مليحة.. تطلعات سلطان تعيد إحياءها بحُلّة نهضوية
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
مليحة: محمود محسن
بالحديث عن منطقة مليحة يتوارد إلى الأذهان أكثر من 130 ألف عام على أول نشاط بشري في الشارقة، حضارة فتاريخاً فإرثاً يتناقله أبناء المنطقة، بين حصون ومدافن ومكتشفات، كنوز أثرية أثقلت مركز المنطقة الثقافي بموروث غني جعل منها «مملكة مليحة»، ومع مرور الزمن باتت الرمال تسكن الأرجاء، إلى أن أعيد اكتشاف آثارها وحضارتها منطقة سياحية تراثية.
تشهد منطقة مليحة توازناً متناسقاً بين التراث والحضارة، أوجده صاحب السموّ حاكم الشارقة على مدار السنوات الماضية، بتوجيهات حوّلت مساحات واسعة من الصحراء القاحلة إلى مسطحات خضراء، وأرست بنى تحتية راسخة ووجهات تعليمية وسياحية؛ فبين الحين والآخر يُكشف الستار عن نمو وازدهار ينعشان المنطقة، بخطوات متسارعة ضمن خطط تنموية مستقبلية، تحقق الطموحات خدمة للمواطنين وسكانها.
مدرسة فيكتوريا
في إطار حرص صاحب السموّ حاكم الشارقة، على دعم مسيرة التعليم في الدولة، والارتقاء بالمنظومة التعليمية، كان أبناء منطقة مليحة على موعد مع صرح تعليمي استثنائي، فوجه سموّه بإنشاء مشروع «مدرسة فيكتوريا» في المنطقة الوسطى، على طريق الشارقة- مليحة، بطاقة استيعابية تصل إلى نحو ألف طالب وطالبة، تضم مجموعة من المرافق، وفق أحدث الاشتراطات العالمية، على مساحة مليون و200 ألف قدم مربعة.
وعليه نفذت دائرة الأشغال العامة في الشارقة «مدرسة فيكتوريا»، حيث تضم 4 مبانٍ رئيسية، ومباني الخدمات؛ إذ يضم المبنى الأول المبنى الإداري ومركز الرعاية الصحية، ويتكون من طابق أرضي بمساحة 1200 متر مربع، وردهة استقبال و10 مكاتب، وغرفة اجتماعات وغرفة تدريب و4 غرف إسعافات أولية، وغرفتي أطباء ومرافق صحية خدمية. فيما ضم المبنى الثاني المخصص لرياض الأطفال، طابقاً أرضياً بمساحة 3440 متراً مربعاً يتضمن 11 صفاً خاصاً، بمساحة تقريبية 80 متراً مربعاً لكل صف، وساحة متعددة الأغراض مكيفة بمساحة 600 متر مربع، ومكتبة بمساحة 100 متر مربع، ومكاتب وغرفة للمعلمين مع غرفة اجتماعات وعيادة.
أما المبنى الثالث فخصص للتعليم الأساسي، ويتكون من طابق أرضي بمساحة 3460 متراً مربعاً، يشمل 19 فصلاً دراسياً بمساحة 60 متراً مربعاً لكل صف، وغرفة رئيسية للمعلمين مع غرفة اجتماعات وغرفة تحضير طعام، وساحتين مغطاتين ومكيفتين بمساحة 440 متراً مربعاً لكل منهما، وكذلك خصص المبنى الرابع للمسرح، ويتكون من طابق أرضي بمساحة 1365 متراً مربعاً، ليضم مدرجاً يسع ل 420 كرسياً، وخشبة مسرح، وغرفتي استراحة، ومقهى ومصلى للرجال ومصلى للنساء ومرافق صحية وخدمية.
