الجزيرة:
2024-11-16@21:52:50 GMT

عن التطهّر من رجس إسرائيل والحرب القادمة

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

عن التطهّر من رجس إسرائيل والحرب القادمة

بعد انتهاء الظاهرة الصهيونية، ممثلة في «دولة» إسرائيل، سيراجع المنظّرون والمفكّرون مفاهيم أثارها كيان عسكري كان يحتل فلسطين. من هذه المصطلحات: «المجتمع»، «الديمقراطية»، «المدني والعسكري». إلى أي درجة نصدّق الادعاء بوجود «مدنيين»؟ أليس المهندس والصيدلي والعامل قوة احتياط؟ تنتهي خدمتهم العسكرية، ويظل السلاح رفيقًا؛ انتظارًا لاستدعائهم إلى حرب جديدة.

هم مدنيون بقدر ما كان العاملون في جيوش الاحتلال- قبل غروب الكولونيالية التقليدية- يجلبون أسرهم إلى دول يجنّدون فيها، وينعزلون عن مجتمعاتها. وهل «كانت» إسرائيل ديمقراطية؟ ربما تكون الإجابة: «نعم»، إذا اختص الأمر بالأشكيناز. أما اليهود الشرقيون من أفريقيا والعالم العربي وفلسطين فهم أدنى، ويقل فلسطينيو 1948 درجة عن هذا «الأدنى»

ستجذب انتباه المؤرخين أيضًا ظاهرة اليقظة المتأخرة لبعض الضمائر، بالحد الأدنى من شروط الآدمية، فيختارون مغادرة الكيان الصهيوني، ويبرّئون الذمة بدراسات مهمة، كما يفعل إيفي شلايم وإيلان بابيه، وغيرهما من المؤرخين الجدد المقيمين حاليًا خارج فلسطين المحتلة. وقد يكتبون شهادات تحتمل التطهّر من ماضيهم، وفي الوقت نفسه يتباهون بقدرة كيان لا يأبه لما ينشر في هذه الشهادات. يوثّقون عمليات إجراميّة بأدلة تكفي لتقديم الجناة إلى المحكمة الجنائية الدولية، لو توفّرت في العالم العربي الإرادة. وهل يملك المتواطئون والشامتون إرادة؟ أعد وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل، في آذار/مارس 1978، بيانًا يدين «إبادة منظمة للفلسطينيين»، في اجتياح جيش الاحتلال لجنوبي لبنان.

هل أعطوهم العلقة؟

سجّل الوزير، في كتابه «السلام الضائع في كامب ديفيد»، أنه ظل يتصل بالرئيس أنور السادات، وقبيل الظهر استيقظ السادات، وسأله عن سبب اتصاله المتكرر في الصباح؟ فأبلغه الوزير بالعدوان الإسرائيلي، «فقال السادات ضاحكًا: هل أعطوهم العَلْقة ولا لِسّه؟… أدبوهم ولا لسه؟ وفهمت أنه يقصد إن كان قد تم للإسرائيليين تلقين الفلسطينيين درسًا بسبب العملية التي قام بها الفدائيون داخل إسرائيل منذ أيام. وكان الدم يندفع إلى شرايين رأسي وأنا أجيبه: لقد حدث العكس ولقّن الفلسطينيون الإسرائيليين درسًا». لا يوحي الوزير بوجود معرفة سابقة لرئيسه بالهجوم. السادات لم يغضب، ولم يفاجأ بتحرك جيش الاحتلال، وإنما فوجئ بجسارة الفلسطينيين في التصدي للعدوان.

سلوك لائق بكوميديان. ردّ فعل يليق باستمراء الإهانة، ففي 7 حزيران/يونيو 1981 دمرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي، بعد دقائق من مغادرة الفنيين الفرنسيين للموقع. وقبل الجريمة بثلاثة أيام التقى السادات ومناحيم بيغن في شرم الشيخ. علم السادات بإغارة قوات العدو على المفاعل؛ فكانت غضبته كوميدية؛ إذ أمر بإيقاف التعاون مع خبراء زراعة إسرائيليين بدؤوا عملهم في أيار/مايو 1981، عقب زيارة شارون بطل الثغرة في حرب 1973 لمصر التي علمت العالم الزراعة. ومن واقعة تدمير المفاعل، أصل إلى كتاب «جواسيس جدعون» لجوردون توماس البريطاني الإسرائيلي. صدر الكتاب في نيويورك 1999، وترجمه في العام نفسه كل من أحمد عمر شاهين، ومجدي شرشر.

