خبرات وإمكانات وإجماع عالمي وسجل مناخي حافلمحرك أساسي لبناء نموذج جديد للنمو الاقتصادي المستدام

إعداد: راشد النعيمي

يقام مؤتمر «COP28»، في مرحلة بالغة الأهمية، نظراً للآثار السلبية التي يعانيها العالم، بسبب تغيّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتحديات التي تواجه ضمان أمن الطاقة والأمن الغذائي والمائي، إلى جانب ما يتطلب هدف تفادي ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض فوق ال 1.

5 درجة مئوية، من خفض كبير في مستوى الانبعاثات الكربونية، وتحقيق انتقال واقعي، ومنطقي، وعملي، وتدريجي، وعادل، في قطاع الطاقة، وتقديم مزيد من الدعم للاقتصادات الناشئة.

الإمارات ستتحول خلال الأيام المقبلة، إلى محط أنظار العالم، عندما تستضيف القمة السنوية التي تجتمع فيها مئتا دولة تقريباً، برعاية الأمم المتحدة، لمناقشة سبل تجنب تغيّر المناخ الذي تسبب به البشر، والتأقلم مع ارتفاع درجات الحرارة. ولا تزال المحادثات مستمرة منذ 28 عاماً، وقد أعطيت مفاوضات هذا العام عنواناً من الناحية التقنية هو الدورة الثامنة والعشرون من «مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ».

وتتطلع دولة الإمارات إلى استقبال العالم في مؤتمر «COP28»، والعمل مع الأطراف المعنية كافة، لتحقيق نتائج ومخرجات متوازنة وطموحة وشاملة للجميع، لتكون إرثاً يمنح الأمل للأجيال القادمة.

وتمتلك دولة الإمارات سجلاً حافلاً في العمل المناخي والتعاون المتعدد الأطراف، ما يجعلها وجهة مثالية لعقد المؤتمر، حيث تستضيف الدولة المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا». وكانت الإمارات أول دولة في المنطقة توقع وتصادق على اتفاق باريس، وأول دولة في المنطقة تلتزم خفض الانبعاثات في جميع القطاعات الاقتصادية، فيما رسخت مكانتها وجهة مثالية لاستضافة الفعاليات الدولية الرفيعة التي تركز على العمل المناخي والتنمية المستدامة.

وعلى مدار 15 عاماً، عزّزت دولة الإمارات ريادتها في المنطقة في استثمارات الطاقة المتجددة والنظيفة، محلياً ودولياً، حيث استثمرت 50 مليار دولار في الطاقة النظيفة، وأعلنت أخيراً خطتها لاستثمار أكثر من 50 مليار دولار، خلال العقد المقبل، في مزيد من المشروعات، بما فيها الهيدروجين والأمونيا.. وتمتلك ثلاثاً من كبرى محطات الطاقة الشمسية، وأقلها كلفة في العالم، ولديها استثمارات في مشروعات الطاقة المتجددة في 70 دولة، تشمل تقديم أكثر من مليار دولار، في شكل منح وقروض ل27 دولة جزرية تعاني شحّ الموارد، وتُعد أكثر عرضة لتأثيرات تغيّر المناخ.

وتركز دولة الإمارات على تحقيق أقصى استفادة من إمكانات العمل المناخي الفاعل والمبتكر، لكونه محركاً أساسياً لبناء نموذج جديد للنمو الاقتصادي المستدام المنخفض الانبعاثات.

رؤية استشرافية

وبفضل رؤية القيادة الرشيدة الاستشرافية، وإرث الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في العمل البيئي وحماية الطبيعة، وبفضل العزيمة والتصميم التي تمتلكها دولة الإمارات، وعلاقاتها الدبلوماسية الراسخة مع مختلف دول العالم، ونظرتها المنطقية والواقعية للقضايا الدولية الرئيسة مثل تغيّر المناخ، وبخبرتها العملية في الطاقة والاستدامة، اختيرت الدولة بإجماع عالمي في عام 2021 لاستضافة مؤتمر «28 COP».

