النائب العام يدشن مشروع سؤال الطفل لمرة واحدة
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
أعلن النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين، اليوم الإثنين، عن إطلاق مشروع «سؤال الطفل لمرة واحدة في جرائم الاعتداء الجنسي» الذي يعد المشروع الأول من نوعه في المنطقة، ويهدف إلى الحفاظ على صحة الطفل النفسية أثناء عملية التحقيق عن طريق توحيد الإجراءات الجنائية لسؤال الطفل، بحضور سعادة السفير الاستير لونغ سفير المملكة المتحدة بمملكة البحرين.
وفي كلمته خلال حفل التدشين، أكد الدكتور علي بن فضل البوعينين أهمية هذا المشروع وتأثيره الإيجابي على صحة الأطفال النفسية من خلال توحيد الإجراءات الجنائية قبل الطفل المجني عليه أو المتهم على السواء في قضايا الاعتداء الجنسي من خلال مشروع مؤسس وفق معايير وطنية ترسخ لمنظومة قانونية واجتماعية قوامها حماية حقوق الطفل الفضلى، وبما يحفظ كرامتهم وسلامتهم النفسية والأدبية، مشيداً بجهود الفريق الذي عمل على تطوير المشروع ووضعه حيز التنفيذ، معربًا عن تطلعه للنتائج الإيجابية التي ستتحقق من خلال تطبيق هذا المشروع في العمل القضائي.
من جانبه أكد سفير المملكة المتحدة، خلال كلمته، أهمية هذا المشروع في حماية حقوق الطفل، مشيداً برؤية النائب العام على مدى السنوات الماضية وبجهود النيابة العامة في هذا المجال، وثمّن التعاون المشترك بين النيابة العامة وسفارة المملكة المتحدة الذي أسهم في نقل تجربة المملكة المتحدة إلى مملكة البحرين في هذا المجال.
وكانت النيابة العامة، قد شكلت لجنة لوضع تصور لمشروع سؤال الطفل لمرة واحدة بالاشتراك مع السيدة بولا جاك خبيرة العدالة الجنائية في مؤسسة نايكو بالمملكة المتحدة، حيث رفعت اللجنة المكونة من أعضاء من النيابة العامة وممثلين عن القضاء ووزارة الداخلية ووزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف وهيئة التشريع والرأي القانوني، إضافةً إلى مركز حماية الطفل بوزارة التنمية الاجتماعية، توصياتها بشأن المشروع للنائب العام.
كما نظمت النيابة العامة برنامجاً تدريبياً لشرح آلية سؤال الطفل لعدد من الجهات المعنية مثل وزارة الداخلية ووزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ومركز حماية الطفل، حيث بلغ عدد المستفيدين من البرنامج 869 مستفيداً.
ويعتمد مشروع «سؤال الطفل لمرة واحدة في جرائم الاعتداء الجنسي» على توحيد الإجراءات الجنائية من خلال سؤال الطفل لمرة واحدة فقط وعدم تكرار سؤاله حفاظاً على سلامته النفسية والذهنية، عن طريق استخدام تقنيات حديثة لتسجيل أقوال الأطفال مرئياً وصوتياً في غرف التحقيق الخاصة، ليتولى فريق متخصص من الأخصائيين النفسيين تحليل تلك الأقوال المسجلة واستخلاص المعلومات الأساسية التي تساعد في سير عملية التحقيق بما يضمن حقوق الطفل وسلامته النفسية.
كما يعد هذا المشروع إضافة مهمة لمنظومة حماية الطفل في مملكة البحرين، ويأتي إطلاقه استكمالاً لجهود النيابة منذ صدور قانون العدالة الإصلاحية للأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة في 2021 من أجل إرساء منظومة رصينة تكفل تطبيقاً فعالاً ومجدياً لأحكامه، وتحقيق مقاصده الرامية نحو المزيـد من الرعاية والحماية للطفل في مختلف مراحل الدعوى الجنائية وبما يتفق والمعايير الحقوقية العالمية، والمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة.
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا المملکة المتحدة النیابة العامة هذا المشروع من خلال
إقرأ أيضاً:
حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية
تستحق واجهة الطفل على منصة «عين» التي دشنتها وزارة الإعلام الخميس الماضي أن ننظر لها أبعد، وأعمق كثيرا من كونها مشروعا إعلاميا يضاف إلى مشاريع الوزارة الرائدة، إنها، في الحقيقة، استجابة كبرى ضمن مشاريع عمانية وعربية ودولية أخرى لإنقاذ الطفولة من حالة الاختطاف وإعادة هندسة الوعي الطفولي المبكر بعيدا عن القيم الإنسانية السوية.
