تقرير لمنظمة انتصاف أطفال بين القتل والحصار (غزة واليمن أنموذجاً)
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
مظلومية الشعبين اليمني - الفلسطيني، تشابّهت في الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها قوى الهيمنة والطغيان العالمي، في حين اختلفت مسمياتها وعناوينها ومبرراتها، مع فارق الزمن بمرور أكثر من سبعة عقود على القضية الفلسطينية التي ستظل قضية الشعب اليمني المركزية والأولى.
أطفال اليمن وفلسطين، أنموذج لمأساة إنسانية صنعتها دول الاستكبار بقيادة أمريكا والدول الغربية وأدواتها في المنطقة، بممارسة القتل والاستهداف المباشر ظلماً وعدواناً إلى جانب استخدام سياسة التجويع كوسيلة حرب لإهلاك المدنيين، بما فيهم الأطفال والنساء في جرائم حرب مكتملة الأركان وفقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية الخاصة بحالة الحرب التي تحظر قتل المدنيين وتعمد استهداف الأعيان المدنية وتجرّم الحصار.
جرائم الكيان الصهيوني في غزة، والتحالف الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن، ستظل شواهد حيّة تتذكرها الأجيال عبر التاريخ على فظاعة ما تم ارتكابه من مجازر وحرب إبادة جماعية يندى لها جبين الإنسانية بحق أبناء الشعبين اليمني والفلسطيني.
مؤخراً أصدرت منظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل تقريراً حقوقياً بعنوان "أطفال بين القتل والحصار" يوثق آثار وتداعيات الحصار والعدوان على الأطفال في اليمن وغزة وآليات الدعم النفسي، بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف الـ20 من نوفمبر من كل عام.
تناول التقرير الأوضاع الكارثية والمأساوية التي يعيشها الأطفال في اليمن منذ ما يقارب تسع سنوات جراء العدوان والحصار، وكذلك الوضع الكارثي الذي يعيشه أطفال فلسطين جراء العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة.
وأشار إلى أن تحالف العدوان على اليمن والعدوان الصهيوني على غزة ارتكبا أبشع المجازر والانتهاكات الست الجسيمة بحق الطفولة والقوانين والمواثيق الدولية، حيث استهدف المنازل والمدارس والمساجد والأعيان المدنية وفرض حصاراً مطبقاً على المدنيين مما أدى إلى تفاقم الأوضاع وتدهورها.
وأفاد التقرير بأنه منذ بدء العدوان على اليمن في 26 مارس 2015م وحتى 19 نوفمبر 2023 سقط ثمانية آلاف و304 أطفال بين قتيل وجريح نتيجة غارات العدوان بينهم ثلاثة آلاف و948 قتيلا وأربعة آلاف و356 جريحاً، بينما بلغ عدد الأطفال ضحايا الاحتلال الصهيوني في غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023 أكثر من خمسة آلاف قتيل والمصابين ثلاثين ألفاً أكثر من 75 بالمائة منهم أطفال ونساء، بينما تجاوز عدد المفقودين ثلاثة آلاف و750 شخصًا، بينهم 1800 طفل ما زالوا تحت الأنقاض.
وذكر أن طائرات العدوان على اليمن شنت ألفين و932 غارة بقنابل عنقودية خلال التسع السنوات الماضية، وبلغ إجمالي عدد الضحايا المدنيين جراء استخدام تلك القنابل قرابة تسعة آلاف ضحية معظمهم من النساء والأطفال.
وحسب التقرير، دمّر العدوان على اليمن 572 مستشفى ومرفقاً ومنشأة صحية واستهدف 92 سيارة إسعاف مع طواقمها ومنع دخول المستلزمات الطبية الخاصة بالأمراض المزمنة، وتوقف أكثر من 60 بالمائة من القطاع الصحي، بينما يعاني أربعة ملايين و521 ألفاً و727 طفلاً وامرأة من سوء التغذية الحاد والعام والوخيم، بما في ذلك 313 ألفاً و790 طفلا دون الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.
ويعاني مليون و777 ألفاً و423 طفلاً من سوء التغذية العام، ومليون و463 ألفاً و633 طفلاً من سوء التغذية الحاد الوخيم، فيما تصارع 966 ألفاً و881 امرأة حامل ومرضع سوء التغذية لأجل البقاء على قيد الحياة في ظل الكارثة الإنسانية التي سببها العدوان.
