بين العُمر الزمني والبيولوجي.. هل بإمكاننا حقاً أن نصبح أصغر سناً؟ اكتشف بين العُمر الزمني والبيولوجي.. هل بإمكاننا حقاً أن نصبح أصغر سناً؟
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
TRTعربي
يشكّل العُمر الزمني عدد السنوات التي يقضيها أحدُنا على قيد الحياة، وهو بالطبع غير قابل للتغيير، فتاريخ ميلادنا ثابت ومحدد بالدقيقة والثانية. لكن في المقابل نجد أنّ العُمر البيولوجي يعبّر عن عُمر الخلايا والأنسجة داخل الجسم.
نمرّ جميعاً بمواقف نفاجأ فيها بأعمار أشخاص نقابلهم، فمنهم من نعتقد أنّه أصغر من عمره بكثير، ومنهم من يظهر عليه العكس تماماً، وهنا المفتاح الأساسي للتفريق بين العُمر الزمني والعُمر البيولوجي.
يشكّل العُمر الزمني عدد السنوات التي يقضيها أحدُنا على قيد الحياة، وهو بالطبع غير قابل للتغيير، فتاريخ ميلادنا ثابت ومحدد بالدقيقة والثانية.
لكن في المقابل نجد أنّ العُمر البيولوجي يعبّر عن عُمر الخلايا والأنسجة داخل الجسم، وبالتالي فإنّ العُمر الزمني لا يتطابق مع العُمر البيولوجي في كثير من الأحيان، فالشخص الذي يمتلك صحة جيدة قد يكون عمره البيولوجي أقلّ من عمره الزمني، وقد يفوق العُمر البيولوجي العُمر الزمني في حالة المرض. لكن بصورة عامة العُمر البيولوجي هو الأكثر دقة للتنبؤ بحصول المرض أو الوفاة مقارنةً بالعُمر الزمني.
كيف يُحسَب العُمر البيولوجي؟
لا توجد وسيلة مؤكَّدة ودقيقة لحساب العُمر البيولوجي حتى يومنا هذا، إذ تتوالى الأبحاث التي تحاول سبر أغوار هذا الموضوع البحثيّ، ومنها ما توصل إلى نتائج، كتلك التي نشرها باحثون في دراسة عام 2022 تشير إلى إمكانية حساب العُمر البيولوجي عن طريق العين، ولكن لا يوجد دليل قطعي على صحة المعطيات التي خلُصت إليها.
وأشار القائمون على الدراسة إلى أنّ النتائج مبنيّة على الملاحظة من دون أن يتمكَّنوا من تحديد العلاقة السببيّة للنتائج، لكنّهم في الوقت ذاته أكّدوا أنّه من الممكن الاستعانة بعُمر شبكيّة العين كمؤشر حيويّ سريريّ للشيخوخة.
وفي المقابل يرى كثير من الباحثين والعلماء أنّه لا بدّ من فهم عملية تقدُّم العُمر على مستوى الخلايا أولاً؛ للتوصل إلى فهم واسع وشامل وأكثر دقّة لكيفيّة حساب العُمر البيولوجي.
وبدأ العلم في التوصُّل إلى البصمات الخاصة بالعلامات الجزيئيّة والخلويّة المرتبطة بالعُمر البيولوجي، ويرتكز هذا التصوّر على أنّه مع تقدم الخلايا في العمر تدخل مرحلة الشيخوخة، وتبدأ في فقدان قدرتها على تجديد وترميم نفسها.
ومن أهم الفحوصات المعتمَدة على هذا المبدأ ما يطلق عليه اسم "التيلومير" (Telomeres)، و"مِثيلَة الحمض النووي" (DNA Methylation).
أدوار متشابكة
لفهم الرابط بين التيلوميرات والعمر البيولوجي لا بدّ من الإشارة إلى وجود هياكل في الحمض النووي (DNA) الخاص بالإنسان تسمّى كروموسومات (Chromosome)، ويشكّل النيوكليوتيد (Nucleotide) الوحدة الأساسية في بناء الحمض النووي.
ويطلق على مجموعة "النيوكليوتيدات" الموجودة في نهاية كل "كروموسوم" اسم "التيلوميرات"، وتعمل بدورها على توفير الحماية لـ"الكروموسومات" من التشابك في أثناء انقسام الخلايا.
