هل تصبح النباتات السامة وقود المستقبل؟
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
إن الحديث المتزايد حول قضايا المناخ وتأثيرها، كان لابد أن يُقابل بحلول، ليس للحد من الانبعاثات الضارة لرئتي الإنسان وكوكب الأرض فقط، ولكن للاستمرار في تغذية العالم المتسارع في تطوره بوقود مستدام أيضًا، وهو ما قادنا للتفكير بمشروع إنتاج الديزل الحيوي من خلال إعادة تدوير بذور النباتات السامة والمهملة.
ويُنتج الديزل الحيوي عادةً من مصادر حيوية مثل النفايات الزراعية والنباتات مما يجعله مستداما وصديقا للبيئة، وفي مشروعنا ركّزنا على بذور النباتات التي تحتوي في تركيباتها الحيويّة على مواد سامة، والتي عادة ما يُتخلص منها كونها تمثل خطرًا على البيئة والكائنات المستهلكة لها، ومن خلال البحث المتعمق، وجدنا أنه يمكن النجاح في استخدام بذور تلك النباتات في مشروع إنتاج الديزل الحيوي بعد إجراء عمليات تنقية ومعالجة لها، يتضمن ذلك التخلص من المواد الضارة واستخراج الزيوت النباتية منها بواسطة الطرق الكيميائية الحديثة التي تعطي كفاءة عالية تصل إلى 70%، كما قمنا في عمليات الاستخلاص باستخدام مذيبات عضوية تخرج الزيت من البذور بصورة نقية وبكمية جيدة.
وتمر عملية إنتاج الوقود الحيوي من بذور النباتات السامة بعدة عمليات بدءًا من جمع البذور وتصنيفها وتنظيفها وتجفيفها بعناية، ثم نبدأ باستخراج الزيوت النباتية منها باستخدام طرق ميكانيكية وكيميائية كالمذياع العضوية، لضمان استخلاص أكبر قدر من الزيت بصورة نقية، حيث تعدّ هذه الزيوت المادة خام لإنتاج الديزل الحيوي.
ونحرص خلال عمليات الإنتاج على إعادة تدوير مشتقات الإنتاج بشكل كامل، أي أنه لا يُتخلص من أي فاقد أو ناتج ثانوي. وتعالج تلك المشتقات بوسائل بيئية يعاد استخدامها في عمليات الإنتاج اللاحقة، الأمر الذي يقلل من أي تأثيرات سلبية على للبيئة من المشروع، ويسهم في زيادة الجدوى الاقتصادية له. كما يمكن إعادة استخدام الجلسرين الناتج من عملية تحويل الزيت النقي إلى ديزل في صناعة الشموع والصابون وغيرها .
ويعد مشروع إنتاج الديزل الحيوي من إعادة تدوير بذور النباتات السامة والمهملة نموذجا واعدا للاستدامة وتوليد الطاقة من مصادر متجددة، لما له من تأثير إيجابي على البيئة والاقتصاد معًا، ومع توجيه الاستثمارات والبحث نحو تحسين عمليات الإنتاج والاستدامة، سيمثل المشروع خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر نظافة واستدامة، كما يمكن للمشروع تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال استغلال الموارد المحلية بشكل أفضل وخلق فرص عمل جديدة في مجال جمع البذور ومعالجتها، إضافة إلى تصدير الديزل الحيوي الناتج إلى الأسواق العالمية.
طالبة بكالوريوس في كلية العلوم بجامعة السلطان قابوس - حائزة على جوائز محلية وإقليمية في الابتكار العلمي
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ابن الذهبي
عالم في علم النبات وعلوم اللغة والمعاجم وطبيب مبدع. ألف أول موسوعة لغوية طبية في التاريخ، فكان صاحب سبقٍ طبي ولغوي فريد من نوعه، ولد الطبيب عبدالله بن محمد الأزدي الملقب بابن الذهبي في مدينة صحار في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، وفي صحار تلقى ابن الذهبي تعليمه الأولي من خلال حضور حلقات القرآن الكريم واللغة العربية ومبادئ الحساب.
وفي مرحلة الشباب اعتنى ابن الذهبي بدراسة الطب وصناعة الأدوية ودراسة النباتات الطبية التي يمكن الاستفادة منها في صناعة الأدوية، فقد كان شغوفا بتعلم كل ما هو جديد في مجال تشخيص الأمراض العضوية والنفسية وكل ما هو جديد في مجال استخدام النباتات في علاج الأمراض، فقرر دراسة خصائص النباتات التي تنمو في مدينة صحار، ودرس استخداماتها الطبيبة، كما درس كتب الفلسفة، وقرأ كتب الكيمياء والصيدلة، وبعد فترة قضاها في البحث والتقصي حول النباتات التي تستخدم كعلاج للأمراض في عمان قرر ابن الذهبي شق عصا الترحال لمزيد من المعرفة الطبيّة والصيدلانية.
