ترجمة: أحمد شافعي

في الثامن عشر من أكتوبر استقلت من الخارجية الأمريكية لأنني لم أستطع دعم إمداد أمريكا بالسلاح في صراع غزة، وأنا على علم بأن هذا السلاح سوف يستعمل في قتل آلاف المدنيين. ولم أر أي نية لإعادة تقييم السياسة بعيدة المدى التي لا تفضي إلى سلام بل إنها قوَّضت كلا من استقرار المنطقة والأمن الإسرائيلي.

كيف للمساعدة العسكرية لإسرائيل أن تقوض الأمن الإسرائيلي؟ ذلك سؤال صارعته على مدى سنين كثيرة في مكتب الشئون السياسية العسكرية بالخارجية الأمريكية وفي عملي الأسبق مستشارا لمنسق الأمن الأمريكي حيث عملت في أرجاء الضفة الغربية. وفي سياق عملي ذلك ترددت كثيرا بين رام الله والقدس لترويج خطة طريق السلام التي اعتقدت إدارة جورج دبليو بوش بحق أنها سوف تفضي أخيرا إلى حل الدولتين.

تمدّ الولايات المتحدة حاليا إسرائيل بما لا يقل عن 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية، وهي المساعدة الأضخم لأي بلد سنويا، باستثناء أوكرانيا حديثا. ترجع مستويات المساعدة العليا هذه إلى قرابة سبعينيات القرن الماضي وتعكس اتفاقا أمريكيا قديما مع إسرائيل يتعلق بالأمن من أجل السلام، وهي فكرة مفادها أن ازدياد إحساس إسرائيل بالأمن، يجعلها أقدر على تقديم المزيد من التنازلات للفلسطينيين. ومنذ أواسط التسعينيات، كانت الولايات المتحدة أيضا راعيا أساسيا لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية القائمة في رام الله، فتوفر لها التدريب والمعدات بناء على رأي يرى أنه فيما ينهض الفلسطينيون، يمكن أن يتنحى الإسرائيليون.

وفي كلتا الحالتين كان منطق المساعدات الأمنية الأمريكية منطقا معيبا على نحو قاتل.

فعلى الجانب الإسرائيلي، لم توفر الضمانات الأمنية الأمريكية العمياء سبيلا للسلام. بل وفرت لإسرائيل طمأنينة إلى أن بوسعها أن تمعن في جهود تدميرية من قبيل توسيع المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية دونما عواقب مهما تكن. وفي الوقت نفسه، أصبحت إسرائيل رائدة عالمية في صادرات الأسلحة تباهي بأحد أكثر جيوش العالم تطورا تكنولوجيا. فأنشأت جميع هذه العوامل إحساسا لدى صناع السياسية الإسرائيليين بأن بوسعهم إلى الأبد احتواء القضية الفلسطينية ـ ماديا وسياسيا.

ولا يظهر هذا أوضح مما ظهر في الجهود الأخيرة، التي بذلت بدفع من الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس ترامب أولا ثم في ظل إدارة الرئيس بايدن، من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. ففي حين أن هذا التطبيع كان واجبا ـ من أوجه كثيرة ـ منذ أمد بعيد، فقد قام على افتراض أن الحوافز الاقتصادية ـ والمصلحة الأمنية الإقليمية المشتركة الممثلة في ردع النفوذ الإيراني الخبيث ـ يمكن أن أن تدمج إسرائيل، برغم الاحتلال غير المحدود وما عداه، في العالم العربي.

وقد تحطم هذا الافتراض ـ بصورة مقصودة من جانب حماس على الأرجح ـ بصراع غزة الذي سرعان ما أعاد القضية الفلسطينية إلى المسرح العالمي. وبقدر ما ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل والقادة العرب في تأطير الأمن تأطيرا نفعيا، أي في علاقة بين دولة ودولة، فإن الشعوب العربية لم تزل عميقة الاهتمام بمصير الفلسطينيين. وفي حين يستمر تصاعد وفيات المدنيين في غزة والضفة الغربية، يتضح أن أي شكل من أشكال التطبيع بين السعودية وإسرائيل لا يتضمن تقدما جوهريا على مسار الحل السياسي للقضية الفلسطينية سيكون صعب التحقيق.