كتب لي الصديق الفلسطيني أحمد عمر شاهين هذا الإهداء: «ها هم اليهود على حقيقتهم». كنت عضو هيئة تحرير مجلة «سطور». وبعد المجلة، بدأت دار سطور مشروعًا للنشر بكتابين لكارين أرمسترونج، وتلاهما كتاب جوردون توماس وعنوانه الفرعي: «التاريخ السري للموساد». قرأته فأخافني. هنا في المكتب، في مدخل البناية، في الأتوبيس، في الشارع، في البيت، في أي مكان، جهاز زرعه الموساد، يحصي الأنفاس. الموساد «عين إسرائيل السرية على العالم». والصهاينة حاضرون، لهم في كل مكان أثر، وفي كل «عملية» بصمة. تشمل عملياتهم عمق أفريقيا، وأوروبا، والأرجنتين، ومنها اصطادوا أدولف إيشمان (يصرّ صديقي المترجم سمير جريس على أن النطق الصحيح إيشمان لا إيخمان).

المكالمة الحاسمة

نجح رافي إيتان في اختطاف إيشمان، تنفيذًا لمبدأ «لا نجاة لأي نازي حي». لا أستبعد يومًا يرفع فيه الفلسطينيون شعار: «لا نجاة لأي قاتل صهيوني حي»، والقتلة لا يكذبون. يتفاخرون بجرائمهم منذ النكبة، ويضحكون للكاميرات ساخرين من فلسطينيين عزل قتلوهم حتى نفاد الذخائر. ربما تتحقق جملة قالها إيشمان قبل إعدامه وما تلاه من حرق جثته، وبعثرة الرماد في البحر، إذ أمر بن جوريون ألا يتركوا أثرًا قد يثير التعاطف معه، ويحوّله «إلى معبود نازي». فكّوا الفرن، ولم يستخدم ثانية. في 31 أيار/مايو 1962، قال إيشمان لإيتان في غرفة الإعدام: «سيأتي اليوم الذي تلحقني به، أيها اليهودي». هذا يوم أراه قريبًا.

يشرح الكتاب دورًا خطيرًا للموساد قبل حرب حزيران/يونيو 1967. تأكد لهم أن الوقت الحرج لوحدات الرادار يقع بين الساعة 7:30 و7:45 صباحًا. خلال خمس عشرة دقيقة تكون وردية الليل منهكة، والتالية لم تستعد بعد، «وتتأخر قليلًا بسبب البطء في قاعات الطعام»، حيث يفطرون بداية من الساعة السابعة والربع، لمدة نصف ساعة. إحاطة بكل تفاصيل سلاح الطيران، إذ «كان هناك إما عميل عربي أو أحد رجال الموساد في كل قاعدة جوية مصرية أو رئاسة للأركان، وعلى الأقل كان هناك ثلاثة منهم في رئاسة الأركان العليا في القاهرة». كما تم تسجيل «المكالمة الحاسمة» بين جمال عبد الناصر والملك حسين في بدايات الحرب.

قبل الحرب، استطاع الموساد خلخلة التكوين النفسي والاجتماعي والعائلي لضباط الجيش. كانت عائلاتهم تتلقى خطابات، مرسلة من القاهرة، تتضمن أمورًا محددة تخص تصرفات رجالها. ولاحظ العملاء كثرة الإجازات المرضية «لرجال الطيران لحل مشاكلهم». والضباط يتلقون اتصالات هاتفية مجهولة تتضمن معلومات محددة يعرفونها. اتصلت امرأة بأحد المدرسين، وأخبرته أن سوء أداء التلميذ فلان بسبب أنه «عشيق والدها الضابط الكبير، مما أدى إلى إطلاق الضابط النار على نفسه». تسببت الحملة القاسية، كما يصفها المؤلف، في «شقاق ملحوظ داخل العسكرية المصرية، وأرضت مئير أميت (مدير الموساد 1963 ـ 1968) بشكل كبير». سلوك استخباري قاعدي ناعم لم يضطرهم، آنذاك، إلى انتهاج وسائل إرهاب الدولة.