وكانت البصرة خلال العصور الإسلامي محطة ثقافية مهمة يحرص طلاب العلم على السفر إليها من أجل الالتقاء بكبار علماء الإسلام في تلك الفترة وحضور حلقاتهم العلمية، هذا ما حدا بابن الذهبي إلى السفر للبصرة لينهل من معين علمائها ويجالسهم ويتباحث معهم في العلوم الطبيبة. وفي البصرة زار ابن الذهبي المكتبات ودور الوراقين فاطلع على كتب الطب والصيدلة، والتقى فيها بأشهر علماء العراق من أمثال الطبيب أبي الحسن الحراني، فجالسه وتعلم منه وقرأ كتبه وتباحث معه حولها، وقرأ مؤلفات يعقوب بن إسحاق الكندي الذي كتب كتاب رسالة في قدر منفعة صناعة الطب، حيث وضع في هذا الكتاب مقياس رياضي لتحديد فعالية الدواء، وأطلع ابن الذهبي على مؤلفاته في الكيمياء كرسالته التي تحمل عنوان كتاب في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة، وقرأ كتابه في صناعة العطور، ودرس ابن الذهبي كتاب فردوس الحكمة أو جنة الحكمة لمؤلفه أبي الحسن علي بن سهل الطبري، وقرأ مؤلفات أبي زكريا يوحنا بن ماسويه الخوزي مثل: كتاب النوادر الطبية، وكتاب الأزمنة، وكتاب عن دغل العين، وكتاب معرفة محنة الكحالين، وكتاب المنجي في التداوي من صنوف الأمراض والشكاوي، ودرس مؤلفات محمد بن زكريا الرازي، وإسحاق بن عمران البغدادي، ومحمد بن محمد الفارابي، وخلال إقامته في العراق اختبر النباتات العراقية وتعرف على فوائدها وقارنها بالنباتات العمانية.
بعد العراق عزم ابن الذهبي السفر إلى بلاد فارس ليدرس على يد الطبيب والصيدلاني والفيلسوف والفلكي الملقب بالأستاذ أبي الريحان محمد بن أحمد البيروني، فتعلم منه وناقشه في كل ما يخص علم الأمراض والأعشاب الطبية، وتعلم على يديه من كتاب البيروني الصيدلة في الطب وهو كتاب موسوعي ذكر فيه مجموعة كبيرة من الأدوية وحدد طريقة إعدادها وكيفية استخدامها، وأسماء النباتات والأعشاب في اللغة العربية والهندية والفارسية. وبعدها سافر ليلتقي بأبي علي الحسين بن عبدالله بن الحسن بن علي بن سينا، الذي كان أشهر أطباء عصره وله كتاب مهم في الطب بعنوان القانون في الطب، فدرس على يد ابن سينا أحدث ما توصل إليه الطب في تلك الفترة، وقرأ على يدي ابن سينا مؤلفات ابن سينا الطبية، والشعرية كذلك، مثل قصيدة ابن سينا التي مطلعها: نزلتُ إليك من المحلِ الأرفعِ، وكان ابن الذهبي يُجِلُ ابن سينا كثيرًا ويقدره ويصفه بشيخنا العلامة احترامًا واجلالا له.
خلال هذه الرحلة المعرفية الشيقة والممتعة في البحث والدراسة والتقصي كان ابن الذهبي يسجل في كتابه وبطريقةٍ علميةٍ أهم ما توصل إليه من معرفةٍ فيما يخص النباتات والتداوي بها، فكتب معجم طبي لغوي عنونه بعنوان الماء، ورتبه على حروف المعجم، وجعل الجذر الثلاثي للكلمة أصلا للمادة. وابتدأ هذا المعجم الطبي اللغوي بمادة الماء، ثم بدأ بعدها بمادة الهمزة، ثم بقية حروف الهجاء إلى أن انتهى بمادة الياء.
