سودانايل:
2025-03-14@22:50:05 GMT

هل نحن في السودان شعب واحد أم شعوب؟

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

maqamaat@hotmail.com

كنا أثناء عملنا الدبلوماسي تحت وقع أوضاع صعبة ومعقدة كهذه التي جاثمة علي صدر بلادنا اليوم ومنذ شهور,نعترض علي عبارة ( شعوب السودان) حيث كانت ترد بعفوية ودون قصد سيئ أحيانا علي ألسنة الغربيين حتي المتعاطفين مع السودان من صحافيين ونشطاء وما أقلهم يومئذ جراء ثرثرتنا معاشر السودانيين غير المنضبطة عن وجود أكثر من خمسمائة قبيلة وأكثر من مائة لغة ولهجة في سودان المليون ميل مربع وكأننا نتباهي بذلك .

ويعقب الاعتراض تأكيد منا بأن السودان بمساحته الواسعة يسكنه شعب واحد لا شعوب نقولها ونحن نجابه المتربصين بوحدة البلاد بتكرارها علي مسامعنا "شعوب السودان" وهم كثر وقتذاكً يرومون التدليل علي ضرورة تفتيت ذلك المارد النائم مخافة أن يصحو يوماً ما فينطلق كالسهم نحو العلياء لا يلوي علي شئ. وكان تأكيدنا يجئ بصوت أعلي يحمل معاني الرفض و التحدي مستعينين بما تعلمناه منهم من تعريفات بأن تعدد العرقيات والديانات واللغات لم يعد طعناً في تجانس الدولة القومية أو القطرية والتي قامت وفقا لإتفاقية ويستفاليا للسلامً في العام ١٦٤٨ علي قاعدة التجانس الديني حلاً لحروبات ثلاثين عاماً بين الكاثوليك والبروتستانت طحنت شعوب أوروبا طحنا .حيث كانت الامبراطورية الرومانية المقدسة في وسط وغرب أوروبا تضم مذاهب مسيحية متباينة المعتقدات استعصي التعايش بينها وحل مكانها قتال ضاري فجاء مقترح الدولة الأمة أو القطرية الذي يقوم عليه النظام الدولي اليوم. شكلت الاتفاقية نهاية لحروب الاصلاح الديني وأقرت بحرية الأديان : الكاثوليكية والبروتستانتية والكلفنية داخل الأمبراطورية الرومانية المقدسة استقلت نتيجة لذلك سويسرا وهولندا من الامبراطورية الرومانية المقدسة وتمتعت الأقليات الدينية داخل الامبراطورية نفسها بحرية الاعتقاد والممارسة . حتي قال فولتير بأنها لم تعد مقدسة ولا إمبراطورية . كانت الاتفاقية نقطة تحول في التاريخ خاصة في أوروبا وهكذا ولدت الدولة - الأمة فأكدت علي سيادة واستقلالية هذه الكيانات المستحدثة وحرمت التدخل الخرجي في شؤنها . يلاحظ أن التجانس الديني كان هو الأساس كون التباين العرقي في أوروبا الوسطي والغربية لم يكن حاداً ولا سببا في الاحتراب مثلما كان الدين . .لكن تطورت الدولة القطرية اليوم وأصبحت دولة متعددة الأعراق والديانات واللغات واللهجات وظل نسيجها السكاني مع هذا التعدد يعتبر شعباً واحداً لا شعوباً . وكاد بعض علماء السياسة ( كسنجر) أن يتحدثوا عن دولة مابعد الدولة القطرية أو ما بعد الدولة الأمة بفعل اتساع نطاق الدبلوماسية التعددية وعدد وكالات المنظمات الدولية وتجمعات تنظيم التجارة الدولية والعولمة ولم يتبلور المفهوم فيما أعلم إلي علم قائم بذاته .
ومع ذلك يبقي التعريف التقليدي للدولة القطرية صحيحاً يجعل من كل مجموعة سكانية تعيش في قطعة جغرافية معلومة الحدود تتمتع باستقلالية ولها سلطة حاكمة وحارسة لحدودها ومنظمة لحياة الناس في ربوعها دولة - أمة او قطرية كاملة السيادة ويعد مجموع السكان فيها شعب واحد لا شعوب وإن تعددت أعراقهم واختلفت معتقداتهم. .
وما من دولة اليوم تتمتع بتجانس عرقي أو ديني إلا قليلا .
