جرائم الاستيلاء غير المشروع على عقارات الغير... قصة محمد من مراكش
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
أخبارنا المغربية - محمد اسليم
نبّه المهدي البوعزيزي، في أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه التي ناقشها بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بجامعة محمد الخامس بالرباط والتي حصلت على ميزة “مشرف جدا” إلى أن “أفعال الاستيلاء غير المشروع على عقارات الغير، سواء المتعلقة بالمغاربة المقيمين بأرض الوطن والمقيمين خارجه أو المتعلقة بالأجانب (…) قد ساهمت في الحد من تكريس الأمن العقاري المنشود”، بل و”أساءت إلى نظام الملكية العقارية بالمغرب”؛ مما ترتب عنه “أضرار اقتصادية واجتماعية”، وخلص البحث المذكور إلى أن “استفحال الاستيلاء على عقارات الغير” ليس وليد اليوم، بل هو “نتاج مخلفات تدبير السياسات العمومية في قطاع العقار منذ فترة الحماية” الا أنه “استفحل أكثر في العقود الأخيرة، حيث عرف الاستيلاء والتعدي على الملكية العقارية صورا وتجليات عديدة”.
وضع بات في السنوات الأخيرة أكثر تعقيدا مع ظهور عصابات أو مافيات تضم بين افرادها متخصصون في مهن التوثيق أو المهن القضائية، وتعمل على استهداف عقارات تعود ملكيتها لمغاربة العالم، مستغلة غيابهم وبعدهم عن أرض الوطن، ليتم الاستيلاء على عقارات احيانا بالملايير يتم إعادة بيعها لأفراد أو شركات عقارية.. ليجد الضحايا أنفسهم في مواجهة وضعيات مستعصية ذهبت ضحيتها عائدات سنوات طويلة من العمل والغربة، ومن ضمن هاته الحالات حالة "محمد" المهاجر المغربي بالديار الفرنسية والذي يورد في شكايته التي تتوفر أخبارنا على نسخة منها انه أنه بعقد عرقي مصادق على توقيع طرفيه بتاريخ 1995/04/20 اشترى المعني بحي معطى الله بقعة صالحة للبناء مساحتها 144 مترا مربعا، وأنه بحكم تواجده بالديار الفرنسية بصفة مستمرة لم كان يتردد كثيرا على المغرب، الأمر الذي لم يستطع معه مراقبة البقعة التي اشتراها بصفة مستمرة، قبل أن يفاجأ في 2017، وخلال زيارته لمراكش في فصل الصيف ببناء عمارة فوقها مكونة من طابق أرضى وطابق أول وطابق ثاني مقسمة إلى سنة شقق...
وبعد اطلاع الضحية على الرسم العقاري بالمحافظة تبين له أن البقعة التي اشتراها كانت موضوع بيع توثيقي في 2016، تحت إشراف احد الموثقين بمراكش، مؤكدا في شكايته ان عملية الاستيلاء على البقعة تمت من طرف مجموعة من الأشخاص مستغلين
عدم تواجده بالمغرب، وباستعمال عقد مزور من حيث جميع البيانات المضمنة به، على اعتبار أن العارض لم يعمد إلى أي تفويت يهم العقار المشار إليه لأي كان، ولم يسبق له ان وقع على العقد التوثيقي المنجز من طرفه الموثق المعني، ولا ان كانت له علاقة كيفما كانت بالشركة المشترية أو بممثلها القانوني.
معطيات أخرى تضمنتها الشكاية وتؤكد زورية العقد التوثيقي المطعون فيه، فتاريخ تحريره كان العارض متواجدا بالديار الفرنسية كما يتضح من خلال جواز سفره، إضافة إلى أن العقد التوثيقي يتضمن اسم والدة خطأ للعارض، إلى جانب تاريخ صلاحية مغاير تماما لتاريخ صلاحية بطاقة تعريفه الوطنية، وهي معطيات يعتبرها المشتكي مؤكدة لزورية العقد، وبانه ضحية لعملية استيلاء على عقاره من طرف جهات معينة، بإستعمال عقد توثيقي مزور، وهي الأفعال الجرمية المنصوص عليها وعلى عقوبتها بالفصول 352 و 353 و354 من القانون الجنائي والتي يمكن أن تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد.
