الجزيرة:
2024-07-06@18:51:27 GMT

تهافت هابرماس والسقوط الأخلاقي

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

تهافت هابرماس والسقوط الأخلاقي

 

..ويسقط يورغن هابرماس مذعورًا، كما سقط غيره من كبار المثقفين والفلاسفة عبر التاريخ حين انسلخوا عن كل ما بشّروا به من مبادئ وقيم تشدقوا بها في كتبهم ومحاضراتهم، ورددها المبهورون بهم حتى أصبحت في مصاف الكتب السماوية، لا يخرج عنها إلا هالك ولا يتنكّبها إلا جاهل.

أصدر يورغن هابرماس- ومعه نيكولا ديتلهوف أستاذة العلوم السياسية، ورينر فوريست الفيلسوف المعروف، والأستاذ كلاوس غونتر- بيانًا حول ما يجري في قطاع غزة، أدانوا فيه " المجزرة التي ارتكبتها حماس ضد إسرائيل بنية إبادة الحياة اليهودية بشكل عام.

"

أنا لا أريد أن أجادلَ في المكانة العلميّة والمعرفية ليورغن هابرماس الذي يقول كثيرون: إنه غدا- بما بلغه من علم في الفلسفة وعلم الاجتماع- بمثابة ضمير ألمانيا الحديثة، فلست قادرًا على ذلك تخصصًا ولا علمًا، ولا يليق بي أن أتطاول عما تقصر باعي عن بلوغه.

يقول هابرماس، ومن معه في بيانهم: "إنّ الوضع الحالي الذي تسبّبت فيه وحشية الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حماس، وردّ فعل إسرائيل عليه، أفضى إلى سلسلة من المواقف الأخلاقيّة والسياسيّة والمظاهرات الاحتجاجية".

فوقية الغرب

ولنتوقّف عند عبارة: "المواقف الأخلاقيّة والسياسيّة والمظاهرات الاحتجاجية"؛ لنسأل الفيلسوف- الذي يكاد يناهز المئة من السنين- عما إذا كان فهمه وتعريفه للأخلاق هنا يتّفق مع أركان فلسفته العلمية النقدية، التي تطالب بالتجرد في بحث كل المواقف والمسائل والقضايا بحثًا دقيقًا يشمل كل الأطراف، ويغطي الامتداد الزمني من دون انحياز لطرف على حساب آخر؟

لقد قفزَ هابرماس وصحبه في الزمن ليعظنا ويقول: "إن هناك بعض المبادئ التي يجب ألا تكون محل خلاف، وهي مبادئ تشكل أساسًا لتضامن مُفَكَّرٍ فيه ومُتَعَقَّلٍ مع إسرائيل واليهود واليهوديات في ألمانيا."

فهي إذن- يا كبير فلاسفة الزمان- مبادئ يجب ألا تكون محل خلاف، في ألمانيا على الأقل، كما يوحي البيان بنصه الكامل. وأين هذا من مبادئ الفلسفة النقدية الاجتماعية التي اشبعتنا بها في كتبك؟ أين الشمولية النقدية البحثية؟ وأين الدعوة للحرص على تمثيل كل وجهات النظر، وبحثها باستفاضة قبل صدور أي حكم أو تقويم؟

وهنا يثور السؤال: هل يحق أو يجوز للعالم أن يفرض على كل العقول ألا تبحث في هذا الأمر أو ذاك، وتبحث في غيره مما يراه هو؟ هذا هو الكِبْر بعينه، كِبْر العالِم حين تضل بوصلته الأخلاقية، وحين يحاول ستر جُبْنه بشجاعة رِعْديد يرتجف من ماضٍ مخجل، أو إثم يحيك في نفسه.

لقد مارس الغرب وعلماؤه هذه الفوقية المتعالية قديمًا وحديثًا، فلا غرابة أن يوجبها اليوم أربعة من كُبَراءِ فلاسفتهم وعلمائهم على الألمان جميعًا، بل على العالم أجمع.