والحروب الرهيبة في أوروبا أدت في مرات عديدةً خلال القرنين الماضيين إلي تغيير حدود تلك الدول حيث لم تلتزم الدول بمبدأ احترام سيادة الدول الأضعف وبالتالي تلاشي التجانس فالمنطقة التي ولد فيها امانويل كانط الفيلسوف الألماني المعروف فيما كان يعرف ب بروسيا غدت اليوم جزءا من روسيا الاتحادية. وأجزاء من بولندا تقاسمتها دول مجاورة لها وهكذا وفي الذاكرة أيضاً صراع الزاس واللورين بين فرنسا وألمانيا وبعض أسباب الصراع في اكرانيا اليوم هو بعض الدمج والتفكيك التعسفي الذي صنعته الحروب .
في افريقيا قامت الحدود السياسية كحيازات للدول الأوروبية بعد اتفاقية برلين ١٨٨٤- ١٨٨٥ وحشدت في معظم دول القارة عرقيات ولغات وديانات متعددة لا يجمع بينها مشترك .وما أن خرج صاحب الحيازة الأوروبي إلا وانفجرت الأوضاع في معظم بلدان القارة واشتعلت الحروب بين مكوناتها ومع ذلك يلقي اللوم علي النخب وحدها في الفشل الذي لايزال الصفة الأدق في وصف أحوال تلك الدول وذلك تفادياً لإلقاء اللوم علي المستعمر الذي عوضاً عن وضع خطط وأموال كتعويض لتحقيق الحد الأدني من الحياة الكريمة كالطاقة والمياه والمرافق الصحية الضرورية التي ربما كانت قد أدت إلي تسريع عملية التجانس بين مكونات تلك الدول واستقرارها، حرصت الدول الاستعمارية إلي ربط تلك المستعمرات السابقة بمؤسساتها هي في أوروبا لإستدامة السيطرة عليها وبالمجان هذه المرة.
حدث ذلك لأفارقة العالم الجديد حيث ألغيت العبودية في امريكا عام ١٨٦٣ بموجب إعلان تحرير العبيد الذي أعلنه الرئيس ابراهام لنكن وقد صف مارتن لوثر كينق الصغير تلك الحرية التي حصل عليها الأرقاء بأنها لم تتضمن منحهم قاعدة اقتصادية كأراض زراعية يعيشون عليها فقد كانت حرية الجوع والتعرض للرياح والمطر دون ساتر وحرية مجاعات بينما شجعت الحكومة الامريكية المزارعين من أوروبا للهجرة لأمريكا عبر اعلانات مكتوبة بمنحههم ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة لتكون قاعدة اقتصادية يبنون عليها معاشهم بينما يلوم الإنسان الأبيض السود اليوم علي فشلهم في صنع حياة كريمة.(راجع الرابط أدناه).وفيلم far and away

https://youtube.com/shorts/GuVhm8Z3i6M?si=K32XjrN8dtAhgwX0

والشكوي في السودان وإفريقيا من التهميش وتفاوت التنمية بين أجزاْ الدولة تغفل حقيقة أن المستعمر أقام مشروعات في أماكن دون غيرها وفقاً لمصالحه في المستعمرات كتوافر ما يحتاجه من مواد خام واستتباب الأمن وسهولة نقلها .ولما خرج تفاوتت بطبيعة الحال بين أجزاء القطر الواحد مستويات التنمية وتوفر الخدمات أدت لجفوة بين تلك المكونات والأجزاء وبدت كما لو أن الحكومات القائمة هي التي فضلت أمكنة علي أخرى وعرقيات علي أخري ثم ألبس التفاوت الإقتصادي لبوس العرقية والعنصرية وتأخرت عمليات دمج المكونات المتباينة والمتعددةً في بوتقة واحدة بعد خروج الاستعمار لذلك. وفشت الإنقلابات العسكرية والعمل المسلح لنيل الحقوق بينما لا يعرف علي وجه الدقة ممن تأخذ ولم يتوفر استقرار كاف يمكن الحكام الوطنيين من استدراك التقصير ورتق القتق الذي خلفه الاستعمار. وهذا لا ينفي تقصير الحكام الوطنيين ولا يعفيهم من بعض المسؤولية. لكن تشابه العثرات في معظم المستعمرات السابقة والنواقص قي مجالات التعليم وتوافر الطاقة والخدمات الصحية وعدم تحقيق أي اكتفاء ذاتي في أي من ضرورات الحياة يؤكد أن التركة الاستعمارية هي القاسم المشترك في ذلك.وفي بوركينا فاسو عرض الرئيس الفرنسي ماكرون برئيس البلاد حينما قال في محاضرة "أنا لست مسؤولاً عن نقص الكهرباء في بلدكم أسألوا رئيسكم هذا عنها فخرج الرئيس من القاعة مغاضباً بينما صب الشباب جام غضبهم علي الرئس الفرنسي علي اعتبار أن فرنسا شريكة في اللوم علي الأقل .ثم إن الحيازات الاستعمارية التي أضحت دولا بعد خروج المستعمر مباشرة تأخر تحقيق الروح الوطنية المشتركة بين أجزائها ومن طبائع الأشياء يأخذ ذلك وقتاً طويلاً هذا رغم أن القوانين الموضوعة في جميع هذه الدول الافريقية التي استقلت تنص علي المساواة التامة بين المواطنين. يبقي التحيز الجهوي والعرقي والديني هو سيد الموقف يطل برأسه كلما قامت انتخابات حتي تلك الحرة النزيهة حيث تثور الشكوك والاتهامات بالتزوير وقد تحرك بأصابع من الداخل أو الجوار أو الخارج البعيد للنيل من استقرار تلك الدولة لاعتبارات سياسية ، ايدولوجية أو اقتصادية.
