حسن احمد عبدالله يقبل لبنان في الاسابيع المقبلة على فراغ كبير في  مناصب عدة، فيما يبقى شغور رئاسة الجمهورية، وامساك حكومة تصريف الاعمال بممارسة غير دستورية، هو الحدث الابرز الذي يدل على عقم الطبقة السياسية، وعدم اداء المؤسسات واجبها وفقا لما هو منصوص عليه في الدستور، وبالتالي فإن المخاطر تزداد حيال تفكك المؤسسات، وان الخلل يكبر في ما يتعلق بتوزيع وظائف الفئة الاولى على الطوائف، وهذا بحد ذاته يمكن ان يؤدي الى مزيد من الفوضى، وربما مواجهات مسلحة.

صحيح ان بعد “اتفاق الطائف” كثر الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، والحكومة، ومرد ذلك الى عدم ملاحظة ان ضرورة التوزان في المؤسسات قبل انتخاب مجلس نيابي لا طائفي، وهو العائق الذي تستثمره القوى السياسية المختلفة، واصحاب النفوذ في اطالة المحاصصة الطائفية لانه الاستثمار الامثل لهم، خصوصا في ظل عدم وجود مشروع دولة، والحكم بردات فعل محكومة بالكيدية. فبعد شغور منصب قائد الامن العام، شغر منصب رئيس الاركان في قيادة الجيش، ولاحقا ستكون مؤسسة قوى الداخلي بلا قائد، بسبب قرب تقاعد قائدها، واخر الشهر الجاري سيكون مصرف لبنان المركزي من دون حاكم، وبعدها قيادة الجيش بلا قائد، فيما لا تلوح في الافق اي تسوية تأتي برئيس للجمهورية ينهي الفراغ الكبير في المؤسسات. المشكلة الاساسية اليوم، هي ان مجلس الوزراء يمارس صلاحيات غير دستورية، فيما هو يصرف الاعمال العاجلة فقط، بينما مجلس النواب يشرع ايضا في مشهد غرائبي، اقل ما يقال فيه ان البلد يبدو انه غير محكوم من احد، وهذا في حد ذاته يشير الى الاستهانة بالمؤسسات كافة، ما يفاقم الازمة المعيشية والاقتصادية في ظل غياب اي خطة انعاش. هذا الفلتان يترجم على الارض زيادة في الجرائم، وكذلك الافلات من العقاب، وتفشي ظاهرة الابتزاز واللصوصية، وعدم التزام القانون، وبالتالي فان كل هذا يرسخ شريعة الغاب، بينما لا تستطيع الاجهزة الامنية ممارسة دورها بسبب عدم وجود موزانة تكفيها، ومن الغرائب ان المحكمة العسكرية عاقبت جنديا بسبب البحث عن بقايا طعام في حاوية نفايات، لان راتبه لا يكفيه هو واسرته. ما ينتظره اللبنانيون اليوم معجزة، وليس حلا لازمة يبدو انها طويلة، في ظل توزان قوة الاطراف السياسية في مجلس النواب، فيما تراهن هي على تدخل من الخارج، او بمعنى اخر وصاية تحافظ على مصالحها ومصالح الطبقة السياسية والمالية والاقتصادية المتحكمة بالبلد، وهذا يبدو بعيد المنال لان الدول الفاعلة منشغلة بهمومها ومشكلاتها، ولبنان مجرد تفصيل ثانوي في اللعبة الاستراتيجية، ما يعني ان على اللبنانيين تحمل مسؤولية انفسهم والبحث عن مخرج لازمتهم. هذا الامر من الصعب حدوثه في بلد يرى فيه كل مسؤول انه الحاكم بامره، وكل قوة سياسية احتكرت مؤسسة ما، وفي زمن لم تعد هناك معجزات فإن المزيد من الفراغ والفوضى سيشهدهما لبنان المبتلي بطبقة سياسية مراهقة.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

سليم الصايغ يقرأ في محاضرة فياض: الهواجس الوجودية تصيب الطوائف كلها وهذا هو المطلوب


