في ميناء صيد تونسي.. المهاجرون الحالمون بالوصول إلى أوروبا بين خياري الموت أو الضياع
تاريخ النشر: 10th, July 2023 GMT
بعد رحلة امتدت 5 ساعات في عرض البحر تبخرت آمال الشاب الكاميروني يانييك في الوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط، ليجد نفسه بين مجموعة أخرى من المهاجرين غير النظاميين في ميناء اللوزة شمالي ولاية صفاقس التونسية.
وعلى الرغم من أن يانييك -الذي نقلت قصته صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية من خلال مبعوثتها الخاصة منية بن حمايدي- حظي بفرصة البقاء على قيد الحياة فإن العشرات من المهاجرين الآخرين فقدوا في عرض البحر.
رحلة يانييك -التي كلفته 800 يورو (875 دولارا) ولم تصل به إلى الشاطئ المنشود وانتهت به في قبضة خفر السواحل التونسي- ضاعفت مخاوفه بإبعاده إلى الصحراء.
مسرح مواجهات
ومنذ نحو أسبوع أصبحت مدينة صفاقس الساحلية الواقعة جنوبي تونس -والتي تعد نقطة انطلاق لعدد كبير من المهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا، ولا سيما إيطاليا- مسرحا لمواجهات بين السكان المحليين والمهاجرين، مما أدى إلى مقتل تونسي.
وبحسب مراسلة الصحيفة، فإنه خلال الأسبوع الماضي نُقل مئات المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى من صفاقس إلى منطقة صحراوية عازلة ساحلية بالقرب من نقطة حدودية مع ليبيا في رأس جدير، فيما طرد آخرون إلى الحدود الجزائرية.
وبيّنت الصحيفة الفرنسية أن هذه التداعيات أتت بعد ليال من التوتر الشديد والاشتباكات العنيفة في أحياء صفاقس، وقالت إن التونسيين توحدوا لمهاجمة المهاجرين وطردهم من ديارهم.
ومن بين "المطرودين" كان يانييك وشقيقه الأصغر، حيث يقول الشابان إنهما فرا من المدينة في منتصف الليل وقطعا عشرات الكيلومترات سيرا على الأقدام حتى يتمكنا من إيجاد مكان آمن في الأرياف بالقرب من قرية اللوزة.
وتقول "لوموند" إن صفاقس أصبحت مسرحا لعرض غريب، فطوال ساعات النهار والليل تجوب مجموعات من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في الطرق المحاطة ببساتين الزيتون والشجيرات، فيما تصبح مهمة الحصول على بعض المياه والطعام صعبة وتتطلب السير لعدة كيلومترات.
ويقول يانييك إنه نام ليلتين في العراء مع شقيقه البالغ من العمر 19 عاما، قبل أن تدفع شقيقتهما الكبرى -التي تمكنت من الوصول إلى فرنسا قبل سنوات- ثمن عبورهما إلى السواحل الإيطالية الذي كان مقررا في السادس من يوليو/تموز الجاري، لكن الرحلة باءت بالفشل.
وبعد 17 ساعة من رسو مركبهما أطلق خفر السواحل سراح يانييك وشقيقه، ليقطعا عشرات الكيلومترات التي تفصل اللوزة عن صفاقس سيرا على الأقدام مرة أخرى ولكن هذه المرة في الاتجاه الآخر.
وبعد وصولهما إلى محطة القطار في الساعة الثالثة صباحا أقنع الشاب الكاميروني رجلا عجوزا بشراء تذكرتي سفر لهما إلى تونس العاصمة.
وعقب وصولهما سالمين إلى العاصمة قال يانييك للصحيفة "سأحاول البحث عن وظيفة فالوضع مقبول هنا"، مشيرا إلى أنه سيجمع المال ويحاول الهجرة بحثا عن مستقبل أفضل في الضفة الأخرى من المتوسط، مضيفا أن العودة إلى بلاده ليست خيارا مطروحا.
مأساة ومخاوفولا يخفي البحّار التونسي الستيني حمزة مخاوفه من المأساة التي تشهدها قريته الصغيرة، فقد تحول منذ سنوات إلى صياد للجثث أيضا، فقد علقت عدة أجساد هامدة بشباكه.
