صدى البلد:
2024-11-18@11:48:50 GMT

نهال علام تكتب: علم الإنسان

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

بحور العلم واسعة، جملة تصنف في علم اللغة العربية أنها جملة بلاغية جمالها التشبيه بين العلم والبحر، ولكن في رأيي عيبها عدم تحري الصدق والشفافية، نعم... فالعلم أوسع من أي بحر وأروع من أي سحر وأعمق من كل ما ضربت به الأرض من جذور لا يعلمها إلا رحم الكون، والله يعلم ما لا نعلم، لذا قال وقوله الحق ما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

نذهب للمدارس صغارا لنتعلم أساسيات العلم، نتدرج السلم التعليمي درجة وراء درجة ولا ننزع عن العلم إلا العطر المحمل في قشرته، نستكمل ونتخصص، نمضي ونتثقف، ولكن هيهات أن نصل للب الثمرة، فالمعلومة هي غواية المؤمن قادرة أن تسرقه هويناً هوينا، تلقيه في غياهب الفتنة والشغف، تأخذه إلا عوالم لا يعلم المسكين أنها بلا سقف، لا تعرف الحدود ولا تتصف بالجمود ولا تؤمن بالسدود.
 فهي سلسلة متعاقبة، كلما أدركت منها حلقة تعتقد أنها تعيدك للوراء حلقتين، وكل خطوة للأمام يلزمها عودة عشرات الخطوات للخلف، كوتر السهم كلما ارتد للوراء أصاب هدفه بدهاء، والعلم متشعب فهناك ملايين الفروع من فروع الفروع للموضوعات البحثية، الشديدة التخصصية.

وهذا الثراء والتعددية قد يكون عذراً مُجملاً لجهلنا ببعض الموضوعات، وضعف إلمامنا بالعديد من المجالات، وليس فقط لتنوعها الشديد ولكن أيضا لمحدودية استيعابنا وما يتحكم فينا من ميولنا وأهوائنا، لذا من المقبول أن نعرف عن كل شيء بعض شيء، وليس من المذموم أن نجهل عن شيء أي شيء.

ولكن حديثي هنا عن الشيء وليس هذا العلم الذي لا يماثله شيء، فكيف نغفل ما يجب ان نعلم، فإذا لم نعلم عن أنفسنا ونتعلم عن ذاتنا ونتعرف على الأصل في كل أمورنا، فيا ويلنا مما أوقعنا فيه جهلنا!

علم الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان هذا العلم الذي يهتم بدراسة أصل الحياة والقائم عليها والسر في استمرارها والسبب في تهالكها، وربما أفعاله هي الدافع لفنائها.. أنه الإنسان.

واسم العلم ينقسم لشقين (الأنثرو) وهو الإنسان و(لوجيا) وهي دراسة، وكعادة غالبية أسماء العلوم فالاسم لاتيني، لكن العلم بذاته ليس بعلم منذ الأزل كسائر العلوم الأساسية والطبيعية القديمة، فبعضها عمره من عمر الأرض، فالعلم بشكله الحالي لم يظهر إلا من قرن من الزمان على طاولة الطب لدراسة تشريح الإنسان ومساعدته على التخلص من الأمراض التي لازمته على مر الزمان.

وفيما يبدو أن الإنسان انشغل بمعرفة كل ما يحيط به فلم يعد لديه متسع من الوقت والجهد ليدرس نفسه، ويبحث سلوكياته بدقة وعلاقاته مع محيطه بطريقة حقة، وماضيه بصورة مستحقة وتأثيرات ما صنعه من حضارة على كل ذلك، أكتفي بالعلوم الأخرى التي قدمت بالطبع ابحاثا جليلة في علوم الاجتماع والنفس والفلسفة، ولكن يظل علم الإنسان أو الأنثروبيولوحيا هو علم ذو طبيعة خاصة، لأنه يدرس الإنسان دراسة شمولية، لذا له قدرة على بحث وتحليل ما لم تقدمه أفرع العلم الأخرى من أبحاث تدرس الإنسان ولكن من زوايا محددة وفي إطار من قوانينها المُحدِدة.  تنقسم فروع علم الإنثروبولوجيا إلى ثلاث تخصصات أساسية وهي الإنثروبولوجيا البيولوجية والاجتماعية والثقافية، وتستند في دراستها إلى عاملين الموضوعية أي الدراسة بتجرد من أفكار الحب والكراهية، والنسبية التي تفهمت أن الإنسان يختلف بحسب الزمان والمكان، بل الشخص نفسه يتغير من زمان لزمان ومن مكان لأخر.

ويقوم أيضا هذا العلم على تفسير الظواهر بحسب رؤية الباحث الشخصية ليصل إلى نظرية، مثل رؤية كارل ماركس للمجتمعات القائمة على فكرة الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية، وهناك من تبني عكسها وهي النظرية الليبرالية.

