كمال خلف نتابع هذه الأيام مؤشرات التصعيد الإسرائيلي على الجبهتين الفلسطينية في الضفة الغربية، واللبنانية في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وبلدة الغجر، والتصعيد الأمريكي الخطير في سورية. هذه الجبهات لا يمكن النظر اليها بشكل منفصل. ترابط السياسات والاهداف الإسرائيلية والأمريكية في منطقتنا عضوي ومتطابق، ونستطيع القول بناء على متابعة مجريات الاحداث على الجبهات الثلاث ان ثمة شيء خطير وكبير يحضر وان الأيام المقبلة ستكون حافلة بالتصعيد وتبدو معها احتمالات الحرب واردة.
في تفصيل المشهد واولا من جنوب لبنان، حيث بدأت إسرائيل التصعيد بقيامها بسلسلة إجراءات تهدف الى ضم الجزء الشمالي من قرية الغجر اللبنانية المحتلة، بمقابل ذلك اقام حزب الله موقعا عسكريا داخل مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل، حيث نصب خيمتين ويتواجد فيها عناصر مسلحة من حزب الله تحت أنظار قوات الجيش الإسرائيلي. تطالب إسرائيل بإزالة الخيام، وتطالب
المقاومة بتراجع إسرائيل عن كل الإجراءات واعمال التجريف في الأرض اللبنانية المحتلة. حتى اللحظة فشلت كل محاولات الوسطاء لاحتواء الموقف، وامس قال الاعلام العبري ان “المغادرة السريعة لجلسة الحكومة التي قام بها نتانياهو وصفت بالضبابية بعد احاطة امنية عاجلة”. ولفت الى أنه تم إبلاغ نتانياهو بفشل المسار الدبلوماسي بشأن إخلاء خيم حزب الله المقامة داخل مزارع شبعا، ومن جانبه أبلغ نتنياهو الوزراء أن جهود الوسطاء فشلت بإقناع حزب الله بإزالة الخيام”. من الواضح ان إسرائيل هي من بدأت التصعيد بشكل متعمد. لكن ماهي الدوافع لهذا الاستفزاز ؟ الدوافع حتى الان غير واضحة ولم تعلن إسرائيل عن أسباب هذا التحرك المفاجئ في جنوب لبنان، لكن هناك احتمالين فقط. الأول قد يكون مرتبط بإعادة احياء المبادرة العربية للسلام المعدلة من قبل المملكة العربية السعودية بصيغة دولية في أيلول المقبل، وبناء عليه تحاول إسرائيل فرض وقائع ميدانية في المناطق المحتلة من جنوب لبنان، وفي هذه المناطق تحاول إسرائيل اللعب على مسألة تداخل الحدود بين المناطق اللبنانية والسورية المحتلة عام ٦٧. والاحتمال الثاني : هو ان يكون قادة إسرائيل يبحثون عن ذريعة لشن الحرب على لبنان. وهو خيار يرى فيه بعض اقطاب حكومة المجرمين المتطرفين في إسرائيل ضروريا ولابد منه في ظل تنامي قدرات حزب الله كلما طال الزمن. ما علاقة التحركات الامريكية الميدانية في سورية بالتصعيد في جنوب
لبنان ؟ احتمال نوايا إسرائيل بشن الحرب على لبنان ينسجم ويتساوق مع التحركات الامريكية في الميدان السوري. الإدارة الامريكية إعادة صياغة استراتيجيتها في سورية، وبدأت بمشروع كبير وخطير يشمل الجغرافيا السورية من الجنوب الى اقصى الشمال. ويمكن اختصار التحركات الامريكية مؤخرا في سورية على النحو التالي : محاولة إقامة كيان مستقل عن الدولة السورية وتجميع مقاتلين تابعين للولايات المتحدة في الجنوب وتحديدا في منطقة السويداء، و ربط هذه التجمعات مع أخرى اكبر منها حول قاعدة التنف في المنطقة المعروفة باسم ” ٥٥” على مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، حيث اجرت القوات الامريكية قبا أيام مناورات مشتركة مع مليشيات ” مغاوير الثورة ” التابعة لها، وعززت إمكانات هذه المليشيات بالسلاح والعتاد الحربي، وربط هذه المنطقة بمناطق نفوذ قوات ” قسد ” والفصائل الكردية المسيطرة على منطقة شرق الفرات حيث تتواجد القواعد الامريكية حول حقول للنفط والغاز السوري، ثم ربط الشرق بالشمال السوري، حيث شكل الأمريكيين مجموعات مسلحة تابعة لهم في مناطق حول الرقة وصولا للشمال اطلقت عليها اسم ” جيش سورية الحرة “. ماذا يعني هذا التحرك وفق المنطق الجيوسياسي ؟ بشكل واضح الولايات المتحدة تحاول بشكل حثيث تشكيل قوس احتلالي من الجنوب نحو الشرق السوري الى الشمال الشرقي، هذا القوس سيحاصر مناطق سيطرة الدولة السورية أولا. ويقطع خط الامداد البري من ايران والعراق نحو سورية ولبنان ثانيا. وثالثا سيكون هناك نواة تشكلت بالتنسيق والتعاون والربط بين عدد من المليشيات والفصائل في مناطق مختلفة، ستكون هذه النواة جاهزة للانقضاض في أي لحظة وفي الظرف المناسب للحسم العسكري ودخول دمشق بدعم واسناد امريكي. كلا من ايران وروسيا سورية لديهم قلق من هذه التحركات الامريكية الخطرة. المقاتلات الروسية قامت ثلاث مرات خلال أسبوع واحد باعتراض طائرات أمريكية بدون طيار من طراز ” ام كيو ٩ ” اثناء تحليقها في السماء السورية. وعلى الأرض تستمر الحشود للجيش السوري والمقاتلين التابعين لمحور المقاومة على خطوط التماس مع المليشيات والمناطق التابعة للنفوذ الأمريكي شرق سورية مع استقدام تعزيزات عسكرية، ويجري التحضير لسيناريوهات صدام عسكري محتمل في أي لحظة. وكما ذكرنا انفا، فان احد اهداف الإجراءات الامريكية الأخيرة في الجغرافية السورية هو قطع خط الامداد للمقاومة في لبنان، وهذا الهدف قد يكون ذو صلة بالنوايا الإسرائيلية لشن الحرب في لبنان. من المحتمل ان تقوم الولايات المتحدة بقطع الحدود البرية بين ايران وسورية ولبنان، مع ضرب إسرائيل مطار دمشق لمنع وصول الامداد جوا، ومن ثم التهديد بالتحرك البري من الشرق السوري والشمال نحو الداخل اثناء العدوان الإسرائيلي على المقاومة، لإرباك القوات السورية، وقوات محور المقاومة، التي ستقع بين فكي كماشة، فهي لن تستطيع مساندة المقاومة في لبنان وترك مواقعها في الشرق والجنوب والشمال السوري، لانها ستكون مهددة بتمدد القوات التابعة للولايات المتحدة، وسيكون لدى إسرائيل فرصة الاستفراد بالمقاومة في لبنان دون ظهير وبظروف مربكة. هذه تظل مجرد احتمالات، لكن كونها احتمال لا ينفي ان ما يحضر إسرائيليا وامريكيا خطير وكبير وداهم. وعلى محور المقاومة ان يواجه هذا المخطط القادم بالمبادرة وعدم الانتظار والترقب، وأول خطوة يمكن ان تفرمل هذا المشروع الخطير هو المبادرة بشن الهجوم لطرد القواعد والقوات الامريكية المحتلة في سورية بدون تردد ومهما كان الثمن. لدينا ثقة كبيرة بالمقاومة اللبنانية، ولدينا ثقة انها قادرة على هزيمة الجيش الإسرائيلي مرة أخرى. ولدينا ثقة بمحور المقاومة الذي افشل كثير من المشاريع المشابهة والخطيرة. ونحن الان امام مشروع خطير وعلينا خوض معركة اجهاضه. كاتب واعلامي فلسطيني
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
جنوب لبنان
فی سوریة
حزب الله
فی لبنان
إقرأ أيضاً:
خطوة مرتبطة بـحزب الله تُقلق إسرائيل.. ما هي؟
نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تقريراً جديداً تحدثت فيه عن مرحلة ما بعد الحرب بين لبنان وإسرائيل وعمَّا إذا كانت قواعد اللعبة ستتغير حقاً بعد الصراع الأخير. ويقول سيث جيه فرانتزمان وهو كاتب التقرير الذي ترجمهُ
"لبنان24" إنه "زار
الحدود بين
إسرائيل ولبنان يوم 3 شباط الجاري"، مشيراً إلى أنهُ شعر بـ"راحة تامة على طول الحدود هناك، وكأنَّ الحرب لم تنشب خلال العام ونصف العام الماضيين، فقد اختفت نقاط التفتيش العسكرية التي كانت مُنتشرة على طول الطرق في شمال إسرائيل". وتابع: "كذلك، فقد بدا أن تطبيقات الملاحة على هاتفي باتت تعملُ بشكل جيّد على النقيض من الأيام التي لم يكن فيها نظام تحديد المواقع العالمي يعمل في معظم أنحاء شمال إسرائيل". وأردف: "هل عاد السلام إلى الشمال؟ في بعض النواحي، يبدو أن الأمور سلمية، فالمناطق التي كانت منطقة حرب منذ تشرين الأول 2023 تبدو هادئة الآن، بل إن الوضع في الشمال يبدو هادئاً للغاية. وبعد حرب عنيفة ضد حزب