والتحيز الاجتماعي الذي يتخذ مطية لإثارة الفتن موجود حتي في مجتمعات العالم الأول بسبب اختلاف الألوان والأديان والثقافات وحتي مع انعدام كل ذلك فالأمريكي الأبيض من الشمال هو عند الأمريكي الأبيض من الجنوب ( يانكي) وهو عند الشمالي متخلف ، متعصب وهكذا. وكذا الحال في ايطاليا وألمانيا وبريطانيا. ومواطنو هذه الدول تعرضوا جميعاً للتمييز في أمريكا من قبل اخوانهم البيض وتم شنق ١٢ من الايطاليين علي جذوع الأشجار تماماً كما كان يفعل بالسود فيما عرف ب ( لنشنق)حتي هددت ايطاليا بإعلان الحرب علي امريكا بسبب ذلك مما حدا بالرئيس الأمريكي لجعل يوم كولمبس الذي اكتشف امريكا بالصدفة ( ايطالي) إجازة رسمية لجلب الاحترام للايطاليين تذكيرا بالمكتشف للقارة الأمريكية . وقد جري تغيير التسمية بعد احتجاجات الهنود الحمر الذين أذاقهم الأمريين،فسمي ( بيوم الأهلين!).
ومع ذلك توجد سمات عامة تميز كل شعب تتكلس بفعل الزمن ،تبطئ المسير في حال التكوين الحديث الذي لم يمتد غراسه في التاريخ بعد ،كالقائم في افريقيا والمستعمرات السابقة في العالم الثالث. ونمو المشتركات يختلف في السرعة فمثلا يتبلور مزاج موسيقي بوتيرة أسرع وكذلك اللباس العام واللهجة ثم المطبخ المشترك ويتأخر التزويج لإعتبارات اقتصادية في المجتمعات النامية كالحرص علي الحفاظ علي الاراضي ونحوها في اطار الاسر الصغيرة والممتدة أو للإحساس بتفوق عرقي و لبعض الوقت .ووعياً بذلك قال مارتن لوثر كينق الصغير مخاطبا قومه البيض في سعبه للمطالبة بالمساواة أمام القانون ( الحقوق المدنية ) مطمئناً :إنني أريد أن أكون أخاً لكم لا صهراً) I would like to be your brother and not a brother in law يستبطئ بحكمة بالغة ذلك المدي من الانصهار الذي لم يحن وقته.
واشتهر الناس في السودان بدماثة الخلق وطيب المعشر والأمانة في المنطقة بأسرها والقصص الدالة علي ذلك كثيرة تروي. وسألت أمريكياً مستنيرا إن قد سمع بالسودان فأجبنا علي الفور "السوداني هو رجل الشرق الأوسط المحترم " The Gentleman of the Middle East وقال آخر في حشد من الناس اتفق أن أنجز عمل أطروحته الميداني للدكتوراه ستينيات القرن العشرين في الخرطوم أنه زار جميع أقطار المسلمين وأقطارا غيرها فوجد أن السودانيين الأقرب إلي تعاليم وسلوكيات السيد المسيح عليه السلام . تلك سمة عامة صبغت صورة السوداني في الأذهان وذلك لا يعني بأي حال خلو مجتمعنا من المجرمين والمفسدين والقتلة .