لم تتجاهل المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل في السنوات الأخيرة السياق السياسي الإقليمي وحسب، ولكنها تجاهلت أيضا إطار العمل الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة في مراعاة اعتبارات حقوق الإنسان في كل مكان آخر تقدم له مثل هذه المساعدات. إذ انه محظور على الولايات المتحدة ـ بموجب قانون ليهي Leahy ـ أن تقدم مساعدة أمنية لأي كيان متهم اتهامات جادة بارتكاب أي انتهاكات ضخمة لحقوق الإنسان. وخلافا لبلاد أخرى تتلقى المساعدات، ويجري التحقق من سلامة سجلها في هذا الصدد قبل تلقي المساعدات، فإن الأمر في حالة إسرائيل يجري معكوسا: إذ تقدَّم المساعدة، ثم تنتظر الولايات المتحدة ورود تقارير الانتهاكات، وتقيم جديتها من خلال عملية معروفة بالمنتدي الإسرائيلي لفحص ليهي وتتضمن استشارة من حكومة إسرائيل.

ولم يتوصل المنتدى ـ حتى تاريخه ـ إلى إجماع على أن أي قوة أو وحدة أمنية إسرائيلية قد ارتكبت انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، برغم النتائج التي تتوصل إليها منظمات حقوق إنسان دولية وتشير إلى عكس ذلك. وهذا يعارض قيم الولايات المتحدة (وقوانينها في ما يرى البعض)، فضلا عن أن عجز الولايات المتحدة عن محاسبة إسرائيل على هذه الانتهاكات قد يوفر لإسرائيل إحساسا بالحصانة، ويزيد من احتمالية الانتهاكات الضخمة لحقوق الإنسان (بما في ذلك ما يرتكبه المستوطنون ضد مدنيين فلسطينيين) ويزيد من تبديد الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين على أهميتها لتحقيق أي شكل من أشكال السلام الدائم.

في الوقت نفسه، نرى أن الجهود التي تبذل بقيادة أمريكية لتعزيز السلطة الفلسطينية من خلال قواتها الأمنية لم تفض هي الأخرى إلى شيء، برغم حسن النوايا. فقد كان الغرض من هذا المشروع ـ الناجم مباشرة عن مذكرة واي ريفر سنة 1998 وخريطة طريق السلام لعام 2003 ـ أن يتيح لإسرائيل شريكا أمنيا يمكنها أن تثق فيه. وفي السنوات الأخيرة تركزت الجهود حصريا على السلطة الفلسطينية.

من خلال عملي مع السلطة على الأرض، رأيت كيف أن التركيز الأساسي لجهود الولايات المتحدة انصب على أن تثبت للجيش الإسرائيلي إمكانية الثقة في نظرائه الفلسطينيين وقدرتهم على تولي مهمة تأمين إسرائيل. فكان يجري إمداد مسؤولي مخابرات فلسطينيين بمعلومات إسرائيلية عن أهداف، وينتظر من قوات فلسطينية أن تتولى مهام كان يقوم بها الجيش الإسرائيلي من قبل وهي مهام اعتقال هذه الأهداف. ولم يقوض هذا من دعم الفلسطينيين للسلطة وحسب، لكنه فشل في إقناع الإسرائيليين إذ رأوا في رفض المحاكم الفلسطينية (الصحيح) لاعتقال فلسطينيين دونما اتباع للإجراءات السليمة دليلا على خلل النظام.

وأسوأ من ذلك، في عامي 2008 و2009، عندما أثارت عملية (الرصاص المصبوب) التي شنتها إسرائيل، فأسفرت عن مقتل أكثر من 1300 فلسطيني في غزة، احتجاجات في الضفة الغربية، كانت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية هي التي وقفت جسديا بين المتظاهرين وقوات الجيش الإسرائيلي. ومن شرفتي في رام الله، رأيت ذلك دليلا على النجاح وأبلغت واشنطن به في حينه. ولكنني أرى بأثر رجعي أن ذلك ربما كان بمثابة ناقوس خطر. وبغض النظر عن ذلك، لا يبدو حتى الآن أن السلطة حازت على ثقة إسرائيل، ففي الأسبوع الماضي، استبعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل لا لبس فيه فكرة السماح للسلطة بالسيطرة على غزة بعد الحرب.

