"البشارة والنذارة في تعبير الرؤيا".. أول تحقيق علمي لكتاب الخركوشي وتصحيح نسبته
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
في الكتاب الذي صدر مؤخراً عن "مركز أبوظبي للغة العربية"، التابع لدائرة الثقافة والسياحة، بعنوان "البشارة والنذارة في تعبير الرؤيا"، تحقيقٌ ودراسة لكتاب الواعظ المتصوّف أبي سعد عبد الملك بن محمّد الخركوشيّ (ت 407/1016)، وهو كتاب في تفسير المنامات، الذي سبق وأن نشرت نصّه عشرات دور النشر في العالم العربيّ ولكن باسم ابن سيرين (ت 110/728) معبّرِ المنامات الأشهر في الحضارة الإسلاميّة.
وأشار المحققان بلال الأرفه لي، ولينا الجمّال إلى أن الطبعات الشعبيّة من هذا الكتاب كانت حظيت بشهرةٍ واسعة وحقّقت مبيعاتٍ هائلة، وتجاوز خطأ النسبة العامّةَ إلى عددٍ من الباحثين – العرب والمستشرقين – الذين استندوا إلى الكتاب في دراساتهم وأقرّوا بنسبته إلى ابن سيرين على أنّه من تدوين أحد تلامذته. ودرسا جانباً من التاريخ النصّيّ لـ البشارة والنذارة، وقدّما بجهدهما هذا، أوّل تحقيقٍ علميّ للكتاب بنسبته الصحيحة بالاستناد إلى ثلاثةٍ من أبرز مخطوطاته.
تعبير الرؤيا يقع كتاب "البشارة والنذارة" ضمن نمطٍ من التأليف شاع في الأدب العربي، عُرفت بكتب التعبير أو كتب تعبير الرؤيا. وكان أصحابها ينتمون إلى النخب الفكريّة والدينيّة في مختلف مناطق العالم الإسلاميّ. ويُعَدُّ أقدمَ كتابٍ وصلنا وَضَعه متصوِّفٌ في تعبير الرؤيا، وهو ما يسمح بتتبّع آثار التصوّف الأولى في علم التعبير الإسلامي. يتضمن الكتاب مقدّمةً وتسعةً وخمسين باباً، وينتهج فيه الخركوشيّ، حسب كلام المُحَقِقِين، نهج سلفه في التعبير فيؤوِّل الرؤيا بالقرآن والحديث والاشتقاق اللغويّ والمثل السائر وغير ذلك. لا يُسمَع صوت المؤلّف بوضوح في الكتاب، لكنّ دوره بارز في الاختيار والجمع والترتيب، وإضفاء بعدٍ صوفيّ على التأويلات، وإيراد عددٍ من منامات المتصوّفة التي لا ترد في كتب التعبير قبله. جمع الخركوشيّ مادّته من مصادر سبقته – وفي طليعتها كتاب الدينوريّ– واختصرها دون الإحالة إلى أصحابها، ولعلّه أراد وضع دليلٍ للمريدين في التعبير، يُغنيهم عن مراجعة المؤلّفات الضخمة. المخيلة الجماعية ورأى المحققان أن الخركوشيّ تناول في "البشارة والنذارة" طيفاً واسعاً من التأويلات، وقد جاءت أبواب الكتاب ضمن ستّة محاور رئيسة: المحور الأوّل (الأبواب 1–21): تأويل رؤيا الله وملائكته ورسله وكتبه والجنّة والنار، وتأويل رؤية النبيّ محمّد (ص) وأصحابه وتابعيه، وتأويل رؤيا الإسلام وبعض شعائره وعباداته؛ المحور الثاني (الأبواب 22–32): تأويل رؤيا البشر على اختلاف ألوانهم وفئاتهم وأعمارهم وحرفهم، وتأويل أحوالهم المختلفة في الأكل واللبس واللهو والحرب؛ المحور الثالث (الأبواب 33–44): تأويل رؤيا المخلوقات من بهائم ووحوشٍ وطيور وحشرات، وتأويل رؤيا السماء والأرض وما يتّصل بهما؛ المحور الرابع (الأبواب 45–49): تأويل رؤيا الجمادات مثل أدوات الكتابة والركوب والأثاث؛ المحور الخامس (الأبواب 50–58): تأويل رؤيا أعمالٍ وأحوالٍ متفرّقة مثل النوم والجوع والنكاح واليُتْم والسفر والبيع؛ المحور السادس (الباب 59): رؤيا بعض الصالحين لبعض. وقد أشار المحققان "الأرفه لي والجمّال" إلى أن إسهامات "البشارة والنذارة" لا تقتصر على علم تعبير الرؤيا، وتتعدّاه إلى فهمٍ مغاير، فالكتابُ أشبه بمعجمٍ لرمزيّة الأشياء المحسوسة والمجرّدة بما كانت تمثّله في المخيّلة الجماعيّة في القرن الرابع/العاشر. انزياحات دلالية وثمة إشارة هامة من المحققين تفيد أن الخركوشيّ أراد اختصار ما سبقه من تآليف، وفي مقدّمتها كتاب الدينوريّ، ولعلّ قصده كان وضع كتابٍ موجزٍ جامعٍ يسهل نسخه وتداوله بين المريدين، فيغنيهم بذلك عن مراجعة المؤلّفات الضخمة. وخلف