بعد ثمانية أشهر، رتعا فيا حول حمى الحرب، سقط زعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، في شراك الحرب المدمرة.

الخرطوم _  التغيير

بينما كانت مجالس المدينة تضج بتصريحات عن اقتراب حركات بارزة موقعة على اتفاق جوبا للسلام (أكتوبر 2020) من مبارحة خانة الحياد، والانحياز إلى قوات الدعم السريع في المواجهة العسكرية الجارية منذ (أبريل) الماضي؛ خرج جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي ليؤكدا الجزئية الأولى الخاصة بالانخراط في معسكر الحرب، ويخالفا الثانية بإعلانهما الوقوف في خندق الجيش مقابل الدعم السريع.

وأسس جبريل ومناوي اللذان آثرا في وقت سابق مناصرة انقلاب قائد الجيش على الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين، أسسا مناصرتهما للجيش، بهدف وضع حد للانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في دارفور، ولقطع الطريق أمام السيناريو الهادف إلى تفتيت وتمزيق السودان.

وخلال فترة الحرب، لُطخت صحيفة الدعم السريع بكثير من الفظائع التي أثارت حفيظة منظمات أممية رفيعة، كما نال الجيش كفله من الاتهامات وإن كان ذلك بشكل أقل حدة.

وأدت الحرب الجارية في السودان، إلى مقتل ما يزيد عن 9 آلاف، وتشريد 7.5 مليون شخصاً عن منازلهم، بينما يمنح تدمير جسرين رئيسين في الخرطوم مؤخراً ملمحاً صغيراً لحالة الخراب التي طالت البنية التحتية.

لكن المخيف في استمرار الحرب، هو ارتفاع الأصوات المطالبة بانفصال إقليم دارفور، تارة يكون أصحاب الصوت هم أهل الإقليم الشاكين من ظلامات الحكم المركز أو كما يقول الدعم السريع (دولة 56)، بينما ينبعث الصوت تارة أخرى من بقية أهالي الأقاليم القائل بعضهم إن ذهاب دارفور مساوي لعودة الاستقرار وانتهاء عهد الجيوش والمليشيات وجنرالات الحرب.

خيار الحرب

دفع موقف جبريل ومناوي بكثير من التساؤلات المتعلقة عن سر التوقيت وخافي الأسباب أو بعبارة أخرى ما لم يقولاه للناس والإعلام.

ويرى المحلل السياسي مبارك السر لـ(التغيير)، إن موقف الرجلين متأسس على شخصيتهما البراغماتية النزاعة إلى حب السلطة.

وقال لـ(التغيير) إن مناوي وجبريل طوال تاريخهما استهدفا السلطة والثروة، حتى إبان حروبهما ضد المخلوع البشير لم يمانعا الالتحاق بنظامه في حال وجدا الوضع الملائم، أسوة بما فعله مناوي الحاصل على منصب مساعد البشير في القصر الرئاسي لعدة سنوات.

وإذ أن الرجلين ساندا انقلاب البرهان، وتزعما الفصيل المناهض للاتفاق الإطاري الذي يعيد العسكر إلى ثكناتهم؛ فإن السر يقول إن مناوي وجبريل باتا يخشيان من أن يتحول سخط قائد الانقلاب، الجنرال عبد الفتاح البرهان من موقفهما المحايد في حرب ضد سلطته التي يشغلان فيها مناصب رفيعة (حاكم دارفور ووزير المالية)؛ قد يتحول إلى فعل عملي يطيح بهما من المنصب.

بالتالي يذهب السر إلى أن دخول العدل والمساواة وتحرير السودان إلى معترك الحرب، مرده تعرضهما لضغوطات شديدة من العسكر، ملخوطاً بطمعهما في وضع قدم في السلطة المقبلة.

لكن هذا التفسير يختلف معه الباحث السياسي، إدريس سعد الدين، إذ يرى أن دخول الرجلين للحرب، نابع من خشيتهما من الإزاحة من كامل المشهد لصالح قوات الدعم السريع.

