غزة- تعصف أزمات عدة بأكثر من 600 ألف نسمة في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، من بينهم 300 ألف نازح لجؤوا إلى المدينة من شمال القطاع، بعدما اكتظت جميع المدارس الحكومية، وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالنازحين، إضافة إلى منازل الأقارب والأصدقاء، ومقار الأندية الرياضية والاجتماعية.

وتعتبر رفح إحدى المدن التي حددها جيش الاحتلال في إنذاراته المتكررة لسكان مدينة غزة وشمال القطاع، بالتوجه إليها جنوبا، وهي مدينة غير مؤهلة من حيث المرافق الخدمية والبنى التحتية، لاستقبال مئات آلاف النازحين الذين يعيشون واقعا إنسانيا مترديا.

وقال رئيس بلدية رفح الدكتور أحمد الصوفي -في حوار خاص مع الجزيرة نت- إن "الحرب الإسرائيلية الدموية والمدمرة، فاقمت من الواقع المأساوي للمدينة، والذي تعاني منه بالأساس من أزمات كثيرة، ناجمة عن سنوات الحصار الطويلة".

الحوار التالي مع الصوفي يتناول محاور مرتبطة بالواقع الطارئ الذي فرض على المدينة، نتيجة الحرب والنزوح الاضطراري، وبالتزامن مع حصار مطبق تفرضه دولة الاحتلال منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.


كم عدد النازحين من شمال غزة إلى مدينة رفح، وكيف تعاملتم مع هذا التدفق البشري الطارئ؟

حسب أحدث إحصاء للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2022، يبلغ تعداد سكان مدينة رفح زهاء 300 ألف نسمة، وبفعل حركة النزوح الكبيرة من مدينة غزة ومدن شمال القطاع، هربا من القتل والتدمير بعد تهديدات الاحتلال لسكان تلك المدن، لجأ إلى مدينة رفح أكثر من 300 ألف نازح، يقيمون داخل 44 مدرسة تابعة للأونروا، و27 مدرسة حكومية، وفي مقار الأندية الرياضية، ومنشآت ومرافق عامة وخاصة، وكذلك هناك آلاف لجؤوا إلى منازل الأقارب والأصدقاء.

هذا النزوح الكبير للآلاف وبينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال، شكل ضغطا على المرافق الخدمية والبنية التحتية، غير المؤهلة، التي تعاني أساسا من انعدام التطوير والتأهيل لسنوات طويلة، جراء الحصار الخانق الذي تفرضه دولة الاحتلال على القطاع منذ منتصف عام 2007.

ما انعكاسات هذا الواقع المتردي على حياة سكان المدينة والنازحين إليها؟

لنعرف هذه الانعكاسات، يجب أن نشخّص الواقع قبل اندلاع الحرب، إذ تعاني المدينة من عدم توفر الآليات الكافية لعمل البلدية في مختلف مناحي الحياة، ومن ضعف البنية التحتية المؤهلة للمياه والصرف الصحي، ونقص المخابز الإلكترونية ذات القدرة الإنتاجية الكبيرة، حيث تمنع سلطات الاحتلال توريد الآلات الحديثة الخاصة بمثل هذه المخابز، ونفتقر للقدرة على تخزين السلع والمواد الغذائية كما وكيفا، وأهمها الدقيق.

إضافة إلى ذلك تعاني مدينة رفح، كباقي مدن القطاع من أزمة الكهرباء المزمنة، إذ تحتاج المدينة 30 ميغاوات لا يتوفر منها سوى 11 ميغاوات فقط، بعجز يصل لنحو 60%.

مع هذا الواقع الصعب والمتردي لم تكن البلدية قبل اندلاع الحرب قادرة على تقديم سوى 40% من الخدمات المدنية للسكان، أما الآن وبفعل تداعيات الحرب، فانخفضت النسبة إلى 20% فقط.

توقفت جميع الخدمات التي نعتمد عليها بشكل أساسي جراء انقطاع الكهرباء، وتم الاستعانة بمولدات تعمل على الوقود، ولا يمكنها العمل المستمر على مدار الساعة.