وذكر التقرير أن أكثر من 8.5 ملايين طفل يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية ويواجهون التهديد اليومي المتمثل في نقص الغذاء والنزوح، واستمرار تقليص المساعدات، وإيقاف برامج وتدخلات الوقاية من سوء التغذية، كما يحتاج ما يقرب من 80 في المائة من السكان – أي أكثر من 24 مليون شخص – إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة.
ووفق الإحصائيات الواردة في التقرير فإن أكثر من 80 مولوداً من حديثي الولادة يتوفون يوميًّا بسبب تداعيات استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا، ويقدر الاحتياج الفعلي للقطاع الصحي قرابة ألفي حضانة بينما يمتلك 600 حضانة فقط ونتيجة لذلك يتوفى 50 بالمائة من الأطفال الخدج، كما ارتفعت نسبة الإصابة بأمراض السرطان إلى 35 ألف شخص، بينهم أكثر من ألف طفل.
ولفت إلى ارتفاع عدد الأشخاص ذوي الإعاقة من ثلاثة ملايين قبل العدوان على اليمن إلى 4.5 ملايين شخص حالياً، بينما أصيب أكثر من ستة آلاف مدني بإعاقة نتيجة الأعمال العدائية المسلحة منذ بدء العدوان، منهم أكثر من خمسة آلاف و559 طفلاً، كما أن 16 ألف حالة من النساء والأطفال يحتاجون إلى تأهيل حركي.
وتطرق التقرير إلى أوضاع التعليم حيث استهدف تحالف العدوان المنشآت التعليمية ما أدى إلى تدمير وتضرر نحو 28 ألف منشأة تعليمية وتربوية وأكثر من 45 جامعة وكلية حكومية وأهلية و74 معهداً فنياً وتقنياً.
وبين أن غارات تحالف العدوان استهدفت المدارس وتضررت نتيجة لذلك ثلاثة آلاف و676 مدرسة منها 419 دمرت كلياً وألف و506 مدارس تضررت جزئياً، وأُغلقت 756 مدرسة، كما استخدمت 995 مدرسة لإيواء النازحين، وتسرب ما يزيد عن مليون طالب وطالبة من التعليم، فيما 8.1 ملايين طفل بحاجة إلى مساعدات تعليمية طارئة في جميع أنحاء البلاد، ومليونين و400 ألف طفل خارج المدارس من أصل عشرة ملايين و600 ألف طفل في سن الدراسة.
وذكر التقرير أن 1.6 مليون طفل يعملون في اليمن محرومون من أبسط حقوقهم، وبلغ عدد الأطفال العاملين 7.7 ملايين أي حوالى 34.3 بالمائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 عاماً، مبيناً أن العدوان والحصار هما السبب في زيادة نسبة العمالة بين الأطفال في اليمن.
وارتفع عدد النازحين إلى خمسة ملايين و159 ألفاً و560 نازحاً في 15 محافظة يمنية واقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ، منهم مليون و168 الفاً و664 فرداً لا يحصلون على مساعدات حتى اليوم.
وبين التقرير أن تسعة من كل عشرة أطفال في مخيمات النازحين باليمن لا تتوفر لهم فرص كافية للحصول على أهم احتياجاتهم الأساسية مثل التعليم والغذاء والمياه الصالحة للشرب، ولا يزال حوالي 1.71 مليون طفل نازح في البلاد محرومين من الخدمات الأساسية ونصف مليون منهم لا يحصلون على التعليم الرسمي.
وفيما يتعلق بقطاع غزة في فلسطين، دمّر الاحتلال الصهيوني 76 مسجدًا تدميراً كلياً، و165 مسجدًا تدميراً جزئيًا، إضافة إلى استهداف ثلاث كنائس، كما خرجت عن الخدمة 63 مدرسة و25 مستشفى من أصل 35 مستشفى و52 مركزاً صحياً.
ولفت إلى أن أطفال غزة يعيشون أوضاعاً متردية بسبب نفاد الوقود والغذاء وانقطاع المياه والكهرباء، ويمنع الاحتلال الصهيوني دخول المساعدات عبر معبر رفح، وإن سمح بإدخالها فلا يدخل سوى الجزء اليسير منها والذي لا يكفي لتغطية احتياجات سكان القطاع.