في 1-6-2024، عُقد مؤتمر "حركة التجدد للوطن" تحت عنوان من "لبنان الساحة... إلى لبنان الوطن" وقد كانت للنائب علي فياض مداخلة أثارت تفاعلاً على المستوى السياسي والاكاديمي وفتحت باباً للنقاش لكونها ركزت على ثلاثية الواقعية والمسؤولية والتوافقية، والأهمية الحاسمة لإعادة بناء دولة حقيقية فاعلة وقادرة، والأهمية الحاسمة للمقاومة لحماية الكيان ومواجهة التحديات السيادية، والأهمية الحاسمة لمنهجية تبادل الهواجس والضمانات كإطار عملي وواقعي لإنتاج التفاهمات بين اللبنانيين.

الحلقة الثانية مساهمة عضو كتلة" الكتائب اللبنانية" النائب الدكتور سليم الصايغ في مناقشة مداخلة فياض.

يقول النائب سليم الصايغ: مسألة كبيرة طرحها النائب الصديق الدكتور علي فياض ولن أجيب عليها إلا بصفتي الشخصية لسببين:

السبب الأول: إن عرض الموضوع بطريقة منهجية ومناقشته بموضوعية هو مطلب دائم فلا حدود للحوار إلا ما تفرضه الأخلاق الاجتماعية. يبقى أن على الاجابة أن تكون متناسبة مع حجم المسألة المطروحة لأن التبسيط في أمور كيانية يشكل خطراً تماماً كما التعقيد الذي يروي غليل غطرسة السفسطائيين من دون أن يشفي سقم الساعين بجدٍ إلى حل دائم ومستدام لإشكالية الوطن في دينامية الداخل وعلاقته مع الخارج. ومن حقي أن أتمهل لبرهة إنما من دون تردد لأني على يقين من أن الحرب، أي حرب، هي وسيلة لغاية سياسية، حتى ولو إرتقت السياسة إلى عملية إدارة الوجود بمعناه الواقعي الملموس كما بمعناه كصيرورة لكينونة لم تكتمل.

إن الحرب، في غزة أو على حدود الجليل الأعلى، لن تغيِّر أي شيء في المعادلة الداخلية. فقد يقول قائل إن الخطر هذه المرة وجودي على طرفي النزاع أي إسرائيل ومحور الممانعة. لا شك أن الخلاصة هذه صحيحة بالنسبة لغزة ومشروع الدولتين إنما لا أعتقد أنها تصح في ما يتعلق بحزب الله ولبنان، إذ أن حرب المشاغلة هي بالمبدأ مقيدة بقواعد إشتباك وبالتالي هي ليست حرب شاملة ومطلقة فكيف لها إذن أن تكون حرب وجود التي هي بالمبدأ حرب "أن تكون أو لا تكون" تماماً كما يحصل اليوم في الأراضي المقدسة؟ قد يكون حزب الله قد نجح في تثبيت الترابط بين الداخل والخارج في محاولته ربط الساحات لتثبيت وحدة المسار، وقد يكون المصير بين المشروع الافتراضي للدولتين في فلسطين والمشروع المعلَّق للدولة في لبنان. من هنا يؤكد الصايغ أن تأثير الخارج سيكون محدوداً على الداخل اللبناني لا سيما في ما يتعلق بالمكونات التي تحدث عنها النائب فياض، إذ أن تلاؤم الهواجس والمخاوف كما تناغم التطمينات قامت قبل نشوء لبنان الكبير وتجذرت في القانون وفي الروح، وبالتالي شكلت جوهر الميثاق الوطني قبل أن تعطي لها إطاراً سميناها في لبنان "الصيغة اللبنانية" بأشكالها الفريدة وتسمياتها المتعددة وصولا إلى بدعة "التوافقية" التي أصبحت حجة لتعطيل الحركة والتقدم على كل المستويات السياسية. وعلى ضوء ذلك لا بد من الانخراط في النقاش لتفكيك قراءة النائب فياض بتأنّ فلا يشكل رد اليوم إلا مدخلا لتعميق النقاش.