محمد والذي بلغ من العمر عتيا، لا زال بعد مرور سنوات يمني النفس باسترجاع بقعته مؤكدا ان المغرب بلد الحق والقانون... فهل سيتم تسريع المساطر وارجاع حق محمد اليه خصوصا وانه يؤكد انه يتوفر على كل الوثائق والأدلة المثبتة لأحقيته ولزورية عقد التفويت؟ وهل سيتم محاصرة والحد من الأفعال الجرمية المرتبطة بالاستيلاء غير المشروع على عقارات الغير، سواء المتعلقة بالمغاربة المقيمين بأرض الوطن والمقيمين خارجه أو المتعلقة بالأجانب والتي باتت أمرا مقلقا للمواطنين والمؤسسات على حد سواء؟
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
الاستيلاء على الدولة العميقة ...!
كاد الجنرال هرتسي هاليفي يصبح أهم رئيس أركان بعد أيهود باراك لولا العملية الكبيرة التي قامت بها حركة حماس باقتحام الحدود مع قطاع غزة، ما جعله يتحمل المسؤولية الأكبر عما حدث، وخاصة أن بعض التحقيقات تشير لتلقيه إشارات ليلة السابع من أكتوبر عن تحركات مريبة للحركة، لكنه فضل النوم والانتظار حتى الصباح لتحليلها، لكن حدث ما حدث.
هاليفي خريج وحدة هيئة الأركان الخاصة "سييرت متكال" تصرف، كما يشير بعض الصحافيين، وفقاً لتجربته في الوحدة التي تعتمد المباغتة بعد أن تكتمل المعلومات بدقة وبصورة شمولية لأن التحرك قبل يعني كشف العملية. وربما تلك حقيقة جعلته يقود حرب الإبادة على غزة برأس مطأطَأ كان يظهر في كل الصور التي تنقلها وسائل الإعلام.
كانت استقالة هاليفي متوقعة بعد حملة التنكيل المنظمة التي أدارها اليمين على امتداد الحرب، والتي بدأت منذ نهاية أكتوبر الشهر الذي بدأت فيه الحرب، عندما أفاق الإسرائيليون على تغريدة لبنيامين نتنياهو يحمّل فيها مسؤولية الإخفاق لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، ويخلي مسؤوليته عما حدث قبل أن يواجه بعاصفة انتقادات هائلة ليقوم بحذفها والاعتذار، ولكنها كانت مؤشراً لهجوم اليمين على تلك الأجهزة التي وصلت لأن يسمح بنيامين نتنياهو لإيتمار بن غفير رئيس حزب العظَمة اليهودية بالصراخ على هاليفي في الاجتماعات، ولكنها وصلت في أسابيعها الأخيرة حد المطالبة علناً بإقالته، بل وبدأت أوساط في الليكود بأكل لحمه حياً وهي ترشح بدائل فيما هو مازال على رأس عمله.
استقالة هاليفي هي التاسعة هذا العام في الطبقة العسكرية الإسرائيلية والتي تبعتها في اليوم نفسه الاستقالة العاشرة لقائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان. لكن مسلسل الانهيار في تلك الطبقة بدأ بعد أربعة أشهر من الحرب وافتتحه مسؤول قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية عميت ساعر في شباط الماضي، تبعته بشهرين الاستقالة الأكبر للواء أهارون حليفا رئيس الاستخبارات العسكرية "أمان" وهي الجهة التي أوكلت لها بعد توصيات حرب الـ 73 من لجنة أغرانات مسؤولية توقُّع الحرب بعد فشل الموساد آنذاك، ثم بعده بشهرين في حزيران الماضي استقال قائد فرقة غزة آفي روزنفيلد، ثم قائد الشاباك للمنطقة الجنوبية، ثم ضابط شعبة الاستخبارات في فرقة غزة، وبعده قائد وحدة 8400 في الاستخبارات، ثم قائد القوات البرية تامير باداي، لتصل لنائب رئيس الأركان أمير برعام قبل النهاية المتوقعة لهاليفي.
