لجريدة عمان:
2024-12-23@23:50:51 GMT

من يتحكم في الآخر؟

تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT

من يتحكم في الآخر؟

إلى ما قبل أحداث السابع من أكتوبر الماضي كان الكثيرون في العالم العربي، على أقل تقدير، يعتقدون أن إسرائيل هي التي تتحكم في العالم الغربي وأن الوجه القبيح والشرير للغرب إنما هو وجه إسرائيل بطريقة أو بأخرى، لكن الحرب الدموية الشرسة التي تقودها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة كشفت جليا أن الغرب «المسيحي» هو من يتحكم في إسرائيل «اليهودية» بعد أن صدروها إلى الشرق في مطلع القرن الماضي كآخر الحلول لما كان يعرف «بالمسألة اليهودية».

. وتحولت إسرائيل إلى دولة «وظيفية» بيد الغرب حقق من خلالها أكثر من هدف بدءًا من تصدير اليهود إلى الشرق الأوسط وليس انتهاء بزرع هذه الدولة الوظيفية في خاصرة العالم العربي. ولا ينسى الغرب في هذا السياق أن المسلمين عبر الدولة العثمانية قد وصلوا إلى فيينا. لذلك رأى الغرب قبل إسرائيل نفسها أن انتصار حركة حماس في الهجوم الذي شنته على إسرائيل يمكن أن يكون بداية سقوط إسرائيل «ووظيفتها» في الشرق وإعادة تصدير اليهود الصهاينة مرة أخرى إلى الغرب: أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية وأمريكا وهؤلاء لا يستطيعون الإندماج في المجتمعات الغربية الرأسمالية بالطريقة التي يريدها الغرب دون أن يثيروا المشاكل الكبرى المعروفة عنهم عبر التاريخ. ويمكن بذلك فهم الاندفاع الغربي بدعم إسرائيل بالأسلحة الضخمة والمليارات من أجل تمويل الحرب والإصرار على عدم وقف إطلاق النار رغم عشرات آلاف القتلى وعشرات آلاف المفقودين تحت الركام ومئات الآلاف من الجرحى.. ورغم الأصوات الشعبية التي تطالب بوقف إطلاق النار للدواعي الإنسانية.. حتى القضاء على حركة المقاومة حماس، وتأجيل فكرة سقوط إسرائيل إلى سنوات طويلة قادمة.

لذلك، فإن الغرب غير جاد أبدًا في حديثه عن السلام عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، ولا تعنيه أبدا -دع عنك إسرائيل نفسها- حقوق الإنسان العربية، وما الحديث عنها في كل مناسبة إلا من أجل التوظيف السياسي، والضغط على الدول العربية التي اتضح الآن -أكثر من أي وقت آخر- أن الكثير منها تراعي حقوق الإنسان بشكل شامل أكثر من الدول الغربية التي بدا واضحا أن تطبيقها لحقوق الإنسان انتقائي، ويقتصر على المواطنين الغربيين فقط.. كما اتضح الآن للكثير من الجماهير العربية التي كانت عبر عقود طويلة ساخطة من فكرة محدودية حرية التعبير في البلاد العربية أن الكثير من الدول العربية لديها حرية تعبير أكبر بكثير من الدول الغربية التي كشرت عن أنيابها في اللحظة التي وضعت فيها على المحك ومنعت وقمعت كل من تعاطف مع أطفال غزة، حتى أن دولا أوروبية منعت مجرد حمل الكوفية الفلسطينية؛ لأن فيها إشارة رمزية للتعاطف مع أطفال غزة الذين يقتلون بالجملة.

المرحلة القادمة تحتاج من العرب أن يعيدوا ترتيب علاقاتهم مع الدول الغربية نفسها إن أرادوا الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط.. فمشكلة العرب الأساسية، مع الأسف الشديد، مع الغرب وليس مع إسرائيل التي يوظفها الغرب لتحقيق مصالحه العليا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مخططات تقسيم الشرق الأوسط: الخلافات «وقود خبيث».. وإسرائيل الرابح

تشهد المنطقة العربية والشرق الأوسط تحولات جيوسياسية كبرى فى العقود الأخيرة، كشفت العديد من المخططات التى تهدف إلى تقسيم الدول العربية وإعادة رسم خريطة المنطقة، إذ لا تقتصر مخططات التقسيم على التحولات الداخلية التى تحدث فى بعض الدول، بل تشمل التدخلات الخارجية التى تهدف إلى إضعاف وحدة الشعوب، عبر تحفيز الصراعات الطائفية، ودعم الانفصال والتجزئة، وإضعاف الشأن العربى وتفتيت كياناته السياسية.

وتعود بداية مخططات التقسيم إلى سنوات طوال؛ ففى عام 1957، أعلن الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور ما عُرف بـ«مبدأ أيزنهاور»، الذى كان يقضى بأحقية الولايات المتحدة فى التدخل لصالح أى دولة فى الشرق الأوسط.

وفى العصر الحديث، هناك مخطط برنارد لويس، الذى يهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات وأقاليم على خلفيات دينية وعرقية، وفى عام 2004، ظهر مشروع «الشرق الأوسط الكبير» من قبَل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، الذى استهدف تقسيم بعض الدول العربية إلى كيانات أصغر على أسس طائفية أو عرقية.

وتبعه مشروع «الفوضى الخلاقة» فى العام نفسه، إذ استُخدم هذا المصطلح فى 2005 من قبَل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، التي دعمت استراتيجيات تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط عبر تفكيك العديد من الدول العربية وإطلاق شرارة الحروب الأهلية، لتعم الفوضى العديد من الدول.

لم تكن المخططات تستهدف إعادة تقسيم المنطقة فحسب، بل تفتيت الدول العربية نفسها، وهو ما برز فى مشروع تقسيم العراق عام 2006، خصوصاً بعد الغزو الأمريكى، إذ روج بعض المسئولين والمفكرين الأمريكيين لفكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة «دولة شيعية فى الجنوب، دولة كردية فى الشمال، ودولة سنية فى الوسط»، وعلى الرغم من أن المشروع لم يتم تنفيذه رسمياً، فإن العراق شهد تفككاً داخلياً بسبب الانقسامات الطائفية، ما ساعد على نمو الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش الإرهابى.

وفى عام 2011، برز مخطط تقسيم ليبيا، بعد تدخل حلف الناتو على خط الأزمة، حيث بدأت بعض الأطراف الدولية فى الحديث عن تقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق مستقلة أو فيدرالية؛ المنطقة الغربية التى تسيطر عليها طرابلس، والشرقية وعاصمتها بنغازى، والجنوبية التى تسيطر عليها الجماعات المسلحة، وعلى الرغم من عدم تنفيذ المخطط رسمياً، لكن ليبيا شهدت تفككاً سياسياً وصراعات مستمرة بين مختلف الفصائل المسلحة.

وفى 2012، برز مخطط تقسيم سوريا، وبدأت الفكرة تنتشر بشكل أكبر بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية، وكانت هناك دعوات من بعض الأطراف الدولية لتقسيم سوريا إلى مناطق ذات أغلبية عرقية أو طائفية، مثل دولة كردية فى الشمال، وعلوية فى الساحل، وكيانات سنية فى بقية المناطق، وهو ما لاقى معارضة من الحكومة السورية وحلفائها، لكنه أصبح محل نقاش خلال الحرب الأهلية التى أدت إلى تدخلات متعددة من القوى الأجنبية.

«إسماعيل»: الغرب سعى لتحويل الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقية

وقال الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربى للدراسات السياسية، إن مخططات تقسيم الشرق الأوسط بدأها بعض المفكرين الأمريكيين مثل صامويل هنتنجتون، وميشيل فوكوياما، وتوماس فريدمان، وتحدث هؤلاء المفكرون عن تقسيم الدول العربية إلى كيانات أصغر، تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد» وإعادة هيكلة المنطقة، ومن ضمن تلك التحركات ما يسمى بـ«الربيع العربى».

وأشار «إسماعيل»، لـ«الوطن»، إلى أن المخططات كانت تشمل تقسيم دول مثل السودان واليمن وسوريا وليبيا على أسس طائفية أو عرقية، مؤكداً أن المخططات كانت تتضمن تقسيم مصر، لكن القيادة السياسية المصرية حافظت على استقرارها بفضل تماسك شعبها ووجود مؤسساتها القوية كالقوات المسلحة.

