بعد ثمانية أشهر، رتعا فيا حول حمى الحرب، سقط زعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، في شراك الحرب المدمرة.

الخرطوم _  التغيير

بينما كانت مجالس المدينة تضج بتصريحات عن اقتراب حركات بارزة موقعة على اتفاق جوبا للسلام (أكتوبر 2020) من مبارحة خانة الحياد، والانحياز إلى قوات الدعم السريع في المواجهة العسكرية الجارية منذ (أبريل) الماضي؛ خرج جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي ليؤكدا الجزئية الأولى الخاصة بالانخراط في معسكر الحرب، ويخالفا الثانية بإعلانهما الوقوف في خندق الجيش مقابل الدعم السريع.

وأسس جبريل ومناوي اللذان آثرا في وقت سابق مناصرة انقلاب قائد الجيش على الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين، أسسا مناصرتهما للجيش، بهدف وضع حد للانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في دارفور، ولقطع الطريق أمام السيناريو الهادف إلى تفتيت وتمزيق السودان.

وخلال فترة الحرب، لُطخت صحيفة الدعم السريع بكثير من الفظائع التي أثارت حفيظة منظمات أممية رفيعة، كما نال الجيش كفله من الاتهامات وإن كان ذلك بشكل أقل حدة.

وأدت الحرب الجارية في السودان، إلى مقتل ما يزيد عن 9 آلاف، وتشريد 7.5 مليون شخصاً عن منازلهم، بينما يمنح تدمير جسرين رئيسين في الخرطوم مؤخراً ملمحاً صغيراً لحالة الخراب التي طالت البنية التحتية.

لكن المخيف في استمرار الحرب، هو ارتفاع الأصوات المطالبة بانفصال إقليم دارفور، تارة يكون أصحاب الصوت هم أهل الإقليم الشاكين من ظلامات الحكم المركز أو كما يقول الدعم السريع (دولة 56)، بينما ينبعث الصوت تارة أخرى من بقية أهالي الأقاليم القائل بعضهم إن ذهاب دارفور مساوي لعودة الاستقرار وانتهاء عهد الجيوش والمليشيات وجنرالات الحرب.

خيار الحرب

دفع موقف جبريل ومناوي بكثير من التساؤلات المتعلقة عن سر التوقيت وخافي الأسباب أو بعبارة أخرى ما لم يقولاه للناس والإعلام.

ويرى المحلل السياسي مبارك السر لـ(التغيير)، إن موقف الرجلين متأسس على شخصيتهما البراغماتية النزاعة إلى حب السلطة.

وقال لـ(التغيير) إن مناوي وجبريل طوال تاريخهما استهدفا السلطة والثروة، حتى إبان حروبهما ضد المخلوع البشير لم يمانعا الالتحاق بنظامه في حال وجدا الوضع الملائم، أسوة بما فعله مناوي الحاصل على منصب مساعد البشير في القصر الرئاسي لعدة سنوات.

وإذ أن الرجلين ساندا انقلاب البرهان، وتزعما الفصيل المناهض للاتفاق الإطاري الذي يعيد العسكر إلى ثكناتهم؛ فإن السر يقول إن مناوي وجبريل باتا يخشيان من أن يتحول سخط قائد الانقلاب، الجنرال عبد الفتاح البرهان من موقفهما المحايد في حرب ضد سلطته التي يشغلان فيها مناصب رفيعة (حاكم دارفور ووزير المالية)؛ قد يتحول إلى فعل عملي يطيح بهما من المنصب.

بالتالي يذهب السر إلى أن دخول العدل والمساواة وتحرير السودان إلى معترك الحرب، مرده تعرضهما لضغوطات شديدة من العسكر، ملخوطاً بطمعهما في وضع قدم في السلطة المقبلة.

لكن هذا التفسير يختلف معه الباحث السياسي، إدريس سعد الدين، إذ يرى أن دخول الرجلين للحرب، نابع من خشيتهما من الإزاحة من كامل المشهد لصالح قوات الدعم السريع.

يقول سعد الدين لـ(التغيير) إن الدعم السريع يتحول بشكل تدريجي ليكون القوة الأبرز في المشهد الدارفوري بعد سيطرة قواته على معظم الإقليم، بما في ذلك مناطق نفوذ مناوي وجبريل، وسيمثل سقوط الفاشر المحاصرة، سقوط أخر المعاقل الرئيسة للحركتين.

ويضيف: تحركات الدعم السريع، وسيطرته على الوضع الميداني والممرات الإنسانية، يجعل من اتفاق جوبا للسلام غير فعال على الأرض، ما يعني تقليل فرص موقعيه في أي معادلات سلطوية مقبلة.

قيمة الإعلان

عن قيمة إعلان مناوي وجبريل في سوق الحرب الرائجة، يقول مبارك السر، إنه موقف يسعر القتال ويزيد من تطاول الأزمة ليس إلا.

ويؤكد بأن الجيش الذي أبدى قادته مرونة في آخر جولات التفاوض في جدة السعودية، قد يتعرضوا إلى ضغوط مع الإسلاميين والصقور بدعوى حدوث تغيير يرجح خيار الحسم العسكري على بقية الحلول.

أما إدريس سعد الدين، فيعتقد أن الأمور ذاهبة إلى الانحدار المخيف، فمع قرب استيلاء الدعم السريع على دارفور، لم يخفْ أسفه مما وصفه دنو سيناريو حقبة الجنجويد، والحروب الأهلية الشاملة بين العرب الذين يحمل لوائهم آل دقلو، والأفارقة بزعامة الحركات المسلحة.

وتابع: على عكس ما يقوله مناوي وجبريل، ستنزلق الأوضاع إلى حرب أهلية تزيد من معدل الانتهاكات، وترقى بفرص تفتيت السودان إلى مراحل مخيفة.

الموقف العسكري

ما الذي تملكه حركتا جبريل ومناوي من مقومات عسكرية تؤهلهما للانخراط في الحرب.

تتكئ الحركتان بشكل رئيس على قواتهما المشاركة في القوة المشتركة لحماية المدنيين في دارفور بمعية حركات أخرى، إلى جانب أشتات قوة لمناوي ما تزال رابضة في ليبيا، علاوة على ما جرى من عمليات ترميم داخلهما بعد اتفاق السلام إثر عمليات التجنيد الكثيفة عوضاً عن التسريح وإعادة الدمج.

ويعتقد إدريس سعد الدين، يعتقد أن الرجلين لم يوفقا في قرارهما الأخير، بإغفالهما لنقاط جوهرية، أبرزها استمرار حركات ذات ثقل عسكري موقعة على اتفاق جوبا في موقف الحياد، زد على ذلك معاناة هذه الحركات من انشقاقات وتصدعات داخلية مقلقة، وليس نهاية بحالة الضعف التي تعتري قواتها من جراء القتال لفترات طويلة دون فسحة للتوقف.

وختم بضرورة إجالة النظر في مواقف جوار الإقليم، حيث فقدت هذه الحركات لظهيرها الخارجي، على قوات الدعم السريع التي باتت أكثر قرباً من بلاط السلطة التشادية، ومن فصيل الجنرال خليفة حفتر في ليبيا.

ويلزمنا قبل مغادرة تلك الخانة، الإشارة إلى أن مناوي وجبريل يعولان بلا أدنى شك في موقفهما الأخير، على نصرة المكونات الأهلية التي تعرضت لحملات استهداف من قبل عناصر الدعم السريع، وهو خيار وإن عنى كثرة الحشد والأنصار، فإنه يستتبع بالضرورة إمكانية حدوث الحرب الأهلية الشاملة، أو حرب الكل ضد الكل.

المصير

بعدما وضعا كل بيضهما في سلة الجيش، فما هو مصير مناوي وجبريل؟

على ذات السؤال، ستتأسس الإجابة بأن مصيرهما رهين بنتائج المعركة الجارية، فإن انتصر الجيش فهو الربح والسلطة، وإن خسر فسيكون ذلك بمثابة نسف لأحلامهما بصورة غير قابلة للاستدعاء مجدداً، وإن انتهى كل شي على طاولات التفاوض، فلن ينسى السودانيون مواقف الرجلين التي لطالما وقفت حائط صد لأحلامهم في الحرية والديموقراطية.

الوسومالبرهان مسار دارفور مناوي وجبريل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البرهان مسار دارفور مناوي وجبريل

إقرأ أيضاً:

السودان.. «البرهان» يرد على خطاب «بايدن» بشأن الوضع في البلاد

أشار رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، إلى أنه “اطلع على بيان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بشأن الوضع في السودان، والذي دعا فيه المجلس وحركة الدعم السريع إلى الجلوس على طاولة المفاوضات”.

