السياسة العمانية والقضية الفلسطينية
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
هناك ضغوطات كثيرة مورست على الحكومة العُمانية، فيما يخص القضية الفلسطينية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، منها المعلنة ومنها الخفية، لكن الموقف العُماني تجاه القضية الفلسطينية ثابت وأصيل وداعم بقوة لحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، التي ينعمون فيها بالأمن والأمان.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي تجلت المواقف العُمانية رسميًا وشعبيًا على أكثر من صعيد، حيث أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - خلال افتتاح دور الانعقاد السنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان، أنه يتابعُ بكلّ أسى ما يتعرض له الأشقاء في فلسطين المحتلة، من عدوان إسرائيلي غاشم، وحصار جائر؛ مكررًا التأكيد «على مبادئنا الثابتة لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية»، وهو الموقف الذي سبق أن أكده جلالة السلطان المعظم، يوم الأربعاء العاشر من أكتوبر الماضي، بعد انطلاق عملية «طوفان الأقصى» بثلاثة أيام فقط، خلال اجتماع مجلس الوزراء، حيث أكد تضامن سلطنة عُمان مع الشعب الفلسطيني، «ودعم جميع الجهود الداعية لوقف التصعيد والهجمات على الأطفال والمدنيين الأبرياء، وإطلاق سراح السجناء وفقًا لمبادئ القانون الإنساني الدولي، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته لحماية المدنيين وضمان احتياجاتهم الإنسانية ورفع الحصار غير المشروع على غزة وباقي الأراضي الفلسطينية».
وتنفيذًا لتوجهات جلالة السلطان المعظم واتساقًا مع السياسة العمانية المؤيدة للقضية الفلسطينية، دعا معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية المجتمع الدولي إلى إجراء تحقيق مستقلّ حول العدوان الإسرائيلي ومحاكمته على استهدافه المتعمّد للمدنيين في قطاع غزة ومنشآتهم وحرمانهم من احتياجاتهم الإنسانية وتجويعهم وإخضاعهم للحصار والعقاب الجماعي، وضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف الحرب على غزة، وردع إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي، في تصريح لوكالة الأنباء العمانية اعتُبر الأقوى بين التصريحات العربية.
وقد تناولت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أحداث غزة في خمس خطب متتالية، مع إقامة صلاة الغائب على أرواح الشهداء الفلسطينيين، وكانت الخطبة الأخيرة عن المسجد الأقصى وارتباطه بالمسجد الحرام، وعن ضرورة ربط النشء بهذا المسجد؛ فيما انطلقت مسيرات تأييد للفلسطينيين في أكثر من منطقة في عُمان. (والمؤسف أن يستغل الذباب الإلكتروني تلك المسيرات ويفبرك فيها بعض الأصوات، للإيهام بأنّ هناك تدخلًا في شؤون الدول الأخرى التي طبّعت مع الكيان الصهيوني، وهذه حجة الضعيف دائمًا).
لم يكن مجلس الشورى العماني بعيدًا عن الحدث؛ إذ حيا الموقف الصامد للشعب الفلسطيني أمام العدوان الصهيوني وآلته التدميرية، وركز في بيان له «على ضرورة تبني الإعلام العالمي -الغربي خاصة- تحرّي الدقة والموضوعية في نقل الأحداث، والحيادية في نقل الصورة الواقعية للانتهاكات الصهيونية على أهلنا في الأراضي الفلسطينية». ووصف المجلس ما يقوم به الكيان الصهيوني من اعتداء على المدنيين بأنه خرق سافر للقيم الإنسانية والقوانين والمواثيق الدولية، «وما يُثير التعجب والاستغراب أن تحدث جميع هذه الجرائم تحت مرأى ومسمع العالم والمنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة دون أن تحرّك ساكنًا، وهو ما يمثل ازدواجًا للمعايير التي تساوي بين الجلاد والضحية، وهو ما ينذر بفقد ثقة الشعوب بهذه المنظمة والقوانين والمواثيق الدولية، وما سينتج عن ذلك من فوضى واختلال في النظام العالمي».
