الصدفة قادته لاكتشاف موهبته.. عبد الرحمن فنان تشكيلي صاعد بدرجة "مهندس"
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
لم يخطر بباله، أن الصدفة ستقوده ذات يوم لاكتشاف موهبته الفنية، ليفاجأ عبد الرحمن كمال ذا الـ21 عامًا، أنه متمكن في رسم البورتريه، أحد قوالب الفن التشكيلي، لينطلق في مشواره بتمثيل الشخصيات، مرئيًا على لوحته.
يوضح عبد الرحمن أنه بعد رؤية أهله لرسوماته، ومحاولتهم تشجيعه أن يواصل تنمية موهبته، بدأ رحلته في التعلم الذاتي، من خلال مشاهدة فيديوهات عن الرسم، ساعده ذلك حسبما يشير عبد الرحمن، في انطلاقته نحو فن البورتريه.
إصرار عبد الرحمن في دعم نفسه بنفسه، جعله يتحول من هاو إلى محترف، فحين ترى لوحاته بالفحم والرصاص، تشعر أن الشاب الذي أمامك هو فنان بدرجة مهندس.
ومن بين رسومات عبد الرحمن لشخصيات رحلت عن عالمنا : بورتريه للعندليب، وآخر لكروان الجنة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وثالث لقيثارة السماء الشيخ محمد رفعت، وغيرهم كُثر.
ومن ضمن لوحاته التي رسمها مؤخرًا، بورتريه لشاب فلسطيني وهو يقاوم الاحتلال بالحجارة، وبرأسه صورة المسجد الأقصى؛ تضامنًا منه مع سكان غزة ضد الاحتلال الغاشم مؤكداً أن اللوحة تعكس: "الأقصى دائمًا وابدا".
بداية اكتشاف الشاب العشريني لموهبته تعود إلى قبل نحو ستة أعوام فحين كان يبلغ 15 من عمره، وخلال فترة الإجازة الصيفية، يقول عبد الرحمن إنه لم يكن لديه هاتفًا حينذاك ليتواصل مع أصدقائه ويقضي وقته معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فحاول أن يستغل وقته في رسم أشكالًا مختلفة للرسوم المتحركة التي كان يشاهدها في أفلام الكرتون كنوع من الترويح عن النفس، وبعد انتهائه؛ اكتشف أن رسوماته أقرب للرسوم الأصلية، ليزداد شغفه بالرسم أكثر فأكثر.
وشارك الفنان التشكيلي الصاعد في مسابقة إبداع بالشباب والرياضة، وحصد المركز الأول على إدارة مركز الطود، ليتأهل على مستوى 30 مركز شباب، ويقتنص كذلك المركز الأول، إلا انه في المرحلة الأخيرة، لم يحالفه التوفيق، بعدما خسر الجولة التنافسية مع خريجي كلية الفنون الجميلة؛ يقول عبد الرحمن: " لم اتمكن من الشرح أمام عميد الكلية بشكل علمي لكوني غير دارس".
يحاول عبد الرحمن أن يستغل موهبته في الرسم، ليخرج أعمالًا فنية تصبح مصدرًا لكسب الرزق، ضاربًا أروع الأمثلة في الكفاح من أجل العمل.
ويطمح عبد الرحمن في العمل ببزار سياحي؛ يستطيع من خلاله الترويج للأقصر عبر الفن، وتعريف الزائرين بالحضارة المصرية العريقة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأقصر فنان تشكيلي مهندس العندليب عبد الرحمن عبد الرحمن
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب | فتحي عفيفي.. رسّامُ الغبار النبيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في الزوايا التي لا تزورها الكاميرات، حيث لا يجلس الشعراء ولا يمرّ السائحون، وُلدت لوحات فتحي عفيفي. لم يُولد من رحم الضوء، بل من رحم الغبار، من سعال الآلات، من عرق العامل الذي نسي اسمه، وتذكرَ فقط صوت المخرطة.
فتحي عفيفي ليس فنانًا يرسم، بل كائنٌ يُصغي. يُصغي للحديد وهو يتألم، للحائط وهو يتقشّر، للقلب وهو يُطوى داخل بدلة زرقاء. خرج من حيّ السيدة زينب، لكن قلبه ظلّ هناك، يشرب من كوب الشاي المرّ، ينام على صوت الراديو العتيق، ويتأمل وجوه الرجال الذين لم يتعلموا البكاء، فصاروا يُسرّبونه في صمتهم الطويل.