وأوضح التقرير أن عدد النازحين من الأطفال في غزة بلغ 700 ألف طفل، فيما اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني 570 طفلاً خلال النصف الأول من العام 2023 من بينهم 435 طفلاً من مدينة القدس.
وتطرق إلى القوانين والمعاهدات الدولية التي دعت إلى حماية الأطفال أثناء الحروب والنزاعات ومدى تطبيقها من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها خلال العدوان على اليمن وغزة، مشدداً على أن تلك المنظمات كانت متواطئة مع كل ما يحدث بحق الشعبين اليمني والفلسطيني ووقفت موقفاً مخزياً أمام كل الجرائم المرتكبة في اليمن وغزة.
واستعرض التقرير الآثار النفسية والاجتماعية للعدوان على الأطفال وسبل الدعم النفسي لهم في الأزمات، مطالباً بإيقاف العدوان والحصار على اليمن وفلسطين وتحديداً على غزة وتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة للتحقيق في جميع الجرائم والمجازر المُرتكبة في البلدين.
وبهذا الصدد أوضحت رئيسة منظمة انتصاف سمية الطائفي لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) أن إطلاق التقرير يأتي بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف الـ 20 من نوفمبر وتذكير العالم بمجازر أمريكا وإسرائيل والدول الغربية وأدواتها في المنطقة باليمن وفلسطين.
وأشارت إلى أن التقرير وثّق جرائم العدوان بحق الطفولة في اليمن وفلسطين، إلى جانب المعاناة الإنسانية التي أوجدها تحالف العدوان على اليمن جراء ممارساته الإجرامية، فضلاً عن المأساة الإنسانية لأطفال فلسطين وتحديداً في قطاع غزة.
ودعت الطائفي المجتمع الدولي والأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية والإنسانية إلى الاضطلاع بالمسؤولية في إيقاف جرائم العدوان الأمريكي الصهيوني على غزة ورفع الحصار عن اليمن وفلسطين والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود لتخفيف معاناة أبناء الشعبين اليمني والفلسطيني.
ورغم المأساة والمعاناة الإنسانية منذ ما يقارب تسع سنوات في اليمن، تمكن اليمنيون من تجاوز تحديات العدوان والحصار، ونهضوا من بين الركام واستطاعوا تحقيق النجاحات على مختلف المسارات، وصنعوا بطولات لم تكن في الحسبان، فيما تمضي المقاومة الفلسطينية اليوم قدماً بمواجهة العدو الصهيوني وتمريغ أنفه والتنكيل به في قطاع غزة والأراضي المحتلة منذ 45 يوماً.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الاحتلال الصهیونی العدوان على الیمن العدوان والحصار من سوء التغذیة الیمن وفلسطین تحالف العدوان الأطفال فی بالمائة من التقریر أن أطفال فی فی الیمن أکثر من ألف طفل
إقرأ أيضاً:
اليونيسف: غزة تحوّلت إلى مقبرة أطفال.. يواجهون الموت والجوع بلا رحمة (فيديو)
حذّر الناطق الرسمي باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، كاظم أبو خلف، من الكارثة الإنسانية التي يعيشها أطفال غزة، مشيرا إلى أن القطاع تحوّل إلى "مقبرة أطفال بشعة".
وأكد أبو خلف، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، أن "أطفال غزة يواجهون الموت والجوع والمرض بلا رحمة وسط دمار واسع ونقص حاد في الغذاء والدواء، في ظل استمرار الحرب. آلاف الوجوه البريئة أُطفئت أحلامها قسرا، وسط صمت عالمي يثقل قلوب الأمهات الثكالى والأطفال الجرحى".
وقال إن "قطاع غزة شهد مقتل أكبر عدد من الأطفال خلال الحروب في التاريخ الحديث؛ فهناك 15,613 طفلا قُتلوا في غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومتوسط القتلى اليومي يُقدّر بحوالي 27.9 طفلا".
وأضاف الناطق الرسمي باسم "اليونيسف": "لا يوجد نزاع أو حرب يسقط فيه هذا العدد الهائل من الضحايا بشكل يومي إلا في قطاع غزة. الأرقام صادمة وتتحدث عن نفسها، وتعطي صورة قاتمة جدا لما يجري في القطاع".