تتعدد التوجهات الفكرية لعلماء الإنثروبولوجيا بين التوجهات النفسية والوظيفية، وهناك التوجهات الأكثر تفسيرية، حيث حاول البعض تفسير النظام الإنساني بالتوجه النشوئي وهو البحث عن كيفية نشأة النظام، بينما اتجه البعض للاتجاه التطوري الذي ربط التغيير في النظام الإنساني بالدين وفكرته عن تكوين العائلة سواء بالتعددية أو الفردية.

وربما من أشهر التقسيمات الموجودة في هذا الاتجاه من علم الإنسان هو مروره بثلاث مراحل متتالية من الوحشية والبربرية والحضارة، بينما قسم أخرين المجتمعات الإنسانية لخضوعها تتابعيا لسطوة السحر ثم الدين فالعلم.

وربما من أجمل اتجاهات علماء الإنثروبولوجيا الفكرية هو الاتجاه الانتشاري، الذي يرجع نقاط التشابه بين البشر نتيجة الاحتكاك الناتج في بداية الأمر من الغارات البدائية ومرورا بالحروب الاستعمارية وحتى التجارة والهجرة.

وكما يؤكد هذا الاتجاه بمدارسه الثلاث الأمريكية والإنجليزية والألمانية، أن مصر هي أصل الدنيا ومنها انتشرت الحضارة لكل الدنيا، وجاء ذلك جليا في كتاب التواريخ لهيرودوت الذي سجل فيه من خلال تسعة فصول شهادته عن 50 شعبا التقى بهم خلال رحلاته، والذي وصف فيه مصر أنها هبة النيل الفريدة في جوها وطبيعتها ونيلها الذي ليس كمثله نهر في العالم أجمع، لذا هي مختلفة في عاداتها وجامعة في سننها ومتفردة في إبداع حضاراتها وأسبقيتها في كل مناحي البناء والعلم والعمارة.

وبتطبيق مفاهيم هذا العلم سنجد أن الحضارة المصرية القديمة أول من عرفت علم الإنسان، الذي أسس لحياة سرها الخلود ليوم أن ينتهي الوجود، ليعرفه العالم بعد ذلك بألاف السنوات حيث لم يأخذ علم الإنثروبولوجيا طابعاً أكاديمياً إلا في منتصف القرن التاسع عشر، وذلك في ظل ثلاث متغيرات انعكست على الحياة الإنسانية يمكن تحديدها في الثورة الفرنسية والصناعية والعلمية، التي أحدثت ثورة في البشرية، كتلك التي أحدثها أجدادنا وقاموا بتوثيقها على جدران المعابد من طريقة صنع الخبز وتجهيز الأعراس مروراً بكل ما يمر بحياة الإنسان وتطرق له الأجراس وحتى كيفية إدارة الجنائز والعناية بالعجائز،
وهذا جذوة علم الإنسان أن تكون تفاصيله البسيطة قبل العظيمة متاحة لفك شفرته المعقدة.

أطلق عليه البعض علم الاستعمار، وبرأيي هو العلم الذي يجعل الإنسانية أكثر تكيفاً واستمرار، حيث أن المستعمر كان يقرأ ما يكتبه المستشرق عن البلاد التي يحتلها، فيعرف كيف يغازل شعبها تارة وكيف يستغل نقاط ضعفها ويضعف نقاط قوتها، على سبيل السرد لا الحصر كما فعلت انجلترا مع الهند والحملة الفرنسية في مصر ولكن لأنها مصر زوجنا مينو قائد الحملة الثالث لزبيدة وأعلن الرجل أسلامه وجمع رجاله وأعدناه أدراجه بعد ثلاث سنوات فقط من الاحتلال الفرنسي.

نعيش ونتعلم، ويعيش المعلم ولا يتعلم، جملتان مصريتان صميمتان قد يبدو عليهم التناقض للوهلة الأولى، لكن بعد تدبرهما ستجد اتساقهما، فالعلم والحياة متلازمتان لمن أراد الحياة، ومن يبتعد عن سبل العلم فهو يعيش دون أن يحيا، والجميل بكل عِلم أو في درب من دروب العلم أن مصر كانت أول العالمين وباكورة المعلمين، وهذا ميراث لو تعلمون عظيم، يفرض علينا أمانة الحفاظ عليه والعمل الجاد للاستزادة منه، فكما ترك لنا الأجداد واجباً علينا أن نترك للأحفاد المزيد من التركات التي تحمل البصمة المصرية ذات الهوية الجامعة للأعمدة السبعة الراسخ بعضها في حياة الإنسان أينما كان، وجميعها نسيج من الشخصية المصرية على وجه التحديد وهي جلية في تفاصيلها دون الحاجة للتفنيد.

وإن كانت مصريتي تصبغ كلماتي بالعشق والافتتان الذي يدعوني للإيمان بإن علم الإنسان ابتدعه جدي المصري المهندس والعالم والطبيب والفنان، فذلك من حقي أليست حضارته تحير العالم حتى الان!

