سودانايل:
2025-02-28@18:46:44 GMT

إصلاح القطاع العسكري ووقف الحرب في السودان

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

بدأنا قبل عدة أسابيع سلسلة من المقالات حول الرؤية الممكنة لوقف الحرب في السودان. ولكن اضطررنا لقطع السلسلة بالمقالين السابقين، حيث تناول في المقال الأول محاولات زراعة فكرة تقسيم السودان في أذهان السودانيين عبر أساليب ناعمة تسري كالمخدر، حتى تتقبل فكرة التقسيم بأريحية ورضا، وناقشنا ضرورة مقاومة هذه الزراعة الخبيثة.

أما المقال الثاني فتناول ما أسميناه تصدعات وإخفاقات في منبر جدة حول السودان، على إثر نتائج الجولة الأخيرة. نواصل اليوم ما انقطع من حديث الرؤية، وللربط والتذكير نقول: أولا، وراء استطالة أمد الحرب، توهُم كل طرف بأنه سيحسمها بالضربة القاضية، في حين أن هذه الحرب لا يمكن حسمها عسكريا، ولن ينتصر فيها طرف، وإن هُزم الطرف الآخر، وقطعا الخاسر هو الوطن.
ثانيا، القوى المدنية والسياسية السودانية هي الأكثر تأهيلا لاجتراح الرؤية لوقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها وعدم إعادة إنتاج الأزمة. ثالثا، والرؤية المتوافق عليها هي الأساس لانتظام هذه القوى في منبر يوحد أو ينسق نشاطها وخطابها. رابعا، والرؤية هي مجموع الإجابات على العديد من الأسئلة، منها: ما هي طبيعة الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان الماضي وماهي أسبابها الرئيسية؟ ما هي آليات وقف القتال، وهل هناك أي مساحة لاستخدام القوة عبر تدخل عسكري إقليمي أو دولي لفرض وقف الحرب أو لخلق مناطق منزوعة السلاح لتحقيق انسياب المساعدات الإنسانية؟ ما هو جوهر العملية السياسية التي يتم التحدث عنها، وهل لقيادات الطرفين العسكريين المتصارعين أي دور فيها؟
أين موقع العدالة والمساءلة بالنسبة لجريمة اندلاع الحرب وما صاحبها من انتهاكات؟ وما هو مستقبل قيادة الجيش ومستقبل قوات الدعم السريع وكل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، وكيفية إصلاح القطاع الأمني والعسكري حتى يكون للسودان جيشه الوطني المهني الواحد الذي يحتكر كل أشكال النشاط العسكري في البلاد، ويلتزم بمهامه في حماية الدستور في إطار الحكم المدني الديمقراطي، وحتى يكون له القوى النظامية الأخرى التي تلتزم بذات المهام والواجبات؟ وهل ستنحصر العملية السياسية في قضايا الانتقال أم ستتمدد وتتوسع لتبحث قضايا إعادة تأسيس الدولة السودانية، الى غير ذلك من الأسئلة. خامسا، وفي المقالات السابقة، ناقشنا الأسئلة المتعلقة بطبيعة الحرب، وبماهية آليات وقف الاقتتال، وبالمحاسبة والمساءلة القانونية لكل من شارك في هذه الجريمة، كما ناقشنا مستقبل قيادات الجيش، ومستقبل قوات الدعم السريع وكل الحركات والميليشيات المسلحة الأخرى، وتوقفنا عند كيفية إصلاح القطاع العسكري والأمني، وهو ما سنتطرق إليه في مقال اليوم. سادسا، نوهنا بضرورة انتظام مجموعات القوى المدنية والسياسية السودانية في حلقات نقاش تسعى للتوافق حول إجابات لهذه الأسئلة وغيرها.

ما هي آليات وقف القتال، وهل هناك أي مساحة لاستخدام القوة عبر تدخل عسكري إقليمي أو دولي لفرض وقف الحرب أو لخلق مناطق منزوعة السلاح لتحقيق انسياب المساعدات الإنسانية؟

