بعد يومين من الحديث مع مسؤولين، بينهم أمريكيون، حول خطة لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية الراهة، فإن الاستنتاج الذي لا مفر منه هو أنه "لا توجد خطة"، بحسب تقرير بمجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية (The Economist) ترجمه "الخليج الجديد".

وعلى هامش قمة "حوار المنامة"، وهو مؤتمر يعقده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين، وخلال ثرثرة أثناء استراحة القهوة، قال بريت ماكجورك مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط أكثر من مرة إن غزة لن تتلقى "زيادة هائلة في المساعدات الإنسانية"، إلا بعد أن تطلق "حركة" حماس الأسرى.

وردا على اعتداءات الاحتلال اليومية، شنت "حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي هجوم "طوفان الأقصى" ضد مستوطنات محيط غزة، وقتلت 1200  إسرائيلي وأسرت نحو 240، بينهم عسكريون برتب رفيعة، ترغب في مبادلتهم مع أكثر من 7 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، في سجون الاحتلال.

وقالت الصحيفة إن "قطاع غزة الممزق سيحتاج إلى مساعدة خارجية لتوفير الأمن وإعادة الإعمار والخدمات الأساسية، لكن لا أحد، لا إسرائيل ولا أمريكا ولا الدول العربية ولا السلطة الفلسطينية، يريد تحمل مسؤولية القطاع".

وتابعت أن "أمريكا تأمل أن تساهم الدول العربية بقوات في قوة حفظ السلام بعد الحرب، وهو اقتراح أيده مسؤولون إسرائيليون. لكن الفكرة لم تجد تأييدا كبيرا بين العرب أنفسهم".

وأضافت أنه "بدا أن أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني استبعد ذلك تماما في المؤتمر بقوله: "دعوني أكون واضحا جدا، لن تكون هناك قوات عربية متجهة إلى غزة، وإلا سيُنظر إلينا على أننا العدو".

الصحيفة اعتبرت أن "هذا التردد مفهوم. فلا يريد المسؤولون العرب تنظيف الفوضى التي تعيشها إسرائيل ومساعدتها في ضبط إخوانهم العرب، لكنهم أيضا لا يرغبون في رؤية إسرائيل تعيد احتلال القطاع (كما حدث بين 1967 و2005)".

واستطردت: "ويعترفون، على الأقل في محادثات خاصة، بأن السلطة الفلسطينية أضعف من أن تتمكن حاليا من استئناف السيطرة الكاملة على غزة".

ومنذ انهيار حكومة وحدة وطنية فلسطينية في صيف 2007، تسيطر "حماس" على غزة، في ظل خلافات مستمرة مع حركة "فتح"، بزعامة الرئيس محمود عباس.

اقرأ أيضاً

تقدير أمريكي: الرياض سترغب في مكاسب مقابل تمويل غزة بعد حماس

دور السلطة

وعلى المدى الطويل، بحسب ماكجورك، فإن "السلطة الفلسطينية التي أعيد تنشيطها" يجب أن تستأنف السيطرة على غزة.

لكن لكي يحدث ذلك، يتطلب الأمر تطورين غير محتملين، الأول هو بذل جهد إسرائيلي جدي للتوصل إلى حل الدولتين (فلسطينية بجانب إسرائيلية)، إذ قال عباس إنه لن يعود إلى غزة بدون حل الدولتين، وفقا للصحيفة.

واستدركت: "لكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أمضى حياته المهنية في محاولة تخريب حل الدولتين، وهو ليس حريصا على عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة".

وأردفت: "والتطور الثاني هو بذل جهد جاد لتحقيق المستوى المتجدد من نشاط السلطة الذي تحدث عنه ماكجورك".

وأوضحت الصحيفة أن عباس (88 عاما) انتُخب في 2005 لفترة مدتها أربع سنوات، ولكنه لا يزال في السلطة.

