نظرية كل شيء (الجزء الثاني)
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
في مقالتنا السابقة تحدثنا عن المقصود من نظرية كل شيء، والتحدي الكبير الذي يواجه علماء الطبيعة، في محاولتهم الوصول إلى نظرية كل شيء، ولكن وعلى الرغم من كل تلك التحديات فإن العلماء حاولوا الوصول إلى نموذج أولي قائم على نظرية الكم بشكل أساسي ويظن عدد من العلماء أنه ومن خلاله يمكن الوصول إلى «نظرية كل شيء»، ويعد هذا النموذج الذي يطلق عليه النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات هو النموذج المتوفر اليوم لنظرية كل شيء، وهذا ما سنتعرض له أولا، ومن ثم نطرح بعض التحديات التي تواجه هذا المعيار القياسي وبعدها نتناول نظريتين مرشحتين لتكونا نظرية كل شيء، وسنختم حديثنا في مقالة قادمة حول بعض الملاحظات حول هذه النظرية الهامة.
النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات
على الرغم من أن فكرة تكون المادة من ذرات تعود الى الحضارة اليونانية، إلا أن المفهوم الذري لم يأخذ مكانه في الوسط العلمي إلا في القرن السادس عشر عندما طرحه العالم دالتون، ولم يتم التحقق من صحته إلا قبل حوالي قرن من الزمن، وتبين لنا في تلك الفترة أيضا بأن الذرة ليست كما كنا نظنها مصمتة، بل هي عالم من جسيمات صغيرة، إذ تتألف من نواة تحتوي على بروتونات ونيترونات في داخلها، بينما تدور الإلكترونات حول النواة، واعتقد الكثيرون بأن هذه الجسيمات هي جسيمات أساسية، ونقصد بأنها جسيمات أساسية بأنها أصغر أشكال المادة ولا يمكن تفتيتها إلى ما دون ذلك، ولكن ومع مرور الوقت ومع تطور أدوات البحث العلمي، تبين لنا بأن البروتونات والنيترونات ليست جسيمات أساسية بل هي جسيمات تتكون من جسيمات أخرى أساسية، فلقد اتضح لنا أنهما يتكونان من جسيمات أبسط تدعى الكوارك، وأن هناك ستة أنواع من الكوارك، لكن الغريب في الأمر أن المادة المرئية التي نتعامل معها في حياتنا اليومية إنما تتكون من صنفين من الكوارك فقط، أما الأربعة الأخرى فلا نجدها تتواجد في أي جزء من أجزاء المادة المرئية.
وبالمقابل اتضح لنا أن الإلكترون جسيم أساسي لا يمكن تفتيته، ولكن الغريب في الأمر أن هناك خمسة جسيمات أخرى شبية به، جعلناها جميعا في مجموعة واحدة وأطلقنا عليها الليبتون، ومرة أخرى فإن المادة المرئية التي نتعامل معها يوميا تتكون من الإلكترون فقط.
كما أوضح البحث العلمي أن جميع الجسيمات الأساسية تتفاعل مع بعضها البعض عبر أربع قوى نظن بأنها تتحكم في المادة المرئية كلها، ولا توجد قوى أخرى غيرها، ويتم التفاعل بين الجسيمات الأساسية التي أشرنا لها عبر جسيمات أساسية أخرى وهي الجسيمات المسؤولة عن القوى الأربع، واتضح لنا أن مجموع الجسيمات المسؤولة عن القوى الأربع يصل إلى ستة، فجسيم مسؤول عن القوى النووية القوية وآخر مسؤول عن القوى الكهرومغناطيسية وهو الأكثر شهرة حيث يتكون منه الضوء ويسمى بالفوتون، أما القوى النووية الضعيفة فهناك ثلاثة جسيمات مسؤولة عنها تعرف بالبوسون.
كل هذه الجسيمات أمكننا اكتشافها والتحقق من وجودها، لكن التحدي ظل مع جسيم الجاذبية الذي يطلق عليه جرافيتون، وذلك لأننا لم نستطع الكشف عنه وإثبات وجوده بعد.
إن هذه القوى الأربع التي تم التعرف عليها تمثل إلى اليوم جميع القوى التي تؤثر في المادة المرئية، وبذلك لا توجد قوى خفية أخرى تؤثر في المادة، فهذه القوى الفيزيائية هي نفس القوى التي تؤثر في الكواكب والمجرات وتؤثر في كرتنا الأرضية بل وتؤثر بالكائنات الحية أيضا بدءا من وحيدة الخلية وانتهاء بالإنسان، لكن تأثير هذه القوى يعتمد على المسافة التي تفصل بين الجسيمات الأولية، فالقوى النووية الضعيفة منها والقوية مثلا يبرز أثرها عندما تكون المسافة صغيرة جدا بحيث يجب ألا تزيد عن قطر بروتون واحد، بينما قوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية فمداهما أكبر من ذلك بكثير، ولكن وبالمقابل تعد القوة النووية القوية أقوى القوى الأربع إذ إنها أقوى من الكهرومغناطيسية بحوالي مائة مرة.