يقول سعد الدين لـ(التغيير) إن الدعم السريع يتحول بشكل تدريجي ليكون القوة الأبرز في المشهد الدارفوري بعد سيطرة قواته على معظم الإقليم، بما في ذلك مناطق نفوذ مناوي وجبريل، وسيمثل سقوط الفاشر المحاصرة، سقوط أخر المعاقل الرئيسة للحركتين.

ويضيف: تحركات الدعم السريع، وسيطرته على الوضع الميداني والممرات الإنسانية، يجعل من اتفاق جوبا للسلام غير فعال على الأرض، ما يعني تقليل فرص موقعيه في أي معادلات سلطوية مقبلة.

قيمة الإعلان

عن قيمة إعلان مناوي وجبريل في سوق الحرب الرائجة، يقول مبارك السر، إنه موقف يسعر القتال ويزيد من تطاول الأزمة ليس إلا.

ويؤكد بأن الجيش الذي أبدى قادته مرونة في آخر جولات التفاوض في جدة السعودية، قد يتعرضوا إلى ضغوط مع الإسلاميين والصقور بدعوى حدوث تغيير يرجح خيار الحسم العسكري على بقية الحلول.

أما إدريس سعد الدين، فيعتقد أن الأمور ذاهبة إلى الانحدار المخيف، فمع قرب استيلاء الدعم السريع على دارفور، لم يخفْ أسفه مما وصفه دنو سيناريو حقبة الجنجويد، والحروب الأهلية الشاملة بين العرب الذين يحمل لوائهم آل دقلو، والأفارقة بزعامة الحركات المسلحة.

وتابع: على عكس ما يقوله مناوي وجبريل، ستنزلق الأوضاع إلى حرب أهلية تزيد من معدل الانتهاكات، وترقى بفرص تفتيت السودان إلى مراحل مخيفة.

الموقف العسكري

ما الذي تملكه حركتا جبريل ومناوي من مقومات عسكرية تؤهلهما للانخراط في الحرب.

تتكئ الحركتان بشكل رئيس على قواتهما المشاركة في القوة المشتركة لحماية المدنيين في دارفور بمعية حركات أخرى، إلى جانب أشتات قوة لمناوي ما تزال رابضة في ليبيا، علاوة على ما جرى من عمليات ترميم داخلهما بعد اتفاق السلام إثر عمليات التجنيد الكثيفة عوضاً عن التسريح وإعادة الدمج.

ويعتقد إدريس سعد الدين، يعتقد أن الرجلين لم يوفقا في قرارهما الأخير، بإغفالهما لنقاط جوهرية، أبرزها استمرار حركات ذات ثقل عسكري موقعة على اتفاق جوبا في موقف الحياد، زد على ذلك معاناة هذه الحركات من انشقاقات وتصدعات داخلية مقلقة، وليس نهاية بحالة الضعف التي تعتري قواتها من جراء القتال لفترات طويلة دون فسحة للتوقف.

وختم بضرورة إجالة النظر في مواقف جوار الإقليم، حيث فقدت هذه الحركات لظهيرها الخارجي، على قوات الدعم السريع التي باتت أكثر قرباً من بلاط السلطة التشادية، ومن فصيل الجنرال خليفة حفتر في ليبيا.

ويلزمنا قبل مغادرة تلك الخانة، الإشارة إلى أن مناوي وجبريل يعولان بلا أدنى شك في موقفهما الأخير، على نصرة المكونات الأهلية التي تعرضت لحملات استهداف من قبل عناصر الدعم السريع، وهو خيار وإن عنى كثرة الحشد والأنصار، فإنه يستتبع بالضرورة إمكانية حدوث الحرب الأهلية الشاملة، أو حرب الكل ضد الكل.

المصير

بعدما وضعا كل بيضهما في سلة الجيش، فما هو مصير مناوي وجبريل؟

على ذات السؤال، ستتأسس الإجابة بأن مصيرهما رهين بنتائج المعركة الجارية، فإن انتصر الجيش فهو الربح والسلطة، وإن خسر فسيكون ذلك بمثابة نسف لأحلامهما بصورة غير قابلة للاستدعاء مجدداً، وإن انتهى كل شي على طاولات التفاوض، فلن ينسى السودانيون مواقف الرجلين التي لطالما وقفت حائط صد لأحلامهم في الحرية والديموقراطية.