وبفعل تعنّت الاحتلال ورفضه إدخال الوقود، توقفت كثير من الخدمات الحيوية كآبار المياه، ومضخات الصرف الصحي، وسيارات جمع وترحيل النفايات، والمخابز.

وخلال اليومين الماضيين ونتيجة الأمطار الشديدة التي شكلت ضغطا على شبكة الصرف الصحي، وبفعل توقف المضخات عن العمل، تسربت مياه الصرف غير المعالجة للشوارع، وتهدد السكان بمكاره صحية، وكارثة بيئية جراء تدفقها للبحر.

انخفاض نصيب الفرد في مدينة رفح من الماء من 80 لترا إلى صفر (الأوروبية) يعاني سكان رفح من نقص حاد في مياه الشرب، هل يواجه السكان أزمة عطش؟

حسب منظمة الصحة العالمية، فإن نصيب الفرد الواحد 100 لتر من المياه الخاصة بالشرب والاستعمالات الأخرى، وبالوضع الطبيعي قبل اندلاع الحرب لم نصل إلى هذا المعدل، وكان نصيب الفرد في مدينة رفح 80 لترا، وقد انخفض حاليا إلى الصفر، مع توقف الآبار الجوفية، حيث لا يتوفر الوقود اللازم لضخ المياه إلى المنازل، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب بكوارث بيئية وانتشار الأمراض والأوبئة، لعدم توفر المياه اللازمة للنظافة والاستعمال المنزلي.

ثم إن جودة هذه المياه رديئة، وغير صالحة للشرب، وتحتوي على نسبة عالية من الملوحة تتجاوز بكثير المعدلات العالمية.

لذلك يعتمد السكان على محطات تحلية المياه الخاصة والعامة للتزود بمياه الشرب، التي أثرت فيها الحرب، إذ توقفت محطة تحلية المياه في دير البلح وسط القطاع التي كانت تزود مدينة رفح بمليون لتر يوميا، وكذلك توقفت غالبية محطات التحلية التجارية جراء نفاد الوقود.


ألم تستفد المدينة، التي يوجد معبر رفح مع مصر في نطاقها، من المساعدات الإنسانية المتدفقة عبره؟

أولا وقبل كل شيء، كل شاحنات المساعدات التي دخلت قطاع غزة عبر معبر رفح البري خلال أسابيع لا تتجاوز عدد الشاحنات التي كانت تدخل القطاع في يومين اثنين قبل اندلاع الحرب، من خلال معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، ويقدر بزهاء 600 شاحنة يوميا محملة بمختلف الاحتياجات الإنسانية لأكثر من مليوني فلسطيني.

وكذلك الوقود بأنواعه، الذي يمنع الاحتلال توريده من ضمن المساعدات عبر معبر رفح، والتي تقتصر على عبوات من مياه الشرب، وأغذية معلبة، ومساعدات طبية بسيطة، وكلها لا تلبي ولا تراعي احتياجات القطاع التي تضاعفت كثيرا جراء الحرب الدائرة للشهر الثاني على التوالي.

هذه المساعدات لا تكفي لتلبية احتياجات النازحين في مراكز الإيواء، ولا تمنع وقوع الكارثة، ولم يكن لها أثر يذكر على حياة السكان، الذين يعيشون واقعا مأساويا جراء الحرب الشرسة والحصار والمطبق.

الآن نفدت غالبية السلع والمواد الغذائية من الأسواق والمحال التجارية، وحتى الأسواق تفتقر للكثير من المحاصيل الزراعية، لتعذر وصول المزارعين إلى أراضيهم التي تتركز بشكل رئيسي في مدينة رفح وباقي مدن القطاع بمحاذاة السياج الأمني المحيط بالقطاع من الناحية الشرقية، وهي مناطق خطرة.

هناك مزارعون فقدوا أرواحهم في غارات جوية وقصف مدفعي خلال محاولتهم الوصول إلى أراضيهم ومزارع الدواجن والماشية المنتشرة في تلك المناطق.