وبذلك فإننا توصلنا إلى الجسيمات الأولية التي تكون كل شيء والقوى المؤثرة عليها، فهل اقتربنا من نظرية كل شيء وكم نبعد عن تحقيق الحلم؟
الواقع أن من يراجع النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، يجد أننا بعيدون كل البعد حاليا من نظرية كل شيء، فعدد الأسئلة التي طرحها النموذج كثيرة وتحتاج إلى إجابات واضحة، ويبدو أننا لا نملك إجابات على أكثرها.
فإذا كانت المادة المرئية تتكون من صنفين من الكوارك وتتكون من الإلكترونات، فماذا عن بقية الجسيمات وما هو دورها؟ ولماذا تتواجد؟
إن الطموح في نظرية كل شيء لا يقتصر على توحيد القوى الأربع بل وتوحيد الجسيمات التي نعدها أولية إلى جسيم واحد!
تنبثق منه جميع الجسيمات، ولذا فان النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات بعيد كل البعد عن نظرية كل شيء، ومن هنا عمل العلماء على نظريات أخرى، وأبرز تلك النظريات هي نظرية الأوتار الفائقة، وهذا ما سنسلط عليه الضوء أولا.
نظرية الأوتار الفائقة
تعد نظرية الأوتار الفائقة من أهم النظريات التي طرحت كنظرية كل شيء، وهي قائمة على مفاهيم نظرية الكم ولكنها تفترض أن أصل المادة ليست هذه الجسيمات الأساسية التي اكتشفناها بل أصلها هو وتر رفيع جدا وغاية في الصغر لا يمكن مشاهدته حتى بأفضل المجاهر المعروفة لأن طوله ربما يكون طول بلانك والذي يقدر بـ ١٠ مرفوعا لسالب٣٣ سم، وهذا الوتر هو أصل كل أشكال المواد التي نعرفها، ويتحول إلى الجسيمات الأساسية من خلال الذبذبات المختلفة، فكل ذبذبة لها طاقة معينة تمثل جسيما أساسيا، ولذا فعند الذبذبة المعينة يتحول الوتر إلى ذلك الجسيم الأساسي الذي يحمل تلك الطاقة، فكما أن وتر الكمان عندما يطرق بذبذبة معينة يصدر صوتا معينا فكذلك هذا الوتر ينتج جسيما معينا عند ذبذبة معينة، فهناك علاقة طردية بين الذبذبة والطاقة الناتجة، وباستخدام معادلة آينشتاين الشهيرة التي تربط الطاقة بالكتلة، يمكننا تحويل الطاقة إلى كتلة الجسيم الأساسي.
حققت نظرية الأوتار الفائقة نجاحا نظريا، إذ استطاعت من خلال المعادلات الرياضية توحيد القوى الأربع كما أنها تصف الطبيعة على أبسط وأعمق مستوى لها، فلقد جمعت الجسيمات الأساسية في صورة واحدة، ولكن هذه النظرية قائمة على فرضية وتشكل أساس هذه النظرية، ويتمثل الفرض في أن هناك ١١ بعدا في الكون ولا تقتصر الأبعاد على أربعة كما نعرف (الطول، العرض، الارتفاع والزمن) وهو أمر صعب تصوره، وقد حاول الفيزيائيون طرح أمثلة تقريبية لسنا في صدد التعرض لها، لكن السؤال المهم الذي يطرح هو كيف يمكننا أن نتحقق من وجودها تجريبيا وكيف يمكننا تحويل هذه الأبعاد الأحد عشر إلى أربعة؟
تمكن العلماء من القيام بذلك نظريا باستخدام طرق رياضية معينة، وتبين أن التحول من أحد عشر بعدا إلى أربعة أبعاد ممكن، لكن هناك ما يقارب ١٠ مرفوعا لـ أس ٦٠٠ طريقة لذلك وكلها ممكنة!.
فلو قمنا وطبقنا ذلك على أصل الذرة الكونية حسب نظرية الانفجار العظيم، فإن هناك ما يقارب ١٠ مرفوعا لأس ٦٠٠ طريقة لتكون الكون وكل طريقة ستولد لنا كونا مختلفا، وهذا يعني أن هناك ملايين الملايين من الأكوان وليس كونا واحدا كما نتصور، وبهذا فإن فكرة الضبط الدقيق لكوننا لا معنى لها لأنه كون من ملايين الأكوان ولذا فإن ذلك يعزز الصدفة في الضبط الذي نشاهده، فكل كون من تلك الأكوان له قوانينه ونظمه.
لكن هذه النظرية تواجه تحديات جمة، فمن أهم شروط النظرية العلمية أن تكون قابلة للتحقق من صحتها، وكما نعلم أن التحقق من أي نظرية علمية في علوم الطبيعة إنما يتم عبر أحد أمرين أساسيين الأول الملاحظة، وهذا يعني أننا نلاحظ وجود هذه الأوتار، وهذا أمر لا يمكن التحقق منه بالوسائل المتاحة حاليا، ومن الصعب الجزم بتوفره في المستقبل وذلك لأننا نتحدث عن أبعاد غاية في الصغر.