هذا الاستطراد المطول وعنوان هذه المقالة ناتج عن دهشة أصابتنا وذهول حل بساحاتنا وأقلق منامنا ونحن نكابد المعاناة من جراء هذه الحرب اللعينة منذ منتصف أبريل ٢٠٢٣ و نري ما لم يكن يخطرعلي بال من فعال. تقتيل بلا رحمة للأبرياء العزل واغتصاب لحرماتهم وسرقة لكل ما يملكون من متاع بحقد دفين وتشف لا يعرف له سبب ؟ وهجمات علي المتاجر والبنوك والأسواق بغرض السرقة , سرقة كل شئ تنتهي بأسواق لبيعها علناً في غياب تام للدولة فبتنا نتساءل هل هؤلاء الذين يقومون بهذه البشاعة سودانيون؟ وفي مقابل ذلك شاهدنا في الوسائط شابا في غزة بحدث عن غزة الصامدة التي تتعرض لأبشع مجازر العصر بأنها لم تشهد عمليات نهب وسرقة للأسواق وممتلكات المواطنين رغم كونها علي حافة المجاعة .قال لي سوداني حي الضمير معلقاً : شعرت بالخزي والعار وأنا أسمع ذلك وأري بعيني هاتين ،الأسواق تنصب في الخرطوم للمسروقات من بيوت المواطنين وملابس أطفالنا وأواني الطبيخ والقهوة والشاي بل والشبابيك والأسرة ولعب الأطفال .
قلت كنا نباهي الغربيين بأن قطوعات الكهرباء التي نتعايش معها بشكل يومي منذ بداية ثمانيات القرن الفارط لم تشهد فيها مدننا سرقات ونهب للأسواق والمتاجر بينما يحدث ذلك في كبريات مدنهم إذا حدث فيها إظلام بفعل قطوعات تنتج نادراً عن كوارث طبيعية فوق طاقة الانسان؟ قالها مرة المزروعي يباهي بها بأن المرأة المسلمة في معظم العواصم الإسلامية تخرج منتصف الليل وحدها لشراء الأغراض من المتجر وهي آمنة بينما لا يحدث ذلك في كبريات مدن الغرب المضاءة بالثريات.
بذلك الألم طفق السوداني يتساءل كالمتشكك هل هؤلاء سودانيون ؟ ويتساءل مرة أخري يمني النفس ألا يكونوا ، ولئن لم يكونوا وكانت السرقات الحالية والفطائع المقيتة والمميتة التي ذكرنا يفعلها من جاء بهم تمرد الجنجويد من أوباش الصحراء الكبري الذين أعادوا بفظاعة صنائعهم سير أوباش جنكيزخان وهولاكو وبرابرة أوروبا الذين دمروا حضارة اليونان والطليان وكل الغزاة الذين وثق التاريخ جرائمهم إن كانت ليست من صنيع السودانيين كما يزعم البعض فما بال (المتحضرين) في المدن يتسابقون لهذه الأسواق الحرام يشترون المسروقات الماخوذة من بيوت الجيران والأصحاب وأبناء وبنات الحي في المدن ,هذا إن لم يكون هم من دل السارقين عليها كما تروي بعض القصص ؟بل وما بال القري المعروفة داخل حدود السودان وحواضر
قبائل عرفت بالخير كانت حواضن الإمام المهدي وموطن فرسانه الأشاوس في جهاده المقدس من أجل تحرير ذات الوطن الذي تستخدم فيه عناصر من تلك الأنحاء ومن الشتات لإذلاله واستعماره وسرقة ثرواته بقتل شيوخه وشبابه واستباحة حرماته ، ما بالها تستقبل السارقين والنهابين مغتصبي الحرائر والقتلة بالزغاريد والأهازيج والأشعار وغناء الحكامات ؟ أليست هذه ديار عبدالرحمن دبكة وجمعة سهل وإخرين من تلك الجهات من الوطن الذين ساهموا مع ابن الأبيض حاضرة كردفان , الزعيم الحق اسماعيل الأزهري, ترجيح خيار (السودان للسودانيين) فولدت دولة ١٩٥٦ كما قوض أسلافهم الميامين بحد السيف دولة ١٨٢١ بمناصرة المهدي؟ هذه دعوات لا تصدر من أفواه سودانية أصيلة.