هل لك أن تحدد الأولويات التي تحتاجها مدينة رفح؟

ليست رفح وحدها، وإنما كل مدن القطاع، تحتاج بصورة عاجلة وملحة لآليات ثقيلة من رافع "كباشات" ورافعات، وسيارات إسعاف ودفاع مدني، لمواكبة الحجم الكبير من الضحايا والدمار، نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية.

ولتقريب الصورة أكثر، فإن رافعة واحدة تستخدم في رفع أنقاض المنازل المدمرة، تشترك بها رفح مع مدينة خان يونس، وفي كل مدن القطاع لا يوجد سوى 5 رافعات، وقد اندلعت الحرب، ولا يوجد في مدينة رفح سوى كباش (آلية تشبه الملقط) واحد قديم ومتهالك، وهذه الآلات بالأساس ليست مخصصة للعمل وقت الحروب وانتشال الضحايا.

نحن بحاجة إلى آلات مخصصة للإنقاذ والعمل في أوقات الأزمات والحروب، بما فيها تلك الآليات الصغيرة التي يمكنها البحث عن أحياء تحت أنقاض المنازل والمباني المدمرة، التي لا يزال آلاف الشهداء تحتها، وكان بالإمكان إنقاذ أعداد منهم مكثوا ساعات أحياء تحت الأنقاض لو تم الوصول إليهم بالوقت المناسب، غير أن فرق الدفاع المدني لم تتمكن من انتشالهم، لضعف الإمكانيات وقلة الكوادر البشرية.

في رفح مثلا لا يتجاوز تعداد طواقم الدفاع المدني 120 فردا، مع نقص شديد في سيارات الإسعاف وآليات ومعدات الإنقاذ والتعامل مع الأنقاض والحرائق.

ومن بين أبرز احتياجاتنا الحالية بالمدينة، سرعة إنجاز وافتتاح مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني المقام على 50 دونما (الدونم ألف متر مربع)، والممول من دولة قطر الشقيقة، وتم إنهاء المرحلة الأولى الخاصة بقسمي الطوارئ والجراحة، ومن المفترض افتتاحه عام 2025.

مستشفى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية في مدينة غزة (الجزيرة) هل لديكم تقدير أولي للخسائر وحجم الدمار الذي تعرضت له رفح؟

من المعلوم للجميع أن الحركة محفوفة بكثير من الأخطار، ولا يمكن الوصول إلى كل أنحاء المدينة لحصر الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية، والقصف البري والبحري، غير أننا تمكنا حتى اللحظة من رصد تدمير 320 منزلا متعدد الطبقات، و800 وحدة سكنية، كلّيا، في حين لحقت أضرار متفاوتة بزهاء 10 آلاف منزل، فضلا عن تدمير كلي لمبنى الدوحة التابع للبلدية المكون من 4 طوابق، ويضم مقر بريد المدينة ومرافق أخرى.

إضافة إلى ذلك، فإن الخسائر فادحة بالقطاع الزراعي جراء الاستهداف المباشر لمساحات شاسعة من الأراضي في المناطق الشرقية المحاذية للسياج الأمني في مدينة رفح، وعلى امتداد القطاع، وكذلك بسبب تلف المحاصيل الزراعية ونفوق الدواجن والماشية لعدم قدرة المزارعين على الوصول لهذه المناطق شديدة الخطر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی مدینة رفح مدن القطاع

إقرأ أيضاً:

50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم

لم يكن 30 أبريل/نيسان 1975 يوما عاديا في التاريخ الفيتنامي، فقد انتصرت فيتنام الشمالية آنذاك، وأُعيد توحيد شطري البلاد بعد حربين مع إمبراطوريتين أودتا بحياة نحو مليوني فيتنامي، وفقدت فرنسا كامل نفوذها تقريبا بالمنطقة، بينما خسرت الولايات المتحدة -التي تورطت بعدها- نحو 58 ألف جندي و120 مليار دولار في الحرب التي باتت الأكثر "إذلالًا" في تاريخها.