وأكد البرهان، “أن حكومة الخرطوم منفتحة على جميع الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء الحرب”.

وقال البرهان في بيان: “بالنيابة عن الحكومة السودانية والشعب السوداني، أرحب بتعبير الرئيس “بايدن” عن قلقه وأقدر دعم الولايات المتحدة للجهود الإنسانية داخل السودان وفي الدول المجاورة، ونحن نشاركه القلق البالغ إزاء التكلفة البشرية للصراع الدائر، الذي جلب آلامًا ومصاعب لا حصر لها لشعب السودان”.

وأضاف: “تظل الحكومة السودانية مصممة وملتزمة تمامًا بإنهاء معاناة مواطنينا، ونحن عازمون على بذل جهودنا الرامية إلى إنهاء الصراع الحالي بشكل سريع وحاسم، وضمان استعادة السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد. هدفنا ليس مجرد إنهاء العنف، بل القيام بذلك بطريقة تضع الأساس لسلام مستدام، يعالج الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار ويعزز الوحدة والمصالحة بين جميع السودانيين على المدى الطويل”.

وأضاف: “ما ذكره الرئيس “بايدن” بشأن الهجمات المنهجية والواسعة النطاق التي تشنها ميليشيا قوات الدعم السريع على الفاشر لا يعكس سوى جزء بسيط من الفظائع التي ارتكبتها هذه الميليشيا الإجرامية في أجزاء أخرى من السودان، القوات المسلحة السودانية ثابتة في التزامها بمبادئ القانون الإنساني الدولي وأعراف الحرب، بما في ذلك حماية المدنيين، إن أعمالنا متجذرة بعمق في القيم الثقافية والأخلاقية للسودان، التي تؤكد على حماية أرواح المدنيين والحفاظ على تراث أمتنا الغني. وفي تناقض صارخ، تظهر تصرفات ميليشيا قوات الدعم السريع استهتارًا تامًا بحياة الإنسان والبنية التحتية المدنية والتراث الثقافي القديم للسودان، الذي يعود إلى الحضارتين الكوشية والمروية. يجب على المجتمع الدولي ألا يدين هذه الجرائم فحسب، بل يجب عليه أيضًا محاسبة الدول التي تواصل دعم وتمكين هذه الميليشيات”.

وبحسب وسائل إعلام سودانية، قال البرهان في البيان: “تظل الحكومة السودانية منفتحة على كافة الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء هذه الحرب المدمرة، نحن على استعداد للعمل مع جميع الشركاء الدوليين سعياً للتوصل إلى حل سلمي يخفف من معاناة شعبنا ويضع السودان على الطريق نحو الأمن والاستقرار وسيادة القانون والتداول الديمقراطي للسلطة، وإنني أتطلع إلى تعميق هذه المناقشات مع المسؤولين الأمريكيين خلال مشاركتي المقبلة في الجزء الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل”.

وأمس، قال الرئيس الأمريكي في بيان: “أدعو المتحاربين المسؤولين عن معاناة السودانيين – القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع- إلى سحب قواتهم، وتسهيل الوصول الإنساني دون عوائق، وإعادة الانخراط في المفاوضات لإنهاء هذه الحرب”.

هذا وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل2023، ما أسفر عن مقتل نحو 13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

مقالات مشابهة

  • السودان.. «البرهان» يرد على خطاب «بايدن» بشأن الوضع في البلاد
  • تعذيب الأطفال واسترقاق النساء: جرائم تلاحق قادة الدعم السريع
  • البرهان يرحب ببيان بايدن ويدعو لمحاسبة مساندي الدعم السريع
  • الهروب نحو الابواب المفتوحة
  • الرئيس الأمريكي يدعو الجيش و الدعم السريع للعودة للتفاوض و يهدد بالمحاسبة
  • الدعم السريع تتهم مناوي بسرقة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى دارفور
  • «الدعم السريع» تتهم مناوي بسرقة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى دارفور
  • الأراجوزان جبريل ومناوي
  • تقرير تقصي الحقائق عن جرائم الحرب في السودان
  • البرهان يوافق على مبادرة من سلفاكير بشأن الحرب مع الدعم السريع