وأشار إلى أنه "منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لم يخرج من قطاع غزة لغرض العلاج الطبي سوى 2000 شخص فقط، منهم 690 طفلا فقط، وهو معدل بطيء جدا، ولو استمرت سرعة الخروج لغرض العلاج الطبي بهذا المعدل ربما نحتاج إلى سنين طويلة لعلاج المصابين".
وأوضح الناطق باسم "اليونيسف"، أن "الوضع النفسي للأطفال في قطاع غزة سيء بامتياز؛ فالأطفال لا يسمعون إلا صوت القصف والدمار والاجتياحات، حتى المصطلحات التي أصبحت تجري على ألسنتهم هي مصطلحات لا ينبغي أن تجري على لسان الأطفال، وجميع هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى دعم نفسي بدرجات كبيرة ومتفاوتة".
وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تقيم مجمل وضع الأطفال في غزة حاليا؟
الوضع في قطاع غزة بشكل عام كارثي بامتياز، ونحن نتجه نحو الهاوية إذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم، واليوم يمر أكثر من 58 يوما على توقف دخول المساعدات، والتي توقفت في الثاني من آذار/ مارس الماضي، وهي أطول فترة لا تدخل فيها المساعدات إلى قطاع غزة.
الناس بحاجة كبرى إلى كل أنواع المساعدات؛ فلا يدخل غذاء ولا ماء ولا دواء ولا أي شيء يخطر على البال، وفي المقابل هناك استئناف للعمل الحربي منذ الثامن عشر من آذار/ مارس.
وفي التاسع من آذار/ مارس أيضا قُطعت الكهرباء عن محطة تحلية المياه المركزية الموجودة في دير البلح، ما أدى إلى خفض ما تنتجه هذه المحطة من مياه صالحة للاستخدام الآدمي بنسبة 85%، وهو ما أثّر على مليون من الناس منهم 400 ألف طفل، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فنحن نتجه نحو نفق مظلم جدا على مرأى ومسمع من الناس، ومَن يدفع ثمن كل هذا بالدرجة الأولى هم الأطفال.
قطاع غزة تحوّل بكل أسف إلى "مقبرة أطفال بشعة"، والأطفال هناك يواجهون الموت والجوع والمرض بلا رحمة وسط دمار واسع ونقص حاد في الغذاء والدواء، في ظل استمرار الحرب. آلاف الوجوه البريئة أُطفئت أحلامها قسرا، وسط صمت عالمي يثقل قلوب الأمهات الثكالى والأطفال الجرحى.
ما آخر الإحصائيات التقريبية للأطفال القتلى والمصابين في غزة؟
نحن في اليونيسيف نحاول دائما أن نتحقق من المعلومات قبل أن نجعلها تصريحات رسمية، وفي أدنىالتقديرات نتحدث عن 15,613 (خمسة عشر ألفا وستمائة وثلاثة عشر) من الأطفال قُتلوا في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولو قُسِّم هذا الرقم على عدد أيام الحرب التي وصلت 18 شهرا تقريبا، فإن متوسط القتلى اليومي يُقدّر بحوالي 27.9 طفلا يسقط يوميا في قطاع غزة منذ أن بدأت الحرب.
أي نزاع في الدنيا يسقط فيه هذا العدد الهائل من الأطفال كل يوم؟، ولو أخذنا في الاعتبار الأرقام التي ترد في بعض التقارير حول عدد الضحايا من الأطفال وغيرهم ثم قسّمنا هذه الأرقام على عدد أيام الحرب فإن متوسط عدد القتلى والجرحى هو 299 شخصا يوميا بين قتيل وجريح منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
لا يوجد نزاع أو حرب يسقط فيه هذا العدد بشكل يومي إلا في قطاع غزة، فضلا عن ضياع العام الدراسي، والحاجة للإخلاءات الطبية، بالإضافة لأعداد المفقودين تحت الأنقاض، والأيتام، ومن فقدوا جميع ذويهم.. الأرقام صادمة وتتحدث عن نفسها، وتعطي صورة قاتمة جدا لما يجري في القطاع.
