فلسطين لستِ وحدك.. المسرح سلاحنا ضد المحتل
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
«اليهودى التائه» تؤكد شتات المحتل.. وألفريد فرج يكشف إعلام العدو المضللمسرح الشارع ودوره فى تثوير الوعى
فى تعريفه للمسرح السياسى يقول عبدالعزيز حمودة فى كتابه «المسرح السياسى» إنه: «استخدام خشبة المسرح لتصوير جوانب مشكلة محددة غالبًا ما تكون سياسية مع تقديم وجهة نظر محددة بغية التأثير فى الجمهور أو تعليمه بطريقة فنية.
ويعد المسرح السياسى إحدى علامات المسرح البارزة فى عصرنا، لذا فقد طرقت أقلام العديد من كتاب المسرح فى كثير من البلدان العربية هذا النوع، خاصة أثناء استعمار بلدانهم من قوى أجنبية، وانصبت كتاباتهم على مساوئ الاستعمار، بهدف نقد وفضح الاستعمار، وبعد أن نال كثير من البلدان العربية استقلالها، فيما ظلت فلسطين محتلة، أصبحت فلسطين هى القضية السياسية الأولى فى المسرح العربى منذ منتصف الأربعينيات وحتى اليوم.
فلسطين فى المسرح المصرى
هكذا سكنت قضية فلسطين وكفاح شعبها ضد المحتل الغاصب فكر ووجدان كل مواطن عربى كقضية هوية دينية ووطنية، وتنوعت المسرحيات المصرية التى رأت فى قضية شعب فلسطين مع الإسرائيليين قضية كل مصرى، وهو ما جعل تناول وقائع صراع العرب مع إسرائيل يظهر مبكرًا منذ بوادر النكبة عندما كتب الشاعر الراحل على أحمد باكثير مسرحية (شيلُوك الجديد) عام 1945، أى قبل النكبة بثلاث سنوات كاملة ونشرت حينها، ثم أعقبها بمجموعة من المسرحيات وهى على التوالى بتاريخ نشرها (شعب الله المختار–إله إسرائيل–التوراة الضائعة مسرح السياسة).
بينما يورد الناقد والكاتب المسرحى المغربى د. عبدالرحمن بن زيدان فى كتابه «مقامات القدس فى المسرح العربى الدلالات التاريخية والواقعية»، نصوصاً مسرحية لباكثير كان يعيد بها قراءة الواقع العربى بلغة السخرية، هذه النصوص تعالج القضية الفلسطينية، وتشجب رداءة الوضع العربى الصامت، وهى: السكرتير الأمين، نقود تنتقم، راشيل والثلاثة الكبار، ليلة 15 مايو، معجزة إسرائيل، المقراض.
كما تجلت القضية فى مسرحيات وأقلام مصرية متعددة، فكتب عبدالرحمن الشرقاوى مسرحية (وطنى عكا)، وألفريد فرج (النار والزيتون) فى الستينيات، وقُدمتا فوق خشبة المسرح القومى المصرى. ثم كتب يسرى الجندى (واقدساه) و(اليهودى التائه) فى السبعينيات، كما كتب الدكتور إبراهيم حمادة مسرحية (رطل اللحم) فى الثمانينيات، ونجيب سرور كتب مسرحية «منين أجيب ناس»، ومحمود دياب «الغرباء لا يشربون القهوة»، حتى نصل حديثا لمسرحية «الجرافة» لعيد عبدالحليم.
