استقلت من الخارجية الأمريكية بسبب المساعدات العسكرية لإسرائيل
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
في الثامن عشر من أكتوبر استقلت من الخارجية الأمريكية لأنني لم أستطع دعم إمداد أمريكا بالسلاح في صراع غزة، وأنا على علم بأن هذا السلاح سوف يستعمل في قتل آلاف المدنيين. ولم أر أي نية لإعادة تقييم السياسة بعيدة المدى التي لا تفضي إلى سلام بل إنها قوَّضت كلا من استقرار المنطقة والأمن الإسرائيلي.
كيف للمساعدة العسكرية لإسرائيل أن تقوض الأمن الإسرائيلي؟ ذلك سؤال صارعته على مدى سنين كثيرة في مكتب الشئون السياسية العسكرية بالخارجية الأمريكية وفي عملي الأسبق مستشارا لمنسق الأمن الأمريكي حيث عملت في أرجاء الضفة الغربية. وفي سياق عملي ذلك ترددت كثيرا بين رام الله والقدس لترويج خطة طريق السلام التي اعتقدت إدارة جورج دبليو بوش بحق أنها سوف تفضي أخيرا إلى حل الدولتين.
تمدّ الولايات المتحدة حاليا إسرائيل بما لا يقل عن 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية، وهي المساعدة الأضخم لأي بلد سنويا، باستثناء أوكرانيا حديثا. ترجع مستويات المساعدة العليا هذه إلى قرابة سبعينيات القرن الماضي وتعكس اتفاقا أمريكيا قديما مع إسرائيل يتعلق بالأمن من أجل السلام، وهي فكرة مفادها أن ازدياد إحساس إسرائيل بالأمن، يجعلها أقدر على تقديم المزيد من التنازلات للفلسطينيين. ومنذ أواسط التسعينيات، كانت الولايات المتحدة أيضا راعيا أساسيا لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية القائمة في رام الله، فتوفر لها التدريب والمعدات بناء على رأي يرى أنه فيما ينهض الفلسطينيون، يمكن أن يتنحى الإسرائيليون.
وفي كلتا الحالتين كان منطق المساعدات الأمنية الأمريكية منطقا معيبا على نحو قاتل.
فعلى الجانب الإسرائيلي، لم توفر الضمانات الأمنية الأمريكية العمياء سبيلا للسلام. بل وفرت لإسرائيل طمأنينة إلى أن بوسعها أن تمعن في جهود تدميرية من قبيل توسيع المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية دونما عواقب مهما تكن. وفي الوقت نفسه، أصبحت إسرائيل رائدة عالمية في صادرات الأسلحة تباهي بأحد أكثر جيوش العالم تطورا تكنولوجيا. فأنشأت جميع هذه العوامل إحساسا لدى صناع السياسية الإسرائيليين بأن بوسعهم إلى الأبد احتواء القضية الفلسطينية ـ ماديا وسياسيا.
ولا يظهر هذا أوضح مما ظهر في الجهود الأخيرة، التي بذلت بدفع من الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس ترامب أولا ثم في ظل إدارة الرئيس بايدن، من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي. ففي حين أن هذا التطبيع كان واجبا ـ من أوجه كثيرة ـ منذ أمد بعيد، فقد قام على افتراض أن الحوافز الاقتصادية ـ والمصلحة الأمنية الإقليمية المشتركة الممثلة في ردع النفوذ الإيراني الخبيث ـ يمكن أن أن تدمج إسرائيل، برغم الاحتلال غير المحدود وما عداه، في العالم العربي.
وقد تحطم هذا الافتراض ـ بصورة مقصودة من جانب حماس على الأرجح ـ بصراع غزة الذي سرعان ما أعاد القضية الفلسطينية إلى المسرح العالمي. وبقدر ما ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل والقادة العرب في تأطير الأمن تأطيرا نفعيا، أي في علاقة بين دولة ودولة، فإن الشعوب العربية لم تزل عميقة الاهتمام بمصير الفلسطينيين. وفي حين يستمر تصاعد وفيات المدنيين في غزة والضفة الغربية، يتضح أن أي شكل من أشكال التطبيع بين السعودية وإسرائيل لا يتضمن تقدما جوهريا على مسار الحل السياسي للقضية الفلسطينية سيكون صعب التحقيق.
لم تتجاهل المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل في السنوات الأخيرة السياق السياسي الإقليمي وحسب، ولكنها تجاهلت أيضا إطار العمل الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة في مراعاة اعتبارات حقوق الإنسان في كل مكان آخر تقدم له مثل هذه المساعدات. إذ انه محظور على الولايات المتحدة ـ بموجب قانون ليهي Leahy ـ أن تقدم مساعدة أمنية لأي كيان متهم اتهامات جادة بارتكاب أي انتهاكات ضخمة لحقوق الإنسان. وخلافا لبلاد أخرى تتلقى المساعدات، ويجري التحقق من سلامة سجلها في هذا الصدد قبل تلقي المساعدات، فإن الأمر في حالة إسرائيل يجري معكوسا: إذ تقدَّم المساعدة، ثم تنتظر الولايات المتحدة ورود تقارير الانتهاكات، وتقيم جديتها من خلال عملية معروفة بالمنتدي الإسرائيلي لفحص ليهي وتتضمن استشارة من حكومة إسرائيل.
ولم يتوصل المنتدى ـ حتى تاريخه ـ إلى إجماع على أن أي قوة أو وحدة أمنية إسرائيلية قد ارتكبت انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، برغم النتائج التي تتوصل إليها منظمات حقوق إنسان دولية وتشير إلى عكس ذلك. وهذا يعارض قيم الولايات المتحدة (وقوانينها في ما يرى البعض)، فضلا عن أن عجز الولايات المتحدة عن محاسبة إسرائيل على هذه الانتهاكات قد يوفر لإسرائيل إحساسا بالحصانة، ويزيد من احتمالية الانتهاكات الضخمة لحقوق الإنسان (بما في ذلك ما يرتكبه المستوطنون ضد مدنيين فلسطينيين) ويزيد من تبديد الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين على أهميتها لتحقيق أي شكل من أشكال السلام الدائم.
في الوقت نفسه، نرى أن الجهود التي تبذل بقيادة أمريكية لتعزيز السلطة الفلسطينية من خلال قواتها الأمنية لم تفض هي الأخرى إلى شيء، برغم حسن النوايا. فقد كان الغرض من هذا المشروع ـ الناجم مباشرة عن مذكرة واي ريفر سنة 1998 وخريطة طريق السلام لعام 2003 ـ أن يتيح لإسرائيل شريكا أمنيا يمكنها أن تثق فيه. وفي السنوات الأخيرة تركزت الجهود حصريا على السلطة الفلسطينية.
من خلال عملي مع السلطة على الأرض، رأيت كيف أن التركيز الأساسي لجهود الولايات المتحدة انصب على أن تثبت للجيش الإسرائيلي إمكانية الثقة في نظرائه الفلسطينيين وقدرتهم على تولي مهمة تأمين إسرائيل. فكان يجري إمداد مسؤولي مخابرات فلسطينيين بمعلومات إسرائيلية عن أهداف، وينتظر من قوات فلسطينية أن تتولى مهام كان يقوم بها الجيش الإسرائيلي من قبل وهي مهام اعتقال هذه الأهداف. ولم يقوض هذا من دعم الفلسطينيين للسلطة وحسب، لكنه فشل في إقناع الإسرائيليين إذ رأوا في رفض المحاكم الفلسطينية (الصحيح) لاعتقال فلسطينيين دونما اتباع للإجراءات السليمة دليلا على خلل النظام.
وأسوأ من ذلك، في عامي 2008 و2009، عندما أثارت عملية (الرصاص المصبوب) التي شنتها إسرائيل، فأسفرت عن مقتل أكثر من 1300 فلسطيني في غزة، احتجاجات في الضفة الغربية، كانت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية هي التي وقفت جسديا بين المتظاهرين وقوات الجيش الإسرائيلي. ومن شرفتي في رام الله، رأيت ذلك دليلا على النجاح وأبلغت واشنطن به في حينه. ولكنني أرى بأثر رجعي أن ذلك ربما كان بمثابة ناقوس خطر. وبغض النظر عن ذلك، لا يبدو حتى الآن أن السلطة حازت على ثقة إسرائيل، ففي الأسبوع الماضي، استبعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل لا لبس فيه فكرة السماح للسلطة بالسيطرة على غزة بعد الحرب.
لو أن الولايات المتحدة عازمة على الاستمرار في استخدام المساعدات العسكرية والأمنية أداةً لمشاركتها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني (وهناك حجج قوية تعارض ذلك)، فعليها أن تدخل تغييرا كبيرا على نهجها. ومن طرق ذلك ببساطة أن تطبق القوانين والسياسات التي تطبقها على كل دولة أخرى في العالم: فلا جدوى لامتلاك نفوذ يمكن أن يضغط على إسرائيل لوقف الإجراءات التي تقوض السلام إذا رفضنا حتى التفكير في استخدام هذا النفوذ. بوسع الولايات المتحدة أيضا أن تبدأ ربط مساعداتها العسكرية لإسرائيل (كما تفعل مع العديد من الدول الأخرى) بشروط سياسية معينة يمكن التحقق منها. وفي حالة إسرائيل، قد تشمل هذه الإجراءات وقف أو تفكيك البنية الأساسية لمستوطنات الضفة الغربية.
والشيء الآخر الذي قد تفعله الولايات المتحدة هو النظر في إعادة تأطير مساعدتها الأمنية للجانب الفلسطيني تعزيزا لشرعية السلطة الفلسطينية، بدلا من تقويضها ـ وهي مهمة أكثر حيوية وأكثر صعوبة في السياق الحالي. والقيام بذلك يتطلب هيكلة المساعدة بطريقة تمكِّن المجتمع الفلسطيني من السيطرة على قواته الأمنية. كما يقتضي أيضا الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لكن هذا كله لا يمكن تحقيقه كاملا إلا بموافقة الإسرائيليين أو استعدادهم على الأقل لتنحية مطالبهم الأمنية، وهو أمر مستبعد ما بقيت الولايات المتحدة لا تستفيد من ورقة مساعدتها العسكرية لإسرائيل.
لقد استقلت من وظيفتي لأنني لا أعتقد أنه ينبغي تقديم الأسلحة الأمريكية ونحن نعلم أنها على الأرجح ستؤدي - بتعبير السياسة التوجيهية لإدارة بايدن نفسه - أو تفاقِم من خطر انتهاك حقوق الإنسان، وإلحاق أضرار واسعة النطاق بالمدنيين، فضلا عن خطر الموت.
وهذا هو الحال بشكل كبير في ما يتعلق بالذخائر التي تنهمر حاليا على قطاع غزة ـ وكثير منها أمريكي.
ولكن هذا أيضا هو الحال على نطاق أوسع وسيظل كذلك ما دامت الولايات المتحدة تتبع نهجا تجاه إسرائيل يتعامى عن عواقب تلك المساعدة، التي تتيح استمرار انتهاكات حقوق الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة والضفة الغربية ولا تثمر ـ على المدى الطويل ـ أي شيء لإمداد إسرائيل بأمن وسلام دائمين يستحقهما جميع المدنيين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العسکریة لإسرائیل الولایات المتحدة الضفة الغربیة حقوق الإنسان
إقرأ أيضاً:
حرب الرقائق بين الولايات المتحدة والصين تشتعل مجددا بسبب «ديبسيك»
صدمة في أمريكا تسبّب بها التطبيق الصيني الجديد ديبسيك، خاصة أنّ تكلفته أقل بكثير من شات جي بي تي، ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للحديث عن أنّ التطبيق الصيني «جرس إنذار» لسيليكون فالي الأمريكية، بعد أن تسبّب في انخفاض كبير بسوق الأسهم التكنولوجية عالميا.
المهندس باسم بشري، خبير تكنولوجي واستشاري معهد تكنولوجيا المعلومات للاتصالات وإنترنت الأشياء، قال إنّ الذكاء الاصطناعي دائما ما كانت تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة أشهر شركات التكنولوجيا والتطبيقات مثل شركة أوبن إيه آي صاحبة تطبيق «شات جي بي تي» وهي الأشهر وتطبيقها الأكثر استخداما، يليها شركة جوجل الأشهر بتطبيقي «جيميناي» و«إيه آي ستوديو»، وشركة مايكروسوفت صاحبة تطبيق «بارد».