وبدت حرب فيتنام -أو حروبها- بتشابكاتها الدولية والإقليمية تجسيدا لنظرية "الحرب التي تلد أخرى" في ظل صراع ساخن في بواكير الحرب الباردة. فقد أدت معركة ديان بيان فو (13مارس/آذار-7 مايو/أيار 1954) عمليا إلى نهاية الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في منطقة الهند الصينية برمتها، وخسرت أيضا مستعمراتها الأخرى في أفريقيا بفعل صعود حركات التحرير التي تأثرت بالمقاومة الفيتنامية، وبمفاعيل "نظرية الدومينو" العسكرية والسياسية.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4كوارث بيئية لا تنسى.. "العامل البرتقالي" الأميركي بفيتنامlist 2 of 4الجزيرة نت في فيتنام.. احتفالات عارمة في "هو تشي منه" بخمسينية النصر والوحدةlist 3 of 4حرب فيتنام.. خمسينية النصر والوحدةlist 4 of 4هو شي منه قائد ثورة فيتنام ضد فرنسا وأميركاend of list

كانت حرب فيتنام نتاج سنوات من مقاومة الاحتلال الفرنسي للبلاد (منذ عام 1883) ثم الغزو الياباني الذي انتهى بهزيمتها في الحرب العالمية الثانية، والمد الشيوعي في المنطقة وصراع الأيديولوجيات، ومحاولات تقسيم البلاد، وبلغت أوجها مع التدخل الأميركي العسكري المباشر لمحاولة صد التوغل الشيوعي السوفياتي الصيني.

إعلان

وعمليا، لم تكن حرب الهند الصينية الأولى (بين عامي 1946 و1954) معركة الولايات المتحدة، لكنها كانت تمول فعليا نحو 78% من تكلفة تلك الحرب -وفق أوراق البنتاغون المنشورة عام 1971- وتقدم مساعدات عسكرية ولوجستية ضخمة لفرنسا، خوفا من التمدد الشيوعي وسيطرة الصين على المنطقة وصعود الاتحاد السوفياتي إذا هزمت القوات الفرنسية.

كما ناقش المسؤولون الأميركيون -تبعا لهواجسهم تلك- دعما إضافيا لفرنسا ضمن ما عرف بـ"عملية النسر" (Operation Vulture) وهي مقترح خطة عسكرية كبيرة، من أجل إسناد الفرنسيين في معركة ديان بيان فو، وضعها الرئيس دوايت آيزنهاور (حكم بين 1953 و1961) ومستشاروه.

وتضمنت العملية -اعتمادا على وثائق رفعت عنها السرية- قصفا مركزا ومكثفا مع احتمال استخدام قنابل ذرية اقترح تقديمها لفرنسا، وتدخلا بريا. لكن العملية لم تنفذ في النهاية وانسحبت فرنسا بخسائر فادحة، بعد توقيع اتفاقية جنيف للسلام في يوليو/تموز 1954 التي نصت على تقسيم فيتنام إلى شطرين، ولم توقع الولايات المتحدة وحكومة سايغون الموالية لها على الاتفاق رغم حضورهما. وبدأ التورط الأميركي العسكري تدريجيا لحماية النظام الموالي لها في فيتنام الجنوبية ومحاربة المد الشيوعي، إلى حد التدخل المباشر والمعلن عام 1963.

الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (يمين) ووزير خارجيته هنري كيسنجر (أسوشيتد برس) نظرية الرجل المجنون

في منتصف عام 1968، وتحت ورطة الفشل في حرب فيتنام، اعتمد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (1969-1974) على مبدأ تحقيق "السلام بالقوة" عبر "المزيد من قاذفات بي 52" التي أوصاه بها وزير خارجيته هنري كيسنجر، مبتدعا ما سماها "نظرية الرجل المجنون".

ويكشف رئيس موظفي البيت الأبيض بوب هالدمان في مذكراته عام 1994 عن إستراتيجية الرئيس نيكسون لإنهاء حرب فيتنام التي أسرّ له بها قائلا "أنا أسميها نظرية الرجل المجنون، بوب.. سنرسل لهم رسالة مفادها يا إلهي، أنتم تعلمون أن نيكسون مهووس بالشيوعية لا يمكن كبح جماحه عندما يكون غاضبا ويده على الزر النووي.. سيصل هو شي منه (الزعيم الفيتنامي) بنفسه إلى باريس في غضون يومين ويطلب السلام".