وتمثل الاستضافة فرصة كبيرة لتحقيق فوائد سياسية واقتصادية، للدولة والمنطقة والعالم، تشمل دعم إيجاد حلول واقعية وعملية ومنطقية، لتسريع الانتقال في قطاع الطاقة العالمي، وإبراز دور الإمارات في مدّ جسور الحوار والتعاون، ودفع الجهود العالمية لضمان توفير التمويل المناخي للدول النامية.

مؤتمر «COP28» الذي ستستضيفه دولة الإمارات، سيكون حدثاً عالمياً مهماً، خصوصاً مع تزامن انعقاده مع احتفاء الدولة بيومها الوطني ال52، لأن الحدث من المتوقع أن يشهد مشاركة رفيعة تشمل 140 رئيس دولة وحكومة، و80 ألف مشارك، و5 آلاف إعلامي.

قصة الاستضافة

في مايو/ أيار2021 أعلن سموّ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، تقدم دولة الإمارات بطلب لاستضافة مؤتمر «COP28»، في أبوظبي عام 2023. وجاء الإعلان عقب إيداع الدولة خطاباً رسمياً عن رغبتها في استضافة هذا الحدث، لدى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، ورئيس مجموعة آسيا - المحيط الهادئ.

وتكتسب هذه الدورة أهمية كبيرة في تحقيق مستهدفات اتفاقية باريس للمناخ، إذ إنه سيشهد أول تقييم عالمي للمساهمات المحددة وطنياً، إضافة إلى تحديد ملامح الجولة التالية من هذه المساهمات.

وقال سموّ الشيخ عبدالله بن زايد «تمتلك دولة الإمارات جميع الإمكانات والخبرات والمقومات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف، خاصة أن العمل المناخي من الركائز الأساسية لاستراتيجيتنا الاقتصادية الوطنية وسياساتنا الداخلية والخارجية».

سجل حافل

وتمتلك دولة الإمارات سجلاً حافلاً في العمل المناخي والتعاون متعدد الأطراف، ما يجعلها وجهة مثالية لعقد المؤتمر.

ورسخت دولة الإمارات مكانتها وجهة مثالية لاستضافة الفعاليات الدولية الرفيعة التي تركز على العمل المناخي والتنمية المستدامة، بما في ذلك «أسبوع أبوظبي للاستدامة» الذي يحشد الدعم الإقليمي والعالمي للتنمية المستدامة، منذ أكثر من عقد، واستضافة الاجتماع السنوي للجمعية العامة لوكالة «آيرينا»، الذي يحدد الأجندة العالمية لنشر حلول الطاقة المتجددة والنظيفة.

كما استضافت دولة الإمارات الاجتماعات التحضيرية لمؤتمرات الأمم المتحدة المناخية في عامي 2014 و2019، و«الحوار الإقليمي للمناخ» الذي عُقد الشهر الماضي، وعزز الالتزامات الإقليمية بشأن الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة قبيل انعقاد قمة القادة بشأن المناخ في الولايات المتحدة.

وخلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، أرست دولة الإمارات مكانة رائدة في استثمارات الطاقة النظيفة والمتجددة، محلياً ودولياً، حيث يوجد في الإمارات ثلاث من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم وأقلها كلفة، كما استثمرت في مشاريع للطاقة المتجددة في 70 دولة، وتشمل هذه الاستثمارات أكثر من مليار دولار على شكل مِنَح وقروض مقدمة ل27 دولة جزرية منخفضة الموارد، ومعرضة بشكل خاص لتداعيات تغيّر المناخ.

وتعدّ الإمارات، كذلك، رائدة في استخدام مصادر الطاقة الخالية من الكربون في المنطقة، بما في ذلك الطاقة النووية السلمية، إذ أصبحت أول دولة في الشرق الأوسط تضيف الطاقة النووية إلى شبكتها الكهربائية، عندما تم التشغيل التجاري للمحطة الأولى في «براكة»، كما تعمل على استكشاف إمكانية إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق عبر تحالف أبوظبي للهيدروجين، وتلتزم بتطوير سوق مستدامة للهيدروجين مصدراً للوقود بالشراكات الدولية بين القطاعين، العام والخاص.