وشددت على أنه "زعيم متصلب وغير مكترس، ويُنظر إليه على نطاق واسع هو ومساعديه، وبعضهم من خلفائه المحتملين، على أنهم فاسدون، ولا يستطيع أحد أن يشرح كيف يمكن تجديد شباب حكومته".

اقرأ أيضاً

الأردن: حماس فكرة لا تنتهي.. والسلطة الفلسطينية لن تدير غزة على ظهر دبابة إسرائيلية

دفتر الشيكات

و"حتى قبل الحرب، كانت دول الخليج الغنية قد تعبت من دبلوماسية دفتر الشيكات، ومن المحتمل أن يكونوا مترددين في تمويل عملية إعادة الإعمار في غزة، والتي ستتكلف مليارات الدولارات"، كما زادت الصحيفة.

وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين في المنطقة: "لقد أعادوا (الخليجيين) بناء غزة عدة مرات من قبل، وما لم يكن ذلك جزءا من عملية سلام جادة، فلن يدفعوا".

وبحسب الصحيفة، "ظلت غزة منذ نحو عقدين من الزمن مشكلة بلا حل. وكانت إسرائيل ومصر راضيتين بترك القطاع (الذي يقطنه نحو 2.3 مليون فلسطيني) تحت الحصار"، منذ أن فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية في عام 2006.

و"يأمل المتفائلون أن توفر حرب غزة الفرصة لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل نهائي، ولكن من المرجح أن تنتهي هذه الحرب بغزة محطمة ولم يعاد بناؤها قط"، كما ختمت الصحيفة.

اقرأ أيضاً

حماس عن سيناريوهات أمريكا لغزة بعد الحرب: وقاحة وتدخل في شؤون فلسطين

المصدر | ذي إيكونوميست- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة بعد الحرب غزة بعد

إقرأ أيضاً:

لا حرب دون مصر ولا سلام أيضا

سيجد القارئ تغييرًا مؤقتًا في هذه العبارة التاريخية التي كانت تقول «لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا»؛ فسوريا العزيزة منغمسة من رأسها حتى قدميها في وضعها الداخلي المعقد وقدرتها -في المدى القصير- على التأثير في مجرى الصراع العربي ـ الإسرائيلي محدودة.

لكن مصر التي تخلت عن خيار الحرب منذ توقيع السادات اتفاقيات كامب ديفيد وجرفت معها الصراع العربي ـ الإسرائيلي والمنطقة برمتها إلى حالة «السلام» ربما تكون هي الطرف العربي الأساسي الذي بمقدوره أن يضع هذا السلام ومكاسب واشنطن وتل أبيب التي لا تعد ولا تحصى منه أمام أخطر تحدٍ يواجهه منذ ٤٧ عامًا!.

هل قررت القاهرة أن تخرج من حالة الصبر والكمون وتستجيب الاستجابة الطبيعية التي تتناسب مع قدرها كبلد كبير فترد سياسيًا على الانتهاكات الإسرائيلية لمعاهدة السلام وعلى سيل الاستفزازات المسيئة التي لم تتوقف منذ اندلاع طوفان الأقصى؟

هناك أربعة تطورات وقعت كلها في الأسبوع الماضي تفتح باب الاحتمالات لتغيرات جيواستراتيجية: التطوران القادمان من إسرائيل هما وصول مستوى الاستفزاز الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة سواء في درجة الوقاحة السياسية أو في محاولة النيل من مصر. والتطوران القادمان من مصر والعالم العربي هما وجود مؤشرات أولية للغاية ولكن غير حاسمة على أن الصبر المصري بدأ يتغير وأنه بدأ يعي أن سياسة الغموض وتجنب المواجهة لم تعد كافية لصد التحرشات الإسرائيلية.

