لجريدة عمان:
2024-11-23@11:49:46 GMT

نظرية كل شيء (الجزء الثاني)

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

نظرية كل شيء (الجزء الثاني)

في مقالتنا السابقة تحدثنا عن المقصود من نظرية كل شيء، والتحدي الكبير الذي يواجه علماء الطبيعة، في محاولتهم الوصول إلى نظرية كل شيء، ولكن وعلى الرغم من كل تلك التحديات فإن العلماء حاولوا الوصول إلى نموذج أولي قائم على نظرية الكم بشكل أساسي ويظن عدد من العلماء أنه ومن خلاله يمكن الوصول إلى «نظرية كل شيء»، ويعد هذا النموذج الذي يطلق عليه النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات هو النموذج المتوفر اليوم لنظرية كل شيء، وهذا ما سنتعرض له أولا، ومن ثم نطرح بعض التحديات التي تواجه هذا المعيار القياسي وبعدها نتناول نظريتين مرشحتين لتكونا نظرية كل شيء، وسنختم حديثنا في مقالة قادمة حول بعض الملاحظات حول هذه النظرية الهامة.

النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات

على الرغم من أن فكرة تكون المادة من ذرات تعود الى الحضارة اليونانية، إلا أن المفهوم الذري لم يأخذ مكانه في الوسط العلمي إلا في القرن السادس عشر عندما طرحه العالم دالتون، ولم يتم التحقق من صحته إلا قبل حوالي قرن من الزمن، وتبين لنا في تلك الفترة أيضا بأن الذرة ليست كما كنا نظنها مصمتة، بل هي عالم من جسيمات صغيرة، إذ تتألف من نواة تحتوي على بروتونات ونيترونات في داخلها، بينما تدور الإلكترونات حول النواة، واعتقد الكثيرون بأن هذه الجسيمات هي جسيمات أساسية، ونقصد بأنها جسيمات أساسية بأنها أصغر أشكال المادة ولا يمكن تفتيتها إلى ما دون ذلك، ولكن ومع مرور الوقت ومع تطور أدوات البحث العلمي، تبين لنا بأن البروتونات والنيترونات ليست جسيمات أساسية بل هي جسيمات تتكون من جسيمات أخرى أساسية، فلقد اتضح لنا أنهما يتكونان من جسيمات أبسط تدعى الكوارك، وأن هناك ستة أنواع من الكوارك، لكن الغريب في الأمر أن المادة المرئية التي نتعامل معها في حياتنا اليومية إنما تتكون من صنفين من الكوارك فقط، أما الأربعة الأخرى فلا نجدها تتواجد في أي جزء من أجزاء المادة المرئية.

وبالمقابل اتضح لنا أن الإلكترون جسيم أساسي لا يمكن تفتيته، ولكن الغريب في الأمر أن هناك خمسة جسيمات أخرى شبية به، جعلناها جميعا في مجموعة واحدة وأطلقنا عليها الليبتون، ومرة أخرى فإن المادة المرئية التي نتعامل معها يوميا تتكون من الإلكترون فقط.

كما أوضح البحث العلمي أن جميع الجسيمات الأساسية تتفاعل مع بعضها البعض عبر أربع قوى نظن بأنها تتحكم في المادة المرئية كلها، ولا توجد قوى أخرى غيرها، ويتم التفاعل بين الجسيمات الأساسية التي أشرنا لها عبر جسيمات أساسية أخرى وهي الجسيمات المسؤولة عن القوى الأربع، واتضح لنا أن مجموع الجسيمات المسؤولة عن القوى الأربع يصل إلى ستة، فجسيم مسؤول عن القوى النووية القوية وآخر مسؤول عن القوى الكهرومغناطيسية وهو الأكثر شهرة حيث يتكون منه الضوء ويسمى بالفوتون، أما القوى النووية الضعيفة فهناك ثلاثة جسيمات مسؤولة عنها تعرف بالبوسون.

كل هذه الجسيمات أمكننا اكتشافها والتحقق من وجودها، لكن التحدي ظل مع جسيم الجاذبية الذي يطلق عليه جرافيتون، وذلك لأننا لم نستطع الكشف عنه وإثبات وجوده بعد.