ما يحصل في واقع الأمر، هو أنّه كلّما قامت هذه "التيلوميرات" بعملية الترميم والتجديد للخلايا في دورة حياتها الطبيعية، تميل لتصبح أقصَر، ما يعني أنّه مع التقدّم في العمر نجد أنّ "التيلوميرات" سيتقلص طولها حتى تصل إلى مستوى لا تتمكن الخلايا بعده من الانقسام وحينها تموت الخلية.
في هذا الصدد، هناك أشخاص مصابون بمتلازمة "التيلومير القصيرة" (STS)، ويعاني هؤلاء الإصابة بالشيخوخة بشكل سريع؛ بسبب وجود طفرات وراثية تنتج عنها "تيلوميرات" قصيرة الطول.
وبناءً عليه، يمكن القول إنّ القدرة على تحديد طول "التيلوميرات" بشكل دقيق تلعب دوراً مهماً في حساب العُمر البيولوجي.
ويشير كثير من الأبحاث إلى وجود رابط بين "التيلوميرات القصيرة" والإصابة بالكثير من الاضطرابات العصبيّة، مثل اضطرابات طيف التوحد، وانفصام الشخصية، وأمراض ألزهايمر، وباركنسون، والاكتئاب، حتى الوفاة المبكرة.
وعلى صعيد آخر، من الممكن فحص مِثيلَة الحمض النووي، وذلك لأنّها عملية بيولوجية تُضاف خلالها مجموعة المِثيل إلى جُزيء الحمض النووي، ما يسهم في تحديد العُمر البيولوجي.
ولفهم علاقة هذه العملية البيولوجية بحساب العُمر البيولوجي، من المهم التذكير أنّ الجينات تحددّ تعليمات صنع البروتينات داخل أجسامنا ليؤدي وظائفه الحيوية، ومن الممكن تشبيه عمليّة مِثيلَة الحمض النووي بأنّها مفاتيح الإضاءة لهذه الجينات، أي إنّها قادرة على إيقاف أو تشغيل الجينات المسؤولة عن صنع البروتينات.
وعلى سبيل المثال، لنفترض أنّ لدى شخصٍ ما جينةً تؤثر على جهازه المناعي وهذه الجينة تعمل منذ ولادته، وفي مرحلة ما من حياته تعرَّض إلى تلوث بيئي أو مرض سبَّبَ إيقاف تشغيل الجينة هذه، فهذا يعني تعرّضه للإصابة بالأمراض المختلفة بنسبة أعلى بسبب اختلاف جهازه المناعي على المستوى الجيني.
بهذا يسهم فحص مثيلة الحمض النووي في فهم كيفية التعبير عن الجينات استناداً إلى أنماط الحياة والظروف البيئية والصحية لكل شخص، وبالتالي القدرة على تحديد العُمر البيولوجي للجسم ككل وكذلك للأعضاء والأنسجة بشكل منفصل.
يُذكر أنّه يوجد الكثير من المواقع الإلكترونية التي تروّج لفحوصات الكشف عن العُمر البيولوجي، لكنّ معظمها غير موافَق عليها من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).
إنقاص العُمر البيولوجي ليس مستحيلاً
إنّ إزالة الغموض حول عملية الشيخوخة على المستوى الخلوي دفع العلماء إلى التفكير بمحاولة إبطاء وتيرتها لإنقاص العُمر البيولوجي، وبالتالي إطالة العمر الزمني، وهنا يتداخل كثير من العوامل التي باستطاعتها فعلاً عكس عقارب الساعة إلى الوراء.
من هذه العوامل، نجد أنّ التغذية ونمط الحياة يتربعان على رأس القائمة، وفي دراسة نُشرت نتائجها قبل أشهر عدّة دليلٌ على ذلك؛ إذ طبّق باحثون أمريكيون حِمية ونمط حياة معيّناً يهدف إلى التأثير على عملية مِثيلَة الحمض النووي على ستّ نساء لمدة ثمانية أسابيع، وكانت النتيجة مبهرة عندما وجد العلماء تحسناً في العُمر البيولوجي بانخفاض تراوح بين ما يقارب 1 و11 سنة لدى خمس منهن.
