باولو كويلو، كاتب برازيلي، له قصص مشهورة ومتداولة، يؤلف حول المجتمع والحياة العامة، كتب قصة قصيرة، حول التربية وثقافة الطفل، يقول:
"كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير  لم يكف عن مضايقته.. وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي على خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة وقدمها لابنه، وطلب منه إعادة تجميع الخريطة ثم عاد لقراءة صحيفته، ظانا أن الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمسة عشر دقيقة حتى عاد الإبن إليه  وقد أعاد  ترتيب الخريطة، كاملة
فتساءل الأب مذهولًا: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا ؟! 
رد الطفل - ببراءة -  قائلا: لا.

. لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة وعندما أعدت بناء الإنسان.. أعدت بناء العالم".
هنا انتهت القصة

فلينتبهوا..
أعاد بناء الإنسان فأعاد بناء العالم، رُغم رمزية القصة، إلَّا أنَّ طفلًا ببراءة، تمكَّن أن يصلح ما يفسده الكبار، بما لديهم من قدرة وسلطات، تخولُّهم أن يطيحوا بالأحلام، وأن يعصفوا ببقية ما في قلوب الصغار من أمل، فلينتبهوا وليحسنوا تربيتهم بشكل يتلائم مع مرحلة مقبلة تحتاج إلى الكثير من المودة والإرشاد السليم.
ونحن صغارًا كُنَّا نستكشف العالم بأنامل تتحسس المخاطر والخواطر، لا تعدو كونها سلوكيات تستهدف المعرفة، والآن لدينا الطاقات الكامنة، ولا نعرف كيف استثمارها، في عالم تسيطر عليه الصراعات والمادة، وتسارع الخطوات نحو المستقبل المجهول.
أصبحنا اليوم في حاجة أكثر من مُلحَّة، لأن نفهم كيان الطفل، الذي هو أمل المستقبل، فإن تقديم الدعم والرعاية للأطفال يعزز من طموحاتهم ويسهم في بناء شخصياتهم وتشكيل مستقبلهم، وذلك بحماية حقوقهم وتوفير البيئة الصالحة لنموهم، بدنيًا، وعقليًا، وسلوكيًا، ونفسيًا، فلقد أصبحنا في عالم شديد التوترات لا يضمن لهم هذه المناحي المذكورة بأريحية وسهولة.

على ضفة أخرى.. أطفال في أحضان الموت 
في غزة نودِّع في مشهد يومي الأطفال الذي ينتقلون إلى جوار ربهم، بعدما سحقتهم آليات العدو الطاغية، في مشهد يدمي قلوب العالمين من المشرق والمغرب، لم يرغبوا في ترتيب العالم، بل في أرض وسلام، في حضن بيت بعيد عن مرمى القذائف المتطايرة بعشوائية، والأشلاء المتفتتة دون معالم.
في ضفة أخرى ليست بعيدة عن أعيينا، ليس هناك احتفال باسم يوم الطفل العالمي، الطفل في غزة، إمَّا قتيلًا أو جريحًا إثر إصابات بالغة بين موت يناديه وحياة تلفظه، أو فاقددًا لطرف أو عضو من أعضائه، وفي جميع الاحوال فهو فاقدًا للحظة من التأمُّل كالتي أنت فيها عزيزي القارئ، فبالطبع لا تتنامى لديه أدنى لحظة من تفكير في غدٍ ينتظره، وربما يظلُّ يبحث عن أهل غير الذين فقدهم إثر هذا الدمار.

في برزخ لا ندريه، يقول طفلٌ: "أنظر يا أبي كيف هي جنَّة أرحم من ضمير العالم؟!"

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: غزة ثقافة الطفل خريطة العالم ابنه الصغير يوم الطفل العالمي الطفل العالمي بناء الإنسان الصراعات باولو كويلو قصة قصيرة حامد بدر يكتب حامد بدر

إقرأ أيضاً:

صوتُ حامد

 

المعتصم البوسعيدي

ها هي بلدةُ الأخضرِ يَغسلُها المطر، يُبَلِّلُ تُربتها الندية، ثمةَ بياضٌ يخرجُ من منزلِه -للمرةِ الأخيرة- محمول على الأكتاف، وهو الذي حمل على كتفِه بُندقيةَ الفرحِ وهي تَدوي مُعلِنةً وصولَ الأودية. واليومَ، لا وادٍ، ولا صوتٌ يهُزُّ الجبال؛ رُبما لأنَّه هو الوادي الكبير الذي يجري في قلوبِنا، قبلَ أن ينهمرَ من المُقلَتين، والأيادي ترتفعُ، والأفواهُ صادحةٌ داعيةٌ: "اللهُمَّ ارحم الوالدَ حامد بن حارث الفرعي، واجعل قبرَهُ روضةً من رياضِ الجنة".

