د. حامد أبو العز في الوقت الذي لم تخرج المبادرة الفرنسية بأي نتائج تذكر على مستوى حلحلة الملفات العالقة في لبنان، تتحدث صحف لبنانية عن افلاس قريب الوقوع لبلدية بيروت. تقلصت موجودات البلدية إلى حوالي 800 مليار ليرة لبنانية وهي بالكاد تكفي لسداد رواتب الموظفين والكلفة التشغيلية لمقرها لمدة لا تتجاوز ال18 شهراً.
لا تنحصر معضلات
لبنان على الإفلاس المحتمل لبلدية بيروت التي عرفت في السابق بأنها أثرى البلديات في لبنان، بل تتعداها إلى جميع القطاعات الأخرى كالقطاع المصرفي والقطاع السياحي ونسبة الاستثمارات الخارجية وعزوف رؤوس الأموال عن الاستثمار في لبنان بسبب فقدان الاستقرار الأمني والتشريعي في البلاد. وأما بالنسبة لمبادرات حلحلة الملفات السياسية العالقة كملف
الرئاسة وملف الحكومة، فيبدو بأنّ المعادلة السائدة هذه الأيام هي معادلة “مكانك راوح”، ويبدو بأنّ فشل المبادرات الفرنسية في إيجاد حل توافقي بين الأطراف والفرقاء اللبنانيين هو العنوان السائد للمرحلة الحالية بينما تمتنع فرنسا عن إعلان مثل هذه النتيجة تفادياً للجحيم الأكبر المتمثل بالدخول في دوامة الفوضى والانهيار الاقتصادي الكبير. قد يعود المبعوث الفرنسي إلى بيروت في منتصف شهر يوليو المقبل ومن المحتمل أن يحمل معه مبادرة حوار بنّاء بين الأطراف المتخاصمة، إلا أن تمسك الأطراف والأحزاب اللبنانية بمواقفها السابقة سيقوض هذه المبادرة قبل بدايتها، ولذلك فإن الزيارة ستكون “زيارة عبثية”، وهذا الوصف هو أقل ما يمكن أن توصف به هذه الزيارة إذا لم يتم تحقيق خروقات داخلية أو خارجية. داخلياً، أتت طرح مبادرة
الحوار الداخلي عبر الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل وقد تكررت هذه الدعوات في عملية استباقية لزيارة المبعوث الفرنسي في منتصف يوليو. وقد جاء الرد على دعوات حزب الله إلى الحوار من قبل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي رأى “أن آذان اللبنانيين قد صُمَّتْ في الآونة الأخيرة من دعوات البعض إلى الحوار ثم الحوار ثم الحوار في الوقت الذي يعي الجميع أن أصحاب هذه الدعوات المتكررة لم يكونوا يومًا أهل حوار”. من يتابع الشأن اللبناني وتطوراته اليومية يعي جيداً آليات عمل الأطراف السياسية المتناحرة ويعرف أسباب رفض الحوار أو قبوله من هذا الطرف أو ذاك. إن عملية التمسك بمرشح معين سواء من الثنائي الشيعي أو أطراف المعارضة لا يتعلق في ذاته بالملف الرئاسي، بل يتعلق بتحقيق تحالفات مستدامة وتعويض خسائر وتحقيق مكاسب وكل ذلك يأتي على المدى البعيد. الأمر الوحيد المثير للاستغراب في ملف الرئاسة اللبنانية هو موقف التيار الوطني الحر الذي لا يتحلى بأي مرونة تذكر وهو ينجر شيئا فشيئاً نحو موقف المعارضة. تنظر القوات اللبنانية إلى ملف الرئاسة اللبنانية كملف مهم لعرقلة أي تحالف محتمل ومستقبلي بين التيار الوطني الحر وحزب الله، كما تتخذ من هذا الملف منصة لتعويض الخسائر السياسية التي تكبدتها إثر ترجيح الحكومة السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان اتخاذ موقف الحياد الإيجابي مما يحدث في لبنان. إذ أن جميع التقارير الواردة من باريس تشير إلى امتناع ولي العهد السعودي عن التعليق على المبادرات الفرنسية بشأن لبنان واقتصار الحكومة والمسؤولين في السعودية على الإشارة إلى أن ملف الرئاسة هو شأن داخلي لبناني. إن رفض عمليات الحوار يؤكد على تمسك المعارضة بخيار منع وصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى كرسي