وماذا عن وضع الأطفال الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية؟
مسألة الأطفال الأسرى في السجون الإسرائيلية سواء كان الوضع في قطاع غزة أو في الضفة الغربية نتركها لجهات مختصة لتتبحر في هذه المسألة من جهة القانون الدولي، والتحويلات في حال تم الإفراج عنهم.
فأحيانا المعلومات تصل متأخرة، وأحيانا تصل مجتزأة، ونحاول التيقن من بعض الأرقام، ولكن ما نستطيع أن نؤكده وفق تعريفات اليونيسيف للأطفال بأن هناك من الأطفال مَن هو أسير لدى الجانب الإسرائيلي سواء من أطفال قطاع غزة أو من الضفة الغربية، وهذا ليس بجديد، وهو مدعاة لنؤكد على أهمية إطلاق سراح الأطفال، بل نتساءل لماذا يؤسر الطفل من الأساس، وهو ما يوضح جانبا آخر مما يجري من تعقيدات في المشهد الغزي أو المشهد الفلسطيني بشكل عام.
ما تداعيات العدوان الإسرائيلي على الحالة النفسية لأطفال غزة؟
الوضع النفسي للأطفال في قطاع غزة هو سيء بامتياز؛ فالأطفال لا يسمعون إلا صوت القصف والدمار والاجتياحات، حتىالمصطلحات التي أصبحت تجري على ألسنتهم هي مصطلحات لا ينبغي أن تجري على لسان الأطفال، فبدلا من تعلم الأبجدية والحساب والعلوم.. إلخ، تراهم يتحدثون عن أنواع الطائرات الحربية، وأنواع القصف، وهل هذا قصف جوي أم قصف مدفعي؟
بالمناسبة هناك 650 ألف طفل تقريبا في سن المدرسة في قطاع غزة، وإجمالي عدد الأطفال بحسب اليونيسيف 50% من سكان قطاع غزة، وجميعهم يحتاجون إلى دعم نفسي بدرجات متفاوتة، إلى هذا الحد المشهد الغزي مُعقّد بالنسبة للأطفال.
لو تحدثنا عن جهود اليونيسف الحالية في مواجهة الأزمة التي يعانيها أطفال غزة؟
منظمة اليونيسيف، وغيرها من المنظمات القائمة على عملية الاستجابة الإنسانية، سواء في المنظومة الأممية كمنظمة الصحة العالمية، أو برنامج الغذاء العالمي، أو الأونروا، وحتى المؤسسات الإنسانية غير المنتمية للمنظومة الأممية، الجميع يحاول جاهدا تقاسم الأدوار بحيث تقدم الخدمات بشكل أكثر فعالية.
في اليونيسيف لدينا ما نسميه «مساحات التعليم المؤقتة»، وهي عبارة عن خيام كبيرة تُقام في وسط تجمعات خيام النازحين، وندعو إليها الأطفال حتى يستعيدوا بعضا من ملامح الحياة الطبيعية للطفل. نود أن نعيد الطفل إلى المربع الذي يستيقظ فيه من النوم ليقول:"أنا ذاهب إلى المدرسة"، حتى لو كانت هذه المدرسة عبارة عن خيمة كبيرة، ولكن أحد التحديات الكبرى في هذا المجال أن تقع هذه الخيمة -التي نسميها مجازا مدرسة- في نطاق إخلاء جديد فنعود بانتكاسة في العملية التعليمية.
من التحديات أيضا عدم دخول الأدوات المدرسية، مثل الكراسات (القرطاسية) والأقلام وغيرها، وهي موجودة على الجانب الآخر من الحدود لكن لا يسمح لها بالدخول.
ومن المساعدات التي تقدمها اليونيسيف هي زيادة نسبة التطعيمات في قطاع غزة؛ فعدد أنواع التطعيمات الروتينية للأطفال 11 نوعا، وكانت متوفرة بنسبة 98% قبل الحرب، والآن انخفضت النسبة إلى ما دون 85%، وهذا ينذر بكارثة كبرى. لذا، سارعنا في القيام بثلاث جولات للتطعيم ضد شلل الأطفال دون سن العاشرة، وتمكنا من تطعيم 603 ألف من الأطفال المحتاجين لهذا النوع من التطعيم.
من جهة أخرى، تركزمنظمة الصحة العالمية على الإخلاءات الطبية؛ فحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية من 11 إلى 13 ألف شخص يحتاجون إلى إخلاء طبي، بينهم 4500 طفل (أربعة آلاف وخمسمائة).
