متروبوليتان نيويورك يستعرض ألف عام من تأثير بيزنطة على فن أفريقيا المسيحي
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
يعرض متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك 200 عمل تعود إلى العصور القديمة والوسطى -بينها فسيفساء وجداريات ومجوهرات ومخطوطات- تعكس ألف عام من تأثير الإمبراطورية البيزنطية على المجتمعات المسيحية في مصر وتونس وإثيوبيا.
ويجمع المتحف أحجارا كريمة من مجموعات من أفريقيا وآسيا وأوروبا لمعرض "أفريقيا وبيزنطة" الذي افتتح أمس الأحد ويستمر حتى 3 مارس/آذار المقبل.
ونظم المتحف عرضا مسبقا هذا الأسبوع للصحافة بحضور شركائه وهم الحكومتان المصرية والتونسية وأقدم دير قبطي أرثوذكسي في العالم دير سانت كاترين بسيناء في مصر.
ويسلط معرض "أفريقيا وبيزنطة" -الذي يجمع كنوزا فنية ودينية وأدبية وأثرية- الضوء على تأثير الإمبراطورية البيزنطية التي امتدت إلى المشرق العربي وشمال أفريقيا على المسيحية التي انتشرت في القرن الأفريقي من القرن الرابع إلى القرن السابع.
الفن البيزنطي القديموبحسب الرئيس التنفيذي لمتحف متروبوليتان للفنون ماكس هولاين، فإن الهدف من هذا المعرض هو "تعميق معرفتنا بالفن البيزنطي والفن المسيحي المبكر في إطار رؤية أوسع للعالم".
واعتبرت القائمة على معرض "أفريقيا وبيزنطة" أندريا آشي أن المعرض يوضح كيف "ازدهرت المجتمعات المختلفة المرتبطة في بيزنطة داخل الإمبراطوريات والممالك الأفريقية خلال أكثر من ألف عام"، ولا سيما في "الحضارات المسيحية الأفريقية الأولى".
وسيتمكن الزوار من رؤية مخطوطات مرسومة ومنسوجات وفسيفساء رخامية وعاجيات منحوتة من النوبة ومجوهرات ذهب من مصر ولوحات جدارية، علما أن عددا كبيرا منها يعرض للمرة الأولى في الولايات المتحدة.
وأشار المتحف إلى أن القطع التي يشملها المعرض تستكشف الروابط بين المجتمعات الثقافية والمتعددة الأديان من البحر الأبيض المتوسط حتى البحر الأحمر، وتمزج بين التقاليد اليونانية والرومانية والبيزنطية.
وقالت وزيرة الشؤون الثقافية التونسية حياة قطاط القرمازي لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذه القطع تظهر للعالم "التراث الثقافي الغني لبلادها الذي هو نتيجة مزيج من الحضارات المختلفة التي احتلت البحر الأبيض المتوسط"، إلى جانب "خلفية أفريقية محلية".
وحظي المعرض بمباركة شخصية من المطران الأرثوذكسي داميانوس من دير سانت كاترين في سيناء، والذي قال "يقدم لنا (المعرض) فرصة للتذكير بعالمية بيزنطة التي كانت توفر الحرية والوحدة والمصالحة والاحترام والسلام.. السلام الذي نحتاج إليه بشدة في عالمنا اليوم".
وتشهد معروضات أخرى محفوظة بشكل استثنائي وتعود إلى الفترة الممتدة من القرن الثامن إلى القرن الـ15 على تأثير بيزنطة على فنون المجتمعات المسيحية القديمة في تونس ومصر وإثيوبيا والسودان، ولم يتوقف ذلك التأثير بعد فتح القسطنطينية البيزنطية عام 1453 وتحولها إلى إسطنبول العثمانية، إذ حرص السلطان العثماني محمد الفاتح على أن تعكس عاصمته التنوع العرقي والثقافي الهائل لإمبراطوريته الآخذة في التوسع.
