الحفر على الخشب والموزاييك… مهن تراثية بأيدي حرفيين مهرة
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
دمشق-سانا
بمطرقة خشبية وإزميل وأدوات تنعيم بسيطة لا يزال الحرفي فضلو تاطرس يقوم بمزاولة مهنته بالحفر على الخشب وتزيينه بالرسوم والزخارف الإسلامية والعادية والحفر الإفرنجي بمهارة تلفت الأنظار وتستقطب السياح، وذلك في محله بمنطقة الدويلعة بدمشق.
وفي تصريح لمراسل سانا بين تاطرس أنه تعلم حرفة الحفر على الخشب منذ طفولته ومارسها لأكثر من 55 عاماً وطورها بإضافة الكثير من شخصيته من خلال صناعة قطع الديكورات الراقية والجذابة التي ما زالت تحتفظ بمكانتها لما تحتاجه من حرفية عالية ومخيلة واسعة ودقة في العمل، لنحت ما هو مميز لتبدو المنحوتات كأنها لوحات مرسومة بيد فنان ماهر.
وأوضح تاطرس أن مهنته تحتاج للوقوف طويلاً أثناء العمل لكن متعته بالحفر على الخشب وحبه لمهنته دفعاه ليعمل لأكثر من عشر ساعات يومياً، وعلى مدى سنوات طويلة، لافتاً إلى أن الطرق على الخشب بات بالنسبة له “السمفونية التي يستمتع بها”.
ويعتمد تاطرس في عمله على أنواع متعددة من أخشاب شجر الجوز والمشمش والصفصاف والزان ويفضل النحت على خشب الجوز لزخرفة النقوش الإسلامية والأشكال الهندسية والتطعيم والتنزيل على الخشب مضيفاً: “ساعدتني هذه الحرفة على نفقات الحياة مثل تكاليف الزواج وتعليم الأولاد بالجامعات وتأمين مستقبلهم وتحقيق دخل مقبول لهم من صناعة مختلف الأشكال من خشب الجوز كطاولات الكراسي واللوحات وصناديق المجوهرات وعلب الضيافة وأبواب المنازل، وأقوم بصنع وتسويق منتجاتي حسب الطلب”.
من جهته يواصل فؤاد عربش العمل بحرفة الموزاييك التي تختص بها حارات دمشق القديمة، حيث استهوته وأحب العمل بها وتعلمها منذ صغره خلال العطلة الصيفية، ومازال مستمرا بها منذ أكثر من أربعين عاماً وقام بتعليمها لأبنائه للحفاظ عليها وفقاً لما ذكره.
وعن المواد الأولية التي تحتاجها حرفته أوضح عربش أنه يستخدم عدة أنواع من أخشاب غوطة دمشق المتدرجة الألوان كخشب الليمون والجوز والمشمش والحور والكينا والسرو وبعض المستلزمات المستوردة كخشب الورد والصدف البحري ليقوم بتصنيع العديد من الأشكال كأثاث المنزل والكراسي وعلب الضيافة والمجوهرات وغيرها.
وانحصر عمل عربش في بداية عمله بتصميم الأشكال الهندسية البسيطة ثم توسع برسوماته وتصاميمه التي كان ينفذها على شكل شرائح رقيقة يتم لصقها على القطعة التي أعدها مسبقاً، مشيراً الى أن كل قطعة موزاييك تضم مجموعة من الأخشاب لتظهر الرسومات التي تم الحفر وتنزيل الصدف عليها لإعطائها جمالية تلفت الأنظار.
وحول طريقة التسويق أشار عربش إلى أنه يشارك بالمعارض الداخلية والخارجية للتعريف بحرفة الموزاييك التي تختص بها مدينة دمشق لتسويق منتجاته التي يحملها المغتربون والسياح إلى بلدانهم كتذكار وللتعريف بالهوية التراثية لمدينة دمشق.