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لم يخرج من قطاع غزة لغرض العلاج الطبي سوى 2000 شخص فقط، منهم 690 طفلا فقط، وهو معدل بطيء جدا، ولو استمرت سرعة الخروج لغرض العلاج الطبي بهذا المعدل ربما نحتاج إلى سنين طويلة لعلاج المصابين، وذلك فضلا عن الإصابة بالأمراض الأخرى كالإسهال، والنزلات التنفسية والمعوية، والحصبة والجدري، ولو نظرنا لوضع البنية التحتية والصرف الصحي، فالوضع سيء للغاية، فحدث ولا حرج.
هل تعرّضت فرق اليونيسف في غزة لانتهاكات مباشرة من قِبل إسرائيل؟
فرقنا بفضل الله حتى الآن لم تتعرض لحادث، ولكن هناك فرق كثيرة تعرضت لحوادث من قِبل الجانب الإسرائيلي.
إجمالي عدد العاملين في المجال الإنساني الذين سقطوا في قطاع غزة منذ بداية الحرب 408 شخصا، وكان النصيب الأكبر منهم من العاملين في الأمم المتحدة؛ فلم يسقط من العاملين في الأمم المتحدة منذ إنشائها في أي نزاع في العالم كما سقط في قطاع غزة.
قبل فترة قريبة قُصف مكتب تابع لمؤسسة تابعة للأمم المتحدة في قصف مدفعي إسرائيلي، نتج عنه إصابة 5 من الزملاء الأجانب، وقُتل أحدهم، والمصابون أصيبوا بجراح ستغير حياتهم؛ فمنهم مَن فقد يده، ومنهم مَن فقدقدمه.
منظمة الأونروا وحدها سقط منها ما لا يقل عن 300 من العاملين لديها، كما سقط في هذه الحرب عاملون من الصليب الأحمر، وصندوق التنمية الإنمائي التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية.
وحتى الآن في اليونيسيف -بفضل الله- لم نفقد أحدا، ولكن هذا أمر غير مضمون في غزة؛ فلا يوجد مكان آمن أو شخص آمن في هذا القطاع.
كيف تقيم دور المنظمات الدولية في مساعدة أطفال غزة وأبرز الصعوبات التي تواجه عملها؟
المنظمات الدولية في غزة تقتسم الأدوار؛ فنحن في اليونيسيف نركز بطبيعة تخصصنا على موضوع الأطفال، وتعليمهم، وصحتهم النفسية، أما منظمة الصحة العالمية فتركز على إخراجهم لغرض العلاج، أما الأونروا فتوزع التطعيمات.
نحن –على سبيل المثال- مثلا نستجلب التطعيمات ونقدمها للأونروا، وتقوم فرقها العاملة في العيادات، ومراكزها الصحية على تقديم التطعيمات للأطفال، أما برنامج الغذائي العالمي فيحاول الحصول على المكملات الغذائية من منظمة الصحة العالمية.
ونحن في اليونيسيف نحاول أن ندخل الأدوية والمستلزمات الطبية، ونحاول التركيز على الأطفال، لكن يجب أن نفرق بين ما يُعرف بأنه عملية استجابة إنسانية شاملة، وممنهجة، ومخطط لها وفق خطط معروفة ذات مغزى،وعملية استجابة إنسانية قائمة على إنقاذ الحياة فقط.
ما يجري الآن في قطاع غزة، ونتيجة لاستمرار إطلاق النار، تعتبر عملية استجابة إنسانية مُشوّشة تعتمد فقط على إنقاذ الحياة.
العملية الإنسانية الشاملة تكون وفق أصول وشروط، منها: وقف إطلاق النار، أو تخصيص مناطق آمنة، أو طرق آمنة لدخول الموارد والمساعدات، وحركة حرة للعاملين في المجال الإنساني، ودخول الوقود، وتوفير شبكة اتصالات.. كل هذه الأمور غير موجودة مطلقا في قطاع غزة، فلا يمكن لليونيسيف، أو غيرها من المؤسسات العاملة، الإدعاء بأنها تقوم بعملية استجابة إنسانية شاملة ذات مغزى، ومن هنا تحوّلنا إلى ما نسميه "عمليات إنقاذ حياة" في مجال الاستجابة الإنسانية.