وتنوعت نصوص وعروض المسرح المصرى حول قضية فلسطين، ويمكننا الاستعانة بما أورده محمد الرفاعى، بكتابه «فلسطين فى المسرح المصري»، من حصر لتلك العروض المسرحية كالتالى:1941–الجاسوس يوسف وهبى، 1945 مسرح السياسة على أحمد باكثير 1945 شيلوك الجديد، 1948 العائد نيروز عبدالملك فتوح نشاطى، 1948 التوراه الضائعة على أحمد باكثير
1950 إله إسرائيل، 1951 شعب الله المختار، 1956 حياة الخيانة نعمان عاشور، صوت مصر الفريد فرج
مش هنسلم محمد عبدالرحمن، 1967 كوابيس فى الكواليس سعد وهبة، أرض كنعان محمد العفيفى
1969 زهرة من دم سهيل إدريس، وطنى عكا الشرقاوى
1970 ثورة الزنج معين بسيسو، 1970 النار والزيتون ألفريد فرج، 1971 شمشون ودليلة معين بسيسو
1972 حبيبتى شامينا رشاد رشدى، 1974 السؤال هارون هاشم، 1975 النسر الأحمر الشرقاوى، 1984 الذباب الأزرق نجيب سرور، 1984 اليهودى التائه يسرى الجندى، 1988 واقدساه يسرى الجندى، 1993 اغتصاب سعد لله ونوس، 1996 الخارطة فى ورطة سعد لله ونوس، 2000 يوم القدس عبدالسلام العشرى
2001 رطل اللحم د.إبراهيم حمادة، 2002 لن تسقط القدس شريف الشوباشى، 2009 القتل فى جنين، أبوالعلا السلامونى.
ومما سبق يتأكد لدينا أن قضية فلسطين حاضرة نصاً درامياً وعرضاً مسرحياً منذ ما قبل احتلال أرض فلسطين، وذلك بتقديم فرقة رمسيس مسرحية (الجاسوس) تأليف وإخراج يوسف وهبى، ثم أعادت نفس الفرقة تقديمها ثانية عام 1950 باسم (إسرائيل) من إخراج يوسف وهبى، كذلك لم تقتصر تلك العروض على نصوص الكتاب المصريين، بل استعانت بكتاب عرب، كما يبدو من الحصر السابق.
فلسطين فى المسرح العربى
شغل المسرح على طول الوطن العربى وعرضه بالقضية الفلسطينية، فقدم المسرحى الفلسطينى معين بسيسو أيضاً فى أوائل السبعينيات مسرحية «ثورة الزنج»، وفيها قراءة معاصرة وتناص بين مقاومة عبدالله بن محمد وزنج البصرة والمقاومة الفلسطينية المعاصرة، ثم كتب مسرحية «شمشون ودليلة» ومحمود دياب فى «باب الفتوح»، واجتمع العرب فى مسرحية (وا قدساه).
وتتجلى تجارب مسرحية للقضية كتبها قاسم محمد وعادل كاظم فى العراق، وسعد الله ونوس ووليد إخلاصى ومحمد الماغوط وممدوح عدوان وكتاب سوريون آخرون، وتجارب تونسية لنور الدين الورغى عن (محمد الدرة) والفاضل الجعايبى.
كما قدمت جليلة بكار مسرحية مونودراما (مذكرات عائدة)، وهناك تجارب تخصصت بالقضية ومنها أعمال المخرج جواد الأسدى حينما قدم العديد من المسرحيات التى مثلت المسرح الوطنى الفلسطينى، وهناك تجارب فى المسرح المقدسى فى القدس أو تجارب جورج إبراهيم وزملائه، ومسرحيات مسرح القصبة فى رام الله.
كما قدم الكاتب والمخرج والمبدع الفلسطينى «وسيم خير» مسرحية «المسلخ».
وكان شعر محمود درويش مادة خصبة استمد منها المسرح الذى يتناول القضية الفلسطينية، فقدمت قصائد درويش مسرحياً (سجل أنا عربى) والمسرحية الشعرية (جدارية) التى قدمت احتفاء بدرويش فى أيام قرطاج عام 2007م أخرجها نزار زعبى وقدمها المسرح الوطنى الفلسطينى.