لو أن الولايات المتحدة عازمة على الاستمرار في استخدام المساعدات العسكرية والأمنية أداةً لمشاركتها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني (وهناك حجج قوية تعارض ذلك)، فعليها أن تدخل تغييرا كبيرا على نهجها. ومن طرق ذلك ببساطة أن تطبق القوانين والسياسات التي تطبقها على كل دولة أخرى في العالم: فلا جدوى لامتلاك نفوذ يمكن أن يضغط على إسرائيل لوقف الإجراءات التي تقوض السلام إذا رفضنا حتى التفكير في استخدام هذا النفوذ. بوسع الولايات المتحدة أيضا أن تبدأ ربط مساعداتها العسكرية لإسرائيل (كما تفعل مع العديد من الدول الأخرى) بشروط سياسية معينة يمكن التحقق منها. وفي حالة إسرائيل، قد تشمل هذه الإجراءات وقف أو تفكيك البنية الأساسية لمستوطنات الضفة الغربية.

والشيء الآخر الذي قد تفعله الولايات المتحدة هو النظر في إعادة تأطير مساعدتها الأمنية للجانب الفلسطيني تعزيزا لشرعية السلطة الفلسطينية، بدلا من تقويضها ـ وهي مهمة أكثر حيوية وأكثر صعوبة في السياق الحالي. والقيام بذلك يتطلب هيكلة المساعدة بطريقة تمكِّن المجتمع الفلسطيني من السيطرة على قواته الأمنية. كما يقتضي أيضا الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لكن هذا كله لا يمكن تحقيقه كاملا إلا بموافقة الإسرائيليين أو استعدادهم على الأقل لتنحية مطالبهم الأمنية، وهو أمر مستبعد ما بقيت الولايات المتحدة لا تستفيد من ورقة مساعدتها العسكرية لإسرائيل.

لقد استقلت من وظيفتي لأنني لا أعتقد أنه ينبغي تقديم الأسلحة الأمريكية ونحن نعلم أنها على الأرجح ستؤدي - بتعبير السياسة التوجيهية لإدارة بايدن نفسه - أو تفاقِم من خطر انتهاك حقوق الإنسان، وإلحاق أضرار واسعة النطاق بالمدنيين، فضلا عن خطر الموت.

وهذا هو الحال بشكل كبير في ما يتعلق بالذخائر التي تنهمر حاليا على قطاع غزة ـ وكثير منها أمريكي.

ولكن هذا أيضا هو الحال على نطاق أوسع وسيظل كذلك ما دامت الولايات المتحدة تتبع نهجا تجاه إسرائيل يتعامى عن عواقب تلك المساعدة، التي تتيح استمرار انتهاكات حقوق الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة والضفة الغربية ولا تثمر ـ على المدى الطويل ـ أي شيء لإمداد إسرائيل بأمن وسلام دائمين يستحقهما جميع المدنيين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العسکریة لإسرائیل الولایات المتحدة الضفة الغربیة حقوق الإنسان

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية الأمريكي: نحن نتحمل مسؤولية وقف المعاناة وإنهاء هذه الحرب ودعم الشعب السوداني

الوزير بلينكن: أود أن أشكر السيد بحر الدين على الإيجاز. سألقي الآن تصريحات بصفتي وزيرا لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية، واسمحوا لي أن أكرر شكري لمقدمي الإيجازات على شهاداتهم القوية، لقد كان من المهم جدا أن يستمع هذا المجلس إليها.

تصريحات لوزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن في خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن السودان

19 كانون الأول/ديسمبر 2024

وزارة الخارجية الأمريكية
مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية
تصريحات
19 كانون الأول/ديسمبر 2024
مقر الأمم المتحدة
مدينة نيويورك، نيويورك

الوزير بلينكن: أود أن أشكر السيد بحر الدين على الإيجاز. سألقي الآن تصريحات بصفتي وزيرا لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية، واسمحوا لي أن أكرر شكري لمقدمي الإيجازات على شهاداتهم القوية. لقد كان من المهم جدا أن يستمع هذا المجلس إليها.

حضرات الزملاء الأعضاء في هذا المجلس، لقد انتفض الشعب السوداني منذ ست سنوات، وبالتحديد يوم 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، للإسقاط دكتاتور واستعادة مستقبله.

