ابتدعت المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ملحمة طوفان الأقصى، فحققت في فجأتها أعظم حدث ثوري ميداني في تاريخ العرب، وفجّرت وألهمت على مستوى العالم كله أضخم حشود ومسيرات شعبية ضد الظلم والاستبداد والهمجية الصهيونية في التاريخ المعاصر. فعلت ذلك وما زالت تفعل طوال أكثر من 45 يوماً من القتال الضاري المتواصل ليلَ نهار بلا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا غطاء جوي، بصبر وصمود منقطعي النظير.

حسناً، ما دور المقاومة المدنية، أيّ مقاومة شعوب الأمة، للعدو الصهيوني العنصري الهمجي خلال هذه الملحمة المستمرة بلا هوادة؟
شاركتُ أخيراً في ندوةٍ تضامنية مع المقاومة، تناولت بالبحث ملحمةَ طوفان الأقصى، حاضراً ومستقبلاً، بكل أبعادها فوجدتُ أن المهمة الأهم والأخطر للأمة في هذه المرحلة العصيبة هي ممارسة المقاومة المدنية لدورها الرديف والحصيف في دعم المقاومة الميدانية المتصاعدة. قلتُ للمشاركين في الندوة أن الدور المركزي للمقاومة المدنية في هذه المرحلة هو تصعيد العمل الشعبي بكل أبعاده وميادينه السياسية والاقتصادية والثقافية والأممية.

في الميدان السياسي، أرى أن المهمة المحورية الأولى للمقاومة المدنية، هي تأجيج التظاهرات والاحتجاجات في كل بلاد العرب، تواصلاً وتكاملاً مع مثيلاتها في كل بلاد العالم. ولعل الفائدة المرجوة من هذه التحركات الشعبية تتحصل بالتركيز على الأجيال الشابة البعيدة عن أمراض الفساد والعصبيات الفئوية، والمترعة غالباً بمشاعر الغضب الساطع ضد أهل السلطة من ذوي الضمائر العفنة والمعطّلة والمعادية لحقوق المرأة والطفولة وذوي الحاجات الخاصة، وبالتالي إزاء ضرورة الكشف والتنديد العاجلين بالممارسات الوحشية للعدو الصهيوني في قطاع غزة وضفة فلسطين الغربية. في هذا السياق يقتضي أن يكون المطلب الأول للمتظاهرين والمحتجين الضغط على «إسرائيل» لوقف حربها الوحشية فوراً على قطاع غزة وفتح جميع المعابر لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ولاسيما المستلزمات الطبية والغذاء والدواء والوقود. إلى ذلك أرى أن قيادات العمل الشعبي في بلاد العرب، ولاسيما في البُلدان المحيطة بفلسطين المحتلة، مطالَبون بتطوير عملاني للتظاهرات والاحتجاجات، فلا تبقى في معظمها، كما هي اليوم، ذات طابع احتفالي ولفظي قوامه هتافات وشعارات ويافطات في مسيرات، وخطابات في اجتماعات، بل يقتضي أن تتجاوز هذا الطابع التقليدي المحدود الفعالية إلى مقاربات عملانية كأن يقوم المتظاهرون والمحتجون بمحاصرة مقار ومنازل الحاكمين المتهاونين في صون الأمن القومي محليّاً، وفي نصرة قضية فلسطين والمقاومة الصاعدة عربياً وعالمياً، وبفضح المتواطئين والمتحالفين مع العدو الصهيوني الممعن في انتهاك حقوق الإنسان، كذلك بمحاصرة مقار ومنازل سفراء الدول المتواطئة والمتحالفة مع الكيان العنصري المحتلّ، وعدم فك الحصار عنهم، إلاّ بعد استجابة مطالب المحتجين أو قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول المتواطئة والمتحالفة مع العدو.