وإن ساقوا التهميش مطية لذلك فما بال قبائل في ولاية الخرطوم وفي جوارها القريب وسجادات تصوف تشارك في هذا الجرم الشنيع؟ وما بال أحزاب سياسية كبيرة وصغيرة تبدو راضية بما يحدث هذا إن لم تكن ضالعة فيه بنحو ما؟
ماذا دهانا؟ هل نحن ( يا نحنا..يا نحنا..) أين شيوخ الإسلام وحفظة القرآن هناك وهنا وأين مشايخ تلك القبائل ؟ وللانصاف قد أدان بعضهم تلك الجرائم بكل قوة وشجاعة وفيهم أفاضل خبرناهم في دروب الحياة لا نشك في صدقهم وفي حبهم للوطن ونبذهم للقبلية والجهوية ، ولكن أين البقية؟ أين المثقفون هناك وقد تصدي بعضهم لها بالفعل بالشجب والاستنكار والادانة لكن ألا يستدعي الأمر أكثر من ذلك ؟وقفة أقوي مجتمعة من أولئك جميعا في حملات منظمة معلنة ومذاعة ومتلفزة حتي لا تلحق القلة المارقة بالجميع العار والشنار الذي يبقي ما بقي الدهر؟
وأعجب منه وأنكي أن تجد من لا يري في ذلك بأساً ممن يعتبرون أنفسهم في زمرة المثقفين العصريين التقدميين يزينون حربا متخلفة موغلة في التخلف والأحقاد العرقية البدوية والعمالة المشتراة بالدرهم والدينار. يتوارون للتمويه خلف عبارات زلقة و مبهمة ،كالقضاء علي سودان ٥٦ او حتي ١٨٢١ يزعمون أنها ستفضي لتحقيق الحرية والسلام والعدالة مع أن الناس قد استأنسوا من قديم بالحكمة البالغة التي تقول إن فاقد الشي لا يعطيه! وأن المرء لا يجن من الشوك العنب ! . كيف يستوعب العقل ألا يري أولئك بأساً في انتهاك الأعراض وسرقة البيوت بل الاستيلاء عليها بعد طرد أصحابها وتشريدهم وهي بيوت ذويهم والأعراض اعراض الأقرباء والجيران، وزملاء الدراسة ورفقاء العمل والصحاب في الأسفار الذين لم يرتكبوا جرما في حق أحد!
أين هذا من الصورة الرائعة للسوداني التي كانت منذ عقود قليلة مضت تضئ في زهو سماواتنا وسماوات الدنا ؟!
أين تعاليم الدين الحنيف وأعراف السودانيين السمحة ومُثُل القبائل البدوية الحرة الأبية:
ما بياكل الضعيف وما بسولب المسكين
إلا شيمة اللسد اب قبضتن زين!
حتي الهمباتة السراق الذين كانوا يرون في ذلك فروسية ورجولة كصعاليك العرب في الجاهلية كانوا يردون الابل المسروقة إذا علموا أنها لأيتام حتي لو قُتلوا عند ارجاعها يسمونها ( مال الدمعة) يرون العار في أخذها.
أبن شمائل العرب في الجاهلية وقبل الاسلام لمن يصعرون الخد اليوم للآخرين تفاخرا بالانتساب للعرب؟ اشتهر العرب بالشجاعة ومتعلقاتها من الفروسية والشهامة والصدق وتجنب الكذب ( ابو سفيان بن حرب عند كبير الروم) ومنازلة النظير في حومة الوغي والتأفف من اصطياد الضعفاء ( عتبة يوم بدر نريد أكفاءنا من بني عمنا). ووفاء السموأل وأناة معن بن زائدة وحكمة في ابن ساعدة وكرم حاتم طئ ؟
قال عنترة :
يخبرك من شهد الوقائع أنني أغشي الوغي وأعف عند المغنم

وتعفف عنترة عن مجرد النظر لحليلة الجار.
وأكرر تساؤلي هل نحن شعب واحد أم عدة شعوب اتفق أن ضمتها جغرافية واحدة؟
وأجيب نفسي بأننا شعب واحد قمن به أن يرعي قيم الخير التي عرفها الناس عنه والتي حببت الناس فيهم لكنه فقد البوصلة ولم يفقد لحسن الحظ عقله ولا الرغبة في التماس الجادة من جديد ليجعل من هذه النقمة نعمة للمراجعة واستدراك ما فات وإحياء الشمائل التي ميزته عن جواره القريب والبعيد. ومن المبشرات نلحظ حباً للوطن وحرصاً علي وحدة أراضيه بل والموت في سبيله تنطلق من عقائر شبان وشابات بكل ألوان السودانيين وسحناتهم ولهجاتهم كأننا نستشرف قفزة هائلة تجب نواقصنا جميعاً وتدلف بنا لمرحلة جديدة من العز الباذخ!  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: تلک الدول فی أوروبا شعب واحد فی معظم

إقرأ أيضاً:

اتفاقية سلام جوبا: التمادي في بذل العهود المستحيلة (2)

عاد اتفاق سلام جوبا إلى واجهة خطاب السياسة والحرب في يومنا هذا. وأنشر نص ورقة كنت قدمتها لمؤتمر انعقد في مركز الدوحة في العام الماضي ما وسعني لكي يدور النقاش المتجدد عن الاتفاقية فوق علم باتفاق قل من اطلع على نصوصه.