ورغم أنه لم يكن هناك بطريرك أرثوذكسي في القسطنطينية عام 1453 عند فتح المدينة فإنه كان بإمكان السلطان أن يترك المنصب شاغرا، لكن الفاتح كان الملك الأكثر انفتاحا في عصره، وسعى إلى إحياء البطريركية المسكونية التي كانت تترأس الكنيسة الأرثوذكسية في القسطنطينية منذ القرن الرابع، بحسب تعبير المؤرخ البريطاني فيليب مانسل مؤلف كتاب "القسطنطينية.. المدينة التي اشتهاها العالم، 1453-1924".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
التكافل الاجتماعي واستقرار المجتمعات وقوتها
لا تقوم المجتمعات القوية على المصالح الفردية وحدها، بل على شبكة من القيم التي تربط أفرادها بروابط تتجاوز المادة إلى المعنى، ومن هذه القيم قيمة التكافل الاجتماعي، الذي يمثل في جوهره ترجمة حية لفكرة المسؤولية المتبادلة. والإنسان في الفكر الإسلامي ليس كيانًا منعزلًا إنما هو جزء من نسيج متكامل هو المجتمع وعندما تترسخ هذه الحقيقة في النفس يتعزز معها الشعور بالواجب والمسؤولية تجاه الآخرين، وتترسخ قيم العطاء والتعاون، فتكون النتيجة مجتمعًا متماسكًا ودولة قوية ومستقرة.
يقول نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، هذه الصورة العميقة التي رسمها الإسلام تضع التكافل في صلب بنية المجتمع، فلا يُترك الضعيف لمصيره، ولا يُهمَّش المحتاج، بل يكون للجميع دور في تحقيق التوازن الاجتماعي.
وقد تشكل المجتمع العماني الذي نفخر دائما بقوته وصلابته على هذا المبدأ، مبدأ التكافل، وتحول الشعور بالمسؤولية الفردية تجاه المجتمع إلى طور «المؤسسة» فظهر الوقف وانتشر في كل الولايات والقرى العمانية، وقف مالي لكل تفاصيل الحياة مهما كانت بسيطة في نظرنا اليوم. هذا الأمر دوّن شعور صنع صلابة المجتمع، وساهم في صناعة النفس الإنسانية الصافية التي تنظر لنفسها في سياق الجماعة لا في سياق الفردية.
ورغم التحولات التي شهدتها المجتمعات في كل مكان وبروز نزعة الفردانية المتزايدة التي ساهمت في نزعة الانعزال، حيث يُنظر إلى الفقر على أنه مسؤولية الفقير وحده، والضعف على أنه تقصير من الضعيف، ما خلق فجوات اجتماعية تهدد تماسك المجتمعات، رغم كل هذا فإن المجتمع العماني ما زال متمسكا، إلى حد كبير، بقيمه ومبادئه وفي مقدمتها قيمة التكافل ويتحسس الناس حاجات الفقراء وعوز المعوزين.
لكن لا بد من التأكيد على أهمية أن تنشأ الأجيال الجديدة على قيمة التكافل، فلا معنى للإنسانية إن نامت قرية وفي بيت من بيوتها من لا يجد قوت يومه. ولا بد أن يؤمن الجميع، كل أبناء المجتمع، بأن غياب التكافل يضعف البناء الاجتماعي بأكمله، حيث تتآكل الثقة بين الأفراد، ويصبح الإنسان مغتربا في وطنه، غارقا في دوامة الذاتية التي تفقده حس الانتماء.
والتكافل نظام يعكس عمق الوعي الحضاري؛ فالمجتمعات التي تترسخ فيها قيم المسؤولية الجماعية تخلق بيئة أكثر عدالة لا يشعر أحد فيها بأنه منسي أو متروك وهذا ينعكس مباشرة على استقرار الدولة وقوتها، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر إذا كان جزء منه يعاني ويشعر بالإقصاء.
علينا ألا ننظر إلى التكافل الاجتماعي بوصفه قضية أخلاقية ولكن قيمة إسلامية وقيمة وجودية إنسانية حين تسود بيننا فإننا في الطريق نحو مفهوم «المدينة الفاضلة» التي يتكامل الأفراد فيها دون أن يفقدوا فرديتهم، ويعيش الإنسان فيها بقيم تجعله أكثر وعيًا بإنسانيته، وأكثر التزامًا بمسؤوليته تجاه الآخرين.