إن هذه القوى الأربع التي تم التعرف عليها تمثل إلى اليوم جميع القوى التي تؤثر في المادة المرئية، وبذلك لا توجد قوى خفية أخرى تؤثر في المادة، فهذه القوى الفيزيائية هي نفس القوى التي تؤثر في الكواكب والمجرات وتؤثر في كرتنا الأرضية بل وتؤثر بالكائنات الحية أيضا بدءا من وحيدة الخلية وانتهاء بالإنسان، لكن تأثير هذه القوى يعتمد على المسافة التي تفصل بين الجسيمات الأولية، فالقوى النووية الضعيفة منها والقوية مثلا يبرز أثرها عندما تكون المسافة صغيرة جدا بحيث يجب ألا تزيد عن قطر بروتون واحد، بينما قوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية فمداهما أكبر من ذلك بكثير، ولكن وبالمقابل تعد القوة النووية القوية أقوى القوى الأربع إذ إنها أقوى من الكهرومغناطيسية بحوالي مائة مرة.

وبذلك فإننا توصلنا إلى الجسيمات الأولية التي تكون كل شيء والقوى المؤثرة عليها، فهل اقتربنا من نظرية كل شيء وكم نبعد عن تحقيق الحلم؟

الواقع أن من يراجع النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، يجد أننا بعيدون كل البعد حاليا من نظرية كل شيء، فعدد الأسئلة التي طرحها النموذج كثيرة وتحتاج إلى إجابات واضحة، ويبدو أننا لا نملك إجابات على أكثرها.

فإذا كانت المادة المرئية تتكون من صنفين من الكوارك وتتكون من الإلكترونات، فماذا عن بقية الجسيمات وما هو دورها؟ ولماذا تتواجد؟

إن الطموح في نظرية كل شيء لا يقتصر على توحيد القوى الأربع بل وتوحيد الجسيمات التي نعدها أولية إلى جسيم واحد!

تنبثق منه جميع الجسيمات، ولذا فان النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات بعيد كل البعد عن نظرية كل شيء، ومن هنا عمل العلماء على نظريات أخرى، وأبرز تلك النظريات هي نظرية الأوتار الفائقة، وهذا ما سنسلط عليه الضوء أولا.

نظرية الأوتار الفائقة

تعد نظرية الأوتار الفائقة من أهم النظريات التي طرحت كنظرية كل شيء، وهي قائمة على مفاهيم نظرية الكم ولكنها تفترض أن أصل المادة ليست هذه الجسيمات الأساسية التي اكتشفناها بل أصلها هو وتر رفيع جدا وغاية في الصغر لا يمكن مشاهدته حتى بأفضل المجاهر المعروفة لأن طوله ربما يكون طول بلانك والذي يقدر بـ ١٠ مرفوعا لسالب٣٣ سم، وهذا الوتر هو أصل كل أشكال المواد التي نعرفها، ويتحول إلى الجسيمات الأساسية من خلال الذبذبات المختلفة، فكل ذبذبة لها طاقة معينة تمثل جسيما أساسيا، ولذا فعند الذبذبة المعينة يتحول الوتر إلى ذلك الجسيم الأساسي الذي يحمل تلك الطاقة، فكما أن وتر الكمان عندما يطرق بذبذبة معينة يصدر صوتا معينا فكذلك هذا الوتر ينتج جسيما معينا عند ذبذبة معينة، فهناك علاقة طردية بين الذبذبة والطاقة الناتجة، وباستخدام معادلة آينشتاين الشهيرة التي تربط الطاقة بالكتلة، يمكننا تحويل الطاقة إلى كتلة الجسيم الأساسي.

حققت نظرية الأوتار الفائقة نجاحا نظريا، إذ استطاعت من خلال المعادلات الرياضية توحيد القوى الأربع كما أنها تصف الطبيعة على أبسط وأعمق مستوى لها، فلقد جمعت الجسيمات الأساسية في صورة واحدة، ولكن هذه النظرية قائمة على فرضية وتشكل أساس هذه النظرية، ويتمثل الفرض في أن هناك ١١ بعدا في الكون ولا تقتصر الأبعاد على أربعة كما نعرف (الطول، العرض، الارتفاع والزمن) وهو أمر صعب تصوره، وقد حاول الفيزيائيون طرح أمثلة تقريبية لسنا في صدد التعرض لها، لكن السؤال المهم الذي يطرح هو كيف يمكننا أن نتحقق من وجودها تجريبيا وكيف يمكننا تحويل هذه الأبعاد الأحد عشر إلى أربعة؟

تمكن العلماء من القيام بذلك نظريا باستخدام طرق رياضية معينة، وتبين أن التحول من أحد عشر بعدا إلى أربعة أبعاد ممكن، لكن هناك ما يقارب ١٠ مرفوعا لـ أس ٦٠٠ طريقة لذلك وكلها ممكنة!.