وإذا كنتُ قد تحدثتُ عن الموقف العُماني الرسمي من القضية الفلسطينية فلا يمكن أن أتجاهل موقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عُمان، الذي وقف مع القضية دائمًا وأبدًا؛ فهو منذ السابع من أكتوبر الماضي، بارك عملية «طوفان الأقصى»، ودعا أكثر من مرة إلى مساندة المرابطين في غزة، ومدّهم بالمساعدات، وإنقاذهم من جبروت الطغيان الصهيوني، وأصبح سماحة الشيخ الخليلي بتغريداته نجمًا في وسائل الإعلام العالمية، التي تنقل رأيه أولًا بأول؛ إذ سجّل حضوره القوي في هذه الوسائل، ولقي التأييد الكبير من المؤيدين لرأيه، فيما أغاظ الآخرين ممن يختلفون مع نهج المقاومة، وهم الذين وصفهم بـ«الذين أفرزتهم السياسات المنحرفة، الذين لم يكتفوا بتثبيط المجاهدين، بل كالوا التهم للمجاهدين الأحرار في فلسطين»، وأنّ هناك «بونًا شاسعًا بينهم وبين مواقف المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في العالم الغربي، الذين خرجوا بمسيرات مساندة، وأبدوا إعجابًا بالمجاهدين في غزة وأنحاء فلسطين».
في الواقع فإنّ موقف سماحة الشيخ الخليلي المؤيد للمقاومة، سبق «طوفان الأقصى» بكثير؛ فهو يؤمن بأنّ المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة فلسطين، «وكلّ مسار آخر مرفوض، وكلّ الاتفاقيات لم تجدِ نفعا، وإنما هي استهلاك للوقت» -كما ذكر لعلي الظفيري في قناة الجزيرة- ومما قاله عن مواقفه تجاه القضية الفلسطينية: «هذه المواقف أنا أدين لله بها»، وقد سبق أن غرّد في عام 2021 أنّ «المقاومة الباسلة ببطولتها النادرة، وتضحياتها العظيمة، وخططها الموفقة، غسلت عن جبين هذه الأمة عارًا تلطخت به ردحًا من الزمن، فتمرغت في أوحال الذل، وتساقطت في دركات الهون». وفي تغريدة أخرى قال: «من أسوأ ما وقعت فيه الأمة تخاذلها عن الدفاع عن مقدساتها في أرض الإسراء والمعراج وترك تعاونها على تحريرها». وقد وجه إليه المناضل يحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة تحية في خطاب جماهيري متلفز وحيّاه على «مواقفه المشرفة، وتعبيره الدقيق والمؤمن عن قضايانا الإسلامية الحقيقية». يرى المكرم عوض باقوير في تقرير نشره الكاتب كمال صالح في موقع «الخليج أونلاين» أنّ مواقف سماحة الشيخ الخليلي حول القضية الفلسطينية والقضايا الإسلامية، التي أصبحت مثار إشادة ومتابعة على صعيد العالم الإسلامي، تعكس حرص سماحته على تبصير المسلمين بمركزية القضية الفلسطينية وفي القلب منها القدس الشريف ومسجدها الأقصى المبارك.
وهكذا؛ فمنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، سارعت سلطنة عُمان، حكومةً وشعبًا، لمساندة فلسطين، وفتحت الجمعيات الخيرية أبوابها للتبرع للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فيما قامت وسائل الإعلام العمانية المختلفة بدور بارز في تغطية أحداث غزة، وعبّر الكتّاب عن رأيهم وتأييدهم لأشقائهم بكلّ جرأة وحرية، وأجادت قرائح الشعراء العمانيين بالقصائد تأييدًا لأشقائهم.
إذا كانت هناك متغيرات كثيرة على أرض الواقع، وإذا كانت هناك ضغوطات على الحكومة العمانية، فإنّ الموقف الثابت من تلك القضية ينبع من الداخل العُماني، وهو ما ينسجم بين توجهات الحكومة والشعب، ويبقى أنّ الدعم الشعبي هو أكبر مساند للحكومة ضد كلّ المتغيرات والضغوطات التي قد تتعرض لها حكومة سلطنة عمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة سماحة الشیخ سلطنة ع
إقرأ أيضاً:
يوسف ندا.. رجل السياسة والمال
سياسي مخضرم ترك بصمة في أحداث عربية تاريخية، وأسس إمبراطورية مالية ضخمة وعابرة للحدود، اصطدم بأسرة بوش فاتهموه بتمويل الإرهاب. يوسف ندا ولد في الإسكندرية عام 1931، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1948. رجل السياسة والمال كان من أهم رموز الدعوة والسياسة؛ تأثر في شبابه بتوجيهات مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا، وتبنّى في حياته كثيرًا من توجهاته الفكرية والعقائدية. مسيرته النضالية بدأت في عهد الاحتلال البريطاني إذ شارك في حرب القناة في الخمسينيات، ثم اعتقله النظام المصري عام 1954 في خضم حملة قمع تعرض لها الإخوان، وأطلق سراحه بعد عامين لكنه ظل في صراع مع السلطة، واتسمت حياته خارج السجن بالتضييق الأمني الشديد فصادرت السلطات أمواله وجمّدت أرصدته وقيدت تحركاته.
25/12/2024