الامتداد التاريخي للقضية

قفز هابرماس، ومن معه في الزمن، وتجاهلوا الامتداد التاريخي للقضية الفلسطينية، وكأنه ليس هناك احتلال لفلسطين جلبه الغرب منذ 75 عامًا، فلا حقّ، في معاجمهم ومفاهيمهم، لمن احتُلَّت أرضه في الدفاع عنها، والسعي إلى تحريرِها، طال الزمان أمْ قَصُر.

ولا يخفي هابرماس، ومن وقعوا معه، دافعهم للدفاع عن إسرائيل وتبرير جرائمها في غزّة، فهو ليس إلا الخوف من الاتّهام بمعاداة السامية، ويقولون في بيانهم: "فالروح الديمقراطية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، والتي تقوم على أساس الاعتراف بالكرامة الإنسانية، ترتبط بثقافة سياسية تعتبر الحياة اليهودية، وحق إسرائيل في الوجود عنصرين أساسيين يستحقان حماية خاصة، مع استحضار الجرائم الجماعية التي ارتكبت سابقًا في الحقبة النازية".

إذن، فالنازية هي التي ارتكبت فظائع المحرقة في أفران الغاز ومعسكرات التعذيب، في البلدان التي احتلتها ألمانيا النازية، وليس في فلسطين وغزة. وقد كان يورغن هابرماس- عندما اجتاحت القوات النازية أوروبا عام 1939- صبيًا في العاشرة من العمر، ولو لم تنهزم ألمانيا في الحرب، ربما أصبح هابرماس عضوًا في الحزب النازي، كما كان كارل شميت، صاحب "اللاهوت السياسي."

لكن النازية ارتكبت فظائع أخرى غير المحرقة. ويكفينا، مثالًا على ذلك أن أكثر من 20 مليون إنسان قتلوا في روسيا بنيران الألمان في الحرب العالمية الثانية. أو لا ينبغي إذن ليورغن وصحبه أن يستحضروا تلك الجرائم الجماعية غير المسبوقة ويجدوا مسوغًا لما تقوم به القوات الروسية في أوكرانيا، حتى لا يتمدد حلف الناتو- وألمانيا عضو فيه- إلى حدود روسيا؟ مع أني لا أدافع عن روسيا التي ترتكب اليوم جرائم بشعة في سوريا.

ولو أن للغرب المتغطرس ضميرًا لاستحضر فظائعه بحق اليهود عبر القرون، وتذكر أن معازلهم كانت في العواصم والمدن الأوروبية، وليس في فلسطين وبلاد المسلمين. ولو أن الغرب يحترم الكرامة الإنسانية، التي تحدث عنها هابرماس وجماعته لاستحضر، على الدوام، جرائم الإبادات العرقية التي ارتكبها الرجل الأبيض في العالم الجديد غربًا، وفي أستراليا شرقًا! وقد لا تتسع كل موسوعات العالم لمثل هذه الأمثلة عن فظائع الغرب.

وحين يتجاهل هابرماس وصحبه- المتربعون على قمة الهرم العلمي والمعرفي في الغرب- دروسَ التاريخ، فذلك هو السقوط الأخلاقي بعينه، بإرادة من يسقط فيه إن شئت، أو رغمًا عنه. فكيف إن كان الساقطون أخلاقيًا هذه المرة، هم فئةً من كبار العلماء والمفكّرين في بلدانهم وثقافاتهم، يتنكرون لكل ما كتبوه وقالوه؛ خوفًا من تهمة معاداة السامية؟

لقد نجح المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، ومروجو تهمة معاداة السامية في ترويض المهزومين في ألمانيا واليابان، على وجه الخصوص، وها هو هابرماس وصحبه يقعون في أقفاص الاتهام الأخلاقي كالفرائس المغلوبة على أمرها.