لا يبالي الموساد بأدوات التنفيذ: اليهود أو المتعاونين. لا يفكرون في العميل «على أنه بشر، إنه مجرد سلاح، وسيلة لتحقيق غاية مثل الكلاشينكوف تمامًا، هذا هو كل ما في الأمر، وإذا تعين عليك أن ترسله إلى حتفه فلا تفكر في الأمر، فالعميل دائمًا مجرد لا شيء، شخص تافه لا شأن له، إنه ليس إنسانًا بالمرة». وفي الكتاب وقائع لملفات مفتوحة، ففي أيار/مايو 1965، طلب الملك الحسن «من الموساد مساعدته في التخلص من بن بركة». الجنرال محمد أوفقير «المخيف» نقل إلى ديفيد كيمحي «ما يريده الملك: رأس بن بركة»، وكان على أوفقير أن يذهب معه إلى إسرائيل، عبر روما، لشرح الطلب.

الاغتيال من العمل

تمارس إسرائيل إرهاب الدولة، تعتبر «الاغتيال جزءًا من العمل». اكتشف الموساد، عام 1977، تزويد فرنسا للعراق بقدرات نووية. فكروا في ضرب المفاعل قبل بدء تشغيله، لكن هذا «سينهي المناورات الدقيقة لإقناع مصر بتوقيع اتفاقية سلام». رصدوا وجود العالم المصري يحيى المشد في باريس، للإشراف على شحن وقود ذري إلى بغداد، فأرسل مدير الموساد إسحاق هوفي فريقًا لاغتياله، «دخل غرفته اثنان بمفتاح ماستر، ذبحاه وطعناه في القلب، ونهبا الغرفة لتبدو العملية وكأنها بدافع السرقة. واعترفت فتاة ليل في الغرفة المجاورة أنها سمعت أصواتًا غير عادية في غرفة المشد، بعد ساعات من تقديم إفادتها… قتلت في حادث سير، ولم توجد العربة قط».

أنهى «فريق القتل» العملية، ولحق بطائرة تل أبيب. هل يكفي توثيق جوردون توماس للجريمة لإعادة فتح الملف؟ من يفتحه؟ العراق جريح، تبعات الاحتلال الأميركي والاحتراب الأهلي تثقله بقضايا أخرى. ومصر ترى ذلك ترفًا، فالكتاب ترجم عام 1999، وأضاف المؤلف فصولًا في طبعة ترجمت في بيروت عام 2007. وفي مصر، نشرت دار سطور ترجمة الدكتورة فاطمة نصر لكتاب «الحرب القادمة بين مصر وإسرائيل»، عام 2016 بعد عامين على صدوره في لندن. والمؤلف إيهود إيلام، المقيم في أميركا، كان مجندًا في فرقة الأسلحة المضادة للطائرات، وبعد الدكتوراه ظل مشاركًا أكاديميًا وعمليًا في دراسة «الإستراتيجية القومية والمبدأ العسكري لإسرائيل»، وعمل في وزارة الدفاع.

هل هذا المؤلف يؤلف؟ من غرفة العمليات يطلعنا على سيناريو حرب حاشدة مكثفة تقتحم فيها إسرائيل سيناء، «وسيعمل الجيش المصري على حماية أرضه، الأمر الذي سيجبر قوات الدفاع الإسرائيلية على تدمير الوحدات المصرية أو إجبارها على التقهقر». ويقول: إن إسرائيل، بعد الحرب القادمة، قد تحتل بعض المناطق في سيناء، وإنها لن تصادف أثناء تقدمها في سيناء «تحصينات كتلك التي كانت موجودة في حروب 1956 و1967، ومن ثم لن يعيق شيء طريقها، ستقوم قوات الدفاع الإسرائيلية بتفكيك أية بنى أساسية يكون الجيش المصري قد بدأ في إقامتها هناك… سوف تبذل قوات الدفاع الإسرائيلية أقصى جهدها من أجل سحق القوات المصرية بسيناء»