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: علم الإنسان هذا العلم

إقرأ أيضاً:

“علام” تفتتح فعاليات الورشة التدريبية " قياس أثر الأنشطة والخدمات الثقافية " للعاملين بهيئة قصور الثقافة

 

افتتحت الدكتورة منال علام رئيس الإدارة المركزية لإعداد القادة الثقافيين بمصر الجديدة فعاليات الورشة التدريبية " قياس أثر الأنشطة والخدمات الثقافية " للعاملين بديوان عام الهيئة والأقاليم الثقافية في الفترة 17 :21 / 11/ 2024 حيث أشارت في افتتاحها أنه من الطبيعي الاهتمام بمعرفة اتجاهات الناس، ومواقفهم إزاء موضوع ما ليساعدهم على اتخاذ القرارات الصائبة، وإنجاح مهامهم. وهو ما نطمح إلية في هذه الورشة من قياس أثر الأنشطة الثقافية بعتبارالثقافة ليست كلمة طنانة بل عنصر هام يشكل هوية وقيم وسلوك تؤثرعلى آليات تفاعل الموظفين مع بعضهم البعض، ومع رواد المواقع الثقافية.


فيما أوضحت المحاضر أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في أولى محاضرات الورشة أنه من المهم بمكان قياس تأثير الأنشطة الثقافية وتقييمها ومعرفة ما إذا كانت استثماراتهم في الثقافة تؤتي ثمارها من حيث الأداء والابتكار والنمو وكيف يمكنهم إيصال قيمة الثقافة إلى جماهيرها الداخلية والخارجية، مرتكزة في محاضراتها على عدة محاور أهمها مفهوم وأدوات قياس الرأي وأًطر القياس وتأثيرها على نمو وتقدم الأنشطة الثقافية من عدمه وأهم التحديات التي من الممكن أن تواجههم، من خلال اختيار وتطبيق الأساليب والأدوات لقياس الأنشطة الثقافية، وجمع البيانات وتحليلها وجمع ومعالجة المعلومات والأدلة ذات الصلة لتقييم مدى فعالية وتأثير الأنشطة من عدمه. 


وأوضحت ضرورة تقديم الأنشطة الثقافية وتقييم تأثيرها ونتائجها، على المدى القصير والطويل. وهو ما يساعد في تقييم الأداء الثقافي في إظهار نقاط القوة والضعف وتحسين جودة وفعالية الأنشطة المقدمة لتعزيز المُساءلة والشفافية لذا فإن قياس الأداء الثقافي ليس مهمة سهلة، و يشتمل على أبعاد ومؤشرات وأساليب وتحديات متعددة يتعين أخذها في الاعتبار ومعالجتها، بداية من تحديد الأهداف وتوضيح هدف التقييم وجمهوره ومحور تركيزه، بالإضافة إلى الأسئلة والمعايير المحددة التي ستوجه لقياس أثر الأنشطة الثقافية في كافة المواقع.


ليأتي بعد ذلك اختيار المؤشرات ومصادر البيانات المناسبة شاملاً في طياته اختيار المقاييس الكمية والنوعية التي ستلتقط مدخلات ومخرجات ونتائج وتأثيرات النشاط المقدم بالإضافة إلى أساليب وأدوات جمع البيانات التي ستوفر معلومات موثوقة وصحيحة.
تليه تحليل وتفسير البيانات ليتضمن معالجة البيانات وتنظيمها، وتطبيق التقنيات الإحصائية أو النوعية، واستخلاص الاستنتاجات والتوصيات بناءً على الأدلة ومعايير التقييم.
ثم تأتي في النهاية نشر النتائج وعرضها في صورة توصيات باستخدام أشكال وقنوات واضحة وجذابة .

مقالات مشابهة

  • مصدر بالأهلي ردا على التفاوض مع مصطفى محمد: نجم كبير ولكن
  • شيخة الجابري تكتب: الزين في العين
  • “علام” تفتتح فعاليات الورشة التدريبية " قياس أثر الأنشطة والخدمات الثقافية " للعاملين بهيئة قصور الثقافة
  • شوقي علام: يجوز زواج المرأة بدون ولي في هذه الحالة
  • ما حكم العمل في مكان يبيع خمور؟.. أمين الفتوى: يجوز ولكن بشرط (فيديو)
  • منتخب الشباب يختتم استعداداته للجزائر وجمال علام يحفز اللاعبين
  • اتحاد الصناعات: تشغيل شركة النصر شهادة ميلاد لتوطين صناعة السيارات
  • هبة أمين تكتب: «وين صرنا؟» فيلم يخطف القلب غابت عنه الرؤية الإخراجية
  • إلهام ابو الفتح تكتب: قانون الايجار القديم هل يجد حلا ؟
  • الضم: إسرائيل تكتب القوانين بنفسها