الاتفاقية التي لم يقرأها أحد
آفة الاتفاقية الكبرى، طالما كانت صفقة للعاجلة، زهادة صفوة الحكم والرأي في الاطلاع عليها حتى. فأضرب كثيرهم عن قراءة نصها، أو الإجراءات التي انعقدت بموجبها. واشتجروا بقوة في ما ورد فيه نص. فأظهر الخطاب حول الاتفاقية قبل توقيعها وبعده لا جهلاً بالجهة في الدولة التي خولتها الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية للتفاوض مع المسلحين من أجل السلام فحسب، بل بمخرجات التفاوض نفسها أيضاً. فنشب خلاف حول الجهة المخولة بإدارة المفاوضات في الدولة: هل هي مجلس السيادة أم الحكومة الانتقالية؟ كما ثار الجدل بعد توقيع الاتفاقية بين دوائر سياسية مختلفة حول فصل الدين عن الدولة واحتد. وما كان له أن ينشأ أصلاً لو اطلع المجادلون على نص الاتفاقية.
فقال كثير من المدنيين بأن إجراءات السلام مما انعقد بالحكومة، بل وكالوا النقد الزعاف لما حسبوه تفريطاً منها بحق استأثر به العسكريون في مجلس السيادة دونها. وسنرى من نص الوثيقة الدستورية أن لا سند لانعقاد التكليف بالتفاوض على الحكومة. فجاء ذكر اختصاص السلام في الوثيقة الدستورية في موضعين مربكين. جاء التكليف ضمن اختصاصات مجلس الوزراء وسلطاته (١٦-٢) بقول الوثيقة إن من تبعات المجلس "العمل على إيقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام" في حين كلفت الوثيقة مجلس السيادة ب"رعاية عملية السلام مع الحركات المسلحة" (١٢-س)، علاوة على تعيين رئيس وأعضاء مفوضية السلام "بالتشاور مع مجلس الوزراء" (١٢-٣). وقام المجلس برعاية عملية السلام مع المسلحين كما بدا له من الوثيقة الدستورية، وعين مفاوضي جوبا. ولا أعرف إن كان سماهم مفوضية السلام أم لا، أو إن كان شاور مجلس الوزراء. وليس مدعاة للتفاؤل باتفاقية يكتنفها هذا الارتباك في فقه تأسيسها نفسه.
ونرى من الإثارة السياسة عن الدين والدولة التي رشحت بعد الاتفاق أنه اتفاق لم يقرأه أحد. فأعترض الفريق شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة وكبير المفاوضين عن الحكومة كما تقدم، على ميثاق تواصى عليه عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، وعبد العزيز الحلو، زعيم الحركة الشعبية، في نوفمبر 2020 لأنه دعا إلى دولة مدنية. وسمى الكباشي اتفاق الرجلين عطاء من لا يملك لمن لا يستحق. كما وقع الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، "إعلان مبادئ" مع الحلو (ابريل 2022) وأعقبه الحزب الشيوعي (مايو 2022) شدد على وجوب مدنية الدولة. ولو طالع أي من هذه الأطراف اتفاق جوبا لاستغنى عن التنمر واحدها على الآخر، أو كف عن المطالبة بما فرغت الدولة من التصديق عليه في الاتفاق.
فلسنا نعرف، متى وقفنا على مواد اتفاق جوبا عن علاقة الدين والدولة، وثيقة مهجسة بشأن فصلهما تبدي وتعيد فيه مثله. فجاء في المادة ٧،١ من اتفاق القضايا القومية من وثيقة جوبا وجوب "الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة. ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان وكريم المعتقدات على أن يُضَمن ذلك في دستور البلاد وقوانينها". وجاء عن مبادئ تقاسم السلطة في اتفاق دارفور وجوب "الفصل التام بين المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة". وجاء في اتفاق المنطقتين أن المواطنة بلا تمييز هي أساس كل الحقوق والواجبات "وتقتضي أن تقف الدولة على مسافة متساوية من الأديان والثقافات دون أي انحياز إثني أو ديني أو ثقافي يؤدي للانتقاص من هذا الحق. ويجب أن يضمن ذلك في الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية". وأعطى الاتفاق المنطقتين، جبال النوبة والنيل الأزرق، صلاحية التشريع مراعاة لوضعهما الخاص كحق أصيل لا يتعارض مع الدستور القومي. فإما أن من ذكرنا من المؤرقين بفصل الدين عن الدولة لم يطلع على نص اتفاق دارفور، أم أن مدنية الدولة تكون بعبد العزيز الحلو أو لا تكون.