فلو قمنا وطبقنا ذلك على أصل الذرة الكونية حسب نظرية الانفجار العظيم، فإن هناك ما يقارب ١٠ مرفوعا لأس ٦٠٠ طريقة لتكون الكون وكل طريقة ستولد لنا كونا مختلفا، وهذا يعني أن هناك ملايين الملايين من الأكوان وليس كونا واحدا كما نتصور، وبهذا فإن فكرة الضبط الدقيق لكوننا لا معنى لها لأنه كون من ملايين الأكوان ولذا فإن ذلك يعزز الصدفة في الضبط الذي نشاهده، فكل كون من تلك الأكوان له قوانينه ونظمه.

لكن هذه النظرية تواجه تحديات جمة، فمن أهم شروط النظرية العلمية أن تكون قابلة للتحقق من صحتها، وكما نعلم أن التحقق من أي نظرية علمية في علوم الطبيعة إنما يتم عبر أحد أمرين أساسيين الأول الملاحظة، وهذا يعني أننا نلاحظ وجود هذه الأوتار، وهذا أمر لا يمكن التحقق منه بالوسائل المتاحة حاليا، ومن الصعب الجزم بتوفره في المستقبل وذلك لأننا نتحدث عن أبعاد غاية في الصغر.

حسنا، ماذا عن الأكوان الأخرى؟ ألا يمكننا الوصول إليها؟

والجواب، نعم لا يمكننا التواصل معها بأي صورة ممكنة، والسبب في ذلك أنها تبعد عنا مسافات خيالية لا يمكن بأي حال من الأحوال التواصل معها، بل لنا أن نتساءل، هل يمكننا بالفعل التواصل معها، وهي تملك قوانين ونظما مختلفة عن تلك التي تتحكم في كوننا؟! أما إذا تم التواصل معها مستقبلا -على سبيل الفرض-، فهذا يعني أنها ليست أكوان منفصلة بل هي جزء من كوننا، فلو كانت أكوانا منفصلة فكيف لنا أن نتواصل معها!

وهناك طريقة أخرى يمكننا استخدامها كمؤشر مهم للتحقق من صدق نظرية ما، وهو أن تتنبأ النظرية بعدد من الظواهر الطبيعية التي لم تكتشف بعد، أو تطرح تجربة عملية يمكن القيام بها في المختبر للتحقق من صدق نتائجها، لكن ذلك أيضا غير متحقق، فالنظرية تعمل في مجالين وهما الطاقات الفائقة والمسافات فائقة الصغر، وكلاهما غير متاح للتجربة العملية اليوم ولذا فلا وسيلة للتحقق من صدق ادعاءات هذه النظرية، ولذا فهذه النظرية تبقى في أفضل الحالات، فرضية علمية لأننا لا نملك وسيلة -على الأقل في الوقت الحالي- للتحقق من صحتها،

نظرية كم الجاذبية

النظرية الأخرى التي تطرح كنظرية كل شيء هي النظرية التي تعرف بـ كم الجاذبية، وفي هذه النظرية فإن الكون يتكون من وحدات غاية في الصغر (وحدة بلانك) وهذه الوحدات هي على شكل حلقات، والمكان والمادة بأكملهما هما نسيج لحلقات متراصة من هذه الوحدات الصغيرة، فأصل المادة في هذه النظرية هي هذه الوحدات الحلقية. وباستخدام هذه النظرية يمكننا توحيد قوى الجاذبية مع بقية القوى الثلاث، لكنها تبتلى بنفس التحديات التي واجهت نظرية الأوتار الفائقة، فلا توجد وسيلة تمكننا من التحقق من صحة هذه النظرية.