الوسومالبرهان مسار دارفور مناوي وجبريل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البرهان مسار دارفور مناوي وجبريل

إقرأ أيضاً:

هل اقترب الجيش السوادني من السيطرة على الخرطوم وهزيمة الدعم السريع؟

عاد السودان إلى واجهة الأحداث مع استعادة الجيش السيطرة على مدينة ود مدني ثاني أكبر مدن البلاد، وعاصمة ولاية الجزيرة مركز النشاط الزراعي السوداني، وعقدة الطرق بين شمال البلاد وجنوبها، وشرقها وغربها. وقد عززت استعادة السيطرة على المدينة اندفاع قوات الجيش رفقة القوات الرديفة، نحو الخرطوم وبحري اللتين تشكلان مع أم درمان العاصمة السودانية.

السقوط المزلزل

لم يكن سقوط ود مدني في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 حدثا عاديا في مسيرة الصراع الذي بدأ منتصف أبريل/نيسان 2023، بل كان أشبه بزلزال هزّ كيان السودان جيشا وشعبا، بعد أن انتشر القلق من أن قوات الدعم السريع غير قابلة للهزيمة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف يحاول جنرالات الحرب تهميش الإنسان ومحاربة الزمن؟list 2 of 2إرادة التعليم تتحدى الحرب في امتحانات الثانوية العامة بالسودانend of list

فالمدينة سقطت من قبل دون قتال عنيف، بشكل تضمن انسحاب قادة الفرقة العسكرية الأولى المكلفة بالدفاع عن المدينة؛ مما دفع القوات المسلحة إلى فتح تحقيق بشأن ما جرى وإحالة سبعة ضباط من بينهم قائد الفرقة للمحاكمة العسكرية. وقد تداعت جموع المواطنين لتشكيل كتائب مقاومة شعبية، والتسلح بما تيسر من عتاد للدفاع عن مناطقهم في ظل التخوف من تكرار ما حدث في ود مدني وعدم قدرة الجيش على الدفاع عنهم.

ولفهم الأثر النفسي لسقوط ود مدني بيد الدعم السريع بعد ستة أشهر من اندلاع القتال في الخرطوم وغيرها من مناطق السودان، لا بد من استحضار المقولات التي ترددت في الساعات الأولى من اندلاع الحرب.

إعلان

فقد قيل "لن تهزم مليشيا جيشا"، و"الجيش السوداني سيقضي بواسطة استخدام الأسلحة الثقيلة من دبابات وطيران على تمرد الدعم السريع خلال  أيام معدودة"، لكن تبين أن الحرب سجال، وأن قوات الدعم السريع استعدت مسبقا للحرب بشكل جيد، وأنها استفادت من انتشار وحشد قواتها في العاصمة بمكوناتها الثلاثة الخرطوم وبحري وأم درمان لفرض هيمنتها، والسيطرة على المعسكرات والمنشآت السيادية مثل القصر الجمهوري ومقر جهاز المخابرات العامة ومقر قيادة الكتيبة الإستراتيجية ومصنع اليرموك لصناعة الأسلحة، وحاصرت مقرات الجيش بما فيها مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ومقر قيادة سلاح المدرعات في منطقة الشجرة العسكرية، ومقرات قيادة أسلحة الإشارة والمهندسين وغيرها.

بررت مصادر عسكرية هيمنة الدعم السريع على العاصمة بأنها تحصيل حاصل من الناحية العسكرية، فقوات الدعم السريع كانت موجودة بالفعل مسبقا لحماية الأماكن التي سيطرت عليها، أما انتشار الجيش في الخرطوم فكان إداريا داخل معسكراته وحول مقراته القيادية، وكانت أغلبية قواته القتالية منتشرة في أنحاء السودان لحماية المناطق الحدودية، التي تشهد اشتباكات متكررة مع جماعات متمردة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق أو مع عصابات من دول الجوار مثلما هو الحال مع عصابات الشفتة في منطقة الفشقة على الحدود مع إثيوبيا.