الصورةمزرعة مليحة
فاقت تطلعات صاحب السموّ حاكم الشارقة حاجز المستحيل، فرؤاه البعيدة المدى كان لها قول آخر في مستقبل الأمن الغذائي، لتصل حد استصلاح الصحراء وتوسيع الرقعة الخضراء بإنشاء مزرعة مليحة، بهدف إنتاج قمح وطني محلي الصنع، تسهم بعد اكتمال مراحلها وتطوير محاصيلها في تقليل نسبة استيراد القمح من الخارج؛ إذ تبلغ كميات استيراد القمح في الدولة 1.7 مليون طن متري، 330 ألف طن منها من نصيب إمارة الشارقة.
في 30 نوفمبر العام الماضي، دشن صاحب السموّ حاكم الشارقة، مزرعة مليحة بعد إطلاق عمليات البذر والري، التي جرت في المرحلة الأولى على 8 محاور، اعتمدت فيها على الذكاء الاصطناعي في تطوير عملية الري والتحكم فيه، عبر بثّ معلومات عن الطقس والتربة إلى المركز الرئيسي لعمليات الزراعة لضبط وتنظيم معدل استهلاك المياه.
وكان الهدف من المشروع زراعة القمح على 3 مراحل، الأولى منها على مساحة 400 هكتار، ثم تزيد المرحلة الثانية عام 2024 لتصل إلى مساحة 880 هكتاراً، وتكتمل المرحلة الثالثة عام 2025 لتصل إلى 1400 هكتار. وانتهى تجهيز البنية التحتية للمزرعة التي تتضمن خطوط الري بما يوازي 13 متراً طولياً وأعمال الكهرباء بما يوازي 10 آلاف متر طولي.
وجهات سياحية
وفي منحى جديد اتجهت الإمارة بعيون صاحب السموّ حاكم الشارقة، إلى تعريف الزوار بتاريخها الجيولوجي، والأهمية الجيولوجية لجبل بحيص والمناطق الأثرية المحيطة به، ليأتي تنفيذ دائرة الأشغال العامة للحديقة الجيولوجية في بحيص، خطوة نحو مشروع رائد في مجال السياحة البيئية.
تُصنف الحديقة ضمن المشاريع الضخمة كون المساحة الكلية للحديقة تصل إلى 9 ملايين متر مربع، بينما تبلغ مساحة المباني 2,600 متر مربع، وتتميز الحديقة بموقعها الأثري المهم، الغني بالبقايا المتحجرة لكثير من الكائنات البحرية القديمة التي استوطنت بحاراً ضحلة كانت تغمر معظم اليابسة في الدولة حتى وقت قريب من المنظور الجيولوجي، وافتتح صاحب السموّ حاكم الشارقة الحديقة الجيولوجية في 2020/1/20، بهدف تعريف الزوار بالأهمية الجيولوجية لجبل بحيص والمناطق المحيطة، كونه موقعاً فريداً يحتضن دلائل تاريخية عن كيفية تشكل الطبيعة المحلية قبل فترة لا تقل عن 93 مليون سنة.
وتتضمن الحديقة معالم جيولوجية وأحافير من ملايين السنين، تتميّز بتصاميم فريدة في مساراتها يمكن عبرها التعرف إلى كيفية تكوّن أبرز المعالم الجيولوجية في المنطقة، مثل سلسلة جبال الحَجَر، والجبال المنفردة الأخرى، والسهول الحصوية، وكثبان الرمال. وتضم موقعين أثريين يسهمان في تعزيز معرفة تاريخ استيطان البشر لهذه المنطقة، والذي يعود إلى أكثر من125 ألف سنة.
الصورةكنز الشارقة
تقدم الحديقة الإرشاد بالعربية والإنجليزية، وعرضاً وثائقياً عن «كنز الشارقة التراثي»، الذي يضيء على ما تعرضت له الشارقة من عوامل جيولوجية على مدار العصور، شكلت جبالها وسهولها وبحارها، مع وجود مرافق تخدم الزوار والسائحين في الموقع ومنها مطعم، ومتجر الهدايا، والاستعلام، ومصلى، وركن الأطفال للرسم ومطابقة الأحافير، والاستراحات في الممشى الجيولوجي «الحديقة الخارجية»، وخزانات ليتم وضع أغراض الزوار فيها إن لزم الأمر، للاستمتاع والمشي في أرجاء الحديقة الخارجية، إلى جانب تقديم الفعاليات والورش والأنشطة لجميع الفئات العمرية.