كلُ ما سبق بيانه من حصار واعتصامات يجب أن يجري ويتمّ بشكلٍ سلمي لاعنفي اقتداءً بممارسات قادة ملهمين في هذا المجال كغاندي (الهند) ومارتن لوثر كينغ (الولايات المتحدة) ومانديلا (جنوب افريقيا) القائل: «نحن لسنا أحراراً طالما فلسطين غير حرّةً». في الميدان الاقتصادي ـ الاجتماعي، أرى أن يحرص قادة العمل الشعبي في الدول العربية على إعداد قوائم بالسلع والبضائع والأجهزة المصنّعة في دولٍ وشركات متواطئة ومتعاونة مع العدو أو داعمة له مالياً، ودعوة الشعب إلى مقاطعة كل هذه المنتوجات. ولعل غالبية شعبنا تجهل أن ثمة شركات أجنبية عملاقة تنتج سلعاً وأجهزة ومواد غذائية فائقة الشهرة والرواج، وتقوم مباشرةً بتقديم دعم مالي سنوي للعدو الصهيوني، بالإضافة إلى تلك المساعدات المالية الضخمة التي تقدمها له الدول المتواطئة حاملة جنسيتها. إلى ذلك، يُستحسن أن تضع هيئات العمل الشعبي قوائم بالسلع والبضائع والأجهزة المصنّعة وطنياً ومحلياً، التي تشكّل بدائل معادلة أو متناسبة مع تلك المصنّعة في الدول المعادية والمتواطئة مع العدو الصهيوني، بذلك يؤدي قادة العمل الشعبي خدمة جلّى للاقتصاد الوطني الذي يعاني حالياً من تواطؤ بعض الحاكمين مع الشركات الأجنبية الداعمة بسخاء للعدو الصهيوني.
غير أن الخدمة الأكبر والأجدى التي بمقدور أهل الفكر والعلم والاختصاص والخبرة تقديمها إلى الأمة وفلسطين والمقاومة والاقتصاد الوطني في معظم البُلدان العربية هي كشف الدول العربية النفطية، التي يقوم زعماؤها النافذون بتسهيل توظيف فوائضها المالية الضخمة في حقولٍ ومجالات اقتصادية لدولٍ متواطئة ومتعاونة وداعمة مالياً للعدو الصهيوني. إن كشف هذه الوقائع والتجاوزات من شأنه مساعدة القوى الوطنية في الدول النفطية على ممارسة الضغوط اللازمة لإلغاء، أو في الأقل، لعدم تمديد آجال تلك التوظيفات المالية الضخمة في دول معادية، أو متواطئة أو متعاونة مع العدو الصهيوني، وإعادة توظيفها تالياً في دول عربية أو صديقة.

في الميدان الثقافي، يستطيع المثقفون، أفراداً وهيئات، وضع الدراسات والمخططات والبرامج التي من شأنها خدمة قضايا تحرير الأمة وفلسطين ودعم المقاومة وتعميق وعي الأجيال الشابة بالتحديات السياسية والأمنية التي تواجهها، كما تعميق الوعي وتشديد المطالبة بالتنسيق والتعاون بين قواها الوطنية الحيّة من جهة، ومع القوى المنادية بالحرية وحقوق الإنسان والعدالة في العالم من جهة أخرى. وفي هذا المجال، يمكن تفعيل العمل في مؤسسات المؤتمر العربي العام الذي يضمّ أحزاباً وهيئات وطلائع ناشطة في سبيل الحرية والوحدة والنهضة على مستوى الأمة كلها، كما في مختلف اقطارها. ولعل أهم ما تستطيع أطراف المؤتمر العربي العام ومؤسساته القيام به هو التواصل مع القوى والتنظيمات العاملة في سبيل الحرية والعدالة والدفاع عن حقوق الإنسان في شتى دول العالم ،من أجل عقد مؤتمر عالمي جامع يتولى فضح تواطؤ دول الغرب الأطلسي مع الكيان الصهيوني ودعمه في وجه قوى المقاومة الفلسطينية والعربية، الأمر الذي يستوجب العمل مجدداً لإعادة تثبيت واعتماد المعادلة القائلة بأن الصهيونية هي حركة مرادفة للنازية والتطهير العرقي والتمييز العنصري، وبناء جبهة أممية على مستوى العالم لمواجهة هذه الظاهرة الفاشية المناهضة لحقوق الإنسان وحق تقرير المصير.

بكلمة، ثمة تحديات جمّة وخطيرة تواجه الفلسطينيين والعرب والمكافحين من أجل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في العالم، ما يستوجب النهوض إلى مواجهتها محليّاً وعربياً وعالمياً بلا إبطاء وبلا هوادة.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية غزة فلسطين غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة للعدو الصهیونی مع العدو

إقرأ أيضاً:

ماذا تعرف عن المحكمة الجنائية الدولية التي عاقبها ترامب؟

فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات تستهدف الأفراد الذين يساعدون في تحقيقات للمحكمة الجنائية الدولية تتعلق بمواطني الولايات المتحدة أو حلفاء لها مثل إسرائيل، ليكرر بذلك إجراء سبق أن اتخذه خلال ولايته الأولى.
وأعلن البيت الأبيض أن ترامب وقّع أمس الخميس أمرا تنفيذيا لفرض عقوبات على الجنائية الدولية، منتقدا إصدارها أوامر اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

ويتيح ذلك فرض عقوبات مالية وعقوبات على التأشيرات تستهدف الأفراد الذين يساعدون في التحقيقات فضلا عن استهداف أفراد أسرهم.

متى أُسست المحكمة ولماذا؟

أُسست المحكمة عام 2002 لمحاكمة المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجريمة شن عمل عدائي؛ عندما تكون الدول الأعضاء غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك بنفسها.

ويمكنها نظر القضايا المتعلقة بجرائم يرتكبها مواطنو الدول الأعضاء أو على أراضي الدول الأعضاء من قبل أطراف أخرى، في حين يبلغ عدد الدول الأعضاء 125 دولة. وتبلغ ميزانية المحكمة لعام 2025 نحو 195 مليون يورو (202 مليون دولار).