غير خاف أن فصل الدين عن الدولة من تلك الأمور التي يقال أن وقتها قد أزف. ولا يعرف التاريخ حصولاً لأمر مثل ذلك الذي أرهص وصار إلى التحقق. فحتى دولة الإنقاذ التي أعلنت الجهاد يوماً لأوبة الدين للدولة أعيتها الحيلة مع دعواها في أوبة الدين للدولة فتنازلت عن أكثر دعواها عن حاكمية الدين مع التجمل بعدم ذكر عبارة فصل الدين عن الدولة نصاً. فجاء في نص بروتكولات مشاكوس في ٢٠٠٢ بين الإنقاذ والحركة الشعبية ما يلي عن الدين والدولة بعد اعتراف بالتعدد الديني والإثني:
1-6 الاديان والاعراف والمعتقدات مصدر للقوة الروحية والالهام للشعب السوداني.
2-6 تضمن حرية المعتقد والعبادة والضمير لإتباع كل الاديان والمعتقدات والاعراف ولا يجوز التمييز ضد أي شخص على هذه الأسس.
3-6: تولي جميع المناصب، بما فيها رئاسة الدولة والخدمة العامة والتمتع بجميع الحقوق والواجبات، يتم على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أو المعتقدات او الأعراف
واسفرت هذه الزهادة في الالمام بنص اتفاق جوبا في الورشة التي انعقدت لمناقشته بعد سقوط الحكومة الانتقالية في أكتوبر 2022. فلم تزد الورشة عن إعادة إنتاج خطاب المظلومية القومية (هامش بوجه مركز) في حضرة اتفاق لا أعرف مثله من رد هذه المظلومية بشكل محيط، إن لم نقل مبالغاً فيه. فوجدت الدكتور الباقر العفيف، من مفكري الهوية السودانية والناشط في خدمتها، عرض هذه المظلومية بحذافيرها في الورشة. ولم يكترث مع ذلك ليرى إن كان اتفاق جوبا قد رفعها عن أعراق السودانيين المختلفة وألسنتهم. فسأل العفيف في الورشة عما وراء هذه الحروب الطويلة التي ابتلينا بها. ورد ذلك إلى رفض المركز، الذي تقلَّدْته طواقم من الشمال العربي المسلم منذ استقلال السودان في 1956، التصالح مع الأعراق والثقافات غير العربية والإسلامية. وهذا فشل، في قوله، في إدارة التنوع ذي عواقب وخيمة. ورغم أن عروبة هذا الطاقم في رأيه مجرد زعم إلا أنه فشل في توطين نفسه في السودان، وبين أقوام غيرهم في الأعراق والثقافة.
فمن جوانب ترفع هذه الصفوة الشمالية العربية المسلمة عن غيرها، في قول العفيف، جعلهم تاريخ السودان في المناهج يبدأ بدخول العرب والإسلام إلى السودان في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين مسقطين تاريخاً جللاً سبق ذلك الدخول وهو تاريخ دولة كوش (2500 إلى 542 قبل الميلاد) العامر المذهل. وهو التاريخ، في قول آخر كشوف الآثار، الأصل للحضارة المصرية. ومع ذلك، في قول العفيف، يُطبق الجهل بتلك المأثرة بنا. فمتى سأل الصبيان أهلهم عن صُناع الآثار الكوشية التي يغشونها بظهر قراهم قالوا لهم هي لقوم أقدمين سبقونا إلى المكان ثم غادروا ولم يسمع منهم أحد بعد. ودعا العفيف، ناظراً للتجربة الإنجليزية، أن يكون تدريس الماضي السوداني على بينة "تواريخ"، أي أكثر من تاريخ للسودان، لا "تاريخاً" عربياً إسلامياً وحيد الجانب.
ولو كان الباقر نظر في اتفاق جوبا لوجده مهجساً بالتنوع الثقافي وإدارته كما لم يهجس عهد سوداني سبقه. فقال الاتفاق إن المواطنة المنقاة من العرق، والدين، والثقافة، والجنس، واللون، والنوع، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، والرأي السياسي، والإعاقة، والانتماء الجهوي أو غيرها من الأسباب، هي الفيصل في التشريع.