من ناحية أخرى، نجد أنّ النشاط البدني وتجنب التدخين مهمَّان لتحسين العُمر البيولوجي للشخص، فيما يؤدي الإجهاد النفسي إلى التأثير السلبي على العُمر البيولوجي، إذ تشير الدراسات إلى أنّ العُمر البيولوجي يزداد بشكل سريع خلال مراحل الإجهاد النفسي، ومع ذلك، يلاحظ الباحثون أنّ حساباتهم للعُمر البيولوجي تعود إلى الخط الأساس في غضون بضعة أيام بعد إزالة الضغط النفسي.
ويضاف إلى كل ما سبق عادات النوم الصحية، إذ يسبّب النوم ذو الكفاءة المنخفضة تسارع العُمر البيولوجي بشكل قابل للانعكاس في حال جرى تحسين وتيرته وكفاءته ورفع ساعات النوم لتصبح ضمن المعدل الموصى به حسب الفئة العمرية والجنس.
ويشير العلماء أيضاً إلى أنّ النوم الصحي باستطاعته عكس التسارع في العُمر البيولوجي الناتج عن الظروف البيئية المحيطة بالشخص، مثل تلوث الهواء والتعرّض للمواد السامة والملوثات الأخرى في بيئة العمل أو البيت وغيرها، لا سيّما أنّ هذا العامل هو الذي يصعب التحكم فيه مقارنةً بجميع العوامل السابقة.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: البیولوجی ل کثیر من فی الع إلى أن نجد أن
إقرأ أيضاً:
في مواجهة حركة إم23.. جيش الكونغو الضخم يكافح لمحاربة ميليشيا أصغر حجمًا بكثير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
على الرغم من امتلاك جمهورية الكونغو الديمقراطية لأحد أكبر الجيوش فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فإنها تكافح لاحتواء التقدم السريع لميليشيات حركة إم٢٣. وقد كشف الصراع، الذى تصاعد فى الأسابيع الأخيرة، عن نقاط ضعف عميقة الجذور داخل جيش الكونغو، الذى عانى طويلًا من الانقسامات الداخلية ونقص التمويل.
سعى الرئيس فيليكس تشيسكيدى إلى تعزيز الجيش لمواجهة التهديد المستمر الذى تشكله حركة إم٢٣ وغيرها من الميليشيات فى شرق الكونغو. ومع ذلك، ومع استيلاء الميليشيا على المدن الرئيسية والمطارات والأراضي، فإن فشل هذه الجهود جعل تشيسكيدى عُرضة للخطر سياسيًا، مع توقف محادثات السلام وتراجع الدعم الدولي.
الرئيس فيليكس تشيسكيدىدور رواندا
تؤكد الأمم المتحدة وتقارير مستقلة متعددة أن حركة إم٢٣ مدعومة من رواندا، التى قامت قواتها بتدريب وتسليح الميليشيا. وفى حين اعترفت رواندا بوجودها العسكرى فى الكونغو، فإنها تنفى سيطرتها على حركة ٢٣ مارس.
قال فريد باوما، المدير التنفيذى لمعهد الأبحاث الكونغولى إيبوتيلي: «هذا الصراع له جانبان. أحدهما هو الدعم الرواندى لحركة ٢٣ مارس. والآخر هو نقاط الضعف الداخلية للحكومة الكونغولية».
ألقى تشيسكيدى باللوم على سلفه لفشله فى إعادة بناء الجيش، بحجة أن رواندا شنت هجومها فى عام ٢٠٢٢ لتعطيل الإصلاحات العسكرية التى تشتد الحاجة إليها. ومع ذلك، فشلت هذه الإصلاحات فى إحداث تحسينات ملموسة، وتستمر القوات المسلحة الكونغولية فى التعثر ضد ميليشيا حركة ٢٣ مارس الأصغر حجمًا ولكنها أفضل تدريبًا وأفضل تجهيزًا.
على الرغم من وجود ما بين ١٠٠ ألف و٢٠٠ ألف جندي- أكثر بكثير من رواندا أو حركة ٢٣ مارس- لا يزال الجيش الكونغولى غير فعال. والإمدادات العسكرية نادرة، حيث تستخدم القوات غالبًا دراجات نارية أجرة للنقل بسبب نقص المركبات. وقال بير شوتن، الباحث فى المعهد الدنماركى للدراسات الدولية: «يعمل الجيش حقًا مثل مجموعة مسلحة». ومع تقدم مقاتلى حركة ٢٣ مارس، تشير التقارير إلى أن القوات الكونغولية استسلمت أو فرت، وأحيانًا قبل بدء المعركة.