سكينة محمد وأمجد الصباغ
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: على الخشب
إقرأ أيضاً:
مداخن الملح في البحر الميت.. إنذار مبكر للانهيارات الأرضية بالأردن
إذا قمت بتسخين وعاء من الماء المغلي على النار، ثم وضعت فيه أنبوبا رفيعا، سيخرج منه بخار ساخن يتصاعد بسرعة نحو الهواء. مع الفارق، يمكن أن يكون هذا التشبيه مفيدا لفهم الاكتشاف العلمي غير المسبوق لـ "المداخن الملحية" في البحر الميت.
وهذه المداخن التي اكتشفها فريق بحثي من مركز هيلمهولتز للأبحاث البيئية في ألمانيا، عبارة عن تركيبات جيولوجية فريدة تتشكل نتيجة تصاعد سائل مالح للغاية من أعماق الأرض على هيئة أعمدة تشبه الدخان الأبيض، ولكن، في هذه الحالة، السائل ليس بخارا، بل محلول ملحي كثيف يتبلور فور خروجه إلى مياه البحر الميت المشبعة بالأملاح.
وهذا الاكتشاف، الذي نشر في دورية "ساينس أوف ذا توتال إنفايرومنت"، يعد خطوة هامة لفهم العمليات الجيولوجية في واحدة من أكثر البيئات قسوة على كوكب الأرض، كما يعد مؤشرا على ظاهرة أخطر وهي "الحفر الانهيارية".
وتعتبر المداخن الملحية ظاهرة فريدة ترتبط بتفاعلات تحت سطحية في قاع البحر الميت، الذي يعد بحيرة ملحية مغلقة تقع في منطقة الصدع العظيم بين الأردن والضفة الغربية وإسرائيل.
الجانب الأردني من البحر الميت (بيكسابي) مداخن الملحوتم اكتشاف هذه المداخن بواسطة فريق بحثي يقوده العالم كريستيان سيبرت، أستاذ الهيدرولوجيا بمركز هيلمهولتز للأبحاث البيئية، الذي قاد عمليات استكشاف في قاع البحر الميت لدراسة هذه الظاهرة الفريدة، معتمدا على أسلوب "غوص السكوبا"، وفيه يستخدم الغواص جهاز تنفس مستقل يحتوي على الهواء المضغوط، مما يسمح له بالتنفس تحت الماء لفترات أطول مقارنة بالغوص العادي.
ولم تكن هناك أي مؤشرات جيوفيزيائية سابقة على وجود هذه المداخن، مما يجعل هذا الاكتشاف جديدا تماما على المجتمع العلمي، كما قال سيبرت في تصريحات خاصة للجزيرة نت.
وبالإضافة إلى الغوص، استخدم الفريق أدوات تكنولوجية متقدمة مثل القوارب المسيرة السطحية المجهزة بـ"سونار الجوانب"، وأجهزة قياس الأعماق لرسم خرائط تفصيلية لقاع البحر، ومن خلال هذه التقنيات، تمكن الباحثون من تحديد عدة مواقع تحتوي على المداخن الملحية حول موقع الدراسة، كما أوضح في تصريحاته.
مجموعات من المداخن الملحية التي تشكلت في أعماق البحر الميت (ساينس أوف ذا توتال إنفايرومنت) عملية جيوفيزيائية في الأعماقوتشكلت المداخن الملحية نتيجة لعملية جيوفيزيائية تحدث في أعماق البحر الميت، فالمياه الجوفية المالحة التي تحتوي على أملاح معدنية ذائبة تتسرب عبر الشقوق في قاع البحر، وعندما تلامس هذه المياه السطحية الباردة، مياه البحر الميت، تتبلور المعادن المذابة، مما يؤدي إلى تراكمها على شكل أعمدة ملحية.