ديبسيك يكسر الاحتكار الأمريكي لسوق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي«بشرى» أضاف لـ«الوطن»، أنّ سوق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ظل لسنوات قاربت على الـ10 حكرا للشركات الأمريكية خاصة خلال آخر 3 سنوات، التي شهدت حرب الرقائق الإلكترونية بين الصين والولايات المتحدة، ورغم أنّ الشركات الأمريكية نالت شهرة خاصة في المجال خلال آخر عامين، لكن هناك دول طورت تطبيقات وإن كانت لا تزال ليست بنفس القوة لمنافستها الأمريكية.
وأشار إلى أنّ هناك قوانين للشركات في الولايات المتحدة تنظم عملها وتضمن عدم نقل التكنولوجيا للخارج إلا بموافقات وشروط صعبة، لتحافظ على وجود فجوة كبيرة بينها وبين أي دولة تكنولوجيا، ما يضمن لها الريادة والتفوق، ورغم كل هذه التحوطات نجحت شركتين صينيتين في البزوغ.
وأوضح: «كل من شركتي ديب سيك وكين الصينيتين قويتان وأعدتا مفاجاة للعالم بتطبيقات نافست التطبيقات الأمريكية للذكاء الاصطناعي، ولأنهما صينيتين فالشركتين تعملان منذ سنوات بالتأكيد في سرية على تطوير تطبيقات ذكاء صناعي تمتلك مميزات عن منافستها الأمريكية، استطاعت من خلالها جذب جزء غير قليل من قاعدة عملاء الشركات الأمريكية سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، بفضل تقنيات متطورة جعلت تكلفة التطوير والتصنيع أقل وبالتالي انخفاض تكلفة الاستخدام والتشغيل والتعلم».
واستطرد: «بطبيعة الحال المستخدم سيتحول أو ينتقل للمنتج الأرخص من ناحية التكاليف والاستخدام والأسهل في التعلم، على الأقل في البداية وهو ما حدث مع التطبيق الصيني، وإن كانت لا تزال واجهة التطبيق الصيني بحاجة إلى التطوير وأصعب في الاستخدام مقارنة بشات جي بي تي، ولكن التحول للتطبيق الصيني أحدث بالفعل ارتباكا للشركات الأمريكية وتأثر سعر أسهمها في البورصات العالمية لأن سعر السهم يتحدد وفقا للعوائد الاستثمارية للشركة صاحبة الأسهم إضافة إلى التوقعات بشأن أرباحها المستقبلية».
عيوب ومميزات التطبيق تظهر مع الوقتوتوقع أنّه بعد قليل من الوقت الأمور ستتوازن لأن لكل تطبيق عيوب ومميزات وستحدث مقارنة تفصيلية وتفضيلية بين التطبيقين، لكن لابد من صدمة قوية بدايةً، ما انعكس على سوق الأسهم التكنولوجية، والصين اليوم متقدمة في الذكاء الاصطناعي وتصنيع أقمار صناعية متقدمة للغاية بل وتمتلك أسهم بالمحطة الفضائية الدولية وتعد الولايات المتحدة مساهم رئيسي فيها، ولكن من بين المساهمين الصين.
وأضاف أنّ الصين تخطط لبناء وإنشاء محطة فضائية خاصة بها يكون لها اليد العليا فيها وتساهم بكامل التمويل والإدارة، وهي الدولة التي تم فرض حظر على استخدامها الرقائق الإلكترونية الخاصة بالذكاء الاصطناعي منذ نحو 3 إلى 4 سنوات ولكنها نجحت في تطوير رقائق خاصة بها بالتأكيد أو على أقل تقدير اكتشاف طريقة لاستخدام الرقائق التقليدية بعيدا عن التكنولوجيا الأمريكية ولكن لا يعلم أحد يقينا ما فعلت إلى أن حدثت المفاجأة المدوية بالإعلان عن التطبيق المنافس لشات جي بي تي.
ويرى أنّ الحرب قديما كانت على الموارد المادية من البترول والذهب، وتحولت لحروب على الموارد الطبيعية وأهمها الماء، وحاليا هي حرب معلوماتية وتكنولوجية، ولا نغفل التحذير من حروب الجيل الخامس التي تتضمن استخدام التقنيات الحديثة في تزييف المحتوى وبثه على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر معلومات كاذبة يراد بها إحداث بلبلة بين الجماهير، وهو ما حذرت منه القيادة السياسية فى العديد من المناسبات وبالتالى صار تعلم التكنولوجيا وتطويرها وتطويعها حاجه أمنية أساسية للدول.