وإضافة إلى الطاقة، تتطلع دولة الإمارات إلى المشاركة في الحلول المناخية في القطاع الزراعي الذي يشكل نحو ربع انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، حيث أطلقت الشهر الماضي، بالتعاون مع الولايات المتحدة، و8 دول أخرى «مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ»، بهدف زيادة الاستثمارات في الأبحاث والتطوير وتسريع الابتكار في الممارسات الزراعية المستدامة لتلبية المتطلبات الغذائية لأعداد السكان المتزايدة عالمياً، مع التركيز على الحدّ من الآثار البيئية.

لجنة وطنية

بدأت دولة الإمارات بالاستعداد لهذه الاستضافة وشكّلت لجنة وطنية عليا، برئاسة سموّ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، للإشراف على أعمال التحضير لمؤتمر«COP28» التي من مهامها اتخاذ القرارات والتوجهات الاستراتيجية الخاصة بتنظيم المؤتمر. وكانت الاستعدادات مكثفة وشاملة، خاصة أن الحدث يكتسب أهمية خاصة، لأنه سيشهد إنجاز أول حصيلة عالمية لتقييم التقدم في تنفيذ مستهدفات اتفاقية باريس للمناخ.

حيث تتعدد مهام ومسؤوليات الدولة المستضيفة التي ستتولى رئاسة المؤتمر، لتشمل قيادة المفاوضات الدولية المرتبطة بالعمل المناخي للدول الأطراف وتعد الإمارات مؤهلة لإنجاح ذلك بعلاقاتها الطيبة، وتركيزها على مد جسور الحوار والتواصل والتعاون، وخبرتها في توفيق الآراء، وقدرتها على استضافة العالم تحت سقف واحد.

وإضافة إلى ذلك، تتميز الإمارات بتركيزها على إيجاد حلول عملية تسهم في ضمان أمن الطاقة بشكل متزامن مع خفض الانبعاثات، منوهاً بأن مسؤولية قيادة مفاوضات المناخ طوال عام الرئاسة تشمل الالتزام بالحيادية بين الأطراف، والتواصل معها، لتحفيز العمل المناخي وصياغة مخرجات المؤتمر، والإشراف على عملية المفاوضات للتوصل إلى قرارات رسمية يتم الإعلان عنها خلال المؤتمر.

عالم واحد

في يناير/ كانون الثاني 2023 أطلق سموّ الشيخ عبدالله بن زايد، الشعار الرسمي والهوية البصرية الخاصة بمؤتمر «COP28».

وانطلاقاً من مفهوم أننا جميعاً سكان عالم واحد، جاء التصميم في شكل كروي باللونين الأخضر الفاتح والداكن، ويتضمن مجموعة من الرموز المتنوعة المتعلقة بالعمل المناخي، مثل الإنسان وتكنولوجيا الطاقة المتجددة، وعناصر من الحياة البرية والطبيعة، وكلّها متضمَّنة داخل شكل كرة أرضية. وتعكس تلك العناصر مجتمعة ثروة الموارد الطبيعية والتكنولوجيا البشرية، وتؤكد ضرورة الابتكار في جميع القطاعات لتحقيق نقلة نوعية في التنمية المستدامة الشاملة.

ويُعد التصميم إشارة إلى المجتمع الدولي بضرورة توحيد الجهود وتضافرها لاتخاذ إجراءات مناخية عاجلة، والمضي قُدماً في مسار يحتوي الجميع للوفاء بالالتزامات المناخية العالمية بصورة تعاونية، وعمل عالمي مشترك. ويؤكد الشعار الرسائل الأساسية للمؤتمر، أنه سيكون مؤتمراً للتعاون وتضافر الجهود ومدّ جسور الحوار بين دول الشمال والجنوب، واحتواء القطاعين، الحكومي والخاص، والمجتمع العلمي، والمجتمع المدني، والنساء، والشباب، حيث تم تمثيل جميع تلك الفئات ضمن الرموز المتنوعة الموجودة في الهوية البصرية.

كما يعزز الشعار تأكيد نهج المؤتمر في أن يكون عمليّاً، يشمل ويحتوي الجميع، ويرتقي بالطموحات، لينتقل بالعالم من وضع الأهداف إلى تنفيذها بشأن موضوعات التخفيف، والتكيّف، والتمويل، والخسائر والأضرار.