في الأسبوع الماضي جاء الاستفزاز لمصر من قبل زعيم المعارضة يائير لابيد يقترح فيه أن توضع غزة تحت حكم مصري بين ٨ إلى ١٥عاما تتولى فيها مصر نزع سلاح حماس الذي فشلت فيه إسرائيل وأمريكا أو بنص كلامه «خلال هذه السنوات الثمانية ستعمل مصر على تدمير البنى التحتية الإرهابية التي بقيت في القطاع، بما في ذلك الأنفاق ومواقع إنتاج السلاح، وسيتم تشكيل جهاز أمني مشترك، مصري ـ إسرائيلي ـ أمريكي، يضمن تنفيذ الاتفاق ويمنع حماس من العودة وإعادة بناء قوتها العسكرية. نزع السلاح من غزة هو الشرط الرئيسي لإعادة الإعمار وإنهاء الحرب»، بعبارة أخرى يريد لابيد تحويل مصر إلى شرطي يحمي أمن ما تسميه إسرائيل جبهتها الجنوبية كما حولت السلطة الفلسطينية لشرطي يحمي الاستيطان والاحتلال في الضفة الغربية. المهين ليس فقط المهمة المعروضة على بلد كان قيادة لأمته وقدم أكبر عدد من الشهداء ولكن في المقابل إذ يزعم لابيد أن قيام الدول الغربية ودول في الخليج بشطب ديون مصر البالغة نحو ١٥٠ مليار دولار سيمكن مصر من إطعام شعبها الخبز! اقتراح لابيد يحتوي على تلميح بأن مصر بلد يمكن إملاء الشروط عليه بسبب أزمته الاقتصادية وديونه الخارجية. ومع الاعتراف الواسع لدى المختصين بحاجة مصر إلى سياسات توزيع عادلة تقلل نسبة الفقر وإلى سياسات اقتصادية أكثر رشادة تهبط هبوطا حقيقيا بحجم الدين الخارجي إلا أن بلدا ناتجه المحلي السنوي يصل لـ٤٠٠ مليار دولار هو بلد لا يجثو على ركبتيه مستسلما لعدوه لكي يقبل بدور شرطي الحماية له.

التطور الثاني كان أخطر لأنه من رئيس أركان الجيش دانييل هاجاري، فالجنرال الذي يزيد إنفاق بلاده العسكري ثلاثة مرات على الإنفاق المصري، يقول إن جيشه قلق جدا من التسليح الزائد للجيش المصري! وكأن إسرائيل دولة عظمى تتعامل مع مصر كدولة صغرى؛ هذا التطور الخطير في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي لم يعد يقف إذن عند تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها ولكن يريد أن يجرد أو يضع جيوش الدول العربية في وضع لا تستطيع فيه الدفاع عن نفسها من أي هجوم. وهنا يمكن أن نفهم تدمير الإسرائيليين لكل قدرات الجيش السوري والقيود الموضوعة بالاتفاق مع الغرب على حجم ونوعية تسليح الجيش اللبناني والأردني.. إلخ. التطورات القادمة من مصر والعالم العربي توحي بأن شيئًا ما «جنينيا» يتبلور في التوجه السياسي المصري نتيجة لهذه الاستفزازات المستمرة.

فلقد سربت الصحافة الإسرائيلية معلومات تقول إن مصر رفضت مقترحًا من بعض دول الخليج بأن تحتوي خطتها على نزع سلاح حماس، وأن مصر لم توافق حتى الآن على مطلب ترامب ونتنياهو في ربط عملية إعادة إعمار غزة بتجريد المقاومة من سلاحها. تطور يسير في الاتجاه نفسه عبّر عنه صحفي عربي قريب من هذه الدول الخليجية أشار فيه إلى أن هذه الدول ربطت مشاركتها المالية في إعادة الإعمار بخروج حماس التام من غزة وإذا لم تقبل حماس فعليها أن تقنع آية الله خامنئي بتحمل تكلفة إعادة الإعمار.