من يستطيع أن ينسى الصورة الأيقونية لكنداكة الثورة السودانية آلاء صلاح أثناء وقوفها على سطح سيارة وتقود أمتها نحو سبيل جديد؟

لقد وصف طالب متظاهر تلك الفترة بالقول: “كنا نبتسم وملامح الحرية تبدو على وجوهنا”.

ولكن بعد ست سنوات، ها نحن نرى عددا كبيرا من السودانيين يواجهون الجوع واليأس.

لقد خرجت العملية الانتقالية السودانية نحو الديمقراطية عن سكتها بفعل الاستيلاء العسكري في العام 2021 والقتال الوحشي الذي نشب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في العام 2023، وانبثقت عن ذلك أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

تتكشف فصول أهوال جديدة مع كل يوم كما سمعتم من مقدمي الإيجازات، وتتعرض المستشفيات والأسواق ومخيمات النازحين للهجمات. تحصل عمليات إعدام سريعة، وتتعرض النساء والفتيات لأعمال عنف جنسي مروعة. وما زلنا نرى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكب في مناطق واسعة من السودان.

لجأ الناس إلى أكل العشب وقشر الفستق في مخيم زمزم، وتشير بعض التقديرات إلى وفاة طفل كل ساعتين هناك بسبب نقص الغذاء.

وتمتد آثار هذه المأساة إلى ما هو أبعد من الحدود السودانية بكثير.

لقد فر أكثر من ثلاثة ملايين سوداني إلى الدول المجاورة.

وتقوم جهات فاعلة خارجية بتسليح الطرفين ودعمهما، فتحول بذلك صراعا داخليا على السلطة إلى نزاع ذي أبعاد دولية.

وباختصار، يهدد عدم التحرك في السودان السلام والأمن اللذين فوض هذا المجلس بالحفاظ عليهما.

لا يستطيع العالم أن يشيح بوجهه عن الكارثة الإنسانية المتكشفة في السودان أمام أعيننا، وحري به ألا يفعل.

لقد عملت الولايات المتحدة بشكل مكثف مع الشركاء لتوفير الإغاثة للشعب السوداني وإنهاء الأعمال العدائية وإعادة السودان إلى مسار الديمقراطية.

لقد كنا أكبر جهة مانحة للمساعدات الإنسانية للشعب السوداني.

ونعلن اليوم عن تقديم حوالي 200 مليون دولار من المساعدات الإضافية للغذاء والمأوى والرعاية الصحية، ليصل بذلك إجمالي المساعدات الإنسانية الأمريكية إلى 2,3 مليار دولار منذ نشوب القتال العام الماضي.

وقد أطلقت الولايات المتحدة في شهر آب/أغسطس مبادرة جديدة بعنوان “مجموعة التحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان”، وشارك في استضافتها كل من سويسرا والمملكة العربية السعودية بالشراكة مع مصر والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.

وبنت المبادرة على العمل الذي تحقق في كل من جدة وباريس، وضمت المجتمع المدني السوداني، بما في ذلك النساء السودانيات اللواتي تأثرن بالصراع بشكل غير متناسب ويلعبن دورا حيويا في إنهائه.

وتمكنت الولايات المتحدة مع شركائنا من الضغط على السلطات السودانية حتى تعيد فتح مسارات نقل رئيسية عبر السودان، بما في ذلك معبر أدري الحدودي إلى دارفور. وأتاحت هذه الجهود وصول المساعدات إلى أكثر من 3,5 ملايين شخص عبر مختلف أنحاء البلاد.

لقد أتحنا استئناف العمليات الإنسانية الجوية للمرة الأولى منذ بدء الصراع، مما يعني أن العملية التي كانت تستغرق يومين على طرقات مغمورة بالمياه ومدمرة بفعل الغارات باتت تستغرق ساعة واحدة.

وقامت الأمم المتحدة ووزارة الصحة السودانية بفضل القيادة الأمريكية بتطعيم 1,4 مليون شخص ضد الكوليرا، وحققت تغطية بنسبة 98 بالمئة في المناطق التي ضربها الوباء بشكل شديد.

هذا تقدم مهم وينقذ الأرواح، ولكنه لا يكفي على الإطلاق.

واسمحوا لي بأن أقترح اليوم أربعة سبل نستطيع من خلالها تكثيف جهودنا.