وكمية المياه المتسربة التي تساعد على تشكيل هذه المداخن ليست كبيرة بما يكفي لتؤثر على التركيب الكيميائي للبحر الميت بشكل كبير، إلا أن العلماء لا يستبعدون أن تؤدي الكميات الأكبر من المياه المتسربة مستقبلا إلى تغيير في توازن الأملاح في البحر، كما يوضح سيبرت.
ويضيف أن "الأمر الأخطر هو أن هذه المداخن تكون مؤشرا على ظاهرة أخطر تؤثر على البنية التحتية وهي الحفر الانهيارية".
وتكمن أهمية المداخن الملحية في العلاقة بينها وبين تشكيل الحفر الانهيارية في منطقة البحر الميت، التي تؤشر على زيادة احتمالات الانهيارات الأرضية، وهي واحدة من أهم النقاط التي تناولتها الدراسة.
تؤشر مداخن الملح على ارتفاع احتمالات الانهيارات الأرضية (مركز هيلمهولتز للأبحاث البيئية) الحفر الانهياريةويقول سيبرت في تصريحه للجزيرة نت "المداخن الملحية تشير إلى عملية تسرب المياه المالحة من الجوف إلى سطح القاع، وهي العملية نفسها المسؤولة عن تكون الحفر الانهيارية، لذلك، فإن المداخن تعتبر علامة تحذيرية على حدوث تآكل في المواد الجيولوجية أسفل قاع البحر، وهو ما يؤدي إلى تكون الحفر الانهيارية".
ويشرح سيبرت هذه العلاقة موضحا أن "الحفر الانهيارية هي أخاديد أو فجوات تنشأ نتيجة لذوبان الصخور تحت الأرض بسبب تسرب المياه المالحة، فعندما تختلط المياه الجوفية المالحة مع الأملاح القابلة للذوبان مثل الهاليت (الملح الصخري)، فإنها تؤدي إلى ذوبان الصخور تحت الأرض وتشكيل فراغات، ومع مرور الوقت، يمكن لهذه الفراغات أن تنهار، مما يؤدي إلى تشكل حفر انهيارية على سطح الأرض، والمداخن الملحية تكون بمثابة دليل على حدوث هذا النوع من التآكل الجيولوجي".
ويضيف أن "هذه الحفر الانهيارية تنتشر حول البحر الميت وتحدث عادة في المناطق القريبة من الشواطئ، وفي بعض الحالات، يمكن أن تظهر في المناطق البعيدة عن البحر، حيث قد يمتد تأثير تسرب المياه المالحة على بعد عدة مئات من الأمتار".
تحديات تواجه البنية التحتيةوتعد " الحفر الانهيارية"، من أكبر التحديات في منطقة البحر الميت لتأثيرها على البنية التحتية والزراعة في المنطقة.
ويقول سيبرت "من المستحيل منع هذه الظاهرة تماما لأنها عملية طبيعية، لكن الطريقة الوحيدة للحد من تأثيراتها هي رفع مستوى البحر الميت، فإذا تم رفع منسوب المياه، فإن ذلك سيمنع تسرب المياه الجوفية إلى قاع البحر، وبالتالي يقلل من تآكل الصخور تحت الأرض".
إلى جانب ذلك، هناك إجراءات وقائية يمكن اتخاذها في المستقبل، مثل مراقبة هذه الظاهرة باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل الرسم الخرائطي عالي الدقة باستخدام أجهزة السونار والأجهزة الموجهة تحت الماء.
وفي الوقت الحالي، يسعى الفريق البحثي لتقديم طلبات تمويل لاستكمال الدراسات على هذه المداخن الملحية.
ويقول سيبرت: "البحث في هذا المجال يتطلب تقنيات مكلفة لدراسة المياه الجوفية والتفاعلات الكيميائية التي تحدث في أعماق قاع البحر الميت، ومع تقدم الأبحاث، قد تسهم هذه الدراسات في تقديم حلول تقنية للتخفيف من المخاطر المتعلقة بالحفر الانهيارية، وتوفير حماية أفضل للسكان والمزارع والبنية التحتية في المنطقة".