ما الذي تحقق فيه؟

تجري المحكمة الجنائية الدولية، بحسب موقعها الإلكتروني، تحقيقات تتعلق بمناطق مختلفة مثل الأراضي الفلسطينية وأوكرانيا ودول أفريقية مثل أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وفنزويلا في أميركا اللاتينية وميانمار والفلبين في آسيا.

إعلان

وتقول المحكمة إن هناك 32 قضية أمامها، بعضها يضم أكثر من مشتبه به واحد، في حين أصدر قضاة المحكمة ما لا يقل عن 60 مذكرة اعتقال.

كم عدد الذين أدانتهم؟

أصدر قضاة المحكمة 11 حكما بالإدانة و4 أحكام بالبراءة، في حين احتُجز 21 شخصا في مركز الاحتجاز التابع للمحكمة بلاهاي ومثلوا أمام المحكمة، ولا يزال 31 متهما فارا. كما أسقطت التهم عن 7 أشخاص بسبب وفاتهم.

ومن بين الإدانات الـ11، كانت 6 فقط منها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بينما كانت الإدانات الأخرى تتعلق بارتكاب جرائم مثل التأثير على الشهود.

وجميع الأشخاص الستة المدانون من قادة المليشيات الأفريقية في دول جمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي وأوغندا.

وتراوح الأحكام بين 9 أعوام و30 عاما في السجن، وأقصى عقوبة سجن ممكنة هي السجن مدى الحياة، وفق رويترز.

من على قائمة مذكرات الاعتقال؟

أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، المتهم بالمسؤولية الجنائية عن أعمال تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاح حرب في غزة، في حين رفض نتنياهو القرار ووصفه بأنه "معاد للسامية".
كذلك أصدرت مذكرة اعتقال بحق وزير دفاعه السابق يوآف غالانت ومحمد دياب المصري المعروف بمحمد الضيف القائد العام لكتائب القسّام الذي أعلنت الكتائب لاحقا استشهاده.

وقد رفض نتنياهو القرار ووصفه بأنه "معاد للسامية"، ووصف الاتهامات بأنها سخيفة وكاذبة، في حين شنت إسرائيل حملات عدة على المحكمة.
وتضم القائمة كذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتهم بارتكاب جريمة حرب تتمثل في نقل مئات الأطفال من أوكرانيا بشكل غير قانوني، في حين نفت موسكو مرارا الاتهامات.

وفي الأشهر الماضية، طلب المدّعي العام للمحكمة إصدار أوامر اعتقال لقادة كبار من أفغانستان وميانمار، لكن القضاة لم يوافقوا عليها رسميا.

ما الدول التي ليست أعضاء فيها؟

رغم أن المحكمة تحظى بدعم العديد من أعضاء الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن دولا أخرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا ليست أعضاء بها وترى أن المحكمة "يمكن أن تُستغل في ملاحقات قضائية بدوافع سياسية".
ورغم أن ميانمار ليست عضوا في المحكمة، قال القضاة في عامي 2018 و2019 إن المحكمة لديها سلطة قضائية لنظر الجرائم المزعومة عبر الحدود والتي وقع بعضها في الجارة بنغلاديش العضو في المحكمة الجنائية الدولية، مثل الترحيل والاضطهاد.

إعلان

وإسرائيل ليست عضوا في المحكمة ولا تعترف بسلطتها القضائية لكن تم قبول الأراضي الفلسطينية كدولة عضو في المحكمة في عام 2015.
ويعني هذا، إلى جانب حكم أصدره قضاة، أن المحكمة يمكنها النظر في جرائم الحرب في قطاع غزة الذي تعرض لحرب إسرائيلية -بدعم عسكري أميركي- منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خلّفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وسط دمار هائل ومجاعة متفاقمة.

مقالات مشابهة

  • ماذا تعرف عن المحكمة الجنائية الدولية التي عاقبها ترامب؟
  • مصطفى بكري: يجب اتحاد الدول العربية لإجهاض المخطط الصهيوني في المنطقة
  • بكري: يجب اتحاد الدول العربية لإجهاض المخطط الصهيوني من المنطقة
  • المقاومة تحطِّمُ أوهامَ التهجير
  • قيادي بحماس: العدوان الصهيوني على الضفة لن يوقف ضربات المقاومة الفلسطينية
  • حرق وتفجير منازل.. خروقات جديدة للعدو الصهيوني بجنوب لبنان
  • المقاومة في اليوم التالي
  • دعوة إلى بناء استراتيجية متكاملة لدعم إعادة إعمار قطاع غزة.. دراسة جديدة
  • الجبهة الشعبية: عملية تياسير البطولية تكشف هشاشة المنظومة الأمنية للعدو
  • الجبهة الشعبية تشيد بعملية تياسير البطولية وتؤكد أنها كشفت هشاشة المنظومة الأمنية للعدو