وسيستخدم الشعار الجديد والهوية البصرية في كل المواد المتعلقة بالمؤتمر.

وفي وقت سابق من شهر يناير/ كانون الثاني، أعلنت الإمارات تكليف فريق قيادي للمؤتمر سيعمل عن قرب، مع الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف COP27، والأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، لدعم جدول أعمال شامل ومتكامل لهذا الحدث المناخي العالمي.

مدينة إكسبو دبي موقع استثنائي

وجّه صاحب السموّ رئيس الدولة حفظه الله، باستضافة المؤتمر في «مدينة إكسبو دبي»، وهو موقع «إكسبو2020 دبي»، الذي استضافته الدولة، وجاء توجيه سموّه باستضافة الحدث في «إكسبو»، لكونه موقعاً استثنائياً شكّل وجهة متميزة، جمعت العالم على أرض دولة الإمارات خلال ستة أشهر. فيما يشترك الحدثان في تحقيق الاستدامة، وتعزيز العمل الدولي، لما له من أهمية في مواجهة التحديات العالمية.

ويشكل الاختيار امتداداً لإرث «إكسبو» ورسالته الأساسية «تواصل العقول وصنع المستقبل».. وتأكيداً على استمرار الالتزام بموضوعاته التي تركز على «الاستدامة»، و«الفرص»، و«التنقل»، بجانب توافر البنية التحتية المتقدمة والجاهزة والمستدامة، بما يتماشى مع رؤية دولة الإمارات لهذه الدورة من مؤتمر الأطراف.

الصورة

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات كوب 28 الإمارات الشیخ عبدالله بن زاید الطاقة المتجددة العمل المناخی الأمم المتحدة دولة الإمارات تغی ر المناخ وجهة مثالیة ملیار دولار فی المنطقة أکثر من

إقرأ أيضاً:

معلومات الوزراء يتناول تأثيرات التغير المناخي والصدمات على عملية التعليم

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله التأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي يفرضها التغير المناخي على عملية التعلم، والحواجز التي تحول دون الحق في التعلم، بالإضافة إلى التحرك الدولي المطلوب لتكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ، مشيراً إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة وتيرة وشدة الأحداث الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف وموجات الحر الشديدة وحرائق الغابات، مما يؤثر بشكلٍ سلبي في عملية التعلم من خلال تعطيل الدراسة وإغلاق المدارس بفعل تدمير البنية التحتية لها، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسائر في التعلم وانقطاع الطلاب عن الدراسة وعدد من التأثيرات طويلة الأجل.

وتناول التحليل التأثيرات المباشرة التي يفرضها التغير المناخي على عملية التعلم والالتحاق بالمدارس، حيث أوضح أن التأثيرات المباشرة للصدمات المناخية، كالأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، تؤدي إلى الإضرار بجودة تقديم الخدمات التعليمية وبيئة الفصول الدراسية وإطالة مدة إغلاق المدارس بسبب استخدامها كمراكز للطوارئ والإيواء، علاوة على تدمير البنية التحتية للمدارس، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسائر فادحة في العملية التعليمية، فعلى سبيل المثال، عندما ضرب الإعصار "فريدي" جنوب إفريقيا في مارس 2023، واجه ما يقرب من 5% من الطلاب في جميع أنحاء دولة ملاوي إغلاقًا للمدارس، كما سبق أُغلقت 42% من المدارس الابتدائية بسبب الجفاف في عام 2015، مما أجبر أكثر من 130 ألف طالب على ترك المدرسة. وفي دولة الفلبين، تغمر المياه أكثر من 21% من المدارس مرة واحدة على الأقل كل عام دراسي، ويمكن أن يحدث ذلك الأمر مرتين في الشهر في بعض المناطق، بالإضافة إلى ذلك، فقد ألحقت الأعاصير في دولة الفلبين في عامي 2009 و2013 أضرارًا بـ 4300 و19300 مدرسة على التوالي، مما أدى إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة، وخلال فيضانات عام 2022 في دولة باكستان، أظهرت التقديرات أن 3.5 ملايين طفل تعطلوا عن الدراسة وأن مليون طفل قد يتوقفون عن الذهاب إلى المدرسة، وتولد هذه الإغلاقات خسائر فادحة في العملية التعليمية.