السبب الثاني: لأن موضوع مستقبل لبنان لا يزال قيد النقاش داخل "حزب الكتائب اللبنانية" ولو أن الاتجاه العام أصبح معروفاً وبالتالي لا يحق لي، كما يقول الصايغ، أن الزم الجماعة واكتفي بممارسة حرية التعبير وهو حقٌ لا يُناقش.

ويثمن الصايغ صراحة الدكتور فياض وجرأته الأدبية في محاولة تفكيك الحالة اللبنانية واختصار عناصرها بإشكالية الهواجس الوجودية للشيعة والمسيحيين التي لا يمكن معالجتها حسب قوله إلا من خارج الدولة. فيما الدروز والسنة حسب رأيه لديهم هواجس مرتبطة أكثر بطبيعة السلطة، فيمكن بالتالي التعاطي معها من ضمن النظام وآلياته. انطلاقاً من هذا التشخيص يدعو المحاضر إلى اعتماد حل يتبادل الفريقان الشيعي و المسيحي الهواجس ومن ثم يتم تبادل التطمينات.

بمعنى آخر يكون هاجس حزب الله الأول وجود العدو الاسرائيلي صاحب الأطماع الدائمة في لبنان وهاجس المسيحيين الأول التقهقر الديمغرافي وضعف حضورهم في الدولة المركزية. بعد ذلك ودائماً بحسب النائب فياض يتم الاعتراف من قبل "الفريقين" بالهواجس ليأتي كل واحد بالتطمينات التي يطلبها، فيأخذ الشيعي شرعية السلاح ويأخذ المسيحي اللامركزية الإدارية الموسعة.

وبناء على ماتقدم يلخص الصايغ رده كمدخل للنقاش بالأمور التالية:

أولا": إن افترضت جدلاً أن العملية التبادلية منطقية ومقبولة من قبل "الفريقين"فما هي عناصر الصفقة؟ أن يأخذ الشيعي السلاح الذي يمس جوهر مفهوم الدولة التي لها حصرية السلاح والسلطة عليه وهي التي تحدد وجهة استعماله ووظيفته حسب القوانين والدستور ويعطي في المقابل للمسيحي "سلطة" لا مركزية مرتبطة بطبيعة النظام أو شكله الذي هو أساساً مدعو للتطور كما كل أنظمة الدول؟ بمعنى آخر يأخذ حزب الله موقعاً في أساس مفهوم الدولة الذي لا يتغير ويأخذ المسيحي مكسباً في جزء من السلطات التي تتغير. هذه الضمانات هي من طبيعة مختلفة، تنطلق من الهاجس الوجودي للمسيحيين لتعالجه بمكاسب في السلطة. هل يقبل المسيحيون بهذه "التبادلية"التي تؤجل فحسب إعلان هزيمتهم التاريخية؟

ثانيا- أخشى أن تصبح "التبادلية" مفردة رديفةً "للتوافقية" والتي هي أصلا مفردة أسيء استعملها بحيث تم الخلط بينها وبين "الميثاقية". ويذكر بأن "الميثاقية"مرتبطة بطبيعة انبثاق السلطة فقرة (ي) من مقدمة الدستور، بينما "التوافقية"مرتبطة بطبيعة اتخاذ القرارت في السلطة التنفيذية وهي مرحلية وليست نهائية فلا تكون شرطاً أو مقدمة لأي قرار. فيصبح كل قرار لا يخضع للمبدأ الجديد أي التبادلية (المسيحية-الشيعية) غير الشرعي لأنه "يناقض ميثاق العيش المشترك".

ثالثا- إن القول أن مكاسب اتفاق الطائف بالسنة والدروز وهواجس أبناء هاتين الطائفتين بحصص في السلطة فيه اختصار وتبسيط لمسار الأداء السياسي في لبنان لا سيما بعد خروج الجيش السوري من لبنان. إن المواقف الوطنية الكبرى التي أخذتها قيادات تاريخية سنية ودرزية حتى عام 2011 في عز معركة استعادة الدولة لم ترتكز على حسابات تحاصصية ضيقة إنما على قيم الشراكة الوطنية (وليس الشركة الوطنية).