لمثل هذا المصير يريد الغرب ويخطط لإيراد أمتنا، بدأ بغزة والضفة أولًا. فبالأمس دعا بنيامين نتنياهو لإحداث تغيير ثقافي جوهري في قطاع غزة بعد الحرب التي سقط فيها كيانه.

لكن أمتنا عصية على السقوط وفيها القرآن يتلى وصوت الأذان يرفع، واسألوا شعوبنا التي ترفض أن تنسى فلسطين وتقبل بإسرائيل. وإن سقط بعض منا في مهاوي التردي والفشل تنهض الأمة على أكتاف حفظة الكتاب وتستفيق على صوت الأذان، وهو ما لا يعرفه أو يدركه هابرماس وزمرته.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

ممثل أمريكي: ما تفعله إسرائيل غير أخلاقي وغير قانوني.. وإدارة بايدن متورطة

قال الفنان الأمريكي مارك روفالو، المناصر للفلسطينيين، إن ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين أمر غير قانوني وغير أخلاقي، مهاجما إدارة الرئيس جو بايدن الداعمة للاحتلال.

وقال روفالو إنه "لا توجد نهاية في الأفق، إذ تتكشف معاناة لا توصف وكارثة للأمريكيين والإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء".

وأشار الفنان الهوليوودي إلى البيان الذي وقعة مسؤولون مستقيلون في إدارة بايدن، شجبوا فيه تعامل الإدارة مع الحرب على غزة.

Now from within what we have all been saying from the outside. What Israel is doing to the Palestinians is illegal and amoral and Biden’s administration has signed off on the worst of it. There is no end in sight—untold suffering unfolding and a disaster for Americans, Israelis,… — Mark Ruffalo (@MarkRuffalo) July 3, 2024

وحذر 12 مسؤولا أمريكيا استقالوا من مناصبهم احتجاجا على الحرب الإسرائيلية على غزة، الأربعاء، من أن سياسة الرئيس جو بايدن حيال الحرب تمثل "فشلا وتهديدا للأمن القومي".

جاء ذلك في بيان مشترك وقّعه 4 مسؤولين سابقين من وزارة الخارجية، وواحد من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، و3 من الجيش الأمريكي و4 سياسيين، قدموا فيه مقترحات سياسية لإدارة بايدن بخصوص الحرب على غزة.

وقال المسؤولون في البيان إن "الغطاء الدبلوماسي الأمريكي والتدفق المستمر للأسلحة إلى إسرائيل هو تواطؤ لا يمكن إنكاره في عمليات القتل والتجويع القسري للفلسطينيين المحاصرين في غزة".

وشددوا على أن "هذا ليس فقط مستهجنًا أخلاقيًا وانتهاكًا واضحًا للقانون الإنساني الدولي والقوانين الأمريكية، لكنه أيضًا يضع عبئًا على ظهر الولايات المتحدة".

وأضاف المسؤولون المستقيلون: "هذه السياسة المتعنتة تهدد الأمن القومي الأمريكي وحياة جنودنا ودبلوماسيينا، كما حصل مع مقتل 3 من جنودنا في الأردن في يناير/ كانون الثاني 2024، وإجلاء المنشآت الدبلوماسية في الشرق الأوسط، كما أنها تشكل خطرا أمنيًا على المواطنين الأمريكيين في الداخل والخارج".


واتهم المستقيلون سياسة إدارة بايدن بتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، لافتين إلى أن مصداقية الولايات المتحدة "تقوّضت بشدة في جميع أنحاء العالم".

ووفقاً للمسؤولين السابقين فإن السياسة الحالية في غزة التي وصفوها بأنها "فاشلة"، وأنها "لم تجعل الإسرائيليين أكثر أمانًا" و"شجعت المتطرفين"، وكانت مدمرة للشعب الفلسطيني.

