بعد 45 على انطلاق المواجهات: هكذا يقرأ حزب الله وضعه العسكري على الحدود
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
p.f كتب ابراهيم بيرم في" النهار": في الثلث الاول من الشهر الثاني على بدء المواجهات على الحدود الجنوبية ما انفك حزب الله يبدي إصراراً على أمرين مترابطين:
الاول، خوضه غمار المواجهة بقدر كبير من الصمت، واستطراداً عدم الكشف عن أوراقه أو حتى التلميح باعطاء تعهدات توحي بانه ليس في وارد الذهاب الى المواجهة المفتوحة مع الاسرائيليين، وتعطي من جهة اخرى للداخل اللبناني تطمينات من أي نوع تثبت له انه على وشك ان يخرج من الازمة الحالية بحد أدنى من الخسائر والاضرار.
الثاني، إصراره اليومي على تطوير أدوات المواجهة وأنماطها مع آلية الحرب الاسرائيلية التي بلغت ذروة استنفارها وغضبها، إنْ من حيث المدى الجغرافي أو لجهة ادخال انواع جديدة من الاسلحة الى الميدان.
ويعتبر الحزب ان كل التطورات التي وُصفت بانها مضبوطة وموزونة بميزان الذهب طوال الشهر الماضي تثبت انه لم يعد مقيداً بقواعد الاشتباك، وانها ايضا دليل على ان حركته وفعله الميداني على الحدود الجنوبية سيكون متناغما مع تطور الوضع الميداني في غزة. لذا فان ما طوّره من ادائه على مدى الـ 45 يوما الماضية ما هو إلا ردّ أوّلي على ما يرتكبه الاسرائيلي من فعل اجرامي في غزة. وعموما فان الحزب يرصد بدقة مسار الوضع في غزة من خلال غرفة عمليات مشتركة وقنوات تنسيق اخرى متعددة مع حركة حماس .لذا فانه ينظم حراكه الميداني على الحدود وفقاً لمقتضيات الوضع هناك.
ويعتبر الحزب ايضا أن أداءه في المواجهات الحدودية عبارة عن رسائل مثقلة بالدروس والعِبر للاسرائيلي والاميركي على حد سواء، وهو وإن كان ملزماً حتى الآن نهج المشاغلة والاستنزاف وضمن قواعد الاشتباك المألوفة، إلا انه رفع على سبيل المثال عملياته اليومية (هجمات وصواريخ موجهة وقنص وقصف) الى 15 عملية قبل نحو 48 ساعة، وهو رقم قياسي أقدم عليه عندما زاد الاسرائيلي منسوب توحشه في غزة، وهو نهج سيداوم عليه ليصير سمة ملازمة لأدائه اليومي. ومع ذلك، فانه يحرص في الوقت نفسه على ترسيخ انطباع بانه لن يتورع عن الانخراط في الحرب الواسعة البلا- حدود عندما يجد حاجة الى ذلك، أو بمعنى آخر عندما يجد ان "حماس" باتت في وضع صعب.
وفي هذا الاطار، قال الخبير الاستراتيجي اللواء المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي لـ"النهار" :"إننا على الحدود ما زلنا ضمن قواعد الاشتباك. أما المضيّ نحو الحرب فيأتي بفعل أمرين: إما بقرار وتكون نسبته تسعين بالمئة، وإما بالانزلاق نحو الحرب نتيجة التطورات الميدانية التي تفرض نفسها".
واضاف: "بحسب تقديري فان حزب الله ليس عنده قرار الذهاب الى الحرب حاليا إلا في حالة واحدة وهي إنْ عرف مباشرة أو نُمي اليه ان الولايات المتحدة هي في صدد اعطاء الضوء الاخضر لاسرائيل لكي تذهب الى الحرب، وعندها سوف يستبق الحزب لتكون له هو الضربة المسبقة، أو أن نتنياهو قد قرر هو القيام بمغامرة مجنونة وشرع بالضربة المسبقة من دون معرفة الاميركيين، ما استبعده لأن الاميركيين حاضرون في غرفة العمليات الاسرائيلية ولا يغادرونها ابدا".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: على الحدود فی غزة
إقرأ أيضاً:
تعقيب على مذكرات محمد سيد أحمد الحسن
بقلم عبد الله رزق ابو سيمازه
على مشارف المائة (حيث ولد حوالي عام ١٩٣٠)، توفي السيد محمد سيد أحمد الحسن، بعد حياة عمرها بالكدح، وبالكفاح والنضال، كناشط وفاعل إيجابي في وسطه الاجتماعي والسياسي، كما تعكس ذلك مذكراته التي أعدها وحررها، ابنه المهندس عادل سيد أحمد، تحت عنوان: (في سياق الأحداث: مذكرات محمد سيد أحمد الحسن)، والتي يمكن النظر إليها، أيضا، كأمثولة في البر بالوالدين.
ورغم تقدمه في السن، فقد حافظ الراوي، وهو يملي مذكراته، على ذاكرة متقدة، مكنته من استعادة تفاصيل ما عاشه او عايشه من الوقائع والأحداث المهمة، والاسماء والتواريخ، بكثير من الدقة.