وفي السياق ذاته، يمكن أن يؤدي الطقس البارد أيضًا إلى تعطيل الدراسة والتعلم، حيث شهد بعض المناطق مثل آسيا الوسطى ومناطق في أستراليا وأمريكا الجنوبية زيادة في كل من الحرارة الشديدة والبرودة، ويمكن أن تتسبب موجات البرد والعواصف في أضرار بالممتلكات وانقطاع التيار الكهربائي مما قد يكون له عواقب على البنية التحتية والأنظمة التعليمية، وهو ما يترتب عليه إغلاق المدارس. ففي دولة منغوليا، كان الأطفال في سن الدراسة الذين يعيشون في المناطق المتضررة بشدة أثناء العواصف الشتوية أقل احتمالية لإكمال التعليم الأساسي بعد عشر سنوات من الصدمة المناخية، مقارنة بالأطفال في المناطق الأقل تضررًا.

وفي شهري يناير وفبراير 2024، تسببت العواصف الشتوية في إغلاق المدارس في وسط وشرق أوروبا والغرب الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية. وبشكلٍ عام، فإنه على مدار العشرين سنة الماضية، أُغلقت المدارس في 75% من الدول على مستوى العالم على الأقل نتيجة الأحداث الجوية المتطرفة التي أثرت في 5 ملايين شخص أو أكثر.

ومن ناحية أخرى، فإنه حتى في حالة عدم إغلاق المدارس، فإن الأحداث الجوية المتطرفة تقلل من الحضور والتحصيل الدراسي. فعلى سبيل المثال، تزداد حالات الغياب في دولة البرازيل خلال موسم الأمطار حتى عندما لا يتم تعليق الفصول الدراسية، ويرجع ذلك إلى التحديات التي يواجهها الطلاب في التنقلات، وبشكلٍ عام، يقضي الطلاب في المناطق المتضررة من الفيضانات وقتًا أطول في السفر من المنزل إلى الجامعة في أيام الفيضانات، وبالتالي فإن نسبة الطلاب الحاضرين للفصول الدراسية وجهًا لوجه تنخفض من 77% في الأيام التي لا تشهد فيضانات إلى 27% في أيام الفيضانات.

وعلاوة على ذلك، فإن التعلم عبر الإنترنت يمكن أن يتأثر بالأحداث الجوية المتطرفة، فقد انخفضت المشاركة الإجمالية على منصة التعلم عبر الإنترنت لدورات البكالوريوس والدراسات العليا بنسبة 20% بسبب حدثي إعصارين كبيرين أثرا في الفلبين في عام 2020.

وسلط مركز المعلومات الضوء على التأثيرات غير المباشرة التي يفرضها التغير المناخي في عملية التعلم والالتحاق بالمدارس، حيث يؤثر تغير المناخ سلبًا في نتائج التعليم بشكلٍ غير مباشر من خلال الصدمات الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والصدمات الصحية، وتؤدي هذه المسارات غير المباشرة إلى انخفاض استعداد الطلاب للتعلم، وانخفاض الطلب على التعليم بسبب آليات التكيف الأسري، وتعطل الخدمات التعليمية، وذلك كما يلي:

-أثر الصدمات الاقتصادية وانعدام الأمن الغذائي على التعلم: حيث تفرض الأحداث المناخية المتطرفة ضغوطًا على موارد الأسر وتتسبب في انعدام الأمن الغذائي والهشاشة الاقتصادية وهو ما يؤدي إلى انخفاض الإنفاق على التعليم لسنوات بعد الصدمة، ففي دولة بنجلاديش، أدى التعرض للأعاصير والفيضانات والجفاف إلى زيادة حالات زواج الأطفال، حيث تستخدم الأسر مدفوعات العروس كآلية للتكيف مع الصعوبات المالية. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 170 مليون شخص إضافي سيكونون معرضين لخطر الجوع بحلول عام 2080 بسبب تغير المناخ، وسوف يؤدي الضغط الاقتصادي على الأسر الناجم عن الصدمات المناخية إلى خلق آثار سلبية على تعلم الطلاب وإنجازهم.