وأضافوا: "باعتبارنا أمريكيين متفانين في خدمة بلادنا، نصرّ على أن هناك طريقة أخرى".

وأشاروا إلى الخطوات اللازم اتباعها لضمان "عدم حدوث فشل سياسي كارثي (على مستوى إدارة البلاد) مثل هذا مرة أخرى أبدًا".

ومن بين الخطوات التي لفتوا إليها، تنفيذ القوانين الأمريكية التي تحظر تقديم المساعدة العسكرية لقوات أجنبية متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، واستخدام "كل النفوذ المتاح لإنهاء الصراع على الفور".

كما أنهم دعوا الإدارة الأمريكية إلى "ضمان توسيع توصيل المساعدات الإنسانية لشعب غزة وإعادة إعمار المنطقة، بالإضافة إلى دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".

وأكدوا على أن "هناك حاجة ملحّة للتغيير في الثقافة المؤسسية والهياكل التنظيمية التي مكّنت النهج الأمريكي الحالي (الداعم لإسرائيل رغم جرائمها)".

ووفق البيان ذاته، فإن ذلك يشمل "تعزيز آليات الرقابة والمساءلة داخل السلطة التنفيذية، وزيادة الشفافية في ما يتعلق بنقل الأسلحة والمداولات القانونية، ووضع حد لإسكات وتهميش الأصوات المنتقدة، والتغيير القانوني من خلال العملية التشريعية".


وختم المستقيلون بيانهم بمخاطبة زملائهم الذين ما زالوا على رأس عملهم ضمن إدارة بايدن، بالقول: "نحثكم على عدم التواطؤ".

الموقعون على البيان هم: المسؤولون السابقون بوزارة الخارجية جوش بول، وأنيل شيلين، وستيسي غيلبرت، وهالة هاريت، ومستشار السياسات السابق والمعين السياسي بوزارة التعليم الأمريكية طارق حبش.

كذلك وقّع البيان المسؤولون السابقون في القوات الجوية الأمريكية محمد أبو هاشم ورايلي ليفرمور، ونائبة مدير مكتب التنظيم والميزانية في البيت الأبيض آنا ديل كاستيّو.

ووقّعته كذلك الموظفة السابقة في الداخلية الأمريكية ليلي غرينبيرغ كول، والمساعدة الخاصة السابقة في الداخلية مريم حسنين التي استقالت صباح الأربعاء الماضي.

يضاف إلى الموقعين الضابطة السابقة بالجيش من وكالة استخبارات الدفاع هاريسون مان، والمستشار الأول السابق للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ألكسندر سميث.

مقالات مشابهة

  • هذا هو سر تحرك ملف تهدئة غزة المُفاجئ .. وهل تنازلت “حماس” عن شرطها؟ تطورات مفاجئة وتوقعات باتفاق قريب
  • تقارير: أردوغان يأمل في وقف إطلاق النار بغزة ويناشد الغرب الضغط على إسرائيل
  • خبير: إسرائيل تحاول بائسة إعادة هيبتها بالحرب في غزة والضفة
  • مساع اميركية ــ فرنسية لضبط التصعيد هوكشتين في باريس: الكل في انتظار غزة
  • ألمانيا قد ترحل من يمجد الإرهاب ولو بلايك.. المنصات تضج تهكما وتنديدا
  • باحث سياسي: نتنياهو يريد المحتجزين دون إبرام صفقة تبادل
  • ممثل أمريكي: ما تفعله إسرائيل غير أخلاقي وغير قانوني.. وإدارة بايدن متورطة
  • تقرير: جرائم القتل والسرقة تعمّق الفوضى في قطاع غزة
  • «القاهرة الإخبارية»: حكومة نتنياهو تقرر الاستمرار في الحرب على غزة رغم الإخفاق الداخلي
  • هل ستندلع الحرب؟ إتصالات ومعلومات والإستراتيجية الدفاعية الى الواجهة