إذا وضعنا هذا مع بيان الخارجية المصرية الذي رفض خطة لابيد فإننا أمام مسار قد تستطيع فيه مصر -إذا أرادت- للمرة الأولى أن تضع على الطاولة تحديًا استراتيجيًا مرعبًا للإسرائيليين والأمريكيين ألا وهو أن حالة السلام ليست أبدية وليست أمرًا مفروغًا منه، وأن المعاهدة التي أخرجت مصر من الصراع والتي مكنت واشنطن من الهيمنة على المنطقة ووضعتها تحت جناحيها هي معاهدة غير مقدسة خاصة ما دام أحد أطرافها «إسرائيل» لا يحترمها كما يظهر من احتلالها ممر فيلادلفيا منذ نحو ١٠ أشهر.

التحليل السياسي يقول إن هذا المسار ربما يتطلب إرادة سياسية قادرة على إجراء مجموعة مراجعات ـ إعادة النظر في فكرة كرّسها فريق من النخبة المصرية يرى أن معاهدة السلام مع إسرائيل هي حجر الزاوية للسياسة المصرية وأنه على مصر الحفاظ طوال الوقت عليها وعلى علاقات تنسيق مع إسرائيل مهما صالت وجالت في المنطقة وعاثت فيها فسادًا.

ستنهي إعادة النظر تلك المزاحمة الخاطئة التي حدثت لعقيدة الأمن القومي المصري وبوصلتها الصحيحة التي بلورتها الخبرة التاريخية منذ رمسيس الثالث وصلاح الدين ومحمد علي وجمال عبد الناصر في أن التهديد الحقيقي لمصر يأتي من الشرق.

- نقد الميراث الاستراتيجي الذي وضع قيودًا مخيفةً على الدور المصري وهو الاعتقاد الخاطئ بأن الولايات المتحدة تتحكم في كل شيء، ربما احتاج الأمر التمرد على مقولة السادات بأن ٩٩٪ من أوراق اللعبة مع واشنطن.

مراجعة الانفراد بسابقة لم يعرف لها التاريخ مثيلًا، وهي أن يحرم طرف على نفسه استخدام وسائل القوة الخشنة إذا وجد أن الوسائل الأخرى غير كافية لحماية أمنه. الحديث هنا عن المقولة الشائعة أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب وأن السلام خيار استراتيجي وحيد للعرب، فهل سمع أحد زعيما إسرائيليا أو أمريكيا يقول إن السلام خيار وحيد وأن الحرب دفاع عن الأمن والسيادة بات غير مطروح؟

لقد بنيت هندسة الشرق الأوسط الأمريكية على استمرار مصر في معاهدة السلام للأبد وهذه الهندسة ستنهار إذا بدا أن مصر قد تخرج من هذه الحالة. إن مجرد الإعلان أن كامب ديفيد وربما معها أوسلو ووادي عربة والتطبيع الإبراهيمي هي معاهدات تعاقدية وليست بقرة مقدسة وأن انتهاك الإسرائيليين المستمر لها يمكن بسهولة أن يفسخها وأن السلام والحرب مطروحان بالتساوي على الطاولة ستحد تمامًا من الجموح الأمريكي الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة رسم حدود وخرائط الدول العربية من جديد.

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

مقالات مشابهة

  • لجنة فلسطينية مؤقتة.. السيسي يعلن خطة مصر بشأن حكم غزة
  • عباس: السلطة الفلسطينية هي صاحبة الولاية السياسية والقانونية على غزة (شاهد)
  • أحمد موسى: على حماسس التنحي عن السلطة في غزة.. والموقف العربي من القضية الفلسطينية ثابت
  • زيلينسكي يعلن أنه يريد إنهاء الحرب في أسرع وقت
  • كاتس : لن نسمح لحركة حماس بالبقاء في السلطة
  • محللون: نتنياهو يريد اتفاقا جديدا وهذه خيارات حماس للرد
  • إسرائيل توقف دخول المساعدات الإنسانية لغزة وتهدد بعودة الحرب
  • زيلينسكي: لا أحد يريد استمرار الحرب سوى بوتين.. ونحتاج ضمانات
  • لا حرب دون مصر ولا سلام أيضا
  • خطّة مصرية فلسطينية لإدارة غزة وإعادة الإعمار بعد الحرب.. تعرّف عليها