رغم معاهدة السلام 1979، يوقن إيهود إيلام بأن مصر تظل «التحدي الرئيسي في أية حرب… قد لا تسعى مصر إلى مواجهة مع إسرائيل، لكن إن حدثت… وبما أن لمصر جيشًا قويًا، فعلى قوات الدفاع الإسرائيلية أن تكون مستعدة لهزيمته، لأنها لو لم تكن كذلك، فقد يغري هذا مصر باختبار قوة إسرائيل. سيكون نجاح مصر في نشر قوات لها بسيناء من دون رد مناسب من جانب إسرائيل- ناهيك عن ثباتها في مواقعها ضد الهجمات الإسرائيلية- ضربة هائلة لإسرائيل». رغم المعاهدة، تظل مصر هي العدو، والسلام معها- كما قال عوزي ديان الرئيس السابق لمجلس الأمن الوطني- يتأسس على جعل سيناء «منزوعة السلاح».

سيناريو الحرب القادمة- كما يعلن المؤلف- تكرار لاجتياحَيْ 1956 و1967، «بضربة استباقية». وقد مرّ الكتاب في صمت، كأن الحرب- التي يحدد المؤلف الصهيوني تفاصيلها- ستقع في هضبة التبت بين الهند والصين.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحرب القادمة

إقرأ أيضاً:

هل ستندلع حرب أهلية قريباً في إسرائيل؟

قبل انطلاق "طوفان الأقصى" كان في إسرائيل تحذير مرتفع النبرة من اندلاع حرب أهلية جراء سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهي ليست المرة الأولى التي تعلو فيها أصوات تتحدث هكذا في بعض المحطات والأوقات داخل إسرائيل، التي تفادت وقت تأسيسها حربًا من هذا النوع، كان يمكن أن تندلع لو شرعت الدولة العبرية في وضع دستور لها، إذ أدرك مؤسسوها أن بسببه قد يحتدم جدل بين العلمانيين والمتدينين، قد يتصاعد إلى شقاق يؤدي إلى انهيار المشروع منذ بدايته.

فطوال الوقت، يموج المجتمع الإسرائيلي بالعديد من أسباب الصراع، حيث هناك خلافات عميقة وممتدة بين المتدينين والعلمانيين حول قضايا عدة تتعلق بمسائل من قبيل: قداسة يوم السبت، والأطعمة والذبائح، ووضع النساء، والزواج المختلط، والتعليم والخدمة العسكرية، والاستيطان، أضيفت إليها قضايا أخرى مع الزمن، مثل: قانون تشريح الجثث وزراعة الأعضاء، وقانون حقوق الإنسان، وتجنيد الفتيات المتدينات، والتسوية مع الفلسطينيين.

وهي صراعات تبلغ من الحدة المكتومة إلى درجة أن بين الإسرائيليين من يراها أسبابًا دائمة لاندلاع شرارة حرب أهلية في أي وقت.

يحكي الدبلوماسي المصري رفعت الأنصاري في مذكراته عن فترة خدمته في إسرائيل أن بعض جمهور اليمين الديني المتطرف قد عزموا على تنظيم مظاهرة أمام مبنى السفارة في تل أبيب بعد أسابيع من اغتيال الرئيس المصري أنور السادات؛ احتجاجًا على اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية، ووقتها سمع من السفير محمد بسيوني – أول سفير لمصر في تل أبيب – عبارة لافتة قال فيها: "إذا ما اندلعت حرب أهلية في إسرائيل سيكون مائير كهانا زعيم حركة كاخ وراء ذلك". ولم يأتِ هذا الحكم من فراغ إنما كان مستندًا إلى تقدير معطيات واقعية ظاهرة للعيان.

فالأحداث اللاحقة برهنت على أن مثل هذا التقدير لم يكن جزافيًا، من منطلق إدراك صاحبه رفض اليهود المتدينين للتخلي عن حلم "إسرائيل الكبرى"، ولذا يرون دومًا أن أي تسوية سلمية تعيد إلى العرب أرضهم السليبة يجب رفضها على الفور.