هذه العمليّة الشاقّة والمعقّدة من الاختيار والاختصار والجمع والتنظيم، يكمن صوت المؤلّف الأوّل. كما أن للمؤلّف صوتٌ ثانٍ مهمّ يتجلّى في أثر التصوّف على علم التعبير الإسلاميّ، فالخركوشيّ– على حدّ علمنا – هو أوّل متصوّفٍ يضع كتاباً في التعبير، وقد انعكس ذلك في انزياحاتٍ دلاليّة واضحة تظهر في تأويلات بعض الرموز التي ترتبط أبعادها بالتصوّف، منها على سبيل المثال لا الحصر: الصوف، والماء، والخبز، والقُمُص. ولم يكن الخركوشيّ في مثل هذه التأويلات ناقلاً عمّن سبقه بل مجدِّداً ومساهماً في اتّساع الفجوة بين التعبير الإسلاميّ والتعبير اليونانيّ المتمثّل بكتاب تعبير الرؤيا لأرطاميدورسالإفسيّ (ArtémidoreD’éhèse، القرن الثاني للميلاد). وتابع الخركوشيَّ عددٌ من المتصوّفين الذين ردّوا تعبير الكثير من المصطلحات إلى بحرٍ من تجارب المتصوّفة.فضلاً عمّا سبق، يضمّ كتاب البشارة والنذارة عدداً وفيراً من منامات المتصوّفة، وقد وزّعها الخركوشيّ على أبواب كتابه وفق موضوعاتها، وخصّ الباب الأخير بمجموعةٍ من رؤى بعض الصالحين لبعض. وهو في ذلك يفترق عن كتب التعبير قبله التي لم تفرد باباً بطوله للمنامات، ويتّفق مع كتب التصوّف المبكّرة التي تولي اهتماماً للمنامات – وتُعرف بـ "رؤيا القوم" في اللغة الصوفيّة – وتجمعها في بابٍ واحد. بوابة الوحي وعن أسباب تسمية الكتاب بهذا الاسم، يشير المحققان إلى أنّ اختيار الخركوشيّ لثنائيّة البشارة والنذارة يُظهر من خلالها اعتناءه بوظيفة المنامات في الإسلام، فالرؤيا الصحيحة هي بوّابة الوحي التي لم تُغلق بعد وفاة النبيّ محمّد، وعلى الرائي المسلم أن يسعى إلى تأويلها وفهمها والعمل بموجبها. تحمل الثنائيّات المتضادّة – ومن بينها البشارة والنذارة – "ذوقاً" صوفيّاً؛ إذ يكثر استعمال لفظينِ متقابلين في لغة أهل التصوّف وكتبهم.
واختار الأرفه لي والجمّال تقسيم الكتاب إلى مقاطع، وتخصيص كلّ مقطعٍ برقم لتسهيل الإحالة إلى مضمونه في الفهارس. تتفاوت المقاطع من حيث الطول لمراعاتها مسألتين أساسيّتين: (1) موضوع المقطع كأهمّيّة الرؤيا، وآداب المعبّر، ونحو ذلك؛ (2) انفراد كلّ مقطع برمزٍ مؤوَّل وإن كثرت تفاصيله، كتأويل الحجّ على اختلاف أحواله، وتأويل شَعْر الرأس وما يتعلَّق به.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة مركز أبوظبي للغة العربية المؤل ف
إقرأ أيضاً:
طلاب «هندسة المنصورة» يبدعون في تصاميم معمارية بمعرض علمي متميز
نظمت كلية الهندسة بجامعة المنصورة الأهلية معرضًا علميًا ضمن مقرر «الإنشاء المعماري والتركيبات الفنية والصحية»، وذلك تحت رعاية الدكتور شريف خاطر، رئيس الجامعة، وقدم الطلاب عدد من التصاميم المعمارية والإنشائية بأسلوب علمي وتطبيقي، وتنوعت العروض بين بوسترات وماكيتات تناولت مختلف جوانب الإنشاء المعماري، وبوسترات للأنظمة الإنشائية، ونظام إنشاء المباني الفراغية، ومباني الطوب، بالإضافة إلى التركيبات الصحية والفنية، وطرق وأنواع عزل المباني، فضلًا عن أنواع الأبواب والشبابيك ونظم حركتها طبقًا للكود الأوروبي.
الماكيتات عكست قدرة الطلاب على تطبيق المفاهيم النظرية بطرق عمليةأما الماكيتات، فقد عكست قدرة الطلاب على تطبيق المفاهيم النظرية بطرق عملية، إذ قدموا نماذج لعزل الأسطح، ومباني بنظام الحوائط الحاملة، وتصاميم ثلاثية الأبعاد لنظم إنشائية على أساسات عميقة، بالإضافة إلى نماذج لأبواب الحشو وشبابيك الخشب.
الأعمال المشاركة بالمعرض مثلت مستوى المهارة للطلابوتميزت الأعمال المشاركة بالمعرض بالدقة والإبداع، مما يعكس مستوى المهارة الذي وصل إليه الطلاب، ويظهر تفانيهم في استيعاب وتنفيذ المشروعات بأسلوب يعكس روح الابتكار، وقد أبدى أعضاء هيئة التدريس إعجابهم بالمعروضات التي قدمت صورة مشرفة عن إمكانيات الطلاب.