برأيكم، مَن يمكنه التدخل لتوفير ما يكفي من الغذاء لأطفال غزة؟
الغذاء، والدواء، والوقود، والملابس، والأحذية، والتطعيمات، والمعدات الطبية، والحفاضات.. وكل ما يخطرببالك متوفر على الجانب الآخر من الحدود،ولكنه يتعفن في انتظار أن يُسمح له بالدخول؛ فالموارد موجودة ولكن ليست ذات فائدة إذا لم تدخل.
والسؤال هنا: مَن الذي يجب أن يدفع باتجاه دخول المساعدات حتى نستلمها نحن في المؤسسات الإنسانية، ومن ثم نقدمها لمَن يحتاجها، الجواب هو المجتمعالدولي، الذي على ما يبدو لا يزال يُصر على ألا يحرك ساكنا فيما يجري في غزة، ويكتفي بتصريحات إدانة تخرج من هنا وهناك على استحياء، بدلا من فرض الأمور فرضا، وزيادة الضغط على أطراف النزاع من أجل تحقيق وقف نهائي لإطلاق النار، أو على الأقل هدنة، وإلا فأضعف الإيمان توفير مناطق آمنة للمدنيين، وطرق آمنة وحركة سهلة للعاملين في المجال الإنساني.
كيف تُفسّر تقاعس المجتمع الدولي عن إدخال المساعدات إلى غزة؟
لا يوجد مَن يستطيع أن يُفسّر هذا التقاعس، وهذا الشلل الذي أصاب المجتمع الدولي تجاه يجري لنا، وكنا نراقب -وما زلنا- تبني الإعلام الغربي منذ اللحظة الأولى وبشكل عجيب للرواية الإسرائيلية، وانحيازه لها، ثم بدأ بعد ذلك شيئا فشيئا يتجه إلى حد ما نحو الحياد، بالرغم من كون الحياد الآن لم يعد يكفي؛ فالأصل أن تسلط الضوء بكل مهنية واستقلالية على أساس المشكلة، وعلى الاحتياج وما هو المطلوب.
رافق ذلك عجز عربي رسمي غريب، وربما غير مُستغرب، ومعه استكانة شعبية عربية هي الأغرب، لأن عادة الشعوب العربية أنها نابضة بالتعاطف لما يحصل في قطاع غزة؛ فما يحصل في القطاع يجلب التعاطف الإنساني من كل العالم، ومن المؤسف أننا نرى نشاط شعبي أجنبي في بلدان أوروبية، ولا نراها في بلدان عربية، وإن كانت فهي على استحياء وليست بالمستوى المطلوب.
في النهاية: القرار بيد القوى الوازنة، والفاعلة في المجتمع الدولي، التي بإمكانها فرض الأمور، وبالمناسبة ونحن بهذا الصدد نذكر الضغط الذي مارسه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عندما قال قبل استلام منصبه في كانون الثاني/ يناير الماضي: "أود أن أرى وقفا لإطلاق النار"، وقد تحقق وقف إطلاق النار حينها بالفعل.
فإذا كانت الأمور تتحقق بهذه السهولة فما الذي يمنع دفع الأمور دفعا لتحقيق ذلك، وإلى أن يحدث ذلك لا يوجد أمام في المؤسسات الإنسانية إلا الاستمرار في تقديم ما تستطيع تقديمه من استجابة إنسانية حتى تتهيأ الظروف لوقف إطلاق النار، أو وقف تام لهذه الحرب.
كيف تنظرون لمستقبل أطفال غزة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب؟
عندما تنتهي الحرب سيعكف الكثير من الناس على الاهتمام بالأطفال؛ لأنهم هم المستقبل، وهذا يحتاج إلى وقت طويل، وإلى موارد، ونعوّل كثيرا على "الروح" السائدة في قطاع غزة؛ فهو شعب يود أن يحيا، ولا يرى ذلك خيارا، لكنهم بحاجة إلى وقت، وبخاصة فيما يتعلق بمسألة الدعمالنفسي، والعمل على ترميم نفسية الأطفال؛ فقد رأوا في هذه الحرب -التي لم يبدأوها ولايستطيعوا إيقافها- ما لا يجب أن يراه أي طفل؛ فكل ما لا يجب أن يراه الأطفال رآه أطفال قطاع غزة.