ولذلك بشرت تلك المصادر آنذاك بأن الجيش سيعيد تجميع قواته ويشن هجوما مضادا يستعيد به الخرطوم. ولكن وقعت المفاجأة بعد ستة أشهر من القتال، حيث تمدد الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة وسيطر على عاصمتها ود مدني؛ مما أثار الشك في قدرات الجيش العسكرية، ومدى ولاء كبار الضباط للقيادة العسكرية في ظل تسليم المدينة دون مقاومة تكافئ حجم قوات الجيش بالمدينة، في حين تصاعدت عمليات النزوح، ووصل عدد من يحتاجون في عموم السودان إلى مساعدات إنسانية إلى نحو 30 مليون شخص بحسب وزارة الخارجية الأميركية.

إعلان تدشين معركة وسط السودان

ساد الظن بداية الحرب بأنها ستقتصر على العاصمة الخرطوم نظرا إلى انتشار قوات الدعم السريع بها، وفي إقليم دارفور الذي يمثل الحاضنة الاجتماعية الرئيسية لقادة هذه القوات، وأن مناطق الوسط والشمال والشرق ستظل بعيدة عن تداعيات القتال نظرا إلى افتقاد الدعم السريع لحواضن اجتماعية في تلك المناطق وضعف وجوده بها، وانتشار الجيش القوي هناك.

لكن السيطرة على ود مدني فتحت الباب أمام الدعم السريع للتمدد في وسط السودان وصولا إلى جنوب شرق البلاد على الحدود مع إثيوبيا؛ فسيطر على ولاية سنار، وعاصمتها سنجة. كما تسللت أرتال منه إلى النيل الأزرق، وامتد القتال إلى نحو اثنتي عشرة ولاية من ولايات السودان الثماني عشرة، وبدا أن قيادة الجيش ستتعرض للحصار في شرق السودان، وأن الأمور تتجه حتى لفقدان الشرعية السياسية، حيث واكبت التطورات الميدانية جولة إقليمية زار خلالها حميدتي قائد قوات الدعم السريع دولا إفريقية مثل أوغندا وكينيا، وحاز خلالها استقبالا حافلا، رافضا هو وعدة مكونات مدنية أسست حركة "تقدم" بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الاعتراف بشرعية الحكومة التي أعلنها الجيش انطلاقا من مدينة بورتسودان.

مع الشعور بالخطر، والعجز عن استعادة الخرطوم، وفقدان ولاية الجزيرة، وتمدد الدعم السريع إلى جنوب شرق السودان، فضلا عن سيطرته على أربع ولايات من ولايات دارفور الخمس، وحصاره المشدد لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والضغوط الدولية للتفاوض باعتبار ما يحدث صراعا بين مؤسستين متنازعتين، وليس بين الجيش وقوة متمردة عليه؛ غيرت قيادة القوات المسلحة السودانية سياساتها بهدف كسر الحصار، وتغيير المعادلات على الأرض.

فبحسب ياسر العطا عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للقوات المسلحة، رُصد تدفق شحنات أسلحة من إحدى دول الخليج لصالح قوات الدعم السريع عبر دول الجوار، وبالأخص تشاد، وهو ما أكده تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، الصادر في يناير/كانون الأول 2024، في حين لم تقدم أيٌّ من دول الجوار دعما ملموسا للجيش السوداني.

إعلان

ولمواجهة هذا الواقع بدأت قيادة الجيش البحث عن مصادر خارجية للحصول على سلاح نوعي وذخائر، فانفتحت على موسكو، واستقبلت بمدينة بورتسودان في أبريل/نيسان 2024 وفدا بقيادة ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس بوتين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا في سياق التنسيق مع موسكو لدعم الجيش السوداني وتحجيم علاقة فاغنر بالدعم السريع، كما أعادت الخرطوم العلاقات الدبلوماسية مع طهران بعد قطيعة استمرت منذ عام 2016 في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وطلبت قيادة الجيش السوداني من تركيا أن تبيع لها طائرات مسيّرة وتُدرّب الجيش على استخدامها.

مع حصوله على أسلحة نوعية، وفي مقدمتها طائرات مسيّرة، بدأ الجيش السوداني في تجهيز خطة عسكرية طويلة الأمد لاستنزاف قوات الدعم السريع قبل شن هجمات برية كبيرة عليها، فكثف الضربات الجوية على ارتكازات هذه القوات في الخرطوم، وعلى قوافل الإمداد حول الخرطوم وعلى الحدود مع ليبيا وتشاد.