الرئاسة ولذلك فإن المعارضة وعلى رأسهم القوات اللبنانية تستخدم التفاهم مع جبران باسيل لتحقيق هذه الغاية وهم على يقين تام بأن التحالفات مع التيار الوطني الحر دوما في مهب الريح إلا أنهم يستثمرون في هذا الموقف للإطاحة بخيار فرنجية عبر جبران باسيل. ختاماً، إذا ما استمر الفرقاء اللبنانيون ينظرون إلى الملفات العالقة كمنصات لتحقيق الأهداف السياسية وتفكيك التحالفات والمجيء بتحالفات أخرى، فلا دعوات الحوار الداخلي ولا المبعوث الفرنسي سيكونان قادران على انقاذ لبنان من الوقوع في فوهة البركان. زيارة لودريان المقبلة إن لم تترافق بحلحلة داخلية وتنازل الأطراف ستكون زيارة استجمام للمبعوث الفرنسي وبداية لكارثة لا يقوى هذا البلد الممزق على تحملها. باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية كاتب فلسطيني
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
فی لبنان
إقرأ أيضاً:
الصحة اللبنانية: 3 شهداء منذ بداية العدوان الإسرائيلي صباح اليوم
قالت وزارة الصحة اللبنانية، اليوم السبت، إن ضحايا اعتداءات الاحتلال على بلدات الجنوب وصل إلى 3 شهداء منذ صباح اليوم.
اقرأ أيضاً: الجيش الإسرائيلي يحذر سكان جنوب لبنان من العودة إلى منازلهم
إعلام إسرائيلي: نتنياهو يلتقي ترامب في النصف الأول من فبراير المقبل
شهيد و17 إصابة في إطلاق جيش الاحتلال النار جنوبي لبنان
وأكدت وسائل إعلام لبنانية إلى وقوع إصابات في أوساط الشعب اللبناني في بلدة بني حيان جنوب البلاد إثر تعرضه للإصابة بقنابل ألقتها مُسيرة إسرائيلية.
وفي هذا السياق، قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، :"حريصون على حماية سيادتنا وأمننا وتأمين عودة سكان الجنوب إلى منازلهم".
وأضاف :" سيادة لبنان ووحدة أراضيه غير قابلة للمساومة، أدعوكم إلى ضبط النفس والثقة بالقوات المسلحة".
الصراع بين لبنان وإسرائيل هو واحد من أكثر النزاعات تعقيدًا وديمومة في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعكس تراكمًا طويلًا من القضايا السياسية، الأمنية، والجغرافية. بدأ هذا الصراع بشكل بارز منذ إنشاء دولة إسرائيل عام 1948، عندما تدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، ما أضاف تحديات سكانية واقتصادية إلى هذا البلد الصغير. تطورت الأحداث مع مرور الزمن، خاصة بعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت تتمركز في بيروت آنذاك.
شهدت العلاقات بين الجانبين تصاعدًا خطيرًا مع ظهور حزب الله في الثمانينيات، الذي يعتبر لاعبًا رئيسيًا في هذا الصراع. تم تأسيس الحزب بمساعدة إيران كقوة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، والذي استمر حتى عام 2000. رغم انسحاب إسرائيل من معظم الأراضي اللبنانية، فإن النزاع لم ينتهِ، حيث لا تزال مناطق مثل مزارع شبعا مثار جدل بين الطرفين.
في عام 2006، اندلعت حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله بعد أسر الحزب جنديين إسرائيليين، ما أدى إلى دمار كبير في البنية التحتية اللبنانية وسقوط آلاف القتلى والجرحى. ومنذ ذلك الحين، استمر التوتر على الحدود الجنوبية، وسط مواجهات متفرقة وحروب كلامية.
يُعقِّد هذا الصراع تدخل قوى إقليمية ودولية، حيث يلعب كل من إيران وسوريا دورًا في دعم حزب الله، بينما تحظى إسرائيل بدعم قوي من الولايات المتحدة. يعتبر هذا النزاع جزءًا من شبكة أوسع من الصراعات في المنطقة، مع تأثيرات تمتد إلى السياسة اللبنانية الداخلية والتوازنات الإقليمية.