع مشروع بهجة لتحويل المساحات غير المستغلة إلى وجهات مجتمعية حيوية، وتتناغم مع التزام أسفار بتحويل المدن الواعدة إلى وجهات سياحية بارزة، تحقيقًا لمستهدفات رؤية المملكة 2030.
اقرأ أيضاًالمجتمعالمؤتمر الـ (13) للاتحاد الدولي لأكاديميات الشرطة وندوة المجتمع والأمن الـ (9) يواصل أعماله بالرياض
وصرح المهندس عبدالمجيد العسكر، وكيل الوزارة المساعد لتعزيز الاستثمار وتنمية الإيرادات، قائلاً: “إن هذا التعاون مع شركة أسفار، سيسهم في تعزيز فرص اشراك القطاع الخاص في المشاركة والاستثمار في المرافق العامة الى وجهات نشطة وحيوية، مما يسهم في رفع مستوى جودة حياة المواطنين والزوار من خلال إنشاء الحدائق وزيادة المسطحات الخضراء للمدن في مختلف مناطق المملكة”.
وأعرب الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة أسفار، عن سعادته قائلاً: “تتشرف أسفار بالتعاون مع وزارة البلديات والإسكان لتحويل الأماكن العامة إلى مراكز نابضة تجمع بين المجتمعات وتدعم السياحة المحلية. من خلال هذه المذكرة، نؤكد التزامنا بالاستثمارات المستدامة والمؤثرة التي تسهم في تحقيق رؤية 2030 وإعادة تعريف المساحات الحضرية في المملكة لتكون متاحة للجميع”.
تجسد هذه المذكرة التزام شركة أسفار، بخلق قيمة طويلة الأمد للمجتمعات، مع دفع عجلة الاستثمارات المستدامة في قطاع السياحة السعودي. ومن خلال الجمع بين رؤية القطاع العام الطموحة وخبرة القطاع الخاص، يحقق هذا التعاون النمو الاقتصادي ويحسن جودة الحياة للمواطنين، ما يمثل خطوة هامة في مسيرة المملكة نحو بنية تحتية حضرية عالمية المستوى وتطوير السياحة المستدامة.