نهارَ الجُمعة، الرابعِ والعشرين من مُحرم، عام ١٤٤٧هـ، يغادرُ دُنيانا الجد والأب وصفحةُ الزمنِ الجميلِ "أبو خليفة"، تاركًا إرثًا لطالما ستتحدثُ عنه الأجيال، وسيرةً محمودةَ الخِصال؛ كرمٌ باذخ، وسمتٌ راسخ، كالفَلجِ إذا تحدثَ نقي، وكالنخلةِ إذا وقفَ بهي، عصاهُ أبناؤه وقبيلته، وقريته التي شبَّ وشابَ فيها، يذكُرُ المعروفَ وهو صاحبه، ويُقدر الإنسانَ ويُنزلُهُ منازله.

ثلاثينيُّ الميلادِ من قرنٍ منصرم، نافحَ ضراوةَ الحياة، وكافحَ في طلبِ العيش، وتعلَّمَ تحتَ ظلِّ الشجرة. علَّمه وأدَّبه والده، ولقَّنهُ العلمَ مشايخُ أَجِلاء، منهم: الشيخ أحمد بن ناصر البوسعيدي، والشيخ حمد بن عبدالله البوسعيدي، والشيخ الراشدي ناصر بن حميد.

وصار مُعلِّمًا -مُعتمدًا- للقرآنِ في بلدته؛ تراه بين حلقةِ كتابِ اللهِ العزيز تارةً، وبين اخضرارِ البساتينِ تارةً أُخرى، يُناجي النخلةَ ويهمسُ لشجرةِ الليمون.

يداهُ -"يدٌ يُحبُّها اللهُ ورسولُه"– تحنَّتا بالماءِ والتُّراب، وهما تبنيانِ المنازل في البلدةِ وما جاورها، و"الشويرة" شاهدةٌ على هندستِه المعمارية، قبل أن ينقل رِكابه نحو مطرح، حيثُ عمل في شركةٍ للإسمنت، وبنى منزلَه الخاص بـ"حلّة الوشل"، ثُمَّ ما لَبِثَ أن انتقل إلى "الرميس" للعملِ في شرطةِ عُمان السلطانية، في مرحلةٍ فارقةٍ من حياتِه، مُشرِفًا على مزرعةِ السجن، التي ازدهرت بعرقِه، ونَمَت بحبِّه وشغفِه؛ إذ جمعَ فيها صنوفَ النباتات، وأقام حظائر للحيواناتِ والطيور، فكان حَصادُها يُباع في أسواق السيب وبركاء ومطرح. ومع تقاعدِه، ترك أثرًا لا تُخطئُه العين، ولم يتوقف عن العمل؛ بل واصلَ حُبَّه للزراعة، فاشترى مزرعةً في حي "عاصم" بولاية بركاء، كانت ملاذَه ونجاتَه من صَخب الحياة وضوضائها.

العمُّ حامد، أكبرُ إخوتهِ الثلاثة، الذين سبقوهُ إلى دارِ البقاء، وهو أخٌ لشهيدَين؛ أحدُهما قضى نحبَهُ دفاعًا عن الوطن إبَّانَ بزوغِ فجرِ نهضةِ عُمان الحديثة، في الجنوبِ الظفاري، والآخر غرقًا في إعصار "جونو". فكان السندَ والوتد، وعمودَ البيوتِ لا بيتًا واحدًا، وهو عنوانٌ للبذلِ والعطاء.

تفرَّغ بعد عودتِه للبلدة، لـ"ضاحيتِه بالوقيف"، يجمع الأحباب، ويُسامر الأصحاب، لحيتهُ البيضاءُ لا يُضاهيها إلا قلبُه الأبيض. ونحنُ صغارٌ، كنَّا نسمع عن العمِّ حامد وقوته "الأسطورية"، ثمَّ عرفناهُ من البُسطاء الرُّحماء، رَامٍ يُصيب الهدف، وصاحب علمٍ فلكي، يرقبُ موقعَ القمرِ بالنسبةِ للشمسِ بالمرآة، فيتنبَّأ برؤية هلالِ الشهرِ الهجري من عدمِه. وبرحيلِه، تفقدُ بلدةُ الأخضر أحدَ أقمارِها، لكنَّ العزاءَ في خَلَفِه المباركِ بإذنِ الله. وحينَ تُمطرُ السماء، ويأتي الوادي، نريدُ أن نسمع صوتَ حامد... فقد مرَّ من هنا.

 

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة كانت مرتجلة ورسالة مباشرة إلى العالم
  • «الفجيرة للزوارق السريعة» في المجر قبل بطولة العالم لـ «فورمولا المستقبل»
  • الأنبا باخوم يشارك في المسيرة الفرنسيسكانية الثانية والثلاثين
  • روبينيو جونيور نجم شاب يحاول إنقاذ إرث والده من خلف القضبان
  • أطفالنا إلى أين؟
  • رانيا فريد شوقي تحيي ذكرى رحيل والدها بكلمات مؤثرة: الأب الحنين ما بيروحش
  • رؤية مشتركة لمستقبل الشباب المصري: الأكاديمية الوطنية تستضيف وزير الشباب والرياضة
  • تامر حسني وعمرو دياب يشعلان الجدل مجددًا.. والسبب ترتيب الألبومات
  • انتخاب المجلس العام الجديد لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة
  • صوتُ حامد