تعكس المذكرات، من ناحية، الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، لمنطقة حيوية من مناطق الخرطوم، هي منطقة الديوم، جنوب السكة حديد، وتوثق، من ناحية أخرى، مساهمة صاحب السيرة، محمد سيد أحمد الحسن، في تلك الحياة، بكل تنوعها وعنفوانها. وقد اؤتي محمد سيد أحمد، وهو الذي لم يتلق تعليما نظاميا كافيا ومتقدما، حظا كبيرا من الكاريزما وقوة الارادة، والمهارات و الجدارات القيادية التي اهلته لأن يكون في الطليعة دائما : رئيسا لفرع الحزب الشيوعي بالمنطقة منذ أن انتمي للحزب، وسكرتيرا للمديرية، ورئيسا للنادي و للجمعية التعاونية والخيرية، وقائدا نقابيا بارزا، ومن قبل، شغل موقع مرشد لجماعة الاخوان المسلمين... (لحسن الحظ، فان الجماعة، على عهد مؤسسها، حينذاك، على طالب الله، لم تكن حزبا سياسيا، وإنما كانت مجرد جمعية دينية تحض على مكارم الأخلاق.)
شكل نشاط محمد سيد أحمد ضمن الحزب الشيوعي، في المنطقة، جانبا كبيرا من المذكرات، والتي غلب عليها طابع القصص والحكايات القصيرة والنوادر، حيث يتجلى التاريخ، الذي يصنعه الناس العاديون، وهم يمارسون حياتهم العادية، دون جلبة او ضوضاء، او كثير ادعاء، فيما اختار لها المحرر، المهندس عادل سيد أحمد، قالب الانترفيو (Interview)، بدلا من السرد، كشكل فني، ربما لم يكن معهودا، في كتابة المذكرات.
لكن صاحب المذكرات لم يكن مجرد كادر سياسي في حزب ثوري. فهو، مثل مالكولم إكس، ثقف نفسه بنفسه، عبر اطلاع واسع، ليبرهن بأن القراءة المثابرة، تعين في تغيير الفرد، وبما تفتحه أمامه من آفاق للمعرفة غير نهائية، تمكنه من المساهمة على نحو فعال في تغيير مجتمعه. فالراوي، ومنذ ان غادر مسقط رأسه في المقل، في أقصى شمال البلاد، قاصدا الخرطوم، وهو صبي يحمل في دواخله مشروع رجل عصامي، قد توفر على عقلية متفتحة، وطاقة ديناميكية، يسرت له النجاح باستمرار في سوق العمل، بالذات، الميدان الحيوي للنشاط الفاعلية. فهو لم يكتف بالعمل في شركة شل، لكنه ارتاد ميادين أخرى للعمل، انعكس في ترقي وضعه الاجتماعي، حتى ان بعض زملائه في الحزب استنكف التعامل معه بحجة انه أصبح برجوازيا، ويعيش في مستوى حياتي مترف: البيت الفخم المزود بالثلاجة والتلفزيون بجانب السيارة.. الخ
ولان محمد سيد أحمد، صاحب السيرة، قد شغل، من جهة، والي حد كبير بحياة الفكر، على حد تعبير إتش دي لورانس، وحياة الكدح وبالكفاح، والنضال، في جبهاته المتعددة: فرع الحزب، النقابة، الجمعية التعاونية، النادي.. الخ، من الجهة الأخرى، فقد غابت من مذكراته ملامح الحياة الثقافية والفنية والرياضية لمنطقة الديوم، والتي كانت عاصمة لفن الغناء، خاصة، موازية لأم درمان.
غير بعيد من هذا السياق، َوردت، عرضا، الإشارة لبيت العزابة، دون تفصيل. وبيت العزابة، والذي قد يكون وكرا حزبيا، تنعقد فيه الاجتماعات، وتخرج منه المنشورات، ويختفي فيه الملاحقون والمطاردون من قبل الأجهزة الأمنية. فهو ظاهرة او كينونة اجتماعية - ثقافية - سياسية شديدة الاثارة. وقد اشتهرت بيوت العزابة، في المدن الكبيرة خاصة، باحتضانها القعدات، التي يؤمها سياسيون وأدباء ومغنون، وجمعت، بجانب شريحة الأفندية، فسيفساء من أبناء الطبقة الوسطى، حيث وفرت لهم إطارا لممارسة حيواتهم السرية. بجانب ذلك كانت مختبرا لكثير من ناشئة الفنانين لإنضاج تجاربهم وتلمس خطاهم على طريق الفن..
وعلى الرغم مما توفر لصاحب المذكرات من قدرات وخبرات ومعرفة ووعي، إلا أن القارئ قد يلاحظ انه، كناشط سياسي، كان ينقصه الطموح. فلم يتطلع لان يكون عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، الشفيع احمد الشيخ، مثلا. ولم ينخرط بقوة في الصراع الداخلي، لترجيح كفة اي من طرفي الصراع، أثر الخلاف الذي أحدثه الموقف من انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩، وما ترتب عليه من صراعات وانقسام في الحزب. وقد انتهى به هذا الاستنكاف الصراع، والذي ربما كان منطلقه رؤية مثالية للحزب وللشيوعية، موغلة في الرومانسية الثورية، الي أن يرى في الانقسام نهاية الحزب، ومبرر، من ثم، لاعتزاله العمل العام.
خلت المذكرات، بشكل لافت للنظر، من تعليق صاحب المذكرات على فوز السكرتير العام للحزب الشيوعي، محمد ابراهيم نقد، في دائرة الديوم وحي الزهور، في انتخابات عام ١٩٨٦، والذي قد يري فيه محصلة تراكمية لجهوده ونضالات مع زملائه من الشيوعيين، وتتويجا لتلك الجهود والنضالات الممتدة.
عبد الله رزق ابو سيمازه
القاهرة - الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٥م.
amsidahmed@outlook.com