كما ركزت هجمات الجيش على استهداف القادة الميدانيين للدعم السريع، ومن أبرزهم عبد الرحمن البيشي قائد عمليات الدعم السريع في ولاية سنار وإقليم النيل الأزرق الذي قُتل بغارة جوية في يوليو/تموز الماضي؛ مما ساهم في نجاح هجوم الجيش الواسع في ولاية سنار، وتُوِّج ذلك باستعادة جبل موية الإستراتيجي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

كذلك نجح الجيش في استمالة "أبوعاقلة كيكل" قائد قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، وشجعه على الانشقاق رفقة الموالين له ضمن قوات "درع الجزيرة"؛ مما دفع الدعم السريع إلى الرد بالانتقام من الحاضنة الاجتماعية لكيكل في ولاية الجزيرة، فاستباح قرى بأكملها قتلا وأسرا لسكانها فضلا عن حوادث اغتصاب جماعي، ووصل الحال إلى نزوح نحو خمسة ملايين سوداني من الولاية، وهو ما أثار الهلع في بقية أنحاء السودان، وأعطى الحرب بعدا ثأريا.

إعلان معركة ود مدني

تتميز قوات الدعم السريع بسرعة الحركة، والقدرة على الانتشار الواسع في أراضي السودان المترامية الأطراف والمنبسطة في أغلبها؛ مما يتيح الانتشار الواسع لهذه القوات، ويُصعب على الجيش مطاردتها وحصارها. ولذا اعتمد الجيش بعد استعادته لولاية سنار، على الإعداد لمعركة ولاية الجزيرة ثم العاصمة، عبر الاستنزاف، وقطع خطوط الإمداد.

قبل بدء معركة ود مدني شنت قوات الجيش في نهاية سبتمبر/أيلول 2024 هجوما مفاجئا من أم درمان عبرت خلاله نهر النيل إلى الخرطوم من جسري الفتيحاب والنيل الأبيض، كما عبرت إلى "الخرطوم بحري" باستخدام جسر الحلفاية، في أكبر عملية هجومية شنها الجيش بالعاصمة منذ بداية الحرب، محاولا فك الحصار عن مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، ومشتتا دفاعات الدعم السريع التي اضطرت إلى سحب بعض قواتها من ولاية الجزيرة.

وبالتزامن مع ذلك، كثفت القوة المشتركة، وهي قوة حليفة للجيش مُشكًّلة من جماعات متمردة سابقا في إقليم دارفور، هجماتها على طرق إمداد الدعم السريع على الحدود السودانية الليبية، وحظيت بدعم من طيران الجيش السوداني الذي قصف المطارات التي يسيطر عليها الدعم السريع بدارفور، وصولا إلى نجاحها في اجتياح قاعدة الزرق قرب الحدود مع ليبيا وتشاد في ديسمبر/كانون الأول 2024، التي تعد أكبر قاعدة عسكرية للدعم السريع ومركز عملياته في إقليم دارفور، فدمرت منشآتها بما فيها مخازن الوقود ومدارج الطيران، واستولت على بعض العتاد الموجود بها، ثم انسحبت سريعا.

وهدفت عمليات "القوة المشتركة" لتخفيف الحصار عن مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، كما ساهمت أيضا في إشغال الدعم السريع عن إرسال تعزيزات إلى الخرطوم وولاية الجزيرة.

سرّع الجيش السوداني والقوات الرديفة له وتيرة تحركهم باتجاه مدينة ود مدني في ديسمبر/كانون الأول 2024، وتقدم من ثلاثة محاور في جنوب وشرق وغرب المدينة لتتوج هذه المعارك باستعادة المدينة يوم السبت الماضي 12 يناير/كانون الثاني الحالي، وانهيار دفاعات الدعم السريع، وهرب عناصره نحو الحصاحيصا ومدن وقرى شمال ولاية الجزيرة، باتجاه الخرطوم.