رابعا- إن الهواجس الوجودية تصيب كل الطوائف اللبنانية. إن هجرة الأدمغة واللجوء الفلسطيني والنزوح السوري وسرقة ودائع الناس وعقم العدالة في قضية انفجار المرفأ والفقر المستشري والانحراف الأخلاقي والفساد المستطير والأمن السائب وتفلت السلاح وتقهقر الدولة والتلوث البيئي وانعدام التوازن فضلاً عن وجود دولة حزب الله إلى جانب دولة الجمهورية اللبنانية كلها أمور جوهرية ووجودية تتعلق بطبيعة الاجتماع والسياسة في لبنان. ان تجزئة التبادلية إن سلمنا بها جدلا" لتكون ثنائية لا تخدم ميثاق العيش معا إذ أن المطلوب هو تبادلية متعددة الأطراف تأخدنا جميعا كلبنانيين إلى التفكير بهدوء حول مستقبل مطمئن للجميع.

خامسا- إن تحديد طبيعة المخاطر يتم في عملية ديالكتيكية مع تحديد طبيعة المصلحة الوطنية. وتاريخ الأوطان السياسي وتشكلها يبين أن المخاطر تسبق تحديد المصلحة وهي هواجس حب البقاء وهي عملية عاطفية مرتبطة بالوجدان الدفين والوعي المشترك. والشعور عند كثر اليوم أن الخطر الكياني لا يأتي من الخارج بقدر ما هو من سوء استعمال السلطة أو الخروج عن الدستور ومنطق الدولة. حتى أن الخطر هو من أبناء لبنان على دولتهم أكثر مما هو من الخارج. بالتالي من الفشل أن يؤسس على الثنائية (الشيعية-المسيحية) نموذج حكم صالح بعد اتفاق مار مخايل، كيف له أن ينادي اليوم بالعودة إلى منطق التبادلية اليوم؟

سادسا- إن الفرق بين العقد الاجتماعي والميثاق الاجتماعي كبير. في العقد تبادل للحقوق والواجبات في الدستور على اساس المساواة بين المواطنين. في الميثاق تخطي للعلاقات الندية لبناء المساحة المشتركة التي تتسع للجميع على اساس القيم المشتركة.

سابعا- أخشى ان يؤدي منطق التسليم بقيام دولة إلى جانب الدولة بسبب امتلاك السلاح إلى الاقتداء بنموذج حرب الله.

ثامنا- إن كلام الشيخ نعيم قاسم الذي جاء بعد كلام النائب فياض حول التمسك باتفاق الطائف وأن لا خروج عنه فيه طمأنة للجميع وتخفيف من وقع إشكالية الهواجس. يبقى أن على الشيخ قاسم ان يعطي البينة بأنه ملتزم فعلا بتطبيق الاتفاق بدءاً بإنتخاب رئيس لا يكون مشروطاً بطمأنة المقاومة. إذا تم ذلك يكون كلام الزميل فياض تنظيراً فحسب، وإذا بقيت الأمور على حالها من التعطيل يكون كلامه صائبا" وجديراً بالتبحر فيه أكثر.
  المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • بعد تجديد ثقة القيادة السياسية.. الأنصاري يؤدي اليمين الدستورية محافظًا للفيوم
  • قاووق: إنتقال العدوّ إلى المرحلة الثالثة هو اعتراف بنجاح جبهات المقاومة في مساندة غزة
  • التحقيق مع ديميرال بسبب احتفاليته أمام النمسا
  • سليم الصايغ يقرأ في محاضرة فياض: الهواجس الوجودية تصيب الطوائف كلها وهذا هو المطلوب
  • توقفنا فيما هم يهرولون «الأخيرة»
  • عضو الزمالك: مبنخافش من الأهلي وآخر مواجهتين يشهدوا
  • زيارة الأمين المساعد إلى لبنان هي تنفيذا لقرار مجلس الجامعة العربية للتشارور مع القوى السياسية
  • الانتحار يفتك بشباب بغداد.. 4 حالات خلال يوم
  • ميقاتي استقبل سفير قطر.. وهذا ما قيل عن دعم الجيش
  • السودان… نزوح أكثر من 55 ألف شخص بسبب المعارك!