نتائج ضئيلة
ضاعف تشيسكيدى الميزانية العسكرية للكونغو فى عام ٢٠٢٣ من ٣٧١ مليون دولار إلى ٧٦١ مليون دولار، متجاوزًا ميزانية الدفاع فى رواندا البالغة ١٧١ مليون دولار. ذهب بعض هذا التمويل لشراء طائرات بدون طيار هجومية من الصين وطائرات من شركة دفاع جنوب أفريقية. بالإضافة إلى ذلك، أنفقت الكونغو ٢٠٠ مليون دولار على قوة إقليمية تتألف من قوات من جنوب أفريقيا. ومع ذلك، يرى الخبراء العسكريون أن بناء القدرات عملية طويلة الأجل. وقال نان تيان من معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام: «إن زيادة القدرات ليست شيئًا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها».
وفى الوقت نفسه، استفادت حركة إم ٢٣ من تاريخها الطويل فى شرق الكونغو ودعمها من حوالى ٤٠٠٠ جندى رواندى مدرب جيدًا، مما يجعلها قوة هائلة.
الجذور التاريخية
إن عدم استقرار الكونغو متجذر بعمق فى تاريخها. بعد استقلالها عن بلجيكا فى عام ١٩٦٠، انزلقت البلاد إلى حالة من الاضطراب عندما دعمت الولايات المتحدة وبلجيكا الإطاحة برئيس الوزراء باتريس لومومبا. وشهدت العقود اللاحقة صعود موبوتو سيسى سيكو، الذى أدى حكمه الفاسد إلى إضعاف مؤسسات الدولة.
وأدت الحرب الأهلية فى تسعينيات القرن العشرين إلى المزيد من عدم الاستقرار.. وحتى اليوم، تعمل أكثر من ١٠٠ جماعة مسلحة فى شرق الكونغو مع الإفلات التام تقريبًا من العقاب. تظل الدولة ضعيفة، مع فصل أجزاء كبيرة من البلاد عن السلطة المركزية.
الرئيس الرواندى بول كاجاميمعاناة المدنيين
لقد تعثرت الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة مرارًا وتكرارًا. فقد رفض تشيسكيدى مرتين حضور محادثات السلام، فى حين كافحت القوى الإقليمية للتوسط فى التوصل إلى تسوية. وحاول زعماء الكنيسة تنظيم مفاوضات جديدة، لكن تشيسكيدى لا يزال غير راغب فى التفاوض بشكل مباشر مع حركة ٢٣ مارس، وهو الموقف الذى يصر عليه الرئيس الرواندى بول كاجامي.
فى غضون ذلك، تستمر الخسائر الإنسانية فى الارتفاع. فقد قُتل أكثر من ٧٠٠٠ مدنى كونغولى منذ يناير، وفقًا للأمم المتحدة. ودُفنت أكثر من ٢٥٠٠ جثة دون تحديد هويات أصحابها، مما يسلط الضوء على حجم الأزمة. كما نزح أكثر من سبعة ملايين شخص، مما يجعل الأزمة واحدة من أكبر أزمات النزوح فى العالم. وأعلنت مالاوي، التى ساهمت بقوات فى قوة جنوب أفريقيا لمساعدة الكونغو، مؤخرًا عن الانسحاب بعد مقتل ثلاثة من جنودها فى يناير/كانون الثاني. كما هددت أوغندا بالعمل العسكرى فى شرق الكونغو، مما زاد من تعقيد الوضع المتقلب بالفعل.
دعا تشيسكيدى المجتمع الدولى إلى الضغط على رواندا لسحب دعمها لحركة إم٢٣، لكن التحرك العالمى كان محدودًا. عندما هاجمت حركة إم٢٣ آخر مرة فى عام ٢٠١٢، أجبرت الإدانة الدولية رواندا على التراجع، وهُزمت الميليشيا فى النهاية. ولكن هذه المرة، تبدو رواندا أكثر تصميمًا، وكانت القوى الأجنبية مترددة فى التدخل بشكل حاسم.
فى ظل الفوضى التى تعيشها المؤسسة العسكرية، والمشهد السياسى الهش، وملايين المدنيين النازحين، تتفاقم أزمة الكونغو. وإذا استمرت محادثات السلام فى التعثر وظل الدعم الدولى ضعيفًا، فإن البلاد معرضة لخطر المزيد من عدم الاستقرار ومعاناة شعبها المستمرة.
نيويورك تايمز