ومن يقرأ تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والكثير من الدراسات في نقد الإعلام الموجّه للأطفال، يدرك حجم الكارثة؛ فالطفل لم يعد كائنا يتشكل عضويا داخل ثقافته الأم، بل أصبح مشروعا مفتوحا لتشكيل مزيج مضطرب من الاستهلاك، والانعزال، والتشظي القيمي. لم تعد شاشات العالم، كما حلم التنويريون يوما، وسيلة للمعرفة والترقي، بل أداة تفكيك للهوية وتمييع للانتماء الإنساني الأصيل.
وفي هذا السياق، تأتي تجربة منصة «عين للطفل» محاولة لتجاوز الانفعال اللحظي نحو رؤية فلسفية أعمق تتمثل في محاولة إعادة تعريف وظيفة الإعلام الموجه للأطفال باعتباره حقلا أخلاقيا، لا مجرد نشاط اتصالي. المنصة، كما تشير فلسفتها المعلنة، تحاول أن تبني للطفل فضاء معرفيا وعاطفيا محميا، يراعي إشباع حاجاته النفسية والوجدانية دون التخلي عن مهمة حفظ هويته وتمكينه من التفكير الحر المسؤول.
ولا يمكن فهم أهمية هذا المشروع إلا حين ندرك أن الطفل اليوم ليس متلقيا عاديا، بل يشارك في إنتاج معناه الخاص عبر تفاعله مع الشاشة، كما أثبتت الكثير من الدراسات حول «جيل الشاشة»، حيث لا يتعلق الخطر فقط بما يشاهده الطفل، بل بكيفية تشكيل وعيه من خلال التدفق المعلوماتي غير الخاضع لمعايير الهوية والأخلاق.
ولذلك فإن الرهان الكبير الذي تخوضه واجهة الطفل في منصة «عين» ليس تقنيا فقط إنما هو بكثير من الأشكال رهان وجودي ينطلق من محاولة الإجابة عن أسئلة من قبيل، هل يمكن بناء طفل عربي معاصر، يحيا داخل الزمن الرقمي دون أن يفقد انتماءه إلى الإنسان الكلي وقيم مجتمعه العميقة؟ هل نستطيع أن نقدم له محتوى يدمج بين الجاذبية الشكلية والأصالة المعرفية؟ وهل بمقدورنا أن نربّي في داخله شغف الاكتشاف دون أن نسلمه لآلة الاستهلاك المعرفي المعولم؟
ومثل هذا النقاش أوسع بكثير من إنتاج «قصص مصورة» أو «برامج تعليمية مبسطة»، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة جادة لصناعة جهاز مناعي ثقافي داخل عقل الطفل وقلبه، كما دعت إليه أدبيات اليونسكو في تقاريرها حول «وسائل الإعلام والأخلاقيات الرقمية للأطفال».
هذه التجربة التي أنتجتها وزارة الإعلام تستحق أن تُقرأ كنموذج أولي لمشروع أوسع يتمثل في بناء منظومة رقمية كبيرة وواسعة مبنية على قراءة واعية بآلية تشكيل «المواطن الرقمي الصالح» يكون قادرا على أن يتفاعل مع معطيات التقنية دون أن تبتلعه، وعلى أن يسهم في بناء عالمه الجديد دون أن ينسلخ عن جذوره.
ولكن، حتى ينجح هذا المشروع، لا يكفي إنتاج منصة واحدة، بل ينبغي أن تصاحبها ثورة ثقافية كاملة في إدراك دور الإعلام التربوي، وإعادة بناء المناهج التربوية، واستحداث سياسات عامة تجعل من حماية الطفولة الرقمية جزءا لا يتجزأ من مشروع النهضة الوطني والعربي الأوسع.
إن أي تأخر في البدء بمثل هذا المشروع من شأنه أن يترك فجوات كبيرة، فالطفولة لم تعد مجرد مرحلة عمرية، إنها الآن ميدان لصراع عالمي على القيم والمبادئ والهوية. وإذا لم نبنِ اليوم فضاءات معرفية حقيقية لأطفالنا، سيبنيها الآخرون بما يخدم رؤاهم هم لا رؤانا.
إن «عين الطفل العماني» يمكنها أن تكون نقطة ضوء في زمن تغرق فيه الكثير من الشاشات بألوان زائفة، والضمان الوحيد لاستمرار هذا الضوء ألا نكتفي بأن نُدهش الأطفال بما يُعرض عليهم، بل أن نراهن على عقولهم، ونغرس في قلوبهم جسورا ممتدة بين جذورهم العميقة وأحلامهم البعيدة.