وهكذا نجد أن النظريتين الحاليتين المرشحتين لنظرية كل شيء ما زالت أقرب إلى كونها فرضيات علمية، لأنها تفتقر إلى أساس علمي مهم وهو إمكانية التحقق العملي من صحة الفروض التي تطرحها هذه الفرضيات، ومن التحقق مما تتنبأ به هاتان النظريتان.

لكن نظرية كل شيء كما قمنا بطرحها وشرحها، قائمة على أسس أولية هامة، لا يتم التعرض لها عادة، وهذا ما سنقوم به في الجزء الأخير من هذه السلسلة حول نظرية كل شيء.

أ. د. حيدر أحمد اللواتي/ كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التواصل معها هذه النظریة التحقق من للتحقق من عن القوى تتکون من لا یمکن أن هناک لنا أن

إقرأ أيضاً:

نادر إسماعيل بطلًا لسباق اختراق الضاحية بالمضيبي

تُوّج نادر إسماعيل بطلًا في الفئة الأولى لمسافة عشرة كيلومترات، فيما حصل حمد الريامي على المركز الأول في فئة الشباب لمسافة 5 كلم، بينما فاز اليزن الشريقي في فئة الأطفال لمسافة كيلومترين، وذلك في سباق اختراق الضاحية بسمد الشأن بولاية المضيبي، ونُظم السباق من قِبل نادي المضيبي بالتعاون مع الاتحاد العماني لألعاب القوى، بمشاركة 221 متسابقًا، وتوج الفائزين بالسباق العميد متقاعد سعيد بن محمد الحجري، رئيس الاتحاد العماني لألعاب القوى.

وجاءت نتائج الفئة الأولى بحصول نادر إسماعيل على المركز الأول، وحلّ ثانيًا ماجد الجهضمي، وفي المركز الثالث سالم الراشدي، بينما في فئة الشباب حصل حمد الريامي على المركز الأول، وجاء أحمد الريامي وصيفًا، وفي المركز الثالث الأسعد الدويكي، أما في فئة الأطفال فقد حصل اليزن الشريقي على لقب الفئة، وحلّ ثانيًا وليد الشبلي، وفي المركز الثالث محسن العمري.

وقال راعي المناسبة: "يأتي السباق في إطار استعدادات الأندية لبطولة المحافظات وكذلك للمشاركة في احتفالات العيد الوطني الـ54 المجيد، وأيضًا استعدادًا للمشاركات الخارجية، ونتوجه بالشكر لنادي المضيبي على هذه الخطوة المهمة، وبلا شك أن الاتحاد العماني لألعاب القوى يملك العديد من الخطط لتطوير هذه السباقات في النسخ المقبلة".

من جانبه، قال أحمد بن عبدالله الحبسي رئيس نادي المضيبي: "نحن سعداء بتنظيم هذا السباق بسمد الشأن، ونشكر كل الداعمين لهذا السباق وفي مقدمتهم الاتحاد العماني لألعاب القوى، وأُقيم هذا السباق في 3 فئات، ونشكر كل اللجان المنظمة لهذا السباق ضمن توجهات النادي لتنويع الأنشطة، كما أن إقامة هذا السباق بالقرب من حصن الخبيب السياحي بسمد الشأن تأتي للتعريف وإبراز المكونات التي تزخر بها ولاية المضيبي".

مقالات مشابهة

  • نادر إسماعيل بطلًا لسباق اختراق الضاحية بالمضيبي
  • موتسيبي : المغرب بلدي الثاني وأفريقيا ممتنة لجلالة الملك بإستضافة المنتخبات الإفريقية التي لا تتوفر على ملاعب
  • لدينا جيش وأجهزة تخطط.. مصطفى بكري يكشف نظرية الكماشة
  • هل تختبئ كائنات فضائية في عوالم موازية؟ نظرية جديدة جريئة
  • حقيقة تسريع كائنات فضائية لحركة النجوم في الكون.. نظرية جديدة تثير التساؤلات
  • ما نظرية الأكوان الموازية بعد حديث عمرو سعد عنها؟.. بوابة لعوالم خفية
  • القراءة في عقل الأزمة
  • هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها خلال حكم ترامب الثاني المرتقب؟
  • داخل فرن للمناقيش.. إليكم ما ضبطته القوى الأمنيّة (صورة)
  • السودان ما بين استبدال القوى السياسية أو استبدال الأمة السودانية