-أثر الصدمات الصحية الناجمة عن تغير المناخ في التعلم: حيث يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة ملوثات الهواء من خلال التغييرات في التفاعلات الكيميائية وهطول الأمطار، ومن المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تلوث الهواء العالمي والوفيات المرتبطة به، وقد أظهرت التوقعات أن 14٪ من الزيادة الإجمالية في حالات الوفاة المرتبطة بتلوث الهواء بالأوزون من عام 2000 إلى عام 2100 المقدرة في سيناريو الانبعاثات العالية ستعزى إلى تغير المناخ، كما يمكن أن تؤثر جودة الهواء الرديئة في التعلم والمدارس من خلال الإغلاقات والتأثيرات في الإدراك والإنجاز الأكاديمي، فعلى سبيل المثال، أثبتت الدراسات أنه في كلٍ من البرازيل وتشيلي والصين والهند وإيران وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، عملت درجات الحرارة المرتفعة على تضخيم آثار تلوث الهواء في صحة الأطفال وأدائهم الأكاديمي، حيث يؤدي التعرض للجسيمات الدقيقة (PM2.5) - وهي مواد جسيمية ملوثة صغيرة جدًا في الحجم ولا ترى بالعين المجردة - إلى انخفاض درجات الطلاب في الاختبارات وزيادة حالات الغياب عن المدرسة.

وفي السياق ذاته، يمكن أن يكون للصدمات المناخية كالجفاف والأعاصير وحرائق الغابات تأثيرات سلبية في الصحة العقلية للطلاب، ففي أعقاب إعصار كاترينا في الولايات المتحدة الأمريكية، عانى أغلب طلاب الأقليات العرقية المتضررين في الصف التاسع من أعراض خفيفة أو شديدة من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). كما عانى طلاب الكليات المتضررين من حرائق الغابات في مدينة فورت ماكموري في كندا من اضطراب ما بعد الصدمة بنسبة 11% بعد الحرائق، كما ثبت أن القلق المناخي يشكل مصدر ضغط متزايد الانتشار بين الشباب، ففي 50 دولة تغطي 56% من سكان العالم، يعتقد ما يقرب من 70% من الشباب تحت سن 18 سنة أن تغير المناخ يشكل حالة طوارئ عالمية يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوتر والقلق، ومن المرجح أن تؤثر هذه العوامل بشكلٍ سلبي في الصحة العقلية للطلاب وعلى تعلمهم وذهابهم إلى المدرسة.

كما يوجد عدد من الحواجز أمام التعليم تؤثر بشكل أكثر سلبية في الفئات الأكثر حرمانًا، والفتيات والنساء والمجتمعات الريفية، وأولئك الذين لديهم مخاطر صحية قائمة مسبقًا والأشخاص ذوي الإعاقة. ومن ذلك، الحواجز اللغوية، حيث إنه عندما ينزح الطلاب بفعل تغير المناخ، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، فقد يضطرون إلى الالتحاق بمدرسة بلغة لا يفهمونها أو ليست لغتهم الأم. كما أنه ما يزال مفهوم النزوح المناخي غير مرئي في السياسات الوطنية في العديد من الدول، فالافتقار إلى الاعتراف القانوني أو السياسي يجعل من الصعب تطوير إجراءات مستهدفة وحقوق قانونية للأشخاص النازحين بسبب تغير المناخ، بما في ذلك الحق في التعليم.

وأوضح المركز أنه بناءً على ما سبق من المتوقع أن تزداد شدة الصدمات المناخية، وبدون اتخاذ إجراءات مستهدفة تعمل على الحد من التأثيرات السلبية للتغير المناخي على مستقبل الطلاب التعليمي، ومن المرجح أن تؤدي أزمة المناخ إلى تفاقم التفاوتات التعليمية، مما يترك العديد من الطلاب خلف الركب.

وأشار التحليل إلى أن هناك حاجة مُلِحَّة لتكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ وبناء أنظمة تعليمية وطنية قادرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ تضمن الحد الأدنى من انقطاع العملية التعليمية لجميع الأعمار أثناء عمليات النزوح. وفي هذا السياق، يمكن لصانعي القرار تنفيذ العديد من الإجراءات لزيادة قدرة أنظمة التعليم على التكيف والتعامل مع الضغوط المناخية المتزايدة الانتشار.