علينا أن نبدأ بإيصال المزيد من المساعدات والإغاثة إلى أكثر المناطق التي تحتاج إليها، وذلك بشكل آمن وسريع وبدون عوائق.

لقد قامت مجموعات المساعدات بتوزيع 19 ألف طن متري من المساعدات في السودان في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، أي بزيادى أربعة أضعاف عن شهر آب/أغسطس. ولكن علينا مضاعفة هذه الكمية لتصل إلى 40 ألف طن متري في الشهر لنقترب من تلبية الطلب الهائل.

ويعني ذلك أنه على المجتمع الدولي تقديم المزيد من الدعم للمتواجدين في السودان وللاجئين في دول مثل مصر وتشاد اللتين تستضيفانهم بسخاء. وعلينا وضع اللمسات الأخيرة على الممرات الإنسانية التي تتيح وصول المساعدات إلى المناطق المتنازع عليها والحفاظ على هذه الممرات.

تتوجه 31 شاحنة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي الآن نحو جزء من الخرطوم انقطع عنه الدعم الإنساني منذ نيسان/أبريل 2023.

وحري بنا أن نبني على هذا الزخم ونقوم بتنظيم هذا الممر والممرات التي توصل إلى الفاشر والجزيرة والأبيض.

ولا ينبغي السماح باجتياز الحدود إلى السودان فحسب، بل أيضا باجتياز المناطق الواقعة تحت سيطرة طرف من الطرفين. لقد أنشأ الطرفان عراقيل، سواء من خلال القنابل أو الرصاص أو البيروقراطية، ولكن تعتمد حياة الناس على مرور المساعدات بحرية عبر خطوط السيطرة.

علينا أن نضمن توزيع المساعدات بطريقة أكثر فعالية. لقد سمحت السلطات السودانية للأمم المتحدة بفتح ثلاث محطات إنسانية جديدة وبتنقل العاملين الإنسانيين الدوليين بحرية في مختلف أنحاء البلاد.

ومن الحيوي بمكان أن تتم إقامة محطة رابعة في زالنجي في وسط دارفور، وحان الوقت لتقوم الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني بتشغيل هذه المرافق وتعزيز عملية تسليم المساعدات في أقرب وقت ممكن.

ثانيا، ينبغي أن يضغط هذا المجلس على الطرفين المتحاربين من أجل حماية المدنيين ووقف الفظائع ووضع حد للقتال الدائر.

لقد اقترحت “مجموعة التحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان” آلية امتثال، والتي هي عبارة عن هيئة تضم ممثلين عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والمجتمع الدولي، وذلك لضمان احترام كل طرف للقانون الدولي والتزاماته بموجب إعلان جدة.

وأكرر ما قلته منذ عام عندما حددنا قيام كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، وكذلك ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي، وقيامنا بتحديد الفظائع التي استهدفت المساليت ووصفها السلطان كتطهير عرقي، ستستخدم الولايات المتحدة كافة الوسائل المتاحة، وبما في ذلك عمليات تحديد وعقوبات جديدة، لمنع الانتهاكات ومحاسبة الجناة.

نحن نشجع الشركاء الآخرين على تنفيذ عقوبات مماثلة على الأفراد والمنظمات التي تفاقم إجراءاتها الصراع، وذلك على أساس ثنائي أو متعدد الأطراف.

ثالثا، يتعين على هذا المجلس أن ينبه الجهات الفاعلة الخارجية التي تغذي الصراع في السودان ويبلغها باستحالة مواصلة هذا السلوك.

لقد تقدمت المملكة المتحدة وسيراليون بقرار الشهر الماضي دعا إلى وقف إطلاق نار على مستوى البلاد وزيادة حماية المدنيين وتدفق المساعدات بدون عوائق.

وقد صوتت 14 دولة عضو – بما فيها الولايات المتحدة – لصالح هذا القرار.

وقد استخدمت دولة واحدة حق النقض، ألا وهي روسيا التي وصفت القرار “بالسخيف وغير المقبول”.

ولكن إليكم ما هو “سخيف وغير مقبول”: أي بلد يدعي أنه يهتم لأمر الدول الأفريقية ويواصل صب الزيت على نار أكبر حرب أفريقية.

إذا أتوجه إلى الجهات الراعية الأجنبية التي ترسل طائرات مسيرة وصواريخ ومرتزقة، وأقول لهم كفى!