لهذا رأينا حركات مثل "جوش أمونيوم" و"كاخ"، اللتين تحالفتا مع بيغن وشامير زعيمي حزب الليكود، تهددان بحرب أهلية إذا انسحبت إسرائيل بشكل كامل من الأرض العربية المحتلة، وفق مبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي رُفع في مؤتمر مدريد عام 1991.

وتجدد هذا الوضع مع الانسحابات الأحادية لإسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وقطاع غزة عام 2004، إذ تحدث البعض وقتها عن احتمال قيام الجيش، الذي تصاعد فيه وجود الضباط المتدينين المتشددين، بانقلاب على الحكومة؛ لأنهم يرونها قد فرطت في مشروع "إسرائيل الكبرى".

وهنا ينقل الباحث الإسرائيلي تسفكيه عميت في كتابه "انقلاب عسكري في إسرائيل.. الاحتمالات والواقع" عن أحد الأكاديميين الإسرائيليين المنتمين إلى اليمين قوله: "لقد كانت هناك مخاطر حقيقية لاحتمال نشوب حرب أهلية في إسرائيل.. التطرف الحادث لدى الجانبين، وعدم الصبر والعداء بينهما، دفعت بإسرائيل إلى الجلوس على برميل بارود، يمكن لأي شرارة أن تفجره وتجعله يمزق الدولة أشلاء وينثرها في الهواء. وأنا أعتقد أنه يجب علينا أن نشكر أولئك الذين أحدثوا الانقلاب".

ومن بين الإسرائيليين من فكر في هذه الحرب الأهلية من زاوية أخرى، متوقعًا أن يطلقها فلسطينيو الداخل أو عرب الـ48، فها هو رحبعام زئيفي رئيس حركة مولديت، الذي قُتل أثناء انتفاضة الأقصى عام 2000، كان يرى أن نمو الحركة الإسلامية في إسرائيل سيقود ذات يوم إلى حرب أهلية.

وزاد هذا الاعتقاد وقت التمرد الواسع لفلسطينيي الداخل عام 2021 مع اندلاع عملية "سيف القدس"، فما جرى وقتها نُظر إليه على أنه أشبه بحرب أهلية، حيث فقدت الشرطة وقوات حرس الحدود السيطرة على بعض المدن، وخصوصًا اللد، واضطرتا إلى إخلاء بعض الأسر اليهودية منها.

قبيل "طوفان الأقصى" كانت إسرائيل على شفا "حرب أهلية" بالفعل، وهو أمر أكده أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بار إيلان" مناحم كلاين، إذ اعتبر الاحتجاجات التي شهدتها ضد اتجاه نتنياهو إلى تعديلات قضائية ترسخ الدكتاتورية، أنها تمثل المراحل الأولى من حرب أهلية.

وهي مسألة أكدها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في معرض تعليقه على إقرار الكنيست مشروع قانون "الحد من المعقولية" المتعلق بالتعديلات القضائية، واصفًا القانون الجديد بأنه يمثل تهديدًا خطيرًا لأمن إسرائيل.

بناءً على هذا، لم يكن مستغربًا أن يحذر تقرير لموقع "كاونتر باتش" الأميركي من مخاطر اندلاع حرب أهلية إثر استقالة عدد من قادة إسرائيل، مثل بيني غانتس، وغادي آيزنكوت، حيث كشف هذا عن انقسامات عميقة، تختلف عن الاستقطابات العادية التي تشهدها الديمقراطيات الغربية، ليس فقط لأن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية في جوهرها، ولكن لأن التكوين السياسي لها فريد من نوعه، لا سيما في ظل سعي نتنياهو وحلفائه إلى إعادة تشكيل الطبيعة السياسية لإسرائيل، بما يختلف عما جرت عليه العادة منذ قيامها عام 1948.

فنتنياهو أراد تغيير علاقة السلطة السياسية بالجيش، خارجًا على القاعدة التقليدية التي ترى أن الجيش هو جوهر النظام السياسي، حين قال: "إسرائيل دولة لها جيش، وليست جيشًا له دولة". بينما الحقيقة التاريخية والسارية تبين أن إسرائيل تأسست واستمرت من خلال الحرب، وأن الجيش له مكانة خاصة في المجتمع، سواء من خلال تمتعه بامتيازات مهمة عندما يتعلق الأمر بصناعة القرار السياسي، أو كون كبار قادة الجيش هم من تولوا المناصب السياسية الرفيعة.