وقد استعرض التحليل أبرز التوصيات المقترحة في هذا الصدد:

-دعم التخطيط لمخاطر الكوارث على مستوى قطاع التعليم، وذلك من خلال وضع سياسات تعليم، على المستويين الوطني والدولي، تعكس واقع تغير المناخ، وتشمل الجوانب المهمة التي تجب تغطيتها، والاستراتيجيات الرامية إلى تقليل التأثيرات في البنية التحتية ونتائج التعليم، وآليات التكيف الواضحة لإدارة استمرارية التعلم أثناء الصدمات المناخية، والخطط اللازمة لاستعادة عملية التعلم بشكل فاعل بعد الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى وضع نهج مناسب لإشراك المعلمين والطلاب وأسرهم في عملية التكيف الشاملة.

-الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، وتنبيه المدارس في الوقت المناسب واتخاذ إجراءات مبكرة، وهو ما سيقلل من الضرر الناجم عن الأحداث المناخية الضارة على الطلاب والمعلمين والمدارس.

-تعزيز البنية الأساسية للمدارس، وذلك من خلال تعزيز مرونة المباني القائمة، وحماية الفصول الدراسية من الحرارة، وتبني أفضل الممارسات المبتكرة للمرونة والتبريد لأي مبنى جديد، وتنفيذ تدابير تهدف على وجه التحديد إلى منع جريان المياه والفيضانات على مستوى مبنى المدرسة.

-ضمان استمرارية التعلم في مواجهة الصدمات المناخية، وذلك من خلال إغلاق المدارس عند الضرورة القصوى فقط، وبذل كل الجهود لإعادة فتحها في أقرب وقت، وتقليل الوقت الذي يتم فيه استخدام المدارس كملاجئ للطوارئ، وفي حالة إغلاق المدارس، يجب اتخاذ إجراءات تعمل على تعزيز آليات التعلم عن بعد لضمان استمرارية التعلم، وتوفير دعم مالي موجه للطلاب الأكثر احتياجًا لإعادتهم إلى المدرسة.

وأوضح التحليل في ختامه أن تغير المناخ والصدمات المناخية تؤثر بصورة سلبية في العملية التعليمية، بشكلٍ مباشر من خلال الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات التي تُلحق الضرر بجودة تقديم الخدمات التعليمية وتُدمر البنية التحتية للمدارس في كثير من الأحيان، كما تؤثر الصدمات المناخية في التعليم بشكلٍ غير مباشر من خلال الصدمات الاقتصادية، وانعدام الأمن الغذائي، والصدمات الصحية، وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات تعمل على تكييف أنظمة التعليم مع تغير المناخ وبناء أنظمة تعليمية وطنية قادرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ، فسوف يؤدي ذلك إلى تفاقم التفاوتات التعليمية.

مقالات مشابهة

  • مجلس الوزراء: تكليف لجنة مكافحة غسيل الأموال بتكثيف الجهود والتعاون مع الجهات الحكومية لتحقيق المتطلبات الدولية
  • معلومات الوزراء يتناول تأثيرات التغير المناخي والصدمات على عملية التعليم
  • رئيس «COP28» يدعو العالم إلى تنفيذ «اتفاق الإمارات» لإنقاذ المناخ
  • سلطان الجابر يدعو لتنفيذ «اتفاق الإمارات» المناخي
  • سلطان الجابر يدعو قادة العالم إلى تنفيذ “اتفاق الإمارات” التاريخي والاستفادة من الفرص الاقتصادية للعمل المناخي
  • الإمارات تستثمر 30 مليون دولار لدعم التنوع البيولوجي في غانا
  • الإمارات تستثمر 30 مليون دولار دعماً لأهداف غانا في مجالات المناخ
  • الإمارات تستثمر 30 مليون دولار دعماً لأهداف غانا في التنوع البيولوجي والمناخ
  • الإمارات تستثمر 30 مليون دولار دعماً لأهداف غانا في مجالات التنوع البيولوجي والمناخ
  • الإمارات تستثمر 30 مليون دولار دعما لأهداف غانا في مجالات التنوع البيولوجي والمناخ