إعلان

وسارع حميدتي لبث تسجيل صوتي اعترف فيه بخسارة ود مدني وشدد فيه على أنهم خسروا جولة ولم يخسروا المعركة، وتعهد بمواصلة القتال، واتهم الجيش السوداني باستخدام طائرات مسيّرة إيرانية، وبالاستعانة بمقاتلين من عرقية التيغراي الإثيوبية ليقاتلوا مع الجيش، وطالب أنصاره بمراجعة تنظيمهم وصفوفهم.

خريطة السودان (الجزيرة) ما القادم؟

إن السيطرة على مدينة ود مدني بعد استعادة ولاية سنار، والعبور من أم درمان إلى الخرطوم وبحري، تمثل انتصارات معنوية كبيرة للجيش السوداني وعموم السودانيين الذين وقفوا معه، وتشير إلى استعادة الجيش زمام المبادرة، وتحوله من الدفاع إلى الهجوم، مع تحقيق زخم انتصارات يضعف الطرف المقابل.

ويُرجح مع مواصلة استعادة مدن وقرى شمال ولاية الجزيرة، أن يحشد الجيش قواته لمعركة الخرطوم فضلا عن التجهّز لإحكام السيطرة على المناطق الباقية تحت سيطرة الدعم السريع في أم درمان. وقد بدأ الجيش بالفعل شن هجوم على المنطقة المحيطة بمصفاة الجيلي شمال الخرطوم بحري، كما تقترب قواته من دفاعات الدعم السريع في خزان جبل الأولياء الإستراتيجي.

لقد أوشكت معركة السيطرة على وسط السودان على الانتهاء، وستبدأ معركة الخرطوم الكبرى، التي ستتيح للجيش بعد استعادته للعاصمة، نقل المؤسسات الحكومية إلى الخرطوم مجددا، وفتح الباب لعودة السكان النازحين، وعودة السفارات الأجنبية؛ مما سيعزز شرعية القوات المسلحة، ويثقل أسهمها إذا جرت مفاوضات جديدة رغم أن الجيش يرفضها حاليا ويصر على الحسم العسكري.

ونظرا إلى اتساع مساحة السودان، وصعوبة إحكام السيطرة على أراضيه، فسيظل بإمكان الدعم السريع تنفيذ هجمات خاطفة هنا وهناك، فضلا عن سيطرته الحالية على أربع ولايات من ولايات دارفور الخمس، وحصاره للفاشر عاصمة الولاية الخامسة.

ويتوقع أن يكثف الدعم السريع بعد انسحابه من الخرطوم جهوده للسيطرة على سائر إقليم دارفور، الذي تبلغ مساحته نحو نصف مليون كيلومتر مربع أي أكثر من ربع مساحة السودان. كذلك قد يلجأ حميدتي إلى الإعلان عن تشكيل حكومة في دارفور لعله ينازع بها شرعية حكومة الخرطوم، أو ينخرط في عملية تمرد تتمركز في غرب السودان، وربما في نهاية الأمر يقبل بضغط الأمر الواقع خوض مفاوضات يتخلى فيها عن طموحه بالسيطرة على السودان. لكن من المؤكد أن معادلات الميدان هي التي ستحدد مصير الدعم السريع وقائده.

إعلان

مقالات مشابهة

  • مناوي .. لمليشيا الدعم السريع” لن نسمح لكم بإقامة دولتكم الأسرية”
  • مناوي: مليشيا الدعم السريع تدمر قصر السلطان علي دينار في الفاشر
  • البرهان: الحرب لن تتوقف إلا بالقضاء على «الدعم السريع»
  • مناوي: فشلت المليشيا في الاستيلاء على السلطة في الخرطوم وقرروا أن يفصلوا دارفور
  • «الخارجية السودانية»: ندعو المجتمع الدولي لإدانة جرائم ميليشيا الدعم السريع
  • هل اقترب الجيش السوادني من السيطرة على الخرطوم وهزيمة الدعم السريع؟
  • البرهان:الدعم السريع ارتكبت جرائم وإبادة جماعية بحق الشعب السوداني
  • احتفالات بسيطرة الجيش السوداني على مدينة ود مدني الاستراتيجية ومعقل قوات الدعم السريع
  • مقتل 16 وإصابة أكثر من 40 في قصف مدفعي للدعم السريع بالفاش
  • البرهان: الحرب لن تتوقف إلا بخروج ميليشيا الدعم السريع من مساكن المواطنين