إعلان

وكتب هالدمان أن الرئيس نيكسون سعى إلى تنفيذ إستراتيجية التهديد باستخدام القوة المفرطة لتقويض خصومه، وإجبارهم على الاستسلام أو التسوية. وبهذه الطريقة، يصبح عدم يقين الفيتناميين بشأن الخطوات المستقبلية للزعيم "أداة إستراتيجية في حد ذاتها".

وفي 4 أبريل/نيسان 1972 قال نيكسون لهالدمان والمدعي العام جون ميتشل "لم يُقصف الأوغاد قط كما سيُقصفون هذه المرة" عند اتخاذه قرارا بشن ما أصبح يُعرف باسم عملية "لاينباكر التي مثلت تصعيدا هائلا في المجهود الحربي، الذي شمل قصف ميناء هايفونغ، وحصار ساحل فيتنام الشمالية، وحملة قصف جديدة ضخمة ضد هانوي.

ولا تثبت الوقائع التاريخية أن الزعيم الفيتنامي هو شي منه خضع لنظرية "الرجل المجنون" عندما تم توقيع اتفاق السلام في باريس يوم 23 يناير/كانون الثاني 1973، لكن الولايات المتحدة استخدمت قوة هائلة ومفرطة لمحاولة إخضاع الفيتناميين، وفكرت في استعمال السلاح النووي.

كانت نظرية "الرجل المجنون" تجسيدا للإحباط الذي أصاب الإدارة الأميركية من صمود المقاومة الفيتنامية والخسائر الفادحة في صفوف الجيش الأميركي، ومن حركة الرفض الواسعة للحرب في المجتمع الأميركي، واهتزاز الضمير العالمي من المشاهد المؤلمة للمجازر البشعة، سواء في مذبحة "ماي لاي" في 16 مارس/آذار 1968 التي قتل فيها 504 من المدنيين العزل، وغيرها من المجازر.

وفي المقابل، كانت نظرية الجنرال فو نغوين جياب قائد قوات قوات "الفيت منه"(رابطة استقلال فيتنام) تراوح بين خطتي "هجوم سريع.. نصر سريع" و"هجوم ثابت.. تقدم ثابت" واعتماد الحرب الشعبية وحروب العصابات الخاطفة واستنزاف العدو، حيث يقول في مذكراته "إن كل واحد من السكان جندي، وكل قرية حصن" وكانت نظريته أن حرب العصابات هي "حرب الجماهير العريضة في بلد متخلف اقتصاديا ضد جيش عدواني جيد التدريب".

الزعيم الفيتنامي الراحل هو شي منه رفض التخلي عن فكرة توحيد فيتنام (غيتي) ) الورطة والمقاومة

بدأ التورط الأميركي عمليا في حرب فيتنام بعد خروج القوات الفرنسية، ومنذ عام 1961 أرسلت واشنطن 400 من الجنود والمستشارين لمساعدة حكومة سايغون الموالية في مواجهته قوة هو شي منه الشيوعية، ومع التوصيات بزيادة المساعدات استجاب الرئيس جون كينيدي. وبحلول عام 1962 زاد الوجود العسكري الأميركي في جنوب فيتنام إلى نحو 9 آلاف جندي.

إعلان

ومع بداية عهد الرئيس ليندون جونسون (1963-1969) -الذي منحه الكونغرس صلاحيات واسعة في الشؤون الحربية- بدأت القاذفات الأميركية تنفيذ عمليات قصف منتظمة على فيتنام الشمالية وقوات "الفيت- كونغ" (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام). وفي مارس/آذار 1965، بدأ تدفق القوات الأميركية إلى فيتنام الشمالية، حتى وصل إلى 200 ألف عام 1966، ثم نحو 500 ألف في نوفمبر/تشرين الثاني 1967.