سابعا، وأكدنا على أن وجهة نظرنا حول الرؤية، ليست بالضرورة هي الصحيحة في كل جوانبها وتفاصيلها، ولكنا نعتقد بأنها قد تكون صائبة في جانب، ومخطئة تستوجب إعادة النظر في جانب آخر، كما أنها قد تجذب الاتفاق أو تستدعي الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية.
اليوم، وفي المقالات التالية، سنتناول عملية إصلاح القطاع الأمني العسكري في السودان، والتي تحكمها مجموعة من المبادئ، من بينها: أولا، هدفها الرئيسي ليس مجرد التفكيك والإحلال، وإنما التطوير والتحديث حتى تتماشى المؤسسات العسكرية والأمنية مع مفاهيم الحرية والتحول الديمقراطي والسلام والعدالة والتنمية المستدامة. ثانيا، لا تتم بضربة واحدة وخلال فترة زمنية قصيرة، وإنما هي سلسلة عمليات مركبة (بروسس) ستأخذ مدى طويلا. ثالثا، وهي ترتبط بالإصلاح الشامل لكل مؤسسات الدولة الأخرى. رابعا، هي ليست مجرد قرارات أو إجراءات سياسية أو إدارية أو فنية، وإنما تستند إلى مفاهيم علمية متوافق عليها دوليا، وتستهدي بالتجارب الناجحة التي تمت في البلدان الأخرى. خامسا، وهي بالضرورة لا تخضع للأهواء والمزايدات السياسية والإعلامية. سادسا، يتم تنفيذها من داخل المؤسسات العسكرية والأمنية وبواسطة منسوبيها، على أن تخضع إلى رقابة المؤسسات المدنية من حكومة ومجلس تشريعي. سابعا، عملية الإصلاح العسكري والأمني يمكن أن تُبتدر خلال الفترة الانتقالية شريطة أن يتم ذلك وفق مبدأ الشفافية، وبالتنسيق مع المؤسسات المدنية، لكن استكمال العملية واعتماد نتائجها تقوم به المؤسسات المنتخبة. ثامنا، وبحكم التاريخ السياسي للسودان وما أفرزه من تجارب حيال المؤسسات العسكرية، وكذلك بحكم التجارب العالمية في هذا المجال، فإن العناوين الرئيسية لإصلاح القطاع الأمني والعسكري، يجب أن تتضمن، على سبيل المثال لا الحصر، التدابير التالية: التحديث والتطوير وتوفير الإمكانات، أن تقوم العقيدة الأمنية والعسكرية على مبادئ التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان وفق المواثيق الدولية وسيادة حكم القانون، تنقية القطاع العسكري والأمني من الانحيازات السياسية والعقائدية، ضرورة مشاركة المجتمع السياسي والمجتمع المدني في رسم السياسات الخاصة بإستراتيجية الأمن القومي، الشفافية في عملية اتخاذ القرارات وصنع السياسات الأمنية، تقوية الإدارة المدنية والمحاسبة الديمقراطية للمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية، وتقوية إشراف البرلمان ورقابة المجتمع المدني على هذه المؤسسات، التعامل الجاد مع حالة فقدان الثقة في مؤسسات القطاع الأمني/العسكري، وذلك لاستعادتها والتصالح مع القوى المدنية، تجسيد مبدأ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب في مؤسسات القطاع، والمعاقبة على أي انتهاكات، تمت سابقا أو تتم لاحقا، محاربة الفساد واستغلال النفوذ داخل هذه المؤسسات..إلخ. تاسعا وأخيرا، فإن عملية إصلاح القطاع العسكري/الأمني في السودان تستدعي التاريخ الناصع لمؤسسات هذا القطاع من جيش وشرطة والقوات النظامية الأخرى، والتي ظلت بحق مؤسسات قومية قبل أن تمتد أيادي الإنقاذ الآثمة وتعمل فيها تخريبا مما دفع البعض إلى القدح في صدق قوميتها. وما تريده ثورة السودان اليوم هو العودة بالجيش والشرطة وجهاز الأمن والقطاعات نظامية الأخرى إلى رحاب القومية ووعاء الوطنية، بعيدا عن الانتماءات الحزبية أو الجهوية، وانحيازا إلى الشعب وقضاياه وحماية له.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القطاع العسکری القطاع الأمنی إصلاح القطاع وقف الحرب

إقرأ أيضاً:

الجيش إذ انتفض وانتصر… والشعب إذ يشتعل ويبتدر

في ذات مرة كان المتمرد حميدتي جالساً مع عدد من الضباط الكبار أو في احتفال عسكري لا أذكر بالضبط و فجأة ذكر أنه فريق أول من غير (ركن) لأن هذه الدرجة تُطلق على الضباط الذين التحقوا بالمعاهد العسكرية و نالوها بعد جهدٍ و مثابرة و علم غزير، و أردف قائلاً (هذه تحتاج لقراية كتيرة).
بدأت الحرب الأخيرة بغتة و مفاجأة للجمهور السوداني في أبريل 2023 ، بعد أن أُكملت كل خيوط المؤامرة بالخارج و من ضمنها زيادة قوات الدعم السريع أضعافًا مضاعفة من ما كانت عليه ، و الانتشار في كل المراكز الحيوية و المهمة التي كانت تحرسها و تُؤتمن عليها، و على طريقة تدريبها كانت الخطة تهدف لانقلاب خاطف و سريع لكن كما يعلم الجميع جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.
و بعد ذلك أمر المجرم عبدالرحيم دقلو قواته ، و قد كانت كثيرة العدد و العتاد، أن تستبيح منازل المواطنين فعاثوا فيها الفساد و سرقوا كل محتوياتها من مقتنيات وأثاثات و ذكريات، فلم يتركوا شيئا حتى الأواني المنزلية التي تراكمت بطول السنين لأجل مناسبات الأفراح و الأحزان، و في أحيان أخرى حتى أرضية المنازل لم يتركوها إضافة إلى تدمير البنيات التحتية من مستشفيات و محطات للكهرباء و المياه لتزيد من آلام و معاناة المواطنين، و لذا نجد أن الغُبن و الكراهية تتعاظم و تكبر و كأن الحرب قامت من أجل تعذيب الناس، هذه الحرب قد دمرت كل شيء إلا الإرادة الوطنية السامية.
و من قصص معركة الكرامة التي نشهد خواتيمها الآن، بذلت القوات المسلحة صمودا نادرا في الدفاع عن مقراتها و اصطف الشعب من حولها اصطفافا غير مسبوق و هذه من كرامات المعركة و دعوات أهل السودان أن يلطف الله بوطنهم، حيث كان من المفترض استبدال الشعب كله بشعب آخر و من ثمة سرقة موارد البلاد رويدا رويدا و بيعها أو تقديمها للكُفلاء على طبقٍ من ذهب. و الناس و العالم كله يرى بأم عينه ما جرى في السودان من انتهاكات يندى لها وجه الإنسانية.
الكفيل الشرعي يدفع بسخاء لتزويد المتمردين بالأسلحة المتطورة و جلب المقاتلين المرتزقة من بعض دول الجوار ليقاتلوا في المعركة و يزيدوا من أوار الحرب و يحققوا كل أغراضها كما جاء في خططهم الأولى … و لكن الجيش و القوات المساندة الأخرى، و مِن خلفهم الشعب استردوا شيئا فشيئا، وعنوة واقتداراً، كل ما استلبه التمرد ، و عمت الفرحة كل السودانيين في الداخل و الخارج في مواكب فرح لا نهائي بعد أن أذاقهم التمرد (الفاشي) كل ويلات الحرب من إبادة جماعية و تطهير عرقي و قتل على الهوية و اغتصاب للنساء الحرائر و ترويع للطمأنينة العامة للأطفال و كبار السن، و في انتظار العُرس الخاتم بطرد التمرد من كل شبر دنسه من أرض السودان لتكون الأمة السودانية قد قاومت بدماء الشهداء أكبر مشروع استيطاني و تآمري على دولة حرة ذات سيادة.
هذا البذل الوطني الكبير يحتاج إلى توثيق دقيق و ممنهج من كل الجهات المبدعة في السودان من الكُتّاب و الصحفيين و المخرجين و التشكيليين و السينمائيين إضافة للإعلام العسكري لإنتاج أفلام و كُتب عن معركة الوجود السوداني الذي تمثله معركة الكرامة، و ذلك بتجميع القصص و الروايات عن بسالة القوات المسلحة و صمود الشعب و صدهما للهجمة التتارية الهوجاء.
الحرب مَسّت كل مواطن في السودان بدون استثناء الغني و الفقير و المهمش و غير المهمش و الذي يعمل عمل عملا راتبا و الآخر الذي على باب الله، كلهم خسروا خسارات فادحة حتى ذكرياتهم من الصور الفوتغرافية و الشهادات الأكاديمية و مكتباتهم الشخصية ناهيك عن أكبر الأشياء و أبسطها.
سنلتقي في الوطن قريبا بإذن الله من أماكن النزوح في المناطق الآمنة و عواصم اللجوء المختلفة. شكرا كثيرا و جزيلا و حميما لأبناء السودان المغتربين في كل فجٍّ عميق على المساندة اللازمة و المساهمة الفاعلة في حفظ كيان و كرامة أهله.

عادل عبدالرحمن عمر

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السعودية: نرفض أي خطوات خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية في السودان
  • المملكة ترفض أي خطوات غير شرعية تتم خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية للسودان
  • “الخارجية”: المملكة ترفض أي خطوات أو إجراءات غير شرعية خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية لجمهورية السودان
  • وزارة الخارجية تعرب عن رفض المملكة لأي خطوات أو إجراءات غير شرعية تتم خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية لجمهورية السودان قد تمس وحدته ولا تعبر عن إرادة شعبه
  • تحالف نيروبي وقضايا الحرب والسلام في السودان
  • الأمم المتحدة: السودان يواجه خطر السقوط في الهاوية
  • مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية
  • ما الذي أشعل فتيل الحرب في السودان؟
  • الجيش إذ انتفض وانتصر… والشعب إذ يشتعل ويبتدر
  • السودان: تعديلات دستورية تُكرس سلطة مطلقة للبرهان .. قانونيون: هاجر بالدستور من المدنية لاسترضاء حلفائه الإسلاميين