حسنا، ماذا عن الأكوان الأخرى؟ ألا يمكننا الوصول إليها؟
والجواب، نعم لا يمكننا التواصل معها بأي صورة ممكنة، والسبب في ذلك أنها تبعد عنا مسافات خيالية لا يمكن بأي حال من الأحوال التواصل معها، بل لنا أن نتساءل، هل يمكننا بالفعل التواصل معها، وهي تملك قوانين ونظما مختلفة عن تلك التي تتحكم في كوننا؟! أما إذا تم التواصل معها مستقبلا -على سبيل الفرض-، فهذا يعني أنها ليست أكوان منفصلة بل هي جزء من كوننا، فلو كانت أكوانا منفصلة فكيف لنا أن نتواصل معها!
وهناك طريقة أخرى يمكننا استخدامها كمؤشر مهم للتحقق من صدق نظرية ما، وهو أن تتنبأ النظرية بعدد من الظواهر الطبيعية التي لم تكتشف بعد، أو تطرح تجربة عملية يمكن القيام بها في المختبر للتحقق من صدق نتائجها، لكن ذلك أيضا غير متحقق، فالنظرية تعمل في مجالين وهما الطاقات الفائقة والمسافات فائقة الصغر، وكلاهما غير متاح للتجربة العملية اليوم ولذا فلا وسيلة للتحقق من صدق ادعاءات هذه النظرية، ولذا فهذه النظرية تبقى في أفضل الحالات، فرضية علمية لأننا لا نملك وسيلة -على الأقل في الوقت الحالي- للتحقق من صحتها،
نظرية كم الجاذبية
النظرية الأخرى التي تطرح كنظرية كل شيء هي النظرية التي تعرف بـ كم الجاذبية، وفي هذه النظرية فإن الكون يتكون من وحدات غاية في الصغر (وحدة بلانك) وهذه الوحدات هي على شكل حلقات، والمكان والمادة بأكملهما هما نسيج لحلقات متراصة من هذه الوحدات الصغيرة، فأصل المادة في هذه النظرية هي هذه الوحدات الحلقية. وباستخدام هذه النظرية يمكننا توحيد قوى الجاذبية مع بقية القوى الثلاث، لكنها تبتلى بنفس التحديات التي واجهت نظرية الأوتار الفائقة، فلا توجد وسيلة تمكننا من التحقق من صحة هذه النظرية.
وهكذا نجد أن النظريتين الحاليتين المرشحتين لنظرية كل شيء ما زالت أقرب إلى كونها فرضيات علمية، لأنها تفتقر إلى أساس علمي مهم وهو إمكانية التحقق العملي من صحة الفروض التي تطرحها هذه الفرضيات، ومن التحقق مما تتنبأ به هاتان النظريتان.
لكن نظرية كل شيء كما قمنا بطرحها وشرحها، قائمة على أسس أولية هامة، لا يتم التعرض لها عادة، وهذا ما سنقوم به في الجزء الأخير من هذه السلسلة حول نظرية كل شيء.
أ. د. حيدر أحمد اللواتي/ كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التواصل معها هذه النظریة التحقق من للتحقق من عن القوى تتکون من لا یمکن أن هناک لنا أن
إقرأ أيضاً:
ماذا حقق فيلم Venom: The Last Dance منذ طرحه في مصر ؟
انطلق فيلم Venom: The Last Dance بالسينمات المصرية، بعد نجاح الجزء الأول والثاني منه، على مستوى العالم حقق فيلم Venom: The Last Danc إيرادات تقترب من 35 مليون و800 ألف دولار، وحصد 10,340,478 جنيه بالسينمات المصرية.
موعد طرح فيلم Venom: The Last Danceطرح فيلم Venom: The Last Dance في أمريكا يوم 25 أكتوبر الحالي، ولكن السينمات المصرية تبدأ طرح الأفلام يوم الأربعاء من كل أسبوع.
فيلم Venom: The Last Dance يشهد العديد من أحداث الأكشن القوية ويظهر فيها الكثير من شخصيات فينوم ويعاني توم هاردي للمرة الأخيرة لإنقاذ العالم.
فيلم Venom: The Last Danceإيرادات فيلم Venom: The Last Danceحقق الجزء الثاني من سلسلة Venom إيرادات بلغت 502 مليون دولار على مستوى العالم خلال نهاية العام الماضي، فيما حقق الجزء الأول الذي طرح عام 2018 حوالي 856 مليون دولار.
يلعب توم هاردي في فيلم Venom شخصية الصحفي إيدي بروك الذي يصاحبه طفيلي من كوكب آخر يحوله إلى وحش كبير الحجم، واستطاع مع الوقت ترويضه واستخدامه في أعمال الخير.
تأجل عرض الجزء الثاني من Venom خمس مرات من قبل بسبب جائحة كورونا، وتوقعت شركة سوني أن يحقق إيرادات مستحقة رغم الأزمة التي يعيشها العالم حاليا وخاصة صناعة السينما.
وبلغت ميزانية إنتاج فيلم Venom حوالي 110 مليون دولار، ويعرض في السينمات فقط وليس على إحدى المنصات مثل غيره من الأفلام التي أثرت عليها ظروف الجائحة.