كتب ابن الذهبي في مقدمة كتابه هدفه من كتابة هذا المعجم، حيث قال: "وأردته نافعًا لمن سَمتْ به همته من غير الأطباء، إلى أن يتعرف صنعة الطب، ويتشوف إلى معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم (ما وضع الله داء إلا وضع له دواء)، ومسعفا للطبيب الراغب في تعريب لسانه ولوازم صنعته وآلات مهنته. فقد بلغنا عن أطباء عصرنا ومتطببيه، وصيادلته وعطاريه، وأهل الجراحة والتشريح والكحالين، ما بلغنا من خروجهم على لغة العرب، وتفضيلهم لكلام العجم، يتمادحون بذلك فيما بينهم، ويغمضون فيه أمام مرضاهم، إظهارًا لقدرة لا تستحق الإظهار وعجمة لا تستوجب الافتخار... فجهدت جهدي أن أعيد الأعجمي من لفظ الأطباء إلى رسوم لسان العرب). إذًا كان هدف ابن الذهبي من هذا المعجم تعريب علم الطب، وحمل الأطباء على التحدث باللغة العربية والاعتزاز بها.
واعتمد ابن الذهبي في معجمه على مصادر لغوية مثل كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي الذي سار على نهجه وطريقته، واستفاد ابن الذهبي أيضًا من كتاب الطب النبوي لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري، والمؤلفات اللغوية لمحمد بن يزيد المُبرد، كما رجع إلى المؤلفات الطبية التي كتبها علماء الإغريق والهنود والإسلام.
وفي مقدمة الكتاب لم ينس ابن الذهبي أن يقدم شكره وعرفانه لمن كان سنده ومرجعه في تأليف كتابه حيث قال: "وقد عولت في هذا الكتاب على ما اختبرته بنفسي وما أفاضه علي شيوخ الأطباء الكبار فأولهم استحقاقا للتنويه الشيخ العلامة ابن سينا، فله على كل كلمة ها هنا عارفة، وعلى كل علم نوليه طارفة. فمنه أخذت معظم أبواب صنعة الطب. وعن أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد أفدت تعريب ما كنت أصليت من أسماء ومسميات. فأليهما فضل ما في هذا الكتاب من طبٍ نافعٍ، ومعنى شافعٍ".
وبعد بلاد فارس سافر ابن الذهبي إلى بلاد الشام فزار بيت المقدس وعدد من المدن الشامية فدرس خصائص النباتات فيها وأخضعها للتجريب والبحث، ثم ارتحل إلى الأندلس ليستقر فيها ويلتقي بعلمائها وأطبائها، لتوافيه المنية هناك وبالتحديد في مدينة بلنسية عام 456 هـ الموافق 1064م، وحضر جنازته جمعٌ غفيرٌ من الناس من بينهم علماء الأندلس ومنهم القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد عبدالرحمن التغلبي الأندلسي القرطبي صاحب أربعة مؤلفات مهمة وهي: كتاب حركات النجوم والكواكب، وكتاب جوامع أخبار العرب والعجم، وكتاب في الديانات والمعتقدات والفرق الإسلامية وغير الإسلامية، وكتاب طبقات الأمم، ولقد أشار القاضي صاعد الأندلسي في هذا الكتاب إلى وفاة ابن الذهبي في مدينة بلنسية.
وسعت وزارة التراث العمانية إلى العناية والاهتمام بمخطوط كتاب الماء فعملت على تحقيقه ودراسته وقام بتحقيق المخطوط الطبيب هادي حسن حمودي، وطبعت الوزارة الكتاب مرتان الأولى عام 1996م، والثانية 2015م، كما عُقِدت العديد من الندوات والمحاضرات داخل السلطنة وخارجها للتعريف والإشادة بهذا العالم الجليل، وقُدِمت العديد من الدراسات حول كتاب الماء للوقوف على أهمية الكتاب ودوره الفكري، ومساهمته العلمية.
قدم هذا الطبيب والصيدلاني العماني إلى المكتبة الإنسانية معجما طبيا لغويا أسهم من خلاله في إثراء العلم الإنساني، ووضع بصمته في تطويره، وهذا دأب العماني دائمًا الحرص على الابتكار والإقدام العلمي، وتقديم كل ما هو جديد. وسعت سلطنة عمان إلى إدراج هذا الطبيب إلى قائمة الشخصيات العالمية المؤثرة في المجتمع الإنساني بتقديمها خدمات جليلة للإنسان بالحفاظ على حياته وصحته من خلال كتابه الطبي "الماء"، فكان ذلك حيث وافق منظمة اليونسكو على إدراج ابن الذهبي إلى قائمة الشخصيات العالمية المؤثرة في عام 2015م.
*تربوية وباحثة في الشأن التاريخي