لن تتوقف تداعيات الزلزال في الطبقة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، إذ يجري الحديث عن اقتراب استقالة رئيس الأمن الداخلي الشاباك رونين بار، ما يعني أن ارتدادات الهزة الكبيرة لم تتوقف بعد. ماذا يعني ذلك وسط معركة قديمة جديدة في اسرائيل، وصراع امتد لأشهر على الثورة القضائية وقف فيها الجيش ممثلاً للدولة العميقة بكل قوته ضد الطبقة السياسية، وتمكّن من فرملتها حين أرغم الجيش الوزير السابق يوآف غالانت على التصويت ضد التغيرات القضائية في جولة التصويت الثانية، بعد أن كان صوّت مع الائتلاف في الجولة الأولى.
ومنذ تلك الفترة لم تخف أوساط في الليكود والحكومة الإسرائيلية غضبها من هيمنة الجيش على السياسة ورغبتها في إخضاع مؤسسة الأمن القومي التي كانت تشكل بنظرهم دولة داخل الدولة، بل ودولة تملي قرارها على السياسة، ما يعني النية لإحداث تحول في موازين القوى بما يخالف ما قام بهندسته المؤسس دافيد بن غوريون الذي "وضع قرار الدولة في يد مؤسسات الأمن وليس بيد هواة السياسة المتشاكسين" كما وصفهم حينها.
جاء السابع من أكتوبر ليتلقفه نتنياهو كفرصة للانقضاض على "بنغوريونية" قديمة لصالح نظرته الجديدة بإعادة هندسة الدولة والقضاء على بؤر المعارضة، وخصوصاً قاعدتها الصلبة الممثلة بقيادة الجيش وهيئة أركانه، ورئيسها المعرف قانونياً بالقائد العام للقوات المسلحة وصاحب قرار الحرب والسلم.
"هاليفي هو من قرر الدخول البري لغزة حين كان نتنياهو خائفاً من ذلك"، وهذا ما رد عليه مكتب نتنياهو هذا الأسبوع بأن رئيس الوزراء كان لديه من الشجاعة لاجتياح رفح وسط معارضة الجيش.
تخلص نتنياهو من الطبقة الأمنية والعسكرية أو على وشك، وبدأت بورصة أسماء لخلافة هاليفي، وأعلن وزير الدفاع اسرائيل كاتس عن سرعة إجراء مقابلات مع المرشحين، ما أثار غضب نتنياهو الذي يعتبرها فرصة للاستيلاء على الجيش من خلال تعيين شخصية موالية، وخشية من أن يقوم وزير الدفاع بالتشاور مع المهنيين وتعيين شخصية مهنية بغير رغبة نتياهو وخطته، وخصوصاً أن الأمر يتعلق بمستقبل نتنياهو السياسي وحكومته، إذ يهدد قانون تجنيد المتدينين للجيش بأن يعصف بحكومته. وقد كان لهاليفي موقف يدعو لتجنيدهم، ما يشكل خطراً على نتنياهو، لذا سيكون حذراً في التعيين الجديد.
يبرز اسم الجنرال إيال زامير كمرشح قوي للمهمة، وهو يحظى بثقة نتنياهو والقيادات العسكرية وهيئة الأركان، ما يجعله الوريث الطبيعي والأكثر تأهيلاً، وإن كان بنظر الليكود والصهيونية الدينية جزءاً من الإرث السابق وابن مؤسسة الجيش والدولة العميقة، ولا يحقق أمنية نتنياهو بالسيطرة تماماً على المؤسسة. لذا هناك من يتوقع أن يفاجئ نتنياهو الجميع باختيار سكرتيره الأمني قليل التجربة وصغير السن رومان جوفمان، وإلا لما غضب من وزير الدفاع لأنه بكل الظروف كان يمكن أن ترسو المسألة على زامير، فما سر غضب نتنياهو؟
بكل الظروف يبدو أن مرحلة الجيش العلماني على وشك الأفول لصالح الجيش الأكثر أيديولوجية والأقل مهنية، ولن يعود عموداً فقرياً للدولة كما أراد المؤسس بل مؤسسة تابعة، وهذا سيترك تداعياته السياسية على الفلسطينيين، حيث كان للجيش دوماً رأي أقل يمينية.
الأيام الفلسطينية