ثم جاء "طوفان الأقصى" ليحدث تحولًا جذريًا في المشهد السياسي الإسرائيلي، وفق تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست"، حيث تضررت ثقة إسرائيل بنفسها وفي قادتها السياسيين والعسكريين، وتراجع إحساسها بالأمن، وبات من المرجح حدوث زلزال في المشهد السياسي بعد الحرب.

في الثالث عشر من أغسطس/ آب 2024، عاد الحديث عن حرب أهلية من جديد، حين حذر رئيس حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس من اندلاعها قائلًا: "إذا لم نعد إلى رشدنا فستندلع هنا حرب أهلية، ويجب عدم طمس الحقيقة، هناك قيادة تنفر الناس، وتسمم البئر التي نعيش منها.. تندلع الحرب الأهلية عندما يتم إهدار كرامة العائلات الثكلى وأهالي المختطفين عبر قوات الشرطة خلال المظاهرات، وعندما يتم تصنيف الموظفين الحكوميين المخلصين على أنهم خونة".

كان غانتس يعلق في هذا على حادثة اقتحام جمهور وجنود ملثمين من اليمين الديني المتطرف يقودهم نواب في الكنيست، قاعدةَ "سدي تيمان" في النقب جنوب إسرائيل؛ احتجاجًا على اعتقال الشرطة العسكرية تسعة جنود متهمين بالاعتداء الجنسي على أسير فلسطيني، ومحاولة الغاضبين إطلاق سراحهم بالقوة.

حين تضع الحرب أوزارها ستطفو على السطح من جديد آثار خطة نتنياهو لتهميش دور الجيش في الحياة السياسية، حتى لو أخلَّ هذا بالركيزة الأساسية للتوازن في مجتمع يوصف بأنه "جيش له دولة"، لكن الجيش، على الأرجح، لن يصمت على تقليص دوره، وسيصارع في سبيل الحفاظ على موقعه وموضعه، وستكون مواجهة حامية بعد تسلل المتدينين المتشددين إلى المناصب القيادية في الجيش، والذي صار ظاهرة حدَت بالبعض إلى المطالبة بعدم جمع الضباط المتدينين في الوحدات العسكرية نفسها.

لقد سبق أن نشب صراع مسلح بين الجيش الذي كانت تهيمن عليه عصابات "الهاغاناه" خلال حكم بن غوريون، وبين قيادات مليشيات مسلحة عندما قصف الجيش سفينة كانت تحمل أسلحة إلى عصابة "الأرجون" وقتل واعتقل العديد من عناصرها، وليس هناك ما يحول تمامًا دون تكرار هذا بين وحدات الجيش بعد الحرب، فإن جرى ذلك، في ظل الدور المحوري للجيش في المجتمع، فقد يفتح الباب أمام حرب أهلية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • جنرال إسرائيلي سابق: لم نهزم حماس وحزب الله حتى اللحظة.. والحرب تدمرنا
  • صناعة لبنانية تدرّ الملايين.. سوق المشروب اللبناني وصل إلى العالمية والحرب تهدّده
  • بري : الورقة الأميركية لا تتضمن حرية حركة لإسرائيل ولا قوات أطلسية والأجواء إيجابية
  • باحث علاقات دولية: إسرائيل تمد قوات الدعم السريع بأسلحة ومعدات التجسس
  • اعتداء جديد.. إسرائيل تستهدف مركزاً لـاليونيفيل في الجنوب!
  • حزب الله يستهدف تجمعا لقوات الاحتلال.. ومقترح رسمي لوقف الحرب في لبنان
  • برلين تنفي تورط جنود ألمان بالقتال مع إسرائيل في لبنان
  • ألمانيا ترد على "تهم دعم إسرائيل" في لبنان.. ماذا حدث؟
  • هل ستندلع حرب أهلية قريباً في إسرائيل؟
  • بعد فوز الجمهوريين| مصير أوكرانيا والحرب على غزة وجنوب لبنان إلى أين؟.. أستاذ علوم سياسية: لا يمكن لترامب إنهاء الصراع في المناطق المشتعلة «بزر واحد»