وكانت قوات الزعيم هو شي منه، وقائد العمليات الجنرال جياب، تعتمد على التكتيكات الحربية النوعية والهجمات الخاطفة والكمائن والأنفاق والحرب الطويلة الأمد كما كانت تعتمد على الإمدادات القادمة من كمبوديا ولاوس المجاورتين، وعلى الدعم النوعي الذي تتلقاه من الصين ومن الاتحاد السوفياتي، خصوصا منظومات الدفاع الجوي التي أسقطت عشرات قاذفات "بي-52". ومع بداية عام 1968 بلغت الخسائر الأميركية 15 ألف قتيل و109 آلاف جريح.

وفي المقابل، زادت الولايات المتحدة من وتيرة القصف الجوي العنيف واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا مثل "النابالم" وما سمي "العامل البرتقالي" -الذي يحتوي على "الديوكسين" وهو أكثر تلك المبيدات ضررا وفتكا- على فيتنام ولاوس وكمبوديا، ومازالت آثاره البيئية الخطيرة قائمة.

فتاة النابالم اعتبرت وثيقة تدين الحرب الأميركية في فيتنام (أسوشيتد برس) صورة الهزيمة

لم تكن الخسائر البشرية لوحدها ذات التأثير الأكبر فيما اعتبر هزيمة أميركية عسكرية وأخلاقية في فيتنام، فقد مثلت تلك الحرب أول "حرب تلفزيونية" مع بروز سطوة التلفزيون والصورة، وكانت للتقارير الإعلامية عن المجازر في فيتنام ذات تأثير واسع في الرأي العالم الأميركي والعالمي وفي قرارات الإدارة الأميركية لاحقا، خصوصا صورة "طفلة النابالم" التي كانت تجري عارية بعد أن أسقطت طائرة أميركية مادة النابالم الحارقة على قريتها في 8 يونيو/حزيران 1972.

إعلان

وفي 29 أبريل/نيسان 1975، ألقى الرئيس الأميركي جيرالد فورد (1974-1977) بيانا أعلن فيه إجلاء الموظفين الأميركيين من فيتنام قائلا "تعرض مطار سايغون لقصف صاروخي ومدفعي متواصل، وأُغلق بالكامل. تدهور الوضع العسكري في المنطقة بسرعة. لذلك، أمرتُ بإجلاء جميع الموظفين الأميركيين المتبقين في جنوب فيتنام" وكانت تلك نهاية الوجود الأميركي في هذه البلاد، ودخول قوات الجنرال جياب إلى المدينة اليوم التالي.

ولا تزال مجريات حرب فيتنام، بمآسيها وصمود مقاومتها وتوحيد شطريها، من بين أحداث العالم الفارقة خلال القرن العشرين، وواحدة من الحروب التي غيّرت وجه الولايات المتحدة والعالم بأبعادها العسكرية والسياسية وآثارها الإنسانية، كما باتت تكتيكاتها وأساليبها تدرس في الكليات العسكرية، وتتبعها حركات مقاومة أخرى حول العالم.

وبينما تحتفل بالذكرى الخمسين ليوم تحرير الجنوب وإعادة التوحيد الوطني، لم تعد مدينة سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية سابقا) -التي باتت تسمى هو شي منه نسبة إلى الزعيم الأسطوري لفيتنام- رهينة جراحات الماضي الأليم وأهواله، فقد تحولت على مدى الـ50 عاما الماضية إلى مدينة ناطحات سحاب براقة، وأعمال مزدهرة ومركز صناعي حيوي ونقطة جذب سياحية عالمية.

مقالات مشابهة

  • قطع المياه عن مدينة موط بالوادي الجديد
  • مجلس مدينة درعا ينهي تركيب أجهزة إنارة في مدخل المدينة الشرقي
  • عاجل | مصادر للجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية
  • سوريا.. مقتل رئيس بلدية صحنايا وابنه رمياً بالرصاص
  • بطائرات مسيرة .. تصعيد إسرائيلي جديد ومأساة إنسانية تتفاقم بغزة فيديو
  • شهيد ومصاب جراء قصف الاحتلال مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة
  • منظمة دولية: غزة تعيش أسوأ أزمة إنسانية منذ بدء الحرب
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • السويد: إصابات جراء إطلاق نار وسط مدينة أوبسالا
  • ممثل الصليب الأحمر بغزة: القطاع الصحي تم تدميره ونواجه ظروفا غير إنسانية