وأتوجه إلى من يستفيدون من تجارة النفط والذهب بشكل غير مشروع لتمويل هذا النزاع، وأقول لهم كفى!

استخدموا مواردكم للتخفيف من معاناة الشعب السوداني، وليس لزيادتها.

استخدموا تأثيركم لإنهاء الحرب بدل إطالتها.

لا تكتفوا بالادعاء أنكم مهتمون بمستقبل السودان، بل برهنوا عن ذلك.

وأود أن أقول في النهاية إنه علينا مواصلة دعم الشعب السوداني فيما يحاول إعادة إحياء العملية الانتقالية نحو حكم دمقراطي شامل بقيادة مدنية.

لقد جدد الاتحاد الإفريقي في شهر أيلول/سبتمبر دعوته ليعود السودان إلى النظام الدستوري بقيادة مدنية، وتدعم الولايات المتحدة هذه الدعوة، وحري بسائر أعضاء المجلس دعمها.

وأنا أعلن اليوم عن أن وزارة الخارجية ستعمل مع الكونغرس من أجل تقديم 30 مليون دولار لتمكين المجتمع المدني وتسليط الضوء على الأصوات المدنية في الحوار بشأن مستقبل السودان، ونحن نهدف من خلال ذلك إلى تعزيز استعادة الحكم المدني وتحقيق تطلعات الشعب السوداني.

لن ينتظر الشعب السوداني أي شيء ليبيّن روحه القيادية، حتى مع استمرار سقوط القنابل. ويجتمع السودانيون معا في مختلف أنحاء البلاد لدعم بعضهم البعض الآخر وإعادة بناء دولتهم. ويقوم المتطوعون – وكثيرون منهم من الشباب – بإعداد الطعام في مطابخ مجتمعية محلية في دارفور، ويوزعون دفاتر التلوين على الأطفال المصابين بالصدمة، ويشغلون عيادات صحية، ويصلحون الخطوط الكهربائية المتضررة.

ثمة كلمة تستخدم لانعدام الأنانية الذي يبينه هؤلاء المواطنون كل يوم، وهي كلمة نفير المتجذرة في التقاليد السودانية.

تشير كلمة نفير إلى حس من التضامن والالتزام بمساعدة الآخر وتضافر جهود المجتمع متى دعت الحاجة. وتتم ترجمة كلمة نفير إلى ما معناه “دعوة حشد”.

إذا علينا أيضا أن نلبي هذه الدعوة كمجلس وعلينا بالحشد.

نحن نتحمل مسؤولية وقف المعاناة وإنهاء هذه الحرب ودعم الشعب السوداني لتظهر ملامح الحرية على وجوههم مرة أخرى على حد تعبير ذلك المتظاهر. وأطلب منكم ومنا جميعا الاستفادة من هذه الفرصة السانحة وأشكركم.

أعود إلى مهامي كرئيس للمجلس وأترك الكلام لوزير حكومة الإكوادور السيد خوسيه دي لا غاسكا.  

مقالات مشابهة

  • الصين تعارض بحزم المساعدة العسكرية الأمريكية إلى منطقة تايوان
  • الصين: الاستراتيجية العسكرية الأمريكية أصبحت تصادمية وتمثل تهديدا للأمن العالمي
  • الولايات المتحدة تعقد صفقة مع الشركة المصنعة للطائرة التي رصدت السنوار
  • خبير علاقات دولية: الاحتلال الإسرائيلي يريد تصفية القضية الفلسطينية
  • خبير: الاحتلال الإسرائيلي يريد تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب
  • الولايات المتحدة وبريطانيا تفرضان عقوبات على مسؤولين في جورجيا بسبب قمع الاحتجاجات
  • الولايات المتحدة تقدم حوالي 200 مليون دولار من المساعدات الإنسانية الإضافية للشعب السوداني
  • وزير الخارجية الأمريكي: نحن نتحمل مسؤولية وقف المعاناة وإنهاء هذه الحرب ودعم الشعب السوداني
  • رسالة حادة من واشنطن للدول التي تدعم الأطراف المتحاربة بالسودان عسكريا
  • «الخارجية»: مصر تتحرك في الأمم المتحدة لإلزام إسرائيل بإدخال المساعدات إلى غزة