ويقول بصوت مرتعش: ذات مرة عثرت على نصف جسد امرأة لكنها كانت في حالة تحلل لدرجة أنني لم أستطع حملها، لقد تركتها هناك.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بحسب حمزة، فغالبا ما تمزق القوارب المعدنية المستخدمة لعبور المهاجرين شباك الصيادين، مما يجعل مهمة شراء غيرها كل شهر صعبة.
وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإنه وعلى طول سواحل قرية اللوزة كانت القوارب المعدنية التي تقطعت بها السبل والمتآكلة بسبب الصدأ لا تعد ولا تحصى.
وهذه القوارب "ذات نوعية رديئة للغاية" بحسب البحّار حمزة، تم صنعها بأعداد كبيرة وبتكلفة أقل من تلك المصنوعة من الخشب أو الإطارات المطاطية أو المراكب البلاستيكية التي كانت تستخدم في السابق للعبور.
وفي تعليقه على هذا الوضع يختم حمزة "إنهم تجار الموت"، في إشارة إلى المهربين وكذلك سياسات الهجرة لدى بعض الدول.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
مقبرة المتوسط تكشف يوميات إنقاذ المهاجرين في أخطر طرق الهجرة
وسلطت حلقة جديدة من برنامج "للقصة بقية" الذي يبث على منصة "الجزيرة 360" الضوء على عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، وحملت عنوان "مقبرة المتوسط" عبر مرافقة سفينة إنقاذ إيطالية غير حكومية تدعى "دعم الحياة"، في رحلة استمرت 16 يوما.
واستغرق التحضير للحلقة أكثر من 3 أشهر، تضمنت مراجعات ومفاوضات مع عدة سفن إنقاذ، حتى تم الحصول على الموافقات اللازمة من السلطات الإيطالية للصعود على متن سفينة "دعم الحياة".
ويأتي هذا التحقيق في وقت تشير فيه إحصائيات منظمة الهجرة الدولية إلى أن أكثر من 31 ألف شخص لقوا حتفهم أو فُقدوا منذ عام 2014 خلال محاولات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
وأبرز البرنامج التحديات العديدة التي تواجه فرق الإنقاذ، ومن بينها النداءات المزيفة التي تتطلب جهدا كبيرا للتحقق من مصداقيتها بالتعاون مع طائرات الاستطلاع.
كما وثق البرنامج عملية إنقاذ ناجحة لقارب مهاجرين، غالبيتهم من النساء والأطفال، كانوا يعانون من سوء التغذية والخوف الشديد وسط أمواج متلاطمة هددت قاربهم المطاطي بالانقلاب.
وتناولت الحلقة سياسة الحكومة الإيطالية في تخصيص موانئ بعيدة لإنزال المهاجرين، مما يعوق قدرة المنظمات غير الحكومية على إنقاذ المزيد من الأرواح.
إعلان
انخفاض المهاجرين
فبعد عملية الإنقاذ، اضطرت السفينة للإبحار 5 أيام إضافية للوصول إلى ميناء شمال إيطاليا، وهو ما يزيد من تكاليف العمليات، ويحد من فعاليتها.
ويتزامن هذا البرنامج مع إعلان إيطاليا عن انخفاض أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إليها بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي، وهو ما عزته إلى التعاون مع تونس.
بيد أن تحقيقا لصحيفة الغارديان البريطانية كشف أن هذا التراجع جاء نتيجة انتهاكات مروعة ضد المهاجرين تمارسها قوات يمولها الاتحاد الأوروبي في تونس، وهو ما نفته السلطات التونسية.
وناقشت الحلقة مع ضيفيها الباحثة في علم الاجتماع والمتخصصة في ملف الهجرة غير النظامية نسرين بن بلقاسم، والصحفي المتخصص في قضايا الهجرة غير النظامية ستيفانو ليبرتي تساؤلات مهمة عن مدى توافق السياسات الأوروبية المناهضة للهجرة غير النظامية مع القوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.
كما أفردت مساحة لنقاش إمكانية معالجة قضية الهجرة من منظور إنساني بعيدا عن المتغيرات السياسية، وفرص التعاون بين دول ضفتي المتوسط والدول المصدرة للاجئين.
ووفقا لتقارير، فقد أكثر من ألفي شخص حياتهم خلال هذا العام وحده في البحر المتوسط أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، رغم تشديد دول الاتحاد الأوروبي لإجراءاتها للحد من هذه الظاهرة.
16/12/2024