أزهار عباد الشمس.. كيف ترى الشمس كي تتبعها؟
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
بينما تدور الأرض وتتحرك الشمس عبر السماء من الشرق إلى الغرب، تُدير أزهار عباد الشمس وجوهها الصفراء اللامعة لتتبعها، فهي تتحرك خلال النهار من أجل تتبع الشمس وفقا لتكوينها البيولوجي، وذلك كي تتمكن من تحقيق أقصى قدر من فوائد ضوء الشمس عبر عملية التمثيل الضوئي.
وتعتبر معرفة الآليات الكامنة وراء هذه الحركة لغزا بالنسبة للعلماء، وهو ما تحاول الإجابة عليه الدراسة التي أجراها علماء الأحياء النباتية في جامعة كاليفورنيا ديفيس والمنشورة في دورية بلوس بيولوجي في عددها الصادر يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويقول البيان الصادر من جامعة كاليفورنيا ديفيس، في الماضي كان يُعتقد أن قدرة عباد الشمس على التحرك نحو مصادر الضوء مدفوعة في المقام الأول بمسار استجابة يعتمد على الضوء يُعرف باسم الاستجابة الضوئية، أو ما يسمى بالانتحاء (أو الانحناء) الضوئي (phototropism).
والانحناء الضوئي هو قدرة النباتات على النمو باتجاه مصدر الضوء، حيث تتأرجح رؤوس أزهار عباد الشمس عن طريق النمو أكثر قليلاً على الجانب الشرقي من الساق، مما يدفع الرأس غربا خلال النهار وأكثر قليلاً على الجانب الغربي في الليل، لذلك يتأرجح الرأس مرة أخرى نحو الشرق.
ويضيف بيان جامعة كاليفورنيا ديفيس، أنه نظرا إلى أن النباتات متجذرة في مكان واحد، فإنها لا تستطيع التحرك إذا كان الضوء الذي تحتاجه لصنع الطعام يحجبه أحد الجيران أو إذا كانت في الظل، كما أن النباتات تعتمد على النمو أو الاستطالة للتحرك نحو الضوء، وهناك عدة أنظمة جزيئية وراء ذلك.
وتعتبر الاستجابة الضوئية من الأنظمة الجزيئية الأكثر شهرة، حيث تستشعر البروتينات التي تسمى فوتوتربينز (phototropins) الضوء الأزرق الذي يسقط بشكل غير متساو على الشتلات، ويتم إعادة توزيع هرمونات النمو في النبات، مما يؤدي في النهاية إلى انحنائه نحو الضوء.
لقد تساءل علماء النبات منذ فترة طويلة عن كيفية عمل الانتحاء الشمسي للسماح للنبات بتتبع مسار الشمس عبر السماء مع إبقاء وجهه دائما موجها نحو الشمس. وعلى الرغم من أنه كان من يفترض في البداية أن يكون نوعا من الانتحاء الضوئي، فإن العلماء في جامعة كاليفورنيا ديفيس اكتشفوا أن الانتحاء الشمسي هو آلية متميزة خاصة بها وهي أكثر تعقيدا وتفصيلا، وتتضمن تنشيط عدد كبير من الجينات عبر إعادة التوصيلات الجينية المحتملة.
التحقق من الفرضياتوللتحقق من الفرضية في تفسير أسباب انحناء وتوجه عباد الشمس نحو الشمس، استخدم الفريق العلمي الذي قام بالدراسة عباد الشمس المزروعة في المختبر وغيرها المزروعة في الهواء الطلق تحت ضوء الشمس، وذلك من أجل معرفة الجينات التي تتفعّل عندما تعرضت مجموعتا النباتات لمصادر الضوء الخاصة بها.
ولاحظ الباحثون أن زهور عباد الشمس الداخلية نمت مباشرة نحو مصدر الضوء الأزرق في المختبر ونشطت الجينات المرتبطة بالفوتوتروبين.
أما الزهور التي نمت في الهواء الطلق وأرجحت رؤوسها مع الشمس، كان لها نمط مختلف من التعبير الجيني، إذ لم يكن لدى عباد الشمس أي اختلافات واضحة في جزيئات الفوتوتروبين بين جانب واحد من الجذع وآخر.
تقول ستيسي هارمر المشاركة في الدراسة وعالمة الأحياء النباتية في الجامعة: "لقد فوجئنا عندما كنا ندرس كيف تتبع هذه الأزهار الشمس كل يوم، وقد ذكرنا في هذه الورقة أن نباتات عباد الشمس تستخدم مسارات جزيئية مختلفة لبدء حركات التتبع والحفاظ عليها، وأن المستقبلات الضوئية المعروفة بالتسبب في انحناء النبات يبدو أنها تلعب دورا ثانويا في هذه العملية الرائعة".
من ناحية أخرى قام الفريق أيضا بحجب الضوء الأزرق أو فوق البنفسجي أو الأحمر أو الأحمر البعيد باستخدام صناديق الظل، لتظهر التجربة عدم وجود تأثير على الاستجابة للانتحاء الشمسي.
ويوضح ذلك أنه من المحتمل وجود مسارات متعددة تستجيب لأطوال موجة مختلفة من الضوء، وبالتالي اتجه الباحثون نحو معرفة الجينات المشاركة في الانتحاء الشمسي.
ولتحقيق هذا الهدف قام الباحثون بنقل زهور عباد الشمس المزروعة في المختبر إلى الخارج، ثم بدؤوا بتتبع الشمس في يومهم الأول حيث ظهرت في البداية موجة ضخمة من التعبير الجيني على الجانب المظلل من النبات، وهو ما لم يحدث في الأيام التالية.
وقالت هارمر: "إن هذا يشير إلى حدوث نوع من "تجديد الأسلاك" في المصنع، و بالإضافة إلى التخلص من بعض العمليات التي تكمن وراء كيفية تتبع عباد الشمس للشمس، فإن هذا العمل له أيضا أهمية لتصميم تجارب مستقبلية مع النباتات لفهم آلياتها، حيث إن الأشياء التي تحددها في بيئة خاضعة للرقابة مثل غرفة النمو قد لا تنجح في العالم الحقيقي، فقد أدى نقل النباتات من الداخل إلى الخارج إلى موجة من التعبير الجيني".
——————————————————-
المصادر: البيان الصادر من جامعة كاليفورنيا – ديفيس How Sunflowers See the Sun https://www.ucdavis.edu/curiosity/news/how-sunflowers-see-sun الدراسة المنشورة في دورية بلوس بيلوجي PLOS Biology Multiple light signaling pathways control solar tracking in sunflowers https://journals.plos.org/plosbiology/article?id=10.1371/journal.pbio.3002344المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: عباد الشمس
إقرأ أيضاً:
“روتشستـــر دبـــي” تسلط الضوء على دور الأسرة في الحفاظ على اللغة العربية بالإمارات
ألقت جامعة روتشستر للتكنولوجيا في دبي الضوء على الأسباب الكامنة وراء التحول اللغوي للغة العربية، وكيف يمكن الحفاظ على اللغة الأم في دولة الإمارات بين الأجيال القادمة وذلك مع تزايد عدد الوافدين العرب في الدولة الذين يعتمدون اللغة الإنجليزيـــة كلغة أساسية للتواصل.
وتقول الدكتورة ريم رازم، الأستاذة المساعدة في الأنثروبولوجيا جامعة روتشستر للتكنولوجيا في دبي ، إن الأداة الأساسية للحفاظ على اللغة العربية تتمثل في سياسة اللغة العائليــــة (الشراكــــة العائلية المحدودة)، وهي عبارة عن نهج تصاعدي من أسفل إلى أعلى، إذ يمكن أن تــــؤدي التغييرات الصغيرة في المنازل والمجتمعات إلى تحول مهم في التواصل المجتمعي. يلعب الأهــــل دور المحفز للتغيير المجتمعي غير الرسمي، في حين أنّ اللغة الأم تخلق صلة حيوية بين النسل وآبائهــــم، وتربط الأجيال بماضيهم ومستقبلهم.
وشرعت الدكتورة رازم في إجراء دراسة لاستكشاف مدى انتشار التحدث باللغة الإنجليزية لدى الجيل الثاني من العائلات العربية، مستلهمةً لهذا الغرض من ملاحظتها لأبنائها خلال جائحة كوفيد-19.
وأوضحت رازم، وهي مغتربة أردنية وأم باحثة: “لدي 3 أبناء يجيدون لغتين، وعندما اضطررنا للبقاء في منازلنا بدأت أتساءل عن سبب تحدث أبنائي باللغة الإنجليزية مع بعضهم البعض وأحيانًا يردون بالإنجليزية عندما أخاطبهم باللغة العربية. تطور هذا الأمر إلى مشروع بحثي ذاتي حيث قمت بتصوير محادثات أولادي أثناء فترة التباعد الاجتماعي. وقد كشف ذلك أنّ 30-40% من حديث أبنائي كان باللغة الإنجليزية، في حين أنّ المحادثات بيني وبين زوجي وعند مخاطبة أبنائنا كانت باللغة العربية بنسبة 90-95%”.
وتابعت رازم: “ثم استكشفت سبب استخدامهم للغة الإنجليزية في المحادثة في المنزل. عادةً ما كان ذلك للحديث عن القضايا المتعلقة بالتعلم عبر الإنترنت؛ ففي كل موضوع يتعلق باللغة الإنجليزية مثل القضايا المتعلقة بالتكنولوجيا، كانوا يتحولون إلى اللغة الإنجليزية. كان الاتجاه الثاني مثيرًا للاهتمام، لأنه في كل ما يتعلق بالترفيه، كانوا يتحولون إلى اللغة الإنجليزية أيضًا. سواء كانت الموسيقى، أو الأفلام، أو المسلسلات التي أرادوا التحدث عنها، كانوا يتحولون على الفور إلى اللغة الإنجليزية. وهذا يعني أنهم لم يكن لديهم الكلمات العربية لمناقشتها”.
ووسّعت الدكتورة رازم نطاق بحثها ليشمل مجتمع المغتربين الأردنيين الأوسع نطاقًا لاستكشاف ما إذا كانت العائلات الأخرى تشهد الظاهرة نفسها.
وأوضحت: “أنا جزء من مجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي للأمهات الأردنيات في الإمارات العربية المتحدة، حيث لاحظت الكثير من المنشورات التي تتطرق إلى التحول اللغوي، وعدم رضا الآباء والأمهات وإحباطهم من فقدان اللغة العربية، وعدم فهم أطفالهم للغة العربية أو تقديرهم لها. كانت غالبية المنشورات حول هذا الموضوع تسعى للحصول على نصائح حول كيفية غرس حب اللغة العربية وتنشيط اللغة العربية والحفاظ عليها في تربية أطفالهم وتشجيعهم على استخدام اللغة العربية في المنزل وفي مجتمعاتهم”.
ووجدت الدكتورة رازم أنّ هناك عددًا من القضايا التي تؤثر على مهارات الكتابة والقراءة باللغة العربية، بما في ذلك التحول إلى اللغة الإنجليزية كوسيلة للتعليم في المدارس والجامعات، مما يعني أنّ اللغة الإنجليزية أصبحت لغة التواصل والتعليم.
وأشارت أيضًا إلى تصرفات صغيرة غير واعية، مثل اختيار اللغة الإنجليزية على العربية في أجهزة الصراف الآلي، والتي ساهمت في انخفاض استخدام اللغة العربية.
وخلصت الدكتورة رازم إلى أنّ “هناك تقاطع بين دور الوالدين في المنزل ودور المجتمع المباشر، ثم الدور الحاسم للتعليم المدرسي. نحن بحاجة إلى اتخاذ خيار واعٍ للحفاظ على اللغة من خلال نهج تصاعدي من القاعدة إلى القمة. الأسرة هي نواة للتغيير الاجتماعي واتخاذ خطوات صغيرة لزيادة الوعي وممارسة اللغة العربية يمكن أن يساعد في خلق حركة واسعة النطاق. وعلى غرار تأثير الفراشة، حيث يمكن أن تؤدي رفرفة أجنحة صغيرة على ما يبدو إلى نتائج بعيدة المدى، فإنّ القرارات التي يتخذها الآباء والأمهات يوميًا، مثل اللغة التي يختارون التحدث بها في المنزل، والمدارس التي يختارونها، والممارسات الاجتماعية والثقافية اليومية التي يؤكدون عليها، تحمل القدرة على عكس التحول اللغوي والحفاظ على اللغة العربية كحجر زاوية للهوية والتراث”.