وكررت وثيقة الاتفاق هذه الصيغة بصور مختلفة في أبوابها الثلاثة جميعاً: اتفاق القضايا المصيرية، ومسار دارفور، ومسار مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق وغرب كردفان. فجاء في المادة ٧،١ من اتفاق القضايا القومية من وثيقة جوبا وجوب "الفصل التام بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة لضمان عدم استغلال الدين في السياسة، ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان وكريم المعتقدات على أن يُضَمن ذلك في دستور البلاد وقوانينها" كما تقدم.
ولاقى اتفاق جوبا تظلم العفيف من تاريخنا وحيد الصورة مشمراً كما لا تنتظره من اتفاق سياسي. فجاء في الفصل الثالث منه بحق لسكان المنطقتين، جبال النوبة والنيل الأزرق، المشاركة في إعادة كتابة تاريخ السودان لبيان مساهمات سائر شعوب السودان في ترسيخ الوحدة الوطنية. وكفل للمنطقتين إنشاء آليات لغرض تنزيل هذا الحق بتكامل مع المؤسسات القومية. وخص في فقرة تالية دراسة الرق، كتاريخ للتغابن في الأمة، بموضوعية. وهذا استحقاق للتاريخ في موضع غريب.
فهذه الفقرة التي عالجت سردية التاريخ، أو سردياته، عوراء في ما نعرف عن كتابة التاريخ. فحق "سكان" منطقة ما في كتابة التاريخ، أو إعادة كتابته، بآليات تتواضع عليها" بدعة. فقال المؤرخ والسياسي حسن عابدين إن التاريخ يكتبه المؤرخون من المنطقتين أو من باقي السودان وحتى للأجنبي. ولم نعرف بعد "آلية" لكتابته أو إعادة كتابته غير شُعب التاريخ في الجامعة التي ترعرع التاريخ المهني في كنفها الأوربي منذ القرن التاسع عشر.
وهذا الحق بدعة لأنه لم نسمع بنظام منع كتابة التاريخ كما يمنع الإضراب مثلاً. قد يهمل نظام في تمويل الجامعة كما فعلت الإنقاذ فيتبخر صرفها على البحث والباحثين في التاريخ وغير التاريخ. وقد تروج حكومة لتاريخ مزور أو استعلائي، أو قد تصادر كتاباً بعينه في التاريخ. ولكن لم نسمع بأن كتابة التاريخ مما يندرج ضمن حقوق السكان إلا في حدود حرية التعبير. وهي حرية تكفل لمهنيين في التاريخ، وفي شعب التاريخ بالجامعات خاصة، وضع أسبقيات بحثهم، وإحسان الصرف عليه، وموالاته بالإشراف، والحرص على نشره.
تعاني صفوة الحكم والمعارضة من انفصال الشبكي بين السياسة والثقافة. وهذه المعاناة في أصل الهرج في حياتنا الاجتماعية. فلا أدري مثلاً لماذا تأخرت الحركات المسلحة عن كتابة تاريخ أقاليمها يداً بيد مع تحريرها. هل استردفت أي منها أي معهد للدراسات العلمية عن بلدها سواء بإنشائه أو بعون من أنشأه مستقلاً؟ ولا عذر لها بفقر الجيب بالذات لأن الحركات، متى أرادت رباط الخيل، تدججت به من أي مصدر كان. فلم تلق أي منها السلاح لعدمه. فعطلت الحركة الشعبية لتحرير السودان مجلتها الثقافية الرشيقة متعللة بضيق ذات اليد مع أنها لو "فكت لها كم برين في السوق" لمولت المجلة إلى جنى الجنى. فمما يستغرب له المرء كيف يعني الثوري ببندقيته قبل كراسه. فما الذي سيلجم السلاح من الانفلات سوى الثقافة؟ فلماذا، والحال على ما عليه، تأتي الثقافة استدراكاً للمسلحين على موائد مفاوضات السلام لا استصحاباً؟

ونواصل

ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • المهددات المحلية والاقليمية والدولية لسيطرة آل دقلو على السودان (2/1)
  • منصور بن زايد يحضر مأدبة الإفطار التي أقامها محمد بن بطي آل حامد
  • ما هو الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • ما الذي سيفعله الرئيس الشرع لمواجهة إسرائيل؟
  • مراجعات (مناوي)، هل السودان الجديد مكتوب؟
  • الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟
  • سرديات الخراب: كيف تعيد الحرب إنتاج نفسها في السودان؟
  • الرئيس السيسي: قادرون على مواجهة التحديات طالما كان الشعب على قلب رجل واحد
  • اتفاقية سلام جوبا: التمادي في بذل العهود المستحيلة (2)