وبعيداً في قلب مليحة في موقع تحيط به الجبال التراثية القديمة يقع «نزل القمر»، ويعد ضمن مجموعة من مشاريع الضيافة الفاخرة التي أطلقتها هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق» في وسط الصحراء والكثبان الرملية، ويطل على الصخور الأحفورية لجبال الفاية، يتكون من 10 غرف ذات سقوف مقببة، مع مسبح خاص، و6 خيم 4 منها للأسر واثنتان للأفراد، مزودة بأحدث التجهيزات المنزلية إلى جانب مكان مخصص للشواء بكل غرفة وخيمة، وردهة لاستقبال الضيوف ومنطقة مشتركة مخصصة لنشاطات الزوار.
مرافق وخدمات
توجهات صاحب السموّ حاكم الشارقة، شملت تنفيذ المرافق الترفيهية والمباني الخدمية في المنطقة لخدمة الأهالي والقاطنين فيها، وضمت أحدث المشاريع التي نفذتها دائرة الأشغال العامة، حديقة أخيضر، حيث خُصصت للسيدات فقط، بهدف إتاحة درجة عالية من الحرية والخصوصية لهن، خلال التنزه، وتولت الدائرة مهمة الأعمال الإنشائية لها، على مساحة بلغت 23.364 متراً مربعاً، مع إنجاز ملعب ومناطق خاصة لألعاب الأطفال ودورات مياه، وتزويد الحديقة بأعمدة إنارة تجميلية.
وأنجزت الدائرة حديقة مليحة العامة على مساحة 32 ألف متر مربع، وزودت بوسائل الراحة والترفيه التي تميز كل حدائق الإمارة من الملاعب، والكافتيريا، والمصليات للنساء، والمرافق الخدمية، والمماشي على مساحة 4 آلاف متر، وتخصيص جلسات خارجية بإجمالي 25 جلسة، ومنطقة مخصصة لألعاب الأطفال، إلى جانب تركيب أعمدة إنارة موفرة للطاقة.
وتنفذ دائرة الأشغال أعمال المرحلة الأولى من إنشاء نادي مليحة للفروسية، على مساحة مليون متر مربع، ويضم مضمار سباق و60 إسطبلاً وسيضم مبنى الإدارة المكون من بهو ومنطقة استقبال، ومنطقة انتظار ومكتب المدير العام، و3 غرف مكاتب للموظفين، ومكتب معلومات، ومقهى مع جلسات خارجية ومصلى للرجال وآخر للنساء، ومكتب أمن وغرف خدمات وشرفة خارجية إضافة إلى 200 موقف للسيارات.
طرق حيوية
رفع كفاءة البنية التحتية في منطقة مليحة كانت نصب عين صاحب السموّ حاكم الشارقة، فلم يغفل عن تطوير الطرق الرئيسية والتوجيه بتنفيذ أعمال الصيانة بها، إذ اعتمد مشروع صيانة طريق الشارقة- مليحة، ابتداء من جسر البديع وصولاً إلى التقاطع الرابط بين طريق مليحة وشارع الشيخ خليفة، بطول 10 كلم في كل اتجاه، بإجمالي 20 كلم، وبقيمة إجمالية بلغت 31 مليون درهم.
وباشرت هيئة الطرق والمواصلات بالشارقة بالمشروع باستخدام تقنية إعادة تدوير الإسفلت على 4 مراحل، ويجري تجديد الطريق بشكل كامل، ليضم 3 مسارات وكتف الطريق، كما تجري معالجته وتحسينه ليعود بصورة أكثر متانة. ويعد طريق مليحة من الطرق الحيوية في المنطقة كونه يخدم عدداً كبيراً من الشاحنات، وشريحة واسعة من مرتادي الطريق.
الصورةالمصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات مليحة الشارقة حاکم الشارقة صاحب السمو فی المنطقة على مساحة متر مربع
إقرأ أيضاً:
حاكم الشارقة يشهد إطلاق كتاب “مليحة”
شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وبحضور الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، إطلاق كتاب “مليحة”، الصادر حديثًا بالتعاون بين “شروق” ودار أسولين للنشر.
جاء ذلك خلال جولة صاحب السمو حاكم الشارقة في افتتاح الدورة الـ 43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث توقف سموه لدى الجناح المخصص والمشترك بين “شروق” و “أسولين”.
وتفضل سموه بالتوقيع على النسخة الأولى من كتاب “مليحة” الذي قادت هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير “شروق” من خلاله جهودًا نوعية لتجسيد إرث مليحة الأثري واستعراض تاريخها الحضاري الذي يعود لأكثر من 200 ألف عام، في كتاب مرجعي متاح لجمهور القراء والباحثين والمؤسسات الثقافية والمعرفية في المنطقة والعالم.
وأكدت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، أهمية هذا الإصدار وقالت: “نقدم للعالم نافذة على القيم والموروثات التي تشكل هويتنا في الشارقة والإمارات، ومن خلال العمل مع خبراء هيئة الشارقة للآثار وفريق من المتخصصين العالميين، إلى جانب مواهب إبداعية رائدة، نسعى إلى الاحتفاء بقصة مليحة كركيزة أساسية من تاريخنا، ونأمل أن يثير هذا الكتاب الشغف بالاستكشاف وفهم تراثنا العريق في نفوس الأجيال المقبلة”.
ويوثق الكتاب تطور منطقة مليحة من المجتمعات التي سكنتها قبل نحو 200 ألف عام، وصولًا إلى ازدهارها كنقطة تجمع للتجارة والابتكار، ما يعكس دورها كمركز حضري محوري في شبه الجزيرة العربية.
ومع إدراج مليحة مؤخرًا على القائمة المؤقتة لمواقع التراث العالمي لليونسكو، يقدم الكتاب نظرة شاملة على تاريخها العريق، ويتيح للقارئ استكشاف المقابر من العصر البرونزي، والحصون ما قبل الإسلام، والأواني الفخارية، والمجوهرات، والمقابر المتقنة، حيث يروي كل اكتشاف قصة الحضارات التي ازدهرت في هذه المنطقة الصحراوية، ويسلط الضوء على مكانتها كموقع للاستيطان البشري وتطور الحضارات.
كما يحتوي الكتاب على مساهمات بحثية ومقالات لنخبة من المؤرخين وعلماء الآثار، مثل عيسى يوسف، المدير العام لهيئة الشارقة للآثار، والدكتور صباح عبود جاسم، المستشار في هيئة الشارقة للآثار، والدكتور برونو أوفرت، من المتاحف الملكية للفنون والتاريخ.
ويشتمل الكتاب على إسهامات إبداعية من المصور الأمريكي إريك فان نيناتن، والفنانة الفرنسية إيمي إلينا ناش، ما يضيف بُعدًا بصريًا جماليًا يضفي على الكتاب توازنًا بين العمق الفكري والجمال البصري.
وبصفتها دار نشر متخصصة في الإصدارات الفاخرة، عملت أسولين على إصدار هذا الكتاب الكبير الذي يجمع بين التأريخ البصري والثقافي، لتصحب القراء في رحلة شاملة توثق الإرث الأثري والتاريخي لمليحة، وتقدم تصورًا شاملًا لموقعها كمحور حضاري قديم، حيث كانت أول محطة للبشر الأوائل الذين غادروا إفريقيا.
ويعد الكتاب مصدرًا تعليميًا يهدف إلى تعزيز الفهم الأثري لمليحة بين الباحثين والمؤرخين والمقتنين، كما يجذب جمهورًا أوسع للتفاعل مع التراث الثقافي الفريد للشارقة، وسيسهم أيضًا في تنشيط السياحة في الإمارة، من خلال تسليط الضوء على مليحة كوجهة مميزة تجمع بين التراث والثقافة والسياحة البيئية.