الله في أيلول وتشرين الأول 2024، من المدهش أن نرى الأمر على هذا النحو". وأكمل: "قبل التصعيد ضد حزب الله ، كنا نعتقد أن آلاف الصواريخ التي يطلقها حزب الله ستسقط على إسرائيل يومياً. لقد كان الناس على يقين من أن حزب الله لا يمكن هزيمته، لكن سنوات من التخطيط والإعداد أتت بثمارها عندما اختارت إسرائيل أن تواجه الحزب وتسدد له ضربات كبيرة". وقال: "لقد استولى حزب الله على جنوب لبنان على مدى العقود الماضية وحوله إلى معسكر مسلح. لقد اختبأ حزب الله في المناطق المدنية وأقام مواقع لإطلاق الصواريخ. لقد جلب التنظيم كميات كبيرة من الصواريخ وقذائف الهاون، حتى أن بعض الصواريخ تم وضعها على منصات إطلاق صواريخ متعددة على مركبات. كذلك، فقد وضع حزب الله خططًا لمهاجمة إسرائيل وغزوها". وأردف: "لقد طُلب من الجماعة أن تلعب دوراً ثانوياً بعد حماس في هجومها في السابع من تشرين الأول، في حين حثت إيران حزب الله على فتح جبهة شمالية ضد إسرائيل. كان الهدف هو إبقاء إسرائيل مركزة على الشمال حتى يصبح من الصعب هزيمة حماس، وكانت هذه هي استراتيجية وحدة الساحات الإيرانية، أو الحرب متعددة الجبهات". وأكمل: "لقد كان حزب الله القطعة الرئيسية من العقارات الإيرانية في المنطقة. ولكن بعد تعرضها لأكثر من 7500 هجوم صاروخي، غيرت إسرائيل تكتيكاتها في أيلول 2024 وشنّت الحرب على حزب الله وتم القضاء على قادته". وتابع: "عندما دخلت القوات الإسرائيلية إلى لبنان براً بعد أسبوعين من الغارات الجوية المكثفة في أيلول، تحركت القوات الإسرائيلية ببطء إلى بعض القرى الحدودية ووسعت نطاق العملية ببطء. كان هذا يشكل فارقاً كبيراً بين عملية سلام الجليل التي شنتها إسرائيل في عام 1982 وعملية الليطاني في عام 1978. في تلك الأيام، تحركت القوات الإسرائيلية بسرعة أكبر للاستيلاء على مناطق حتى نهر الليطاني. وفي حرب 2024 ضد حزب الله، لم تتحرك القوات الإسرائيلية بنفس السرعة، بل تحركت ببطء وبشكل منهجي كما فعلت في غزة". وقال: "اليوم، لا يزال الجيش الإسرائيلي متواجداً في بعض مناطق جنوب لبنان، ولكن من المفترض أن ينسحب بحلول 18 شباط الحاري. وسط ذلك، فإنَّ حزب الله يُحاول حث المدنيين هناك على العودة إلى منازلهم وخلق التوترات مع الجيش الإسرائيلي، ومن المفترض أن ينتشر الجيش اللبناني على الحدود لكن هناك شكوكاً بإمكانية تنفيذه لمهمته الموكلة إليه". وأردف: "هذا الأمر يتركُ تساؤلات أساسية: هل الهدوء على الحدود وهم؟ هل هزمت إسرائيل حزب الله؟ هل تم ردع حزب الله؟ هل انقطعت العلاقات مع إيران بسبب سقوط نظام الأسد؟ هل يعني هذا أن حزب الله لا يستطيع إعادة تسليح نفسه والعودة لتهديد إسرائيل في نفس الحرب؟ هل أصبح حزب الله أضعف مما كان عليه في عام 2006؟". وأكمل: "هناك العديد من الأسئلة الرئيسية التي لا نعرف إجابتها. من الواضح أن الإسرائيليين سيحتاجون إلى العودة إلى منازلهم على الحدود، ولكن، هل سيرفع حزب الله أعلامه قريبًا مرة أخرى في الأماكن القريبة من الحدود؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يبدو الأمر وكأن كل شيء عاد إلى الوضع الراهن. ما هي احتمالات أن تكون الحرب في عام 2024 على حزب الله بمثابة تغيير في قواعد اللعبة؟". وختم كاتب التقرير بالقول: "إن الوقت وحده كفيل بإثبات ذلك، ولكن ما أثر فيّ الآن هو الشعور بالهدوء والشعور بأن الحدود الشمالية لإسرائيل أصبحت آمنة مرة أخرى. ولكن إذا ظهرت أعلام حزب الله مرة أخرى على الجانب الآخر من الحدود، فمن المرجح أن يتغير هذا الشعور بالأمن". المصدر: ترجمة "لبنان 24"