معركة طوفان الأقصى تعيد فلسطين والانتقال الديمقراطي إلى الواجهة
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
مرة أخرى تعود القضية الفلسطينية للواجهة بعد أن حاولت عبثا الصهيونية العالمية والقوى الدولية الداعمة لها وأدها بكل وسائل الاعتداء والقمع والإرهاب وبكل طرق المكر والخداع والخبث والدهاء السياسي عبر المفاوضات ومزيد المفاوضات والاتفاقيات والتسويات والتطبيع الذي أصبح سلعة رائجة في السنوات الأخيرة.
عادت القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية هذه المرة من بوابة المقاومة عودة نوعية لم يتوقعها الكيان الغاصب وحلفاؤه في المنطقة من خلال الهجوم المباغت والخاطف والسريع يوم 7 أكتوبر الماضي تحت عنوان "طوفان الاقصى" الذي سدد الضربات الأكثر إيلاما للكيان الغاصب منذ تأسيسه في عمقه الاستراتيجي وفي قلبه النابض وفي كل مفاصله عسكريا، حيث مرغ أنف جيشه في التراب.
كما أن طوفان الأقصى سرعان ما تحول إلى طوفان جارف لكل رواسب الأساطير والأكاذيب والتضليل الذي اشتغلت عليه آلة التظليل الإعلامي الصهيوني لطمس الحق الفلسطني لدى الشعوب وتزييف وعييها حيث عرى الوجه القبيح اللاإنساني للكيان الغاصب ووهنه وهشاشته باستعمال وسائله التدميرية ضد المدنيين العزل للضغط على المقاومة التي تثبت الأرقام أنها تكبده خسائر فادحة يوميا.. وكلما طالت المدة كلما تفاقمت الخسائر وهو أمر لا يقوى على تحمله.
ويزداد الأمر أهمية في ظل الصحوة العارمة لكل شعوب العالم واستنكارها ورفضها لما يحصل ولما يقدمه المنتظم الدولي وقواه الأساسية وبعض الأنظمة العربية من دعم للكيان الغاصب فيما ما يمارسه من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني.
كما عرى طوفان الأقصى المنظومة الرسمية للغرب من حكومات ونخب فيما يدعيه من مبادىء وقيم وحريات وأعاد الصراع إلى جوهره وعمقه الحضاري وأعاد الحضور الفاعل إلى المنظومات الفكرية الكبرى والعقائد والقيم بعد أن كادت تسود فكرة نهاية الأيديولوجيا لصالح هيمنة الفكر الغربي المادي الرأسمالي المتصهين.
صمود المقاومة الفلسطينية بكل مكوناتها ووحدتها وتفوقها المعنوي والقيمي والأخلاقي والميداني على الكيان الغاصب والتحامها مع شعبها قد قدم نموذجا لتحرر الإنسان الفلسطيني عموما وفي غزة خصوصا من مكبلات الظلم والاستبداد المحلي الذي تعاني منه جل شعوب المنطقةوالملفت للنظر أن إعادة القضية الفلسطينية للواجهة قد أعاد لها موقعها كبوصلة للأمة وشعوبها وكمحرار للعلاقة بين الشرق والغرب وأعاد طرح معضلة التحرير والتحرر التي صاحبت القضية منذ بدايتها التي تزامنت مع انهيار الأمة وتفككها وتقطيع الغرب الاستعماري لأوصالها وتجزئتها وزرع الكيان الغاصب في قلبها النابض .
والتحرر هو فعل ذاتي إرادي فردي وجماعي يتم بالتخلص من عناصر الإعاقة والتكبيل والتهميش والعجز. فعل يسترد به الإنسان دوره في الحياة للقيام برسالته ووظيفته التي وجد من أجلها. أما التحرير فهو فعل موضوعي يستهدف استرداد الحق من معتد ظالم مغتصب لحق غيره والكفاح من أجل الاستقلال والدفاع عن النفس وعن الكرامة والحرية.
لقد مثل ترتيب الأولوية بين التحرر والتحرير لدى الفلسطينيين ثم العرب والمسلمين في علاقة بالقضية الفلسطينية إحدى أهم المعضلات التي واجهها الفكر العربي والإسلامي المعاصر تنظيرا وممارسة بين من يعتبر أن الأولوية في تحرر الأمة بكل مكوناتها من الظلم والاستبداد والتبعية للغرب ثم بتحررها يمكن تحرير فلسطين أي أن تحرير فلسطين يمر حتما بتحرر الأمة. وبين من يعتبر أن القضية الفلسطينية قضية وطنية وتحريرها يعني الفلسطينيين دون غيرهم ولا علاقة لتحرر الأمة بتحرير فلسطين. وقد كان ولا يزال لكل خيار استتباعاته العملية وآثاره الميدانية على مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني.
وكما بينت الدروس التاريخية المستخلصة أن المزاوجة بين الخيارين بمرونة وفاعلية تتماشي مع معطيات الواقع الفلسطيني وواقع الأمة العربية والإسلامية هو الخيار الأنسب فكل فعل منهما يكمل الآخر فالكفاح من جل تحرير فلسطين يحرر الأمة، حيث أحدث طوفان الأقصى كما أحدثت الجولات السابقة رجة كبرى في وعي الأمة بكل شعوبها وفي وعي شعوب العالم بما في ذلك الشعب الأمريكي الذي تفتحت عيناه على هول ما يمارسه الكيان الصهيوني من إبادة جماعية والأهم من ذلك تفتحت عيناه على حجم تسلط اللوبي الصهيوني عليه وعلى دولته و قراراتها ومقدراتها.
كما أن صمود المقاومة الفلسطينية بكل مكوناتها ووحدتها وتفوقها المعنوي والقيمي والأخلاقي والميداني على الكيان الغاصب والتحامها مع شعبها قد قدم نموذجا لتحرر الإنسان الفلسطيني عموما وفي غزة خصوصا من مكبلات الظلم والاستبداد المحلي الذي تعاني منه جل شعوب المنطقة والتوحد للقضية على أساس عقيدة نضالية أسمى درجاتها الشهادة والحرص فيها على تحرير فلسطين والأقصى أهم من الحرص على الحياة تحت سلطة الاحتلال.. وقد هز عقل ووجدان كل شعوب العالم وخاصة الشعوب العربية والإسلامية بعنف سيكون له ما بعده للبحث عن إجابة عن الأسئلة التي أرقت وتؤرق الإنسان العربي والمسلم حول حالة الامتهان التي عليها الأمة رغم عددها وعدتها وحالة الخضوع والخنوع التي عليها الأنظمة مما قد يجعل العديد من الكراسى والعروش في مهب رياح معركة طوفان الأقصى.
أما تحرر الأمة فإنة شرط أساسي لتحرير فلسطين والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة آخرها ما فعله الناصر صلاح الدين لتحرير بيت المقدس حيث حرر الأمة ووحد شعوبها، لأن قضية فلسطين ليست قضية استعمار عادي حتى وإن كان استيطانيا على شاكلة الاستعمار الفرنسي للجزائر أو استعمار جنوب إفريقيا إنما هو عملية زرع وإحلال لمجموعات من شذاذ الآفاق محل الشعب الأصلي صاحب الأرض والتاريخ المشترك بدعوى "شعب بلا أرض لأرض بلاشعب" التي ابتدعتها الصهيونية ويتبرأ منها كثير من اليهود لأنهم في الشتات هم جزء من شعوب عديدة تختلف في العرق واللون والثقافة وخدعة تجميع الغرب الاستعماري لهم كان ولا يزال لغاية استدامة الهيمنة والسيطرة على الأمة ومقدرتها ومنعها من أي مسعى للنهوض والاستئناف الحضاري من جديد.
كانت بداية سقوط الغرب قيميا وأخلاقيا بسبب تآمره في المنطقة عبر وكلائه وعملائه على كل تجارب الربيع العربي وإسقاطها بكل أساليب المكر والخداع والقوة.. ثم تعمق ذلك السقوط الآن أثناء معركة طوفان الاقصى وإفصاحه عن نظرته لطبيعة الصراع على أنه صراع حضاري غربي مسيحي متصهين ضد العرب والمسلمينلذلك فإن المتأمل فيما حصل من استهداف مدمر لمسار الربيع العربي في المنطقة من داخله ومن خارجه باستعمال القوة الصلبة حينا والقوة الناعمة أحيانا لا يخلص إلا إلى اندراجه ضمن مخطط استدامة هيمنة الغرب رغم ما حصل من المرونة ومسايرة للموجة في البداية لمحاولة احتوائها لما كان لها من زخم نابع من انتظارات الشعوب وطموحها للحرية والتحرر على غرار كل شعوب الأرض التي عاشت التحولات الديمقراطية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
لقد كانت بداية سقوط الغرب قيميا وأخلاقيا بسبب تآمره في المنطقة عبر وكلائه وعملائه على كل تجارب الربيع العربي وإسقاطها بكل أساليب المكر والخداع والقوة.. ثم تعمق ذلك السقوط الآن أثناء معركة طوفان الاقصى وإفصاحه عن نظرته لطبيعة الصراع على أنه صراع حضاري غربي مسيحي متصهين ضد العرب والمسلمين وكل مقومات حضارتهم بما يوكد أن الرهان على الغرب لدعم الديمقراطية في منطقنا وهم لا طائل من ورائه، وأن قضية الحرية والديمقراطية هي المدخل الأساسي للتحرر الوطني والاستقلال الفعلي والتنمية.. بل إن كلاهما شرط لتحقيق الآخر ولا معنى لحرية وديمقراطية لا تحقق الاستقلال الفعلي ولا لاستقلال وتحرر وطني دون حرية وديمقراطية وحكم رشيد ولا معني لهما دون تحرير فلسطين .
فهل تعي نخبنا وشعوبنا وقواها الحية الدرس الفلسطيني وتدرك أن تفكيك وتفتيت المجتمعات العربية الإسلامية وصرفها عن قضاياها الأساسية وصناعة وفبركة عدوات وهمية بين مكوناتها الفكرية والسياسية الوطنية وسيادة منطق التخوين والتشويه والفرقة لا يخدم سوى استراتجية الهيمنة الغربية وتكريس مشاريع تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ في اطار مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد تحت عنوان صفقة القرن التي سيجهضها بإذن الله طوفان الأقصى؟
*كاتب وباحث تونسي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الفلسطينية غزة الاحتلال احتلال فلسطين غزة عدوان تداعيات أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الکیان الغاصب طوفان الأقصى تحریر فلسطین معرکة طوفان فی المنطقة کل شعوب
إقرأ أيضاً:
القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.. الإجابة وراء التحول الإلهي
تُعدُّ مسألة تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام واحدة من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام، لما تحمله من دلالات عقائدية وروحية للمسلمين في جميع أنحاء العالم. وقد ورد هذا التحول في القرآن الكريم، في الآية: "وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ..." (البقرة: 143). ومن خلال هذه الآية، يتبين أن هذا التحول كان بأمر الله عز وجل، وله حكم عظيمة.
تفسير الأزهر: لماذا كان التحول؟وفقًا لشرح علماء الأزهر، كان تحويل القبلة حدثًا إلهيًا له حكم عظيمة، ويعدُّ اختبارًا لإيمان الصحابة واتباعهم لله ورسوله. فقد بدأ المسلمون في أول الأمر بالصلاة نحو المسجد الأقصى في القدس، وذلك في بداية الدعوة الإسلامية. وكان ذلك في مرحلة تعليمية للمسلمين، حيث كان الهدف هو اختبار طاعتهم وتمحيص إيمانهم، والتأكيد على تميزهم عن اليهود الذين كانوا يقدسون المسجد الأقصى.
وأوضح الأزهر أن تحويل القبلة إلى المسجد الحرام في مكة كان علامة على تخصيص الله للمسلمين وتفردهم بهذه الأمة. إذ كانت مكة هي مسقط رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها وُلد الإسلام، وكُشف فيها وحي الله. لهذا كان من المناسب أن تصبح مكة مركزًا عالميًا للعبادة للمسلمين.
دار الإفتاء المصرية: التحول كأمر إلهي ولم يكن خيارًا بشريًاوفي تفسير دار الإفتاء المصرية، أكدت أن تحويل القبلة كان بمثابة تعليم من الله سبحانه وتعالى لمتابعة أوامره بلا تردد. فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: "فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ..." (البقرة: 144). وفي هذه الآية، يوضح الله سبحانه وتعالى أن تحول القبلة كان إرادة إلهية، ولا علاقة له بالتصريحات البشرية أو التغيرات الاجتماعية. بل كان من خلاله إعلانًا عن الهوية الدينية للأمة الإسلامية، وأن مكة هي المركز الروحي الذي يجب أن يتوجه إليه المسلمون.
وأضافت دار الإفتاء أن التحول كان أيضًا من أجل تثبيت إيمان المسلمين. في البداية، قد يكون هذا التغيير قد أحدث بعض الارتباك بين المسلمين، لكنه كان اختبارًا لدرجة إيمانهم واستعدادهم لتنفيذ أوامر الله دون اعتراض. وقد جاء هذا التحول كجزء من خطة إلهية لتهيئة المسلمين لأداء عباداتهم بصورة تميزهم عن غيرهم من الأمم.
دلالات التحول: وحدة الأمة وقوة العقيدةمن جانب آخر، شدد علماء الأزهر ودار الإفتاء على أن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام كان له دلالات قوية على وحدة الأمة الإسلامية. حيث أصبحت مكة بمثابة المقر الروحي الموحد للمسلمين في جميع أنحاء العالم. وكان ذلك إيذانًا بأن الإسلام ليس دينًا محصورًا في منطقة أو قوم، بل هو رسالة عالمية للبشرية جمعاء.
كذلك، فإن هذا التحول كان بمثابة تجديد للعهد مع الله، وتأكيدًا على أن المسلمين لا يتبعون اتجاهات البشر بل أوامر الله. فمن خلال هذا الحدث، كانت الأمة الإسلامية تتعزز في عقيدتها وولائها لله سبحانه وتعالى.
تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام لم يكن مجرد تغيير في الاتجاه، بل كان تحولا عميقًا في تاريخ الأمة الإسلامية يخص عقيدتها ويمثل إرادة إلهية لها مغزى عظيم. وهو درس عميق في الطاعة والإيمان بالله، كما يعكس وحدة الأمة الإسلامية التي تتوجه بكاملها نحو مكة، حيث الحرم الشريف والكعبة المشرفة.
"الأزهر" و"الإفتاء المصرية" يؤكدان على أن هذا التحول كان علامة فارقة، ليس فقط في التاريخ، بل في تحديد هوية الأمة الإسلامية ودورها في العالم.