كل لوحة له، ليست عملًا فنيًا، بل مَعلمًا من معالم الأرواح المنسية. كأنه لا يرسم بفرشاته، بل بأظافر جدته، بحنين أبيه، بأحزان أم لم تتعلم القراءة لكنها تحفظ وجه الله في التجاعيد.
في مصنع ٥٤ الحربي، تعلّم أن الحديد له قلب. أن الآلة تُحب. أن الندبة في ذراع العامل ليست عيبًا، بل ختمًا سماويًا. هناك، صادقَ الصدأ، وراقبَ الحزن وهو ينسكب على الخشب والبشر معًا، ثم عاد إلى مرسمه كي يُعيد رسم العالم كما يراه: عالم لا يخجل من شقوقه، ولا يتجمّل.
لوحاته ليست أنيقة. بل صادقة.
ليست لامعة. بل دامعة.
فيها صوت السلم المكسور، وهمهمة الخوف، وبكاء الليل في أذن امرأةٍ تصنع الغداء من الهواء.
هو فنان من طينة نادرة، لا يرى في الألوان بهجة زائلة، بل يرى فيها توثيقًا للعابر، للمنكسر، للهامشي الذي لا تكتبه الصحف. في الأحمر يرى الجرح، وفي الأزرق يرى الغياب، وفي الأبيض يرى جسدًا خرج من العمل ولم يعد.
لوحات فتحي عفيفي ليست مُجرد صُورٍ للمكان، بل هي رحلة في ذاكرة الإنسان، رحلة في قلب العالم الذي يعجّ بالآلات والبشر، بالأحلام التي لا تُكتب، وبالأفكار التي لا تتسع لها الصحف. هنا، في تفاصيل هذا العالم، تجدُ الأجساد غير المرئية تُحاول أن تصرخ، لكنهم لا يمتلكون سوى فمٍ صامت وأيدٍ مهشمة. ولهذا، فقد حمل عفيفي هذه الهمسات الصامتة في لوحاته، وأعطاها حقها في التعبير. فنراه يغير وجه الحياة في كل لون يرسمه، في كل حركة فرشاة تُمرّ على القماش، كأنه يعيد استكشاف المعنى في الأشياء البسيطة.
في جوائزٍ مثل جائزة التحكيم في بينالي القاهرة السابع عام 1998، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون عام 2023، كان تكريمًا له، ولكن في حقيقة الأمر كان تكريمًا لكل هذه الوجوه التي رسمها، لكل هذه الأرواح التي لم تجد طريقًا للتعبير عنها سواه. لم يكن عفيفي بحاجة إلى الكلمات ليُعبّر عن نفسه؛ فقد كانت أعماله هي اللغة الأكثر صدقًا، وهي الأداة التي لم تترك بابًا مغلقًا إلا وفتحته، ولم تترك ملامح غريبة في عالمه إلا وأخرجتها من الظلام إلى النور.
لكن الفضل الأكبر في أعماله لا يكمن في الجوائز ولا في التصفيق الحاد، بل في قدرته على جعلنا نرى الحياة كما هي، دون تكلف، دون تجميل، فقط بكل شجاعتها وأحزانها. هو لم يرسم الحياة كما نريدها، بل كما هي بكل قبحها وجمالها. وفي لوحاته، نجح في أن يجعلنا نتأمل في تفاصيل تلك الحياة التي تمرّ دون أن نلتفت إليها. هو لم يكن فنانًا يخبئ الحقيقة في ألغازٍ معقدة، بل كان يضعها أمامنا كما هي، بشكل مباشر، عميق، وحميم.
فقد عرفت لوحاته الطريق إلى القلب، كما عرفت طريقها إلى الذاكرة. فتحي عفيفي، بكل ما يحمله من حزنٍ وطموح، رسم لنا مدينة من صمت وأصوات، مدينة لا نراها، لكنها دومًا في قلوبنا. وبذلك، لم يكن فقط فنانًا يقتصر عمله على الألوان والفرشاة، بل كان شاعرًا أيضًا، يسرد تاريخًا ضاع بين الزوايا، ويغني للأشياء التي لا يسمعها سوى الصامتون.