حسن محمد حسين حمدان: زيارة بلينكن الى الصين
تاريخ النشر: 10th, July 2023 GMT
حسن محمد حسين حمدان جاء وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، في 19 و20 يونيو 2023، في زيارة رسمية إلى الصين، التقى خلالها بالرئيس الصيني ومدير المكتب المركزي للشؤون الخارجية للحزب الشيوعي وعضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني. وقد جرت مناقشة العديد من القضايا العالقة في العلاقات الصينية الأمريكية على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والعلاقات التجارية ومسألة تايوان حلقة التأزيم الأبرز في العلاقات.
وهذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى إلى الصين منذ ما يقرب من خمس سنوات وتعتبر هذه الزيارة مهمة وملحة للطرفين خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وقال مسؤولون أمريكيون إن الهدف الرئيسي من هذه الجولة من المحادثات هو تحقيق الاستقرار في العلاقات بين البلدين بعد أن سادها التوتر إلى حدٍ كبير في الآونة الأخيرة. وقد كشفت وثائق بريطانية، أُفرج عنها أنه قبل أكثر من عشرين عاما، توقعت الإدارتان (الامريكية والبريطانية) السلوك السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تسلكه الصين الآن. يكشف محضر مباحثات الزعيمين أن الصين كانت حينها “واحدة من مصادر قلق يشغل بوش”. ويشير جون سويرس، سكرتير بلير الشخصي الذي كتب النسخة البريطانية لمحضر المباحثات، إلى أن بوش لخص رؤيته للصين على النحو التالي: “ستكون الصين قوة عالمية رئيسية في خلال 50 عاما، وصاحبة أحد اقتصادات العالم الكبرى. غير أن نوع هذه القوة لم يتضح بعد”. لذا فالولايات المتحدة تضع الآن في سلم أولوياتها القصوى ملف احتواء الصين لذا تحاول أمريكا التأكد من عدم وجود منافسين لها ولو من خلال توقع وجود مهيمن محتمل في أقليم معين وهي تحاول منع الصين من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على منطقة آسيا والمحيط الهادئ. في الوقت نفسه، تقوم الولايات المتحدة بتعزيز هيمنتها الإقليمية في نصف الكرة الغربي، من خلال إعادة التركيز على المشكلات الأمنية والسياسية والاقتصادية لجيرانها، وكذلك على مواجهة تحديات الصين وروسيا في المنطقة. أهداف زيارة بلينكن ونتائجها:- مما لا شك فيه أن مثل هذه الزيارات لها أهداف وغايات محددة لا بد للمتابع السياسي أن يدرها ويكتشف حقيقتها لأن الأعمال السياسية هي إظهار الأعمال وإخفاء النوايا، ومن هنا كان لازمًا على المتابعين معرفة نوايا الزيارة وبعد معرفتها نستطيع الحكم على الزيارة بالنجاح أو الإخفاق، فقد أكد بلينكن أن إدارة بايدن تقدّر العلاقة المسؤولة بين واشنطن وبكين. وحدد ثلاثة أهداف لهذه الرحلة كلها تستند إلى مبدأ شامل يفيد بأن” المنافسة القوية تتطلب دبلوماسية مستدامة لضمان ألا تنحرف المنافسة إلى المواجهة أو الصراع”. ـ أولاً: محاولة تخفيف التوتر الناتج عن الاعمال السابقة فمن الضروري جدا إعادة فتح خطوط الاتصال حتى تتمكن كلتا السلطتين من إدارة علاقتهما بمسؤولية وتجنب سوء الفهم. وفتح قنوات الاتصال يشمل القنوات العسكرية بشكل خاص بالإضافة الى القنوات السياسية والتجارية وتعتبر فتح القنوات العسكرية هي أبرز الاهداف للزيارة الامريكية بل وأخطرها وأعلاها وتشمل قنوات الاتصال ملفات كبرى هي الحرب الاكرانية وملف تايوان وملفات العلاقات التجارية. ـ ثانيًا: أكد بلينكن أهمية تعزيز مصالح وقيم الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، بما في ذلك “مناقشة هذه المخاوف بشكل مباشر وصريح” مع بكين. ـ ثالثًا: يعتقد أنه يمكن للبلدين “استكشاف إمكانات التعاون بشأن التحديات العابرة للحدود” بشكل مشترك. وهناك هدف غير معلن وهو: الانتخابات القادمة، ومن المعلوم في كلّ مرّة يقترب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، تشهد سياسة البلاد الخارجية إعادة ترتيب أولويّاتها وتحقيق نتائج ملموسة على الارض ويتحوّل مستشارو الرئيس إلى فريق عمل له أجندة واضحة في ظل حرص الحزب الديمقراطي على النجاح في الانتخابات القادمة تنشط الادارة الامريكية في محاولة منها إظهار بعض النجاحات الخارجية والداخلية. وإذا ثبتت أهداف تلك الزيارة فدعونا ننظر الى تحقق تلك الأهداف أم لا. ففيما يتعلق بمسالة فتح قنوات الاتصال فالطرفان لا شك متفقون على فتح قنوات الاتصال وهذا أصلا مما تقتضيه العلاقات بين الدول ولا يمكن اغلاق الألسن الا اذا تحدثت القنابل إدراكًا منهم للمخاطر المصاحبة لانعدام الحوار بين الطرفين ولمصلحة الطرفين في كافة القضايا حيث قال وزير الخارجية الامريكي (إن هذه الزيارة التي تستغرق يومين يجب أن “تفتح خطوط اتصال مباشرة حتى يتمكن بلَدانا من إدارة علاقتنا بمسؤولية، بما في ذلك من خلال معالجة بعض التحديات والتصورات السيئة ومن أجل تجنب الحسابات الخاطئة”). لكن الإدارة الأمريكية تريد التعاون مع الصين في قضايا رئيسية مثل المناخ. وتأتي زيارة بلينكن أيضاً في وقت يشهد جزء من الصين موجة حارة مع تسجيل درجة حرارة قياسية جديدة فيها، وقال داني راسل، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، فإن لكل طرف مصلحة في هذه الزيارة: فالصين تأمل في تجنب قيود أمريكية جديدة على التكنولوجيا وأي دعم جديد لتايوان. أما الولايات المتحدة فترغب من جهتها في منع أي حادث يحتمل أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية. أما فيما يتعلق بإدارة الأزمات، رفضت حكومة شي مطالب بلينكن المستمرة لاستئناف المفاوضات العسكرية التي تم تعليقها منذ زيارة بيلوسي إلى تايوان السنة الماضية. جعلت المواجهة بين طائراتهما المقاتلة في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان استعادة هذه الروابط مهمة للغاية فالصين تتفق مع الولايات المتحدة في قضايا وتخدمها في قضايا لكنها لن تتفق معها في قضايا ولعلها تصل الى نقطة التقاء في قضايا فالنسبة للقنوات العسكرية لا زالت ترفضها الصين وقال المتحدث باسم السفارة الصينية لدى واشنطن ليو بينغيو في إفادة صحفية، وفقا لبلومبرغ، “إن الجانب الأمريكي يعرف سبب الصعوبات في علاقاته العسكرية مع الصين.. لقد فرضت بالفعل عقوبات أحادية الجانب على الصين”. وفي في ظل استمرار العقوبات الأمريكية على المسؤولين العسكريين الصينيين، وفي مقدمتهم وزير الدفاع، ويعني ذلك غياب خط ساخن للتواصل بين الجانبين، لمنع أي سوء تفاهم إذا ما وقع حادث بالخطأ بين القوات العسكرية التابعة للبلدين، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث تصعيد عسكري بشكل غير مقصود. وأما قنوات الاتصال الأخرى فلمصلحة الطرفيين بقاؤها حيث اتفق الطرفان على تشكيل مجموعة عمل لمعالجة قضية تصدير الصين لمخدر الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، إلى جانب دور الصين في التخفيف من مخاطر نقص الغذاء العالمي من خلال دعم مواصلة تنفيذ اتفاقية نقل الحبوب عبر البحر الأسود. أما بالنسبة لقضية حرب أكرانيا فالصين تدرك خطورة الدعم الصيني العسكري لروسيا وتدرك اثاره عالميا بل حاولت امريكا بكل السبل تثبيت الدعم الصيني لبوتين الا أنها اخفقت في هذا وطالب بلينكن المسؤولين الصينيين بالانتباه بشأن الشركات الخاصة التي قد تزود روسيا بالتكنولوجيا التي يمكن استخدامها في الحرب ضد أوكرانيا، ولكنه أكد عدم وجود أية أدلة بشأن تقديم بكين مساعدات عسكرية لموسكو بل الصين تنأى بنفسها عن روسيا في موضوع أكرانيا ليس بسبب الخلاف مع امريكا بل سيضع الصين في مواجهات وعقوبات عالمية لا طاقة لها بها لذا كانت مسالة أكرانيا ليس محل بحث جدي من هذا الجانب. أما مسألة تايوان وعقدتها فهي عقدة لا يمكن للطرفين غض النظر عنها فالصين تعتبرها مسالة حياة أو موت وإقليم متمرد في الوقت الذي تعترف فيه امريكا قولا بمبدأ صين واحدة إذ إنه وفقاً للبيان الصيني، قال كبير الدبلوماسيين الصينيين، وانغ يي، إنه “لا مجال لدى الصين للمساومة أو تقديم تنازلات” في هذه القضية. وللعلم، أقصى ما يمكن بنظري فعله في تفعيل استراتيجية الغموض الاستراتيجي في مسألة تايوان حيث أكد بلينكن، على أن واشنطن لا تدعم حصول تايوان على استقلالها، مشدداً على تمسك بلاده بالحفاظ على الوضع القائم هناك، إلا أنه أشار كذلك لرفض بلاده الممارسات الرامية لتغيير الوضع الراهن في تايوان . خاصةً وأن بلاده لا تدعم استقلال تايوان وتتوقع حلا سليمًا للقضية مؤكدا أن الاتفاق مع الصين على انتهاج حل سلمي للقضية، وللعلم تدرك الصين عواقب الحل العسكري لمسالة تايوان ولها في حرب روسيا في اكرانيا درسا تدركه بشكل كبير مما عقّد في عقليتها مسالة الحل العسكري. أما مسالة التنافس على منطقة المحيطين فقد ارتفعت مستويات المواجهة بين الولايات المتحدة والصين في المحيطين الهادئ والهندي، خلال الفترة الأخيرة، إلى الحد الذي وصلت لتحليق مقاتلة صينية على بعد 400 قدم من طائرة استطلاع أمريكية فوق بحر الصين الجنوبي في مايو 2023. وقامت امريكا بتكوين تحالفات عسكرية وأمنية مع دول المنطقة مثل اتفاقية أوكوس مع استراليا والمملكة المتحدة والحوار الامني الرباعي مع كل من استراليا واليابان والهند وتوسيع دور حلف الناتو وعقدت اتفاقيات مع الفلبين لاستخدام خمس قواعد عسكرية اضافية لتصبح تسع قواعد في بلد هو في حقيقة الأمر أرض امريكية تضع عليها علما وحكومة شكلي: وخاتمة القول: بالرغم من أهمية هذه الزيارة وأنها حققت نجاحا بقدر إلا أنها أخفقت في مسألة فتح القنوات العسكرية، وكأن الصين تدرك الهدف الحقيقي لهذه القنوات وهو التجسس وليس مجرد العقوبات، وهذه الزيارة أثبتت إخفاق اسلوب إدارة ترامب وهو سياسية حافة الهاوية مع الصين واعترفت امريكا كذلك بموقف الصين في حرب اكرانيا وعدم ثبوت الدعم العسكري منها لموسكو وأظهرت مدى تخوف امريكا في حرب نقل التكنولوجيا وتقدم الصين التكنولوجي وانها قد تحدث استقلالا تاما في حرب الرقائق من خمس الى سبع سنوات كما يتوقع المحللون الامريكيون بعد إذلال امريكا وتعاملها مع شركة هواوي. كل هذا يعطي اشارة أن استراتيجية امريكا في الاحتواء طويلة جدا وأن هذه الزيارة غير كفيلة بحل جميع النقاط محل الاختلاف إذا علمنا أنه لم تكد تنتهي الزيارة حتى وقعت أزمة دبلوماسية بين البلدين على إثر وصف الرئيس الأمريكي نظيره الصيني بالديكتاتور خلال حفل لجمع التبرعات للحزب الديمقراطي، الأمر الذي أعربت الصين عن استيائها منه واحتجاجها ضده. هذا إلى جانب عبور سفينة تابعة للقوات البحرية الأمريكية مضيق تايوان، بُعيد ساعات قليلة من مغادرة وزير الخارجية الأمريكي الصين فهذه الزيارة وقد اعترف وزير الخارجية بهذا في قوله إنه لا يمكن حل المشاكل مع الصين بزيارة واحدة مبيناً أنها كانت بداية جيدة. لكن مما يجب التذكير به (هو توافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي، رغم الاختلافات الإيديولوجية والديموغرافية بينهما، على أن بكين تشكل تهديدا أساسيا للقيم الأمريكية، وربما لأمنها القومي. وفي هذا السياق، يتفق قادة الحزبين على ضرورة تقييد الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، ومواصلة بيع أنظمة الأسلحة المتقدمة لتايوان، واعتبار أن تكنولوجيا الجيل الخامس لشركة التكنولوجيا الصينية (هواوي) تشكل تهديدا للديمقراطية، ومنعها والشركات المماثلة من السيطرة على الذكاء الاصطناعي في العالم).
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية: الولایات المتحدة وزیر الخارجیة مع الصین الصین فی فی قضایا من خلال فی حرب
إقرأ أيضاً:
بتوجيهات حمدان بن محمد...إطلاق جوائز دبي لاستشراف المستقبل
بتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل، أطلقت مؤسسة دبي للمستقبل جوائز دبي لاستشراف المستقبل في ختام أعمال منتدى دبي للمستقبل 2024، أكبر تجمع عالمي سنوي لخبراء ومصممي ومؤسسات استشراف المستقبل. وتهدف هذه الجوائز للاحتفاء بالمبتكرين والمتميزين ورواد الاستشراف ومصممي المستقبل وأصحاب الرؤى المستقبلية والأفكار المبدعة من حول العالم، وتسليط الضوء على إنجازاتهم النوعية في ثلاث مجالات رئيسية هي أسس استشراف المستقبل ونظرياته، واستشراف مستقبل المجتمعات، واستشراف مستقبل البيئة، حيث سيتم تكريم الفائزين بنسختها الأولى في الدورة القادمة لمنتدى دبي للمستقبل من 18 إلى 19 نوفمبر 2025 في متحف المستقبل بدبي. القرقاوي: الاستثمار في المستقبل ضمانٌ جاهزية الحكوماتوأكد محمد القرقاوي، العضو المنتدب لمؤسسة دبي للمستقبل، رئيس متحف المستقبل، أن استشراف المستقبل أصبح العنوان المركزي لنجاح منظومات الذكاء الاستراتيجي للحكومات والمجتمعات، وأن الاستثمار فيه واستقطاب رواده تضمن مرونة واستباقية وجاهزية الحكومات وتضع خريطة طريق واضحة لتوجهات المستقبل. الصورة