«مهران»: مطلوب تعزيز دور الجامعة العربية

وأكد محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى، عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولى، أن مخططات تقسيم المنطقة العربية وتفتيت دولها تتعارض مع مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى وجود مخططات ممنهجة لتفتيت الدول العربية وإعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالح قوى إقليمية ودولية.

وتابع «مهران»: «المنطقة العربية تواجه تحديات غير مسبوقة فى ظل تصاعد الصراعات الإقليمية وتزايد التدخلات الخارجية، ما يتطلب يقظة عربية مستمرة لحماية وحدة وسيادة الدول العربية».

وحذر «مهران» من نجاح مخططات التقسيم؛ لأنها تفتح الباب أمام سلسلة من التداعيات الخطيرة على المنطقة بأكملها، مشيراً إلى أن تفتيت الدول العربية سيؤدى إلى إضعاف قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، منوهاً بأن المخططات الحالية تستند إلى استراتيجيات قديمة لتفتيت المنطقة، مثل اتفاقية سايكس بيكو وما تلاها من محاولات لتقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية.

وشدد أستاذ القانون الدولى على ضرورة تعزيز دور جامعة الدول العربية وتفعيل آليات العمل العربى المشترك، إضافة إلى تقوية المؤسسات الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعى فى الدول العربية، لافتاً إلى أهمية الوعى الشعبى بخطورة مخططات التقسيم، وأن تماسك المجتمعات العربية وتعزيز الهوية الوطنية يمثلان خط الدفاع الأول ضد محاولات التفتيت.

«العنانى»: التدخلات الخارجية مدفوعة بمصالح شخصية والمشكلات الداخلية تسهل المخططات الاستعمارية

وقال أحمد العنانى، خبير العلاقات الدولية، إن الاضطرابات تعد فرصة لبعض الدول لتغذية الصراعات الداخلية، ما يسهل عليها تحقيق أهدافها، موضحاً أن التدخلات الخارجية، سواء من دول كبرى أو إقليمية، تكون مدفوعة بالمصالح الشخصية، فالمشكلات الداخلية والانقسامات بين الأطراف المختلفة تسهل المخططات الاستعمارية، حتى تصبح الدول أهدافاً سهلة للأطراف الخارجية التى تبحث عن موطئ قدم لها.

واستشهد «العنانى» بوجود القوات الروسية والتركية والإيرانية فى سوريا، التى تتفاوت أهدافها بين تأمين مصالحها الاستراتيجية أو محاربة الجماعات المتطرفة.

وأكد أن إسرائيل هى أكثر المستفيدين من الفوضى فى المنطقة، خصوصاً من خلال توغلها فى مناطق استراتيجية بالعديد من البلدان سواء فلسطين أو سوريا وحتى لبنان واليمن، سعياً إلى ضمان أمنها القومى وتعزيز نفوذها، لافتاً إلى أن التطورات الحالية تشير إلى أن تفتيت الدول العربية يعود جزئياً إلى التدخلات الخارجية وانعدام الاستقرار الداخلى، وفى ظل هذه الظروف، يصبح الشرق الأوسط منطقة ملتهبة، تتطلب جهوداً مشتركة لتحقيق التماسك والاستقرار.

مقالات مشابهة

  • دبلوماسيون: مطلوب حلول سلمية تؤمِّن وحدة واستقرار الدول
  • مخططات تقسيم الشرق الأوسط: الخلافات «وقود خبيث».. وإسرائيل الرابح
  • «الشرق الأوسط».. حروب وتوترات وتفتيت لـ«الدول الوطنية»
  • باحث سياسي: الدول الغربية تسعى لدعم سوريا رغم الإرهاب
  • بشير عبدالفتاح: الدول الغربية تسعى لدعم سوريا رغم الإرهاب
  • تعرف على الدول التي تضم أطول الرجال والنساء في العالم
  • جابر المري لـ"الوفد" : حقوق الإنسان في الغرب "حبر علي ورق" و عمان تقريرها ممتاز
  • الرئيس السيسي عن البريكس: أي تعاون مع مصر فيه استفادة للطرف الآخر
  • فرضيات انهيار دول الشرق الأوسط
  • “شلقم” يحذر الدول العربية من “سقوط مأساوي”