نصوص مسرحية:
يتجه نص (ثورة الزنج) للشاعر الفلسطينى معين بسيسو نحو تسجيل حلم قائد الزنج (عبدالله بن محمد ) وهو شخصية تاريخية قادت ثورة القرامطة الزنج فى البحرين فى العصر الأموى، حيث استقلت عن الدولة الأموية الإسلامية لمدة 8 سنوات وأعلنت نفسها دولة مستقلة، غير أن بسيسو يستلهم الحدث ليعرض حلم الثورة الفلسطينية بوطنهم المسلوب منتهيا لإجهاض حق الفلسطينيين فى وطنهم استنادا إلى قوة الآلة الإعلامية الصهيونية.
معين بسيسو• فيما صور محمود دياب القضية الفلسطينية فى مسرحيته القصيرة (الغرباء لا يشربون القهوة ) رجلاً عجوزاً وزوجته وهما فى بيتهما فيقتحم مجموعة رجال غرباء البيت عليهما للتأكد من صحة ملكيتهما للبيت ويقترح استضافتهم فلا يقبلون باحتساء فنجان قهوة معهما، وعندما يقدمان لهم حجة ملكية للبيت يحرقونها أمام عينيهما ويطالبونهما بالرحيل ثم يقومون بطردهما من بيتهما بالقوة.
• فى مسرحية (النار والزيتون) يخوض ألفريد فرج تجربة المقاومة الفلسطينية المسلحة فى نهاية الستينيات فيرتدى الزى العسكرى للفدائيين الفلسطينيين ويحمل المدفع وينطلق معهم فى هجمات فدائية حقيقية ضد الجيش الإسرائيلى ليخرج بعد ذلك بتجربته المسرحية تلك فيكتبها بالأسلوب التسجيلى معتمداً على الوثائق والأرقام والمعلومات الحقيقية عن المقاومة الفلسطينية وعن أساليب الصهاينة فى الإعلام المضلل وفى مواجهتهم اللاإنسانية للفلسطينيين.
• عالج سعد الله ونوس فى سوريا القضية الفلسطينية فى مسرحية (اغتصاب) وطرق تعذيب المخابرات الصهيونية للأسر الفلسطينية نساء وأمهات وارهابهم واغتصاب النساء والزوجات أمام أزواجهن وانتهاك عرض الرجال المقاومين الذين يقبض عليهم.
• كتب يسرى الجندى مسرحيته (اليهودى التائه) ليكشف عن الشتات اليهودى، تأكيداً لبطلان زعمهم بأن فلسطين كانت وطنهم التاريخى منذ أقدم العصور.
* وتناول عيد عبدالحليم فى مسرحيته «الجرافة»، الناشطة الأمريكية راشيل كورى، وحادث قتلها المأساوى تحت عجلات جرافة إسرائيلية أبت أن تقف أمامها شابة شجاعة تحول بينها وبين هدم بيوت شعب لا حيلة له.
* بينما تمتاز مسرحية «المسلخ»، للكاتب والمخرج الفلسطينى «وسيم خير» بأنها تجربة مسرحية تمزج بين الواقع الفلسطينى الأليم، وأدوات المسرح الصادم، بدءاً من عنوان المسرحية نفسه، ومروراً بملصق الدعاية الذى يصور فلسطين جسدا أنثويا معلقا، وينزف الدماء على خريطة الوطن العربى، ونهاية بالموضوع المسرحى الذى يتقاطع نصا وعرضا مع مأساة فلسطين، ونكبتها المستمرة.
ألفريد فرجمسرح الشارع
وفيه تقدم العروض المسرحية فى الساحات العامة والتجمعات البشرية وتقدم المسرحيات بأسلوب الحلقة وهو تجمع المشاهدين حول قادة العرض المسرحى، ولذا يكون العرض هنا معتمدًا على تقنيات بسيطة توفرها الصدفة فى الإضاءة ولا تحتاج إلى ديكورات، بل تكتفى بالطاقات البشرية فى تقديم العرض. وقد حفلت المدارس والجامعات بعروض كثيرة تشكل القاسم المشترك لها مسرحيات عن القضية الفلسطينية، وحسب وصف الفيلسوف (هربرت ماركوز) فى كتابه (البعد الواحد) والذى يتحدث فيه عن مفهوم الثورة فى عقول ونفوس الطلبة، فإن تجارب مسرح الشارع تقترب من محاولات شعرية تدغدغ الحس الثورى الذى يتصف به الشباب والطلبة فى مراحل الثانوية والجامعات، إن الفعل الذى يحرك النص والفكرة الأساس يظل مبنيًا على الانطباع العاطفى، ويستمر فيه لأن الفعل الذى يكون محور الأحداث (قضية القدس).
بينما يستعرض عيد عبدالحليم فى كتابه «مسرح الشارع فى العالم العربى»، بعضاً من تجارب مسرح الشارع، مؤكداً فى البداية أن التجارب المسرحية ذات الطابع التجريبى تلعب دوراً مهماً فى تثوير الوعى، خاصة أنها تتسم بسمات المسرح المفتوح، القائم على مواجهة الجمهور والاشتباك معه.
ومن هذه التجارب التى شارك فى عروضها «مسرح عشتار» بالأراضى المحتلة. ففى مدينة «رام الله» قدم أول عرض مسرحى ينتمى إلى « مسرح الشارع»، تحت عنوان «كلنا فى الهوا سوا» وحقق نجاحاً ملحوظاً، حيث قدمته فرقة عشتار بالتعاون مع «مسرح بريد أندبابيت» الأمريكى وشارك فى العرض ما يقرب من 30 ممثلاً ومتدرباً، وقد تناول العرض موضوعات ذات طابع سياسى واجتماعى منها «قضية الجدار العازل» و«عملية السلام» و»التناحر الداخلى بين الفصائل السياسية الفلسطينية»، واستخدم مخرج العرض «أدوار معلم» أسلوب مسرح الشارع بفضاءاته المختلفة، مستخدما دمى كبيرة الحجم كأقنعة للشخصيات.
يسري الجنديوهناك تجربة «وصفى تايه» الذى يعد رائداً للمسرح فى مخيم «الفارعة» فى الضفة الغربية، ولاقت عروض الفرقة تفاعلاً جماهيرياً خاصة مسرحية «المحامى أبوعبأه» التى أثارت حفيظة بعض محامى المنطقة لتطرقها إلى أسلوب عمل بعض المحامين، ودعوتهم إلى تحكيم الضمير فى التعامل مع قضايا موكليهم.
أما عرض «الأرض» فتعرض لقضية أشمل بما عكسه من صور متناقضة، فهو فى جانب منه يتحدث عن قسوة السجن والسجان، ومن جانب آخر يظهر قيمة تعلق الإنسان بأرض موطنه.
وتؤكد المسرحية على مفردات المقاومة وأن أى جدار فى العالم يتحطم بالتأكيد أمام صمود أى شعب ينشد الحرية.
ومن التجارب الفلسطينية التى استفادت من تقنيات «مسرح الشارع» مسرحية «حلم سبل» من إخراج إيمان عون، وقد شارك فيها بالتمثيل اثنا عشر طفلا تتراوح أعمارهم بين اثنتى عشرة سنة وثماني عشرة.
من الفرق المسرحية الفلسطينية «فرقة مسرح الشارع» والتى تأسست عام 2003 من مجموعة من الهواة، ويعد عرض «يلا نضحك» من أشهر عروض الفرقة.
هكذا يصبح الإبداع رواية أو شعراً أو مسرحية أو فنًّا، عامل استنهاض للهمم وتحريك الجانب التعبوى والعاطفى، باحثًا فى جوانب بطولية الإنسان العربى ومقاومة المحتل المغتصب فى آن واحد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المسرح المصري فلسطين المسرحيات المصرية يين المسرح القومى المصرى إسرائيل الدولة الأموية القضیة